فريق منتدى الدي في دي العربي
06-14-2016, 06:57 AM
موقف عبد الله بن عمر من خلافة يزيد بن معاوية
يمثل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أفقه فقهاء عصره يوم بويع ليزيد رحمه الله. أو هو أحد أكبر فقيهين من فقهاء الصحابة في ذلك الزمان. فعبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان فقيه مكة، وعبد الله بن عمر فقيه المدينة. وإذا كانت منزلته بهذه الدرجة، فليس بعد قوله وفتواه قول أو فتوى، لا سيما إذا وافقه الفقيه الآخر وهو ابن عباس.
فما هو حكم هذا الفقيه العظيم والصحابي الجليل في خلافة يزيد؟
إنكار ابن عمر على الخارجين على يزيد ، والأحاديث برواية البخاري ومسلم
كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يرى أن الخليفة الشرعي هو يزيد بن معاوية، ويشدد في حرمة الخروج عليه وخطّأ الخارجين بارتكابهم أمراً عظيماً في ميزان الشرع.
فحين أقدم أهل المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة على خلع يزيد وإخراج بني أمية من المدينة بغير حقّ وعارضهم في ذلك كبار الصحابة والتابعين وأهل الفضل، كان موقف ابن عمر واضحاً في معارضة ذلك كله. وكان مما صنعه أن جمع أبناءه وحشمه، وحذرهم من نكث بيعة يزيد. فقد روى البخاري بسنده عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، جمع ابن عمر حشمه وولده، فقال: "إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة). وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه، ولا تابع في هذا الأمر، إلا كانت الفيصل بيني وبينه".
وهذا الحديث الصحيح، وإنزال هذا الفقيه الكبير من فقهاء الصحابة حكمه على من نكث بيعة يزيد، يعتبر فيصلاً في صحة بيعته وولايته وحرمة الخروج عليه. وليس بعد ذلك لأحد من قول؛ فالقول قول ابن عمر، وهو صحيح متصل إليه برواية الإمام البخاري.
لم يكتف ابن عمر بهذا حتى ذهب إلى كبار رؤوس الخارجين على يزيد، ومنهم عبد الله بن مطيع العدوي، يحذرهم وينصحهم. فقد روى مسلم في (صحيحه) بسنده عن نافع وغيره قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع، حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة. فقال: إني لم آتك لأجلس. أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً).
إنكار ابن عمر وقسوته على ابن الزبير في خروجه على يزيد
كان اعتراض عبد الله بن عمر رضي الله عنهما شديداً على من خرج على الخليفة الشرعي يزيد، ولم يمنعه فضل مثل ابن الزبير رضي الله عنهما وسابقته وجهاده من ذمه بقسوة محذراً منه ومن متابعته وشق عصا المسلمين. وقد كان يعْلم نتائج معارضته، حيث سيكون هناك حربٌ بين المسلمين، يُقتل فيها الناس وتبتلى الأمة، وتعَطّل الثغور ويتوقف الجهاد في سبيل الله، إلى غير ذلك من المفاسد التي يعتقد ابن عمر أنها ستحدث لا محالة إذا استمر ابن الزبير في معارضته.
إن كلام ابن عمر يستحق التوقف والتدبر للخروج بحصيلة علمية راسخة، فقد جرى – كما يبدو – تغييبه عن عمد لتغييب الوعي عن عامة جماهير وأجيال الأمة، وصناعة ثقافة انتقائية شعوبية شيطنت يزيد بحيث لا يصدر منه إلا كل خطأ وباطل، وجعلت من خصومه ملائكة لا يصدر منهم إلا كل صواب وحق. بحيث لا يخطر في بال عامة الجمهور أن صحابياً مثل عبد الله بن الزبير يمكن أن يكون مخطئاً في موقفه من رجل كيزيد. وعادة ما تجد الحجج عامة عائمة تستند على العناوين لا على المضامين؛ فكون الرجل صحابياً يكفي في مصادرة حق آخر ليس بصحابي. وهذا مخالف للحق مجانب للصوب، بل لا بد من النظر في حيثيات ومضامين كل قضية على حدة لنميز بين المحق من غيره. وقد كان عمر بن الخطاب يقاضيه يهودي رغم أنه صحابي وخليفة المسلمين، واليهودي من عامة الناس وليس بمسلم أصلاً، ومع ذلك فالعنوان لم يحرمه حقه في البحث في مضمون القضية.*
الثقافة السائدة اليوم تنظر إلى العناوين دون المضامين، وتتشكك في كل من كان حر العقل والتفكير وإن كان منضبطاً بالشرع وأصوله وقواعده لمجرد أنه يقول برأي مخالف لما هو سائد ودارج. فكيف إن كان هذا الرأي موافقاً لجبل من أجبلة العلم ألا وهو عبد الله بن عمر؟!
