فريق منتدى الدي في دي العربي
06-12-2016, 01:02 AM
الأسباب والأعمال التي يضاعف بها الثواب
. العلامة: عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى
التزود بالطاعات والاستكثار من الصالحات غاية ومطلب لكل مؤمن ، ولقد سُئل الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي [1] رحمه الله عن أسباب مضاعفة ثواب الأعمال الصالحة ، فأجاب رحمه الله بجواب نفيس ؛ حيث ذكر أسباباً متنوعة لمضاعفة ثوابها ، مستدلاً بنصوص الوحيين ومراعياً مقاصد الشريعة ومصالحها [2] .
قال رحمه الله : (الجواب ؛ وبالله التوفيق : أما مضاعفة العمل بالحسنة إلى عشر أمثالها ، فهذا لا بد منه في كل عمل صالح ، كما قال تعالى : - { مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام : 160] وأما المضاعفة بزيادة عن ذلك ، وهي مراد السائل ، فلها أسباب : إما متعلقة بالعامل ، أو بالعمل نفسه ، أو بزمانه ، أو بمكانه ، وآثاره .
فمن أهم أسباب المضاعفة أن يحقق [3] العبد في عمله الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول ؛ فالعمل إذا كان من الأعمال المشروعة ، وقصد العبد به رضى ربه وثوابه ، وحقق هذا القصد بأن يجعله هو الداعي له إلى العمل ، وهو الغاية لعمله ، بأن يكون عمله صادراً عن إيمان بالله ورسوله ، وأن يكون الداعي له لأجل أمر الشارع ، وأن يكون القصد منه وجه الله ورضاه ، كما ورد هذا المعنى في عدة آيات وأحاديث ، كقوله تعالى : { إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [المائدة : 27] أي : المتقين الله في عملهم بتحقيق الإخلاص والمتابعة ، وكما في قوله لله : (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) [4] . وغيرها من النصوص .
والقليل من العمل مع الإخلاص الكامل يرجح بالكثير الذي لم يصل إلى مرتبته في قوة الإخلاص ، ولهذا كانت الأعمال الظاهرة تتفاضل عند الله بتفاضل ما يقوم بالقلوب من الإيمان والإخلاص ؛ ويدخل في الأعمال الصالحة التي تتفاضل بتفاضل الإخلاص ترك ما تشتهيه النفوس من الشهوات المحرمة إذا تركها خالصاً من قلبه ، ولم يكن لتركها من الدواعي غير الإخلاص وقصة أصحاب الغار[5] شاهد بذلك .
ومن أسباب المضاعفة وهو أصل وأساس لما تقدم : صحة العقيدة ، وقوة الإيمان بالله وصفاته ، وقوة إرادة العبد ، ورغبته في الخير ؛ فإن أهل السنة والجماعة المحضة ، وأهل العلم الكامل المفصل بأسماء الله وصفاته ، وقوة لقاء الله ، تضاعف أعمالهم مضاعفة كبيرة لا يحصل مثلها ، ولا قريب منها لمن لم يشاركوهم في هذا الإيمان والعقيدة . ولهذا كان السلف يقولون : أهل السنة إن قعدت بهم أعمالهم قامت بهم عقائدهم ، وأهل البدع إن كثرت أعمالهم ، قعدت بهم عقائدهم ، ووجه الاعتبار أن أهل السنة مهتدون ، وأهل البدع ضالون .
ومعلوم الفرق بين من يمشي على الصراط المستقيم ، وبين من هو منحرف عنه إلى طرق الجحيم ، وغايته أن يكون ضالاً متأولاً .
ومن أسباب مضاعفة العمل : أن يكون من الأعمال التي نفعُها للإسلام والمسلمين له وقعٌ وأثرٌ وغَناء ، ونفع كبير ، وذلك كالجهاد في سبيل الله : الجهاد البدني ، والمالي ، والقولي ، ومجادلة المنحرفين ؛ كما ذكر الله نفقة المجاهدين ومضاعفتها بسبعمائة ضعف .
