مشاهدة النسخة كاملة : شَهْرٌ تُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ.. فُرْصَةٌ لك يا باغي الخير


ياهو مكتوب الأردن
06-10-2016, 09:42 AM
شَهْرٌ تُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ.. فُرْصَةٌ لك يا باغي الخير 5/9/1437هـ
أيها الإخوة: أبارك لكم بشهر رمضان ونحمد الله تعالى أن سلمنا إلى رمضان ونسأله أن يُسَلِمُ لنا رمضان ويتسلمه منا متقبلا.. وأن يعيده علينا وعلى أمة الإسلام أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن والأمة بحياة سعيدة..
أيها الأحبة: كانت بشارة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم في رمضان بشارةٌ بخير عظيم، وذلك لما اختص الله تعالى به هذا الشهر من خير، ففيه تفتحُ أبوابُ خيرٍ كثيرة وتغلقُ أبوابُ شرٍ كثيرة، وقد حدث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم بما نقله عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ."رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح الإسناد. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ. صحيح مسلم وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
أحبتي: من خصائص هذا الشهر الكريم التي بشر بها المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنها تُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ وفي رواية: وتُغَلُّ فِيْهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينُ، وفي حديث آخر: وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ.. وفي رواية: "وسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ".
قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ وَيُنَادِي مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ هَلُمَّ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ». رواه النسائي قال الألباني صحيح لغيره وفي رواية قال «فِي رَمَضَانَ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ وَيُصَفَّدُ فِيهِ كُلُّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ وَيُنَادِي مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ يَا طَالِبَ الْخَيْرِ هَلُمَّ وَيَا طَالِبَ الشَّرِّ أَمْسِكْ» رواه النسائي وقال الألباني صحيح الإسناد. وفي رواية عند الترمذي وابن ماجة وحسنها الألباني "الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ"..
وهنا سؤال منهم الشياطين وما المقصود بغلهم وتصفيدهم وسلسلتهم.؟ يجيب على ذلك أهل العلم قالوا: الشيطان في لغة العرب يطلق على كل عاتٍ متمرد، وقد أطلقَ على هذا المخلوق لعتوّه وتمرده على ربّه شيطان.. وأطلقَ عليه لفظ "الطاغوت" فقال: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِيس سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76]. وهذا الاسم معلوم عند غالبية أمم الأرض باللفظ نفسه، وإنما سمي طاغوتاً لتجاوزه حده، وتمرده على ربه، وتنصيبه نفسه إلهاً يعبد.
وقد يئس هذا المخلوق من رحمة الله، ولذا أسماه الله إبليس. والَبَلَس في لغة العرب: من لا خير عنده، وأبلس: يئس وتحيّر.. وعالم الشياطين والجن محجوبان عنا، لا تدركهما أبصارنا، ولكنهما عالمان مختلفان في أصلهما وصفاتهما.
والمقصود بالتصفيد الشياطين وغلهم: تصفيد الشياطين تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات، وقال الزين بن المنير: أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت، ولا وجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره..
وقال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: في بعض روايات الحديث: "وَتُصَفَّدُ فِيْهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينُ" أو "تُغَلُّ" وهي عند النسائي، ومثل هذا الحديث من الأمور الغيبية التي موقفنا منها التسليم والتصديق، وأن لا نتكلم فيما وراء ذلك، فإن هذا أسلم لدين المرء وأحسن عاقبة، ولهذا لما قال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل لأبيه رحمهما الله: إن الإنسان يصرع في رمضان.! قال الإمام: هكذا الحديث ولا تَكَلَّم في هذا... ثم إن الظاهر تصفيدهم عن إغواء الناس، بدليل كثرة الخير والإنابة إلى الله تعالى في رمضان. انتهى كلامه.
وعلى هذا فتصفيد الشياطين تصفيد حقيقي الله أعلم به، ولا يلزم منه ألا يحصل شرور أو معاصي بين الناس.. والله أعلم .
فإن قلت قد تقع الشرور والمعاصي في رمضان كثيرا فلو سلسلت لم يقع شيء من ذلك. نقول: هذا في حق الصائمين الذين حافظوا على شروط الصوم وراعوا آدابه. والمقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره وقيل لا يلزم من سلسلتهم وتصفيدهم كلهم أن لا تقع شرور ولا معصية لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية. والله أعلم..
أيها الإخوة: تثبيط العباد عن العمل ورميهم بالتسويف والكسل مهمة من مهام الشيطان التي طلبها من الله تعالى لما طرده الله من رحمته بسبب عصيانه قال الله تعالى في ذلك: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ* قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأعراف:16-18] والمعنى قال الشيطان: لألزمن الصراط وأسعى غاية جهدي على صد الناس عنه، وعدم سلوكهم إياه.. ولآتينهم من جميع الجهات والجوانب، ومن كل طريق أتمكن فيه من إدراك بعض مقصودي فيهم.
ولما علم الخبيث أنهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم، وكان جازما ببذل مجهوده على إغوائهم، ظن وصدَّق ظنه فقال: (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) فإن القيام بالشكر من سلوك الصراط المستقيم، وهو يريد صدهم عنه، وعدم قيامهم به، قال تعالى: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)..
وإنما نبهنا اللّه على ما قال الشيطان وعزم على فعله، لنأخذ منه حذرنا ونستعد لعدونا، ونحترز منه بعلمنا، بالطريق التي يأتي منها، ومداخله التي ينفذ منها، فله تعالى علينا بذلك، أكمل نعمة.

Adsense Management by Losha