لقد كان ابن عمر يصرف الناس عن مناصرة ابن الزبير، ولم يتردد في سبيل ذلك من القول بأن قتال ابن الزبير إنما هو لأجل الدنيا([1])! وأخذ يخبر الناس ويحذرهم أن قتالهم ومناصرتهم لابن الزبير إنما هو قتال على الملك فقط([2]). وكان ينظر لابن الزبير ومن معه على أنهم بغاة، وتمنى مقاتلتهم لبغيهم على بني أمية([3]).
هذا وكان ابن عمر دائم المناصحة لابن الزبير. يحذِّره من عواقب الفتن، ويعرّفه بأن نهاية هذه المعارضة ليست في صالحه. ففي الطريق إلى مكة قابل ابن الزبير والحسين ابن عمر وعبد الله بن عياش بالأبواء، وهما قادمان من العمرة فقال لهما ابن عمر: «أذكِّرَكما الله إلا رجعتما، فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس، وتنظران فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا، وإن تفرقوا كان الذي تريدان»([4]).
وروى مسلم في صحيحه، يوم مقتل ابن الزبير رضي الله عنهما، عن أبي نوفل قال: رأيت عبدالله بن الزبير على عقبة المدينة. قال فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مر عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال: "السلام عليك أبا خبيب! السلام عليك أبا خبيب! السلام عليك أبا خبيب! أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله إن كنت، ما علمت، صواماً قواماً وصولاً للرحم. أما والله لأمة أنت أشرها لأمة خير". ثم نفذ عبدالله بن عمر([5]).
هذا هو المنهج الوسط، لا إفراط ولا تفريط.. فخطأ ابن الزبير في خروجه على الخليفة الشرعي لا يسلبه فضائله رضي الله عنه. وكون الرجل فاضلاً لا يمنع من نصحه والنكير عليه، كما أن ذمه في موطن لا يلزم منه الذم مطلقاً.
[1]- مصنف ابن أبي شيبة (15/80) بسند صحيح، وابن سعد في الطبقة الخامسة (ص472) بسند صحيح.
[2]- *البخاري مع الفتح (8/32)، والمسند (8/57).
[3]- الذهبي في تاريخ الإسلام (ص 465).
[4]- ابن سعد في الطبقة الخامسة (ص 370)، والطبري (5/343).
[5]- وأيضاً *ابن سعد الطبقة الخامسة (ص 517-518) والحاكم (3/553)، بأسانيد صحيحة.
منقول
يمثل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أفقه فقهاء عصره يوم بويع ليزيد رحمه الله. أو هو أحد أكبر فقيهين من فقهاء الصحابة في ذلك الزمان. فعبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان فقيه مكة، وعبد الله بن عمر فقيه المدينة. وإذا كانت منزلته بهذه الدرجة، فليس بعد قوله وفتواه قول أو فتوى، لا سيما إذا وافقه الفقيه الآخر وهو ابن عباس.
فما هو حكم هذا الفقيه العظيم والصحابي الجليل في خلافة يزيد؟
إنكار ابن عمر على الخارجين على يزيد ، والأحاديث برواية البخاري ومسلم
كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يرى أن الخليفة الشرعي هو يزيد بن معاوية، ويشدد في حرمة الخروج عليه وخطّأ الخارجين بارتكابهم أمراً عظيماً في ميزان الشرع.
فحين أقدم أهل المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة على خلع يزيد وإخراج بني أمية من المدينة بغير حقّ وعارضهم في ذلك كبار الصحابة والتابعين وأهل الفضل، كان موقف ابن عمر واضحاً في معارضة ذلك كله. وكان مما صنعه أن جمع أبناءه وحشمه، وحذرهم من نكث بيعة يزيد. فقد روى البخاري بسنده عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، جمع ابن عمر حشمه وولده، فقال: "إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة). وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه، ولا تابع في هذا الأمر، إلا كانت الفيصل بيني وبينه".
وهذا الحديث الصحيح، وإنزال هذا الفقيه الكبير من فقهاء الصحابة حكمه على من نكث بيعة يزيد، يعتبر فيصلاً في صحة بيعته وولايته وحرمة الخروج عليه. وليس بعد ذلك لأحد من قول؛ فالقول قول ابن عمر، وهو صحيح متصل إليه برواية الإمام البخاري.
لم يكتف ابن عمر بهذا حتى ذهب إلى كبار رؤوس الخارجين على يزيد، ومنهم عبد الله بن مطيع العدوي، يحذرهم وينصحهم. فقد روى مسلم في (صحيحه) بسنده عن نافع وغيره قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع، حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة. فقال: إني لم آتك لأجلس. أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً).