ومن أعظم الجهاد : سلوك طرق التعلّم والتعليم ؛ فإن الاشتغال بذلك لمن صحت نيته لا يوزنه عمل من الأعمال ، لما فيه من إحياء العلم والدين ، وإرشاد الجاهلين ، والدعوة إلى الخير ، والنهي عن الشر ، والخير الكثير الذي لا يستغني العباد عنه ؛ فمن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل له به طريقاً إلى الجنة ، ومن
ذلك المشاريع الخيرية التي فيها إعانة للمسلمين على أمور دينهم ودنياهم التي يستمر نفعها ويتسلسل إحسانها ، كما ورد في (الصحيح) : (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به من بعده ، أو ولد صالح يدعو له) [6] .
ومن الأعمال المضاعفة : العمل الذي إذا قام به العبد ، شاركه فيه غيره ، فهذا أيضاً يضاعف بحسب من شاركه ، ومن كان هو سبب قيام إخوانه المسلمين بذلك العمل ؛ فهذا بلا ريب يزيد أضعافاً مضاعفة على عملٍ إذا عمله العبد لم يشاركه فيه أحد ، بل هو من الأعمال القاصرة على عاملها ، ولهذا فضّل الفقهاء الأعمال المتعدية للغير على الأعمال القاصرة . ومن الأعمال المضاعفة إذا كان العمل له وقع عظيم ، ونفع كبير ، كما إذا كان فيه إنجاء من مهلكة وإزالة ضرر المتضررين ، وكشف الكرب عن المكروبين . فكم من عمل من هذا النوع يكون أكبر سبب لنجاة العبد من العقاب ، وفوزه بجزيل الثواب ، حتى البهائم إذا أزيل ما يضرها كان الأجر عظيماً ؛ وقصة المرأة البغي التي سقت الكلب الذي كاد يموت من العطش ، فغُفر لها بغيها ، شاهدة بذلك [7] .
ومن أسباب المضاعفة : أن يكون العبد حسن الإسلام ، حسن الطريقة ، تاركاً للذنوب ، غير مُصِرّ على شيء منها ، فإن أعمال هذا مضاعفة كما ورد بذلك الحديث الصحيح : (إذا أحسن أحدكم إسلامه ؛ فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ... ) الحديث [8] .
ومن أسبابها رفعة العامل عند الله ، ومقامه العالي في الإسلام ، فإن الله تعالى شكور حليم ، لهذا كان أجر نساء النبي لله مضاعفاً . قال تعالى : { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } [الأحزاب : 31] ، وكذلك العالم الرباني ، وهو العالم العامل المعلّم تكون مضاعفة أعماله بحسب مقامه عند الله ، كما أن أمثال هؤلاء إذا وقع منهم الذنب ، كان أعظم من غيرهم ، لما يجب عليهم من زيادة التحرز ، ولما يجب عليهم من زيادة الشكر لله على ما خصهم به من النعم .
ومن الأسباب : الصدقةُ من الكسب الطيب ، كما وردت بذلك النصوص .
ومنها شرفُ الزمان ، كرمضان وعشر ذي الحجة ونحوها ، وشرف المكان كالعبادة في المساجد الثلاثة ، والعبادة في الأوقات التي حث الشارع على قصدها ، كالصلاة في آخر الليل ، وصيام الأيام الفاضلة ونحوها ، وهذا راجع إلى تحقيق المتابعة للرسول المكمل لله مع الإخلاص للأعمال المنمّي لثوابها عند الله .
ومن أسباب المضاعفة : القيامُ بالأعمال الصالحة عند المعارضات النفسية ، والمعارضات الخارجية ؛ فكلما كانت المعارضات أقوى والدواعي للترك أكثر ، كان العمل أكمل ، وأكثر مضاعفة . وأمثلة هذا كثيرة جداً ، ولكن هذا ضابطها .
ومن أهم ما يضاعف فيه العمل : الاجتهاد في تحقيق مقام الإحسان والمراقبة ، وحضور القلب في العمل ، فكلما كانت هذه الأمور أقوى ، كان الثواب أكثر ، ولهذا ورد في الحديث : (ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها) فالصلاة ونحوها وإن كانت تجزئ إذا أتى بصورتها الظاهرة ، وواجباتها الظاهرة والباطنة ، إلا أن كمال القبول ، وكمال الثواب ، وزيادة الحسنات ، ورفعة الدرجات ، وتكفير السيئات ، وزيادة نور الإيمان بحسب حضور القلب في العبادة [9] .
