مشاهدة النسخة كاملة : ميزة شهر رمضان وفضائل الصيام وفوائده وآدابه


فريق منتدى الدي في دي العربي
06-08-2016, 09:09 PM
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>


❀❀ميزة شهر رمضان وفضائل الصيام وفوائده وآدابه❀❀

الحمدُ لله ذي المَنِّ والتوفيقِ والإنعام، شَرَعَ لعِبادِه شَهْرَ رمضان للصيام والقيام، مرَّةً واحدةً كُلَّ عام، وجَعَلَهُ أحَدَ أركانِ الإسلام ومَبانيهِ العِظام، ومُطهِّرًا للنفوس مِن الذنوب والآثام، والصلاةُ والسلامُ على مَنِ اختارَهُ اللهُ لبيانِ الأحكام، واصطفاهُ لتبليغِ شَرْعِه للأنام؛ فكان خَيْرَ مَنْ قام وصَام، وَوَفَّى واستقام، وعلى آله الأصفياء وصحابتِه الكِرام، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ على الدوام، أمَّا بعد:
فلقد فَرَضَ اللهُ تعالى الصيامَ على جميعِ الأُمَمِ وإِنْ اختلفَتْ بينهم كيفيتُه ووقتُه، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ٣﴾ [البقرة]، وفي السَّنَةِ الثانية مِن الهجرة أَوْجَبَ اللهُ تعالى صيامَ رمضان وجوبًا آكدًا على المسلم البالغ، فإِنْ كان صحيحًا مُقيمًا وَجَبَ عليه أداءً، وإِنْ كان مريضًا وَجَبَ عليه قضاءً، وكذا الحائض والنُّفَساء، وإِنْ كان صحيحًا مُسافرًا، خُيِّرَ بين الأداءِ والقضاء، وقَدْ أَمَرَ تعالى المُكلَّفَ أَنْ يصوم الشهرَ كُلَّه مِنْ أوَّلِهِ إلى مُنْتهاهُ، وحدَّد له بدايتَه بحدٍّ ظاهرٍ لا يخفى عن أحَدٍ، وهو رؤيةُ الهلال أو إكمالُ عِدَّةِ شعبانَ ثلاثين يومًا؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»(١)، كما حدَّد له بدايةَ الصومِ بحدودٍ واضحةٍ جَليَّةٍ، فجَعَلَ سبحانه بدايةَ الصومِ بطلوع الفجر الثاني، وحدَّد نهايتَه بغروب الشمس في قوله تعالى: ﴿وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ﴾ [البقرة: ١٨٧]، وبهذه الكيفيةِ والتوقيتِ تَقرَّرَ وجوبُه حتميًّا في قوله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وصارَ صومُه ركنًا مِن أركانِ الإسلام، فمَنْ جَحَدَ فرضيته وأَنْكَرَ وجوبَه فهو مُرْتَدٌّ عن دِينِ الإسلام، يُسْتتابُ فإِنْ تابَ وإلَّا قُتِلَ كُفْرًا، ومَن أَقَرَّ بوجوبه، وتَعَمَّدَ إفطارَه مِنْ غيرِ عُذْرٍ فقَدِ ارتكب ذَنْبًا عظيمًا وإثمًا مُبينًا يَسْتَحِقُّ التعزيرَ والردع.
هذا، وشهرُ رمضان مَيَّزَهُ اللهُ تعالى بميزاتٍ كثيرةٍ مِنْ بَيْنِ الشهور، واختصَّ صيامَه عن الطاعات بفضائلَ مُتعدِّدةٍ، وفوائدَ نافعةٍ، وآدابٍ عزيزةٍ.
«۩☼۩ «ميزة شهر رمضان» ۩☼۩»