إنكار ابن عمر وقسوته على ابن الزبير في خروجه على يزيد
كان اعتراض عبد الله بن عمر رضي الله عنهما شديداً على من خرج على الخليفة الشرعي يزيد، ولم يمنعه فضل مثل ابن الزبير رضي الله عنهما وسابقته وجهاده من ذمه بقسوة محذراً منه ومن متابعته وشق عصا المسلمين. وقد كان يعْلم نتائج معارضته، حيث سيكون هناك حربٌ بين المسلمين، يُقتل فيها الناس وتبتلى الأمة، وتعَطّل الثغور ويتوقف الجهاد في سبيل الله، إلى غير ذلك من المفاسد التي يعتقد ابن عمر أنها ستحدث لا محالة إذا استمر ابن الزبير في معارضته.
إن كلام ابن عمر يستحق التوقف والتدبر للخروج بحصيلة علمية راسخة، فقد جرى – كما يبدو – تغييبه عن عمد لتغييب الوعي عن عامة جماهير وأجيال الأمة، وصناعة ثقافة انتقائية شعوبية شيطنت يزيد بحيث لا يصدر منه إلا كل خطأ وباطل، وجعلت من خصومه ملائكة لا يصدر منهم إلا كل صواب وحق. بحيث لا يخطر في بال عامة الجمهور أن صحابياً مثل عبد الله بن الزبير يمكن أن يكون مخطئاً في موقفه من رجل كيزيد. وعادة ما تجد الحجج عامة عائمة تستند على العناوين لا على المضامين؛ فكون الرجل صحابياً يكفي في مصادرة حق آخر ليس بصحابي. وهذا مخالف للحق مجانب للصوب، بل لا بد من النظر في حيثيات ومضامين كل قضية على حدة لنميز بين المحق من غيره. وقد كان عمر بن الخطاب يقاضيه يهودي رغم أنه صحابي وخليفة المسلمين، واليهودي من عامة الناس وليس بمسلم أصلاً، ومع ذلك فالعنوان لم يحرمه حقه في البحث في مضمون القضية.*
الثقافة السائدة اليوم تنظر إلى العناوين دون المضامين، وتتشكك في كل من كان حر العقل والتفكير وإن كان منضبطاً بالشرع وأصوله وقواعده لمجرد أنه يقول برأي مخالف لما هو سائد ودارج. فكيف إن كان هذا الرأي موافقاً لجبل من أجبلة العلم ألا وهو عبد الله بن عمر؟!
لقد كان ابن عمر يصرف الناس عن مناصرة ابن الزبير، ولم يتردد في سبيل ذلك من القول بأن قتال ابن الزبير إنما هو لأجل الدنيا([1])! وأخذ يخبر الناس ويحذرهم أن قتالهم ومناصرتهم لابن الزبير إنما هو قتال على الملك فقط([2]). وكان ينظر لابن الزبير ومن معه على أنهم بغاة، وتمنى مقاتلتهم لبغيهم على بني أمية([3]).
هذا وكان ابن عمر دائم المناصحة لابن الزبير. يحذِّره من عواقب الفتن، ويعرّفه بأن نهاية هذه المعارضة ليست في صالحه. ففي الطريق إلى مكة قابل ابن الزبير والحسين ابن عمر وعبد الله بن عياش بالأبواء، وهما قادمان من العمرة فقال لهما ابن عمر: «أذكِّرَكما الله إلا رجعتما، فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس، وتنظران فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا، وإن تفرقوا كان الذي تريدان»([4]).
وروى مسلم في صحيحه، يوم مقتل ابن الزبير رضي الله عنهما، عن أبي نوفل قال: رأيت عبدالله بن الزبير على عقبة المدينة. قال فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مر عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال: "السلام عليك أبا خبيب! السلام عليك أبا خبيب! السلام عليك أبا خبيب! أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله إن كنت، ما علمت، صواماً قواماً وصولاً للرحم. أما والله لأمة أنت أشرها لأمة خير". ثم نفذ عبدالله بن عمر([5]).
هذا هو المنهج الوسط، لا إفراط ولا تفريط.. فخطأ ابن الزبير في خروجه على الخليفة الشرعي لا يسلبه فضائله رضي الله عنه. وكون الرجل فاضلاً لا يمنع من نصحه والنكير عليه، كما أن ذمه في موطن لا يلزم منه الذم مطلقاً.
[1]- مصنف ابن أبي شيبة (15/80) بسند صحيح، وابن سعد في الطبقة الخامسة (ص472) بسند صحيح.
[2]- *البخاري مع الفتح (8/32)، والمسند (8/57).
[3]- الذهبي في تاريخ الإسلام (ص 465).
[4]- ابن سعد في الطبقة الخامسة (ص 370)، والطبري (5/343).
[5]- وأيضاً *ابن سعد الطبقة الخامسة (ص 517-518) والحاكم (3/553)، بأسانيد صحيحة.
منقول