ولهذا كان من أسباب مضاعفة العمل حصولُ أثره الحسن في نفع العبد ، وزيادة إيمانه ، ورقّة قلبه ، وطمأنينته ، وحصول المعاني المحمودة للقلب من آثار العمل ؛ فإن الأعمال كلما كملت ، كانت آثارها في القلوب أحسن الآثار ، وبالله التوفيق .
ومن لطائف المضاعفة أن إسرار العمل قد يكون سبباً لمضاعفة الثواب ، فإن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله : (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه .. ومنهم : رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) [10] كما أن إعلانها قد يكون سبباً للمضاعفة كالأعمال التي تحصل فيها الأسوة والاقتداء ، وهذا مما يدخل في القاعدة المشهورة : قد يعرض للعمل المفضول من المصالح ما يصيّره أفضل من غيره . ومما هو كالمتفق عليه بين العلماء الربانيين أن الاتصاف في كل الأوقات بقوة الإخلاص لله ، ومحبة الخير للمسلمين مع اللهج بذكر الله لا يلحقها شيء من الأعمال ، وأهلها سابقون : لكلّ فضيلةٌ وأجرٌ وثوابٌ ، وغيرها من الأعمال تبع لها ؛ فأهل الإخلاص والإحسان والذكر هم السابقون السابقون المقربون في جنات النعيم .
(1) الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي التميمي ، من كبار العلماء ، ولد بعنيزة سنة 1307هـ ، له مؤلفات نافعة في سائر علوم الشريعة ، واشتغل بالتدريس ، وله تلاميذ متميزون من أشهرهم الشيخ العلاّمة محمد الصالح العثيمين توفي بعنيزة سنة 1376هـ ، انظر : علماء نجد لعبد الله البسام 2/422 ، والأعلام للزركلي3/340 .
(2) الفتاوى السعدية ، المسألة التاسعة ، ص 43 .
(3) في الأصل : (إذا حقق) .
(4) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(5) حديث أصحاب الغار متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما .
(6) رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(7) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(8) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(9) أي يكتب للإنسان من صلاته على حسب خشوعه فيها .
(10) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
. العلامة: عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى
التزود بالطاعات والاستكثار من الصالحات غاية ومطلب لكل مؤمن ، ولقد سُئل الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي [1] رحمه الله عن أسباب مضاعفة ثواب الأعمال الصالحة ، فأجاب رحمه الله بجواب نفيس ؛ حيث ذكر أسباباً متنوعة لمضاعفة ثوابها ، مستدلاً بنصوص الوحيين ومراعياً مقاصد الشريعة ومصالحها [2] .
قال رحمه الله : (الجواب ؛ وبالله التوفيق : أما مضاعفة العمل بالحسنة إلى عشر أمثالها ، فهذا لا بد منه في كل عمل صالح ، كما قال تعالى : - { مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام : 160] وأما المضاعفة بزيادة عن ذلك ، وهي مراد السائل ، فلها أسباب : إما متعلقة بالعامل ، أو بالعمل نفسه ، أو بزمانه ، أو بمكانه ، وآثاره .
فمن أهم أسباب المضاعفة أن يحقق [3] العبد في عمله الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول ؛ فالعمل إذا كان من الأعمال المشروعة ، وقصد العبد به رضى ربه وثوابه ، وحقق هذا القصد بأن يجعله هو الداعي له إلى العمل ، وهو الغاية لعمله ، بأن يكون عمله صادراً عن إيمان بالله ورسوله ، وأن يكون الداعي له لأجل أمر الشارع ، وأن يكون القصد منه وجه الله ورضاه ، كما ورد هذا المعنى في عدة آيات وأحاديث ، كقوله تعالى : { إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [المائدة : 27] أي : المتقين الله في عملهم بتحقيق الإخلاص والمتابعة ، وكما في قوله لله : (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) [4] . وغيرها من النصوص .