ومِنْ ميزةِ هذا الشهرِ العظيمِ ما يلي:
• صوم رمضان: هو الركن الرابع مِنْ أركانِ الإسلام ومَبانيهِ العِظام؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ»(٢)، وهو معلومٌ مِن الدِّينِ بالضرورة وإجماعِ المسلمين على أنَّه فرضٌ مِنْ فروضِ الله تعالى.
• إيجابُ صيامِه على هذه الأُمَّةِ وجوبًا عينيًّا؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ﴾ [البقرة: ١٨٥].
• وإنزال القرآنِ فيه لإخراجِ الناس مِن الظلمات إلى النور، وهدايتِهم إلى سبيل الحقِّ وطريقِ الرشاد، وإبعادِهم عن سُبُلِ الغَيِّ والضلال، وتبصيرِهم بأمور دِينِهم ودُنْياهُمْ، بما يَكْفُلُ لهم السعادةَ والفلاحَ في العاجلةِ والآخرة، قال تعالى: ﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِ﴾ [البقرة: ١٨٥].
• ومنها: أنَّه تُفتَّحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ لكثرةِ الأعمال الصالحةِ المشروعةِ فيه المُوجِبةِ لدخول الجَنَّة، وأنَّه تُغْلَقُ فيه أبوابُ النارِ لقِلَّةِ المَعاصي والذنوب المُوجِبةِ لدخول النار.
• وأنَّه فيه تُغَلُّ وتُوثَقُ الشياطينُ؛ فتعجزُ عن إغواءِ الطائعين، وصَرْفِهِم عن العمل الصالح، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ»(٣).
• ومنها: أنَّ لله تعالى في شهر رمضان عُتَقَاءَ مِن النار؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ للهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ»(٤).
• ومنها: أنَّ المغفرة تحصل بصيامِ رمضان بالإيمان الصادق بهذه الفريضة، واحتسابِ الأجر عليها عند الله تعالى؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(٥).
• ومنها: أنَّه تُسَنُّ فيه صلاةُ التراويح، اقتداءً بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الذي رَغَّبَ في القيام بقوله: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(٦).
• ومنها: أنَّ فيه ليلةً هي خيرٌ مِنْ ألف شهرٍ، وقيامها مُوجِبٌ للغفران؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ»(٧)، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(٨).
• ومنها: أَنَّ صيام رمضان إلى رمضان تكفيرٌ لصغائرِ الذنوب والسَّيِّئات وكبائرها(٩)؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ»(١٠).
وفضلًا عن ذلك، فإنَّ مِنْ أَبْرَزِ الأحداثِ النافعة الأخرى الحاصلةِ في رمضان: غزوةَ «بدرٍ الكبرى» التي فرَّق اللهُ فيها بين الحقِّ والباطل؛ فانتصر فيها الإسلامُ وأهلُه، وانهزم الشركُ وأهلُه، وكان هذا في السَّنَةِ الثانيةِ للهجرة، كما حَصَلَ فيه فتحُ مكَّة، ودَخَلَ الناسُ في دِينِ الله أفواجًا، وقُضِيَ على الشرك والوثنية بفضلِ الله تعالى؛ فصارَتْ مكَّةُ دارَ الإسلام، بعد أَنْ كانَتْ مَعْقِلَ الشركِ والمشركين، وكان ذلك في السَّنَةِ الثامنةِ للهجرة، كما انتصر المسلمون في رمضان مِنْ سنة (٥٨٤ﻫ)، في معركةِ «حِطِّين»، واندحر الصليبيون فيها(١١)، واستعاد المسلمون بيتَ المقدس، وانتصروا ـ أيضًا ـ على جيوش التَّتَارِ في «عين جالوت»، حيث دارَتْ وقائعُ هذه المعركةِ الحاسمة في شهر رمضان في سنة (٦٥٨ﻫ)(١٢).
هذا مُجْمَلُ ميزةِ شهرِ رمضان، وفضائلِه العديدة، وبركاتِه الكثيرة، والحمدُ لله ربِّ العالَمِين.
«۩☼۩ «فضائل الصيام» ۩☼۩»

أمَّا فضائلُ الصيامِ فمُتعدِّدةٌ منها:
• تُضاعَفُ فيه الحسناتُ مُضاعَفةً لا تَنْحصِرُ بعددٍ، بينما الأعمالُ الأخرى تُضاعَفُ الحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سبعمائة ضِعفٍ؛ لِمَا رواهُ الشيخان مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»(١٣))؛ فيَتَجلَّى مِنْ هذا الحديثِ أنَّ الله اختصَّ الصِّيامَ لنَفْسِه عن بقيَّةِ الأعمال، وخصَّهُ بمُضاعَفةِ الحسنات ـ كما تَقدَّمَ ـ وأنَّ الإخلاص في الصيامِ أَعْمَقُ فيه مِنْ غيره مِن الأعمال؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تَرَكَ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي»(١٤))، كما أنَّ الله سبحانه وتعالى يَتَوَلَّى جزاءَ الصائم الذي يحصل له الفرحُ في الدنيا والآخرة، وهو فرحٌ محمودٌ؛ لوقوعه على طاعةِ الله تعالى، كما أشارَتْ إليه الآيةُ: ﴿قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ﴾ [يونس: ٥٨]، كما يُسْتفادُ منه أنَّ ما يَنْشَأُ عن طاعةِ الله مِنْ آثارٍ فهي محبوبةٌ عند الله تعالى على نحوِ ما يحصل للصائم مِنْ تَغيُّرِ رائحةِ فَمِهِ بسبب الصيام.
• ومِنْ فضائل الصيام: أنَّه يَشْفَعُ للعبد يوم القيامة، ويَسْتُرُهُ مِن الآثام والشهوات الضارَّة، ويَقيهِ مِنَ النار؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ القُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ»، قَالَ: «فَيُشَفَّعَانِ»(١٥)، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ»(١٦).
• ومِنْ فضائله: أنَّ دُعاءَ الصائمِ مُسْتجابٌ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «...وَإِنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً»(١٧)، وقد جاء في أثناءِ ذِكْرِ آيات الصيام ترغيبُ الصائم بكثرة الدعاء في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: ١٨٦].
• ومِنْ فضائل الصيام: أنَّه مُوجِبٌ لإبعادِ النار عن الصائم يوم القيامة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا بَاعَدَ اللهُ بِذَلِكَ اليَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»(١٨).
• كما أنَّ مِنْ فضائله: اختصاصَ الصائمين ببابٍ مِنْ أبواب الجنَّةِ يدخلون منه دون غيرهم؛ إكرامًا لهم وجزاءً على صيامهم؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ»(١٩)، وفي ذِكْرِ بعضِ هذه الخصائصِ والفضائلِ ما يُؤْذِنُ على الكُلِّ.
«۩☼۩ «فوائد الصيام» ۩☼۩»

أمَّا فوائدُ الصومِ فعظيمةُ الآثارِ في تطهيرِ النفوس، وتهذيبِ الأخلاق، وتصحيحِ الأبدان، فمنها:
• أنه يُعوِّدُ النفسَ على الصبر والتحمُّلِ على تَرْكِ مألوفِه، ومُفارَقةِ شهواته عن طواعيةٍ واختيارٍ، بحيث يَكْبَحُ جِمَاحَ شَهْوَتِهِ، وَيَغْلِبُ نَفْسَه الأمَّارَةَ بالسُّوء؛ فيَحْبِسُها عن الشهوات لتَسْعَدَ لطَلَبِ ما فيه غايةُ سعادتها وقَبولِ ما تَزْكُو به ممَّا فيه حياتُها الأبدية؛ فيُضيِّقُ مَجاريَ الشيطانِ بتضييقِ مَجاري الطعام والشراب، ويُذكِّرُ نَفْسَه بما عليه أحوالُ الجائعين مِن المساكين؛ فيتركُ المحبوباتِ مِنَ المُفَطِّرات لِمَحَبَّةِ ربِّ العالَمِين، وهذا السِّرُّ بَيْنَ العبد ومعبودِه هو حقيقةُ الصيام ومقصودُه.
• ومنها: أنَّه يُرقِّقُ القلبَ ويُليِّنُه لذِكْرِ الله فيُسهِّلُ له طريقَ الطاعات.
• ومِنْ فوائد الصيام: أنَّه مُوجِبٌ لتَقْوَى الله في القلوب، وإضعافِ الجوارح عن الشهوات، قال تعالى: ﴿لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ٣﴾ [البقرة]، في مَعْرِضِ إيجابِ الصيام؛ لأنَّه سببٌ للتَّقوى لتضييقِ مَجاري الشهوات وإماتتها؛ إذ كُلَّما قَلَّ الأكلُ ضَعُفَتِ الشهوةُ، وكُلَّما ضَعُفَتِ الشهوة قَلَّتِ المَعاصي.
ومِنْ فوائده الطبِّيَّة: صحَّةُ البدن؛ لأنَّه يَحْمِي مِنِ اختلاط الأطعمة المسبِّبةِ للأمراض ويحفظ ـ بإذن الله ـ الأعضاءَ الظاهرة والباطنةَ كما قرَّرهُ الأطبَّاءُ.
«۩☼۩ «آداب الصيام» ۩☼۩»

للصيام آدابٌ ينبغي التحلِّي بها ليحصلَ التوافقُ مع أوامر الشَّرْعِ، ويُرتَّبَ عليه مقصودُه منه، تهذيبًا للنَّفس وتزكيتها، فيجتهدُ الصائمُ في أدائها كاملةً، والمُحافَظةِ عليها تامَّةً؛ إذ كمال صيامه موقوفٌ عليها، وسعادتُه منوطةٌ بها، فمِنْ هذه الآدابِ الشرعية التي يُراعيها في صيامه:
أوَّلًا: استقبالُ شهرِ رمضانَ بالفرح والغِبْطةِ والسرور؛ لأنَّه مِنْ فضلِ الله ورحمته على الناس بالإسلام، قال تعالى: ﴿قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ ٨﴾ [يونس]، ويحمد اللهَ على بلوغه، ويَسْألُ اللهَ تعالى إعانَتَه على صيامه، وتقديمِ الأعمالِ الصالحة فيه، كما يُسْتَحَبُّ له الدعاءُ عند رؤيةِ أيِّ هلالٍ مِنَ السَّنَةِ؛ لحديثِ عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا رأى الهلالَ قال: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللهُ»(٢٠)، على أَنْ لا يَسْتقبِلَ الهلالَ عند الدعاء، ولا يَرْفَعَ رأسَه إليه، ولا يَنْتصِبَ له، وإنَّما يَسْتقبِلُ بالدعاء القِبْلةَ.
ثانيًا: ومِنَ الآداب المُهِمَّةِ أَنْ لا يصوم قبل ثبوتِ بدايةِ الشهر على أنَّه مِنْ رمضان، ولا يصومَ بعد نهايته على أنَّه منه؛ فالواجبُ أَنْ يصومه في وقته المحدَّدِ شرعًا؛ فلا يَتقدَّمُ عليه ولا يَتأخَّرُ عنه؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ»(٢١)، وفي قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا»(٢٢)).
ثالثًا: المُداوَمةُ على السَّحور لبركته، واستحبابُ تأخيره؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً»(٢٣)، وقد وَرَدَ في فضلِه وبركتِه ـ أيضًا ـ قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «البَرَكَةُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الجَمَاعَةِ وَالثَّرِيدِ وَالسَّحُورِ»(٢٤)، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى المُتَسَحِّرِينَ»(٢٥)، وقد جَعَلَهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عبادةً يتميَّزُ بها أهلُ الإسلام عن أهل الكتاب، فقال: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ»(٢٦). والأفضلُ أَنْ يَتسحَّرَ الصائمُ بالتَّمْر؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «نِعْمَ سَحُورُ المُؤْمِنِ التَّمْرُ»(٢٧)، فإِنْ لم يَتَيَسَّرْ له التمرُ تَحَقَّقَ سحورُه ولو بِجرْعَةٍ مِنْ ماءٍ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ»(٢٨).
ويبدأ وقتُ السَّحورِ قُبَيْلَ الفجر، وينتهي بتَبيُّنِ الخيط الأبيض مِن الخيطِ الأسود مِن الفجر، وإذا سَمِعَ النداءَ والإناءُ على يده، أو كان يأكل؛ فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ حاجتَه منهما، ويَسْتكمِلَ شرابَه وطعامَه؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ»(٢٩)؛ ففي هذه الرُّخصةِ الواردةِ في الحديثِ إبطالٌ لبدعةِ الإمساكِ قبل الفجر بنحوِ عَشْرِ دقائقَ أو ربعِ ساعةٍ. وإلزامُ التعبُّدِ بتوقيتِ الإمساكيةِ الموضوعةِ بدَعْوَى خشيةِ أَنْ يُدْرِكَ الناسَ أذانُ الفجرِ وهُمْ على سحورهم لا أصلَ له في أحكام الشريعة وآدابِها.
هذا، ويُسْتَحَبُّ تأخيرُ السحور؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُعَجِّلَ إِفْطَارَنَا، وَنُؤَخِّرَ سَحُورَنَا، وَنَضَعَ أَيْمَانَنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلَاةِ»(٣٠).
وكان بين فراغه صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ السحور ودخوله في الصلاة قَدْرُ خمسين آيةً مُتوسِّطةً(٣١)؛ فقَدْ روى أَنَسٌ عن زيد بنِ ثابتٍ رضي الله عنه قال: «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ»، قُلْتُ: «كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ(٣٢)) وَالسَّحُورِ؟» قَالَ: «قَدْر خَمْسِينَ آيَةً»(٣٣).
وكان دَأْبُ الصحابةِ رضي الله عنهم تأخيرَ السحور؛ فعن عمرِو بنِ ميمون الأوديِّ قال: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم أَسْرَعَ النَّاسِ إِفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سَحُورًا»(٣٤).
رابعًا: المُحافَظةُ على تعجيلِ الفِطْرِ لإدامةِ الناسِ على الخير؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»(٣٥)، وقولِه عليه الصلاةُ والسلام: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى سُنَّتِي مَا لَمْ تَنْتَظِرْ بِفِطْرِهَا النُّجُومَ»(٣٦)، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الفِطْرَ؛ لأَنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ»(٣٧)، وقد بيَّن النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم معنى هذا التعجيلِ في قوله: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا ـ من جهة الشرق ـ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ؛ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»(٣٨).
يتبع.........

Adsense Management by Losha