والقليل من العمل مع الإخلاص الكامل يرجح بالكثير الذي لم يصل إلى مرتبته في قوة الإخلاص ، ولهذا كانت الأعمال الظاهرة تتفاضل عند الله بتفاضل ما يقوم بالقلوب من الإيمان والإخلاص ؛ ويدخل في الأعمال الصالحة التي تتفاضل بتفاضل الإخلاص ترك ما تشتهيه النفوس من الشهوات المحرمة إذا تركها خالصاً من قلبه ، ولم يكن لتركها من الدواعي غير الإخلاص وقصة أصحاب الغار[5] شاهد بذلك .
ومن أسباب المضاعفة وهو أصل وأساس لما تقدم : صحة العقيدة ، وقوة الإيمان بالله وصفاته ، وقوة إرادة العبد ، ورغبته في الخير ؛ فإن أهل السنة والجماعة المحضة ، وأهل العلم الكامل المفصل بأسماء الله وصفاته ، وقوة لقاء الله ، تضاعف أعمالهم مضاعفة كبيرة لا يحصل مثلها ، ولا قريب منها لمن لم يشاركوهم في هذا الإيمان والعقيدة . ولهذا كان السلف يقولون : أهل السنة إن قعدت بهم أعمالهم قامت بهم عقائدهم ، وأهل البدع إن كثرت أعمالهم ، قعدت بهم عقائدهم ، ووجه الاعتبار أن أهل السنة مهتدون ، وأهل البدع ضالون .
ومعلوم الفرق بين من يمشي على الصراط المستقيم ، وبين من هو منحرف عنه إلى طرق الجحيم ، وغايته أن يكون ضالاً متأولاً .
ومن أسباب مضاعفة العمل : أن يكون من الأعمال التي نفعُها للإسلام والمسلمين له وقعٌ وأثرٌ وغَناء ، ونفع كبير ، وذلك كالجهاد في سبيل الله : الجهاد البدني ، والمالي ، والقولي ، ومجادلة المنحرفين ؛ كما ذكر الله نفقة المجاهدين ومضاعفتها بسبعمائة ضعف .
ومن أعظم الجهاد : سلوك طرق التعلّم والتعليم ؛ فإن الاشتغال بذلك لمن صحت نيته لا يوزنه عمل من الأعمال ، لما فيه من إحياء العلم والدين ، وإرشاد الجاهلين ، والدعوة إلى الخير ، والنهي عن الشر ، والخير الكثير الذي لا يستغني العباد عنه ؛ فمن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل له به طريقاً إلى الجنة ، ومن
ذلك المشاريع الخيرية التي فيها إعانة للمسلمين على أمور دينهم ودنياهم التي يستمر نفعها ويتسلسل إحسانها ، كما ورد في (الصحيح) : (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به من بعده ، أو ولد صالح يدعو له) [6] .
ومن الأعمال المضاعفة : العمل الذي إذا قام به العبد ، شاركه فيه غيره ، فهذا أيضاً يضاعف بحسب من شاركه ، ومن كان هو سبب قيام إخوانه المسلمين بذلك العمل ؛ فهذا بلا ريب يزيد أضعافاً مضاعفة على عملٍ إذا عمله العبد لم يشاركه فيه أحد ، بل هو من الأعمال القاصرة على عاملها ، ولهذا فضّل الفقهاء الأعمال المتعدية للغير على الأعمال القاصرة . ومن الأعمال المضاعفة إذا كان العمل له وقع عظيم ، ونفع كبير ، كما إذا كان فيه إنجاء من مهلكة وإزالة ضرر المتضررين ، وكشف الكرب عن المكروبين . فكم من عمل من هذا النوع يكون أكبر سبب لنجاة العبد من العقاب ، وفوزه بجزيل الثواب ، حتى البهائم إذا أزيل ما يضرها كان الأجر عظيماً ؛ وقصة المرأة البغي التي سقت الكلب الذي كاد يموت من العطش ، فغُفر لها بغيها ، شاهدة بذلك [7] .
ومن أسباب المضاعفة : أن يكون العبد حسن الإسلام ، حسن الطريقة ، تاركاً للذنوب ، غير مُصِرّ على شيء منها ، فإن أعمال هذا مضاعفة كما ورد بذلك الحديث الصحيح : (إذا أحسن أحدكم إسلامه ؛ فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ... ) الحديث [8] .
ومن أسبابها رفعة العامل عند الله ، ومقامه العالي في الإسلام ، فإن الله تعالى شكور حليم ، لهذا كان أجر نساء النبي لله مضاعفاً . قال تعالى : { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } [الأحزاب : 31] ، وكذلك العالم الرباني ، وهو العالم العامل المعلّم تكون مضاعفة أعماله بحسب مقامه عند الله ، كما أن أمثال هؤلاء إذا وقع منهم الذنب ، كان أعظم من غيرهم ، لما يجب عليهم من زيادة التحرز ، ولما يجب عليهم من زيادة الشكر لله على ما خصهم به من النعم .
ومن الأسباب : الصدقةُ من الكسب الطيب ، كما وردت بذلك النصوص .
ومنها شرفُ الزمان ، كرمضان وعشر ذي الحجة ونحوها ، وشرف المكان كالعبادة في المساجد الثلاثة ، والعبادة في الأوقات التي حث الشارع على قصدها ، كالصلاة في آخر الليل ، وصيام الأيام الفاضلة ونحوها ، وهذا راجع إلى تحقيق المتابعة للرسول المكمل لله مع الإخلاص للأعمال المنمّي لثوابها عند الله .
ومن أسباب المضاعفة : القيامُ بالأعمال الصالحة عند المعارضات النفسية ، والمعارضات الخارجية ؛ فكلما كانت المعارضات أقوى والدواعي للترك أكثر ، كان العمل أكمل ، وأكثر مضاعفة . وأمثلة هذا كثيرة جداً ، ولكن هذا ضابطها .
ومن أهم ما يضاعف فيه العمل : الاجتهاد في تحقيق مقام الإحسان والمراقبة ، وحضور القلب في العمل ، فكلما كانت هذه الأمور أقوى ، كان الثواب أكثر ، ولهذا ورد في الحديث : (ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها) فالصلاة ونحوها وإن كانت تجزئ إذا أتى بصورتها الظاهرة ، وواجباتها الظاهرة والباطنة ، إلا أن كمال القبول ، وكمال الثواب ، وزيادة الحسنات ، ورفعة الدرجات ، وتكفير السيئات ، وزيادة نور الإيمان بحسب حضور القلب في العبادة [9] .
ولهذا كان من أسباب مضاعفة العمل حصولُ أثره الحسن في نفع العبد ، وزيادة إيمانه ، ورقّة قلبه ، وطمأنينته ، وحصول المعاني المحمودة للقلب من آثار العمل ؛ فإن الأعمال كلما كملت ، كانت آثارها في القلوب أحسن الآثار ، وبالله التوفيق .
ومن لطائف المضاعفة أن إسرار العمل قد يكون سبباً لمضاعفة الثواب ، فإن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله : (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه .. ومنهم : رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) [10] كما أن إعلانها قد يكون سبباً للمضاعفة كالأعمال التي تحصل فيها الأسوة والاقتداء ، وهذا مما يدخل في القاعدة المشهورة : قد يعرض للعمل المفضول من المصالح ما يصيّره أفضل من غيره . ومما هو كالمتفق عليه بين العلماء الربانيين أن الاتصاف في كل الأوقات بقوة الإخلاص لله ، ومحبة الخير للمسلمين مع اللهج بذكر الله لا يلحقها شيء من الأعمال ، وأهلها سابقون : لكلّ فضيلةٌ وأجرٌ وثوابٌ ، وغيرها من الأعمال تبع لها ؛ فأهل الإخلاص والإحسان والذكر هم السابقون السابقون المقربون في جنات النعيم .
(1) الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي التميمي ، من كبار العلماء ، ولد بعنيزة سنة 1307هـ ، له مؤلفات نافعة في سائر علوم الشريعة ، واشتغل بالتدريس ، وله تلاميذ متميزون من أشهرهم الشيخ العلاّمة محمد الصالح العثيمين توفي بعنيزة سنة 1376هـ ، انظر : علماء نجد لعبد الله البسام 2/422 ، والأعلام للزركلي3/340 .
(2) الفتاوى السعدية ، المسألة التاسعة ، ص 43 .
(3) في الأصل : (إذا حقق) .
(4) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(5) حديث أصحاب الغار متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما .
(6) رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(7) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(8) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(9) أي يكتب للإنسان من صلاته على حسب خشوعه فيها .
(10) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .