مشاهدة النسخة كاملة : الدورات المكثفة لحفظ القرآن الكريم نظرة تقويمية


فريق منتدى الدي في دي العربي
02-26-2016, 04:42 PM
الطريق إلى الترقي في تحصيل العلوم الشرعية
(الجزء الأول )

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد :

فإن العلوم الشرعية التي ينبغي على طالب العلم الشرعي تحصيلها وإدراكها واسعة الأرجاء , فسيحة الأركان , كثيرة في تفاصيلها , ومتداخلة في تفاريعها , ومتشعبة في مسائلها ومتراكمة في مكوناتها , ولا يمكن للقاصد إلى تحصيلها والخائض في طلبها أن يتحصل على أصولها ويتعمق في مضمونها إلا إذا كانت لديه منهجية محددة المعالم وواضحة الحدود والرسوم , فإن الشيء المعقد والمنظم لا يمكن التعامل معه بمهارة إلا بتنظيم يناسبه ومنهجية تطابقه .

وقد كتب عدد من الأشياخ وطلبة العلم برامج علمية تساعد على الترقي في طلب العلم , ورسموا منهجيات تعين على تبصر مسارات التقعيد والتأصيل في العلوم الشرعية , وكل برنامج من تلك البرامج له سمته التي يخص بها , وطبيعته التي تميزه عن غيره , وهي في العادة تأخذ سمت من رسمها وتتأثر بطبيعة تفكيره ومنهجية تعلميه .

فأردت أن أشارك في رسم خطة تساعد على الترقي في مصاعد العلوم الشرعية , وتعين على التعمق في أرجائها , ولا أدعي أن ما سأذكره أفضل ما قُدم ولا أكمل ما رسم , ولكنها محاولة قابلة للتعديل والتطور .
ومع ذلك فالبرنامج الذي سنقوم برسم معالمه الإجمالية يتميز بعدد من المميزات :

الميزة الأولى : الفصل الظاهر بين المسارات المختلفة في تحصيل العلوم الشرعية , فهو يفصل بين المادة المتعلقة بالدارسة والمذاكرة وبين المادة المتعلقة بالقراءة والتنقيب عن الفوائد وغيرها من المكونات كما سيأتي بيانه .


الميزة الثانية : المرونة والقابلية للتطوير والتكميل , فالبرنامج لم يحدد كل التفاصيل التي يتكون منها المنهاج العلمي , وإنما اقتصر على تحديد القالب العام فقط , وتَرَك تحديد التفاصيل إلى كل طالب علم وما يقدره ويعرفه من نفسه , فمن المعلوم أن الناس يختلفون كثيرا في طبيعة حياتهم وعلاقتهم , فمن المتعذر أن يُرسم برنامج واحد يكون مناسبا لجميع من يقصد إلى طلب العلم , فكان الواجب أن تحدد المعالم الإجمالية التي لا بد منها في المنهاج التعليمي , وترسم القوالب العامة فقط , ويترك قدر كبير من التفاصيل لكل طالب وما يناسبه
.

الميزة الثالثة : الاعتماد على الجهد الذاتي بشكل كبير جدا , فهذا البرنامج ينطلق من أن التحصيل العلمي الأكبر ينبغي أن يكون ناتجا من الجهد الذاتي الذي يبذله طالب العلم في القراءة والبحث والتنقيب والمذاكرة والمراجعة ونحو ذلك , فإن الإبداع في العلم والنبوغ فيه يعتمد بشكل كبير على الجهد الذي يبذله الطلاب المجتهدون في طلب العلم وتحصيله .


ولا يعني ذلك الدعوة إلى ترك الاشتغال بالدروس العلمية والاتصال بالشيوخ والمعلمين , فإن هذا الأمر من أوجب الأمور وألزمها في طلب العلم الشرعي , بل هو رافد من أهم الروافد المعينة على الاستمرار في البرنامج العلمي والاستفادة منه .


الميزة الرابعة : اختصار المراحل وطي الخطوات التي تطيل المسار العلمي مع قلة فائدتها , فهذا البرنامج لم يعتمد على المراحل التي تذكر عادة في المناهج التعليمية بحيث أن الطالب يمر في كل علم من العلوم الشرعية بعدد من المتون , ويتنقل في كل فن من الفنون بين عدد من المراحل , وإنما حدد نقطة واحدة جعلها المرتكز الأساسي للبناء العلمي , ثم رسم ما يمكن أن ينمي تلك الخطوة بتراكمات متواصلة تزيد من حجمها وعمقها , وتجمّل من شكلها , فبدل أن ينتقل الطالب من متن إلى متن آخر مختلف عنه في طبيعته وعدد كبير من مسائله , وترتيبه , فإن هذا البرنامج يعتمد على متن واحد في كل فن , ثم يزيد الطالب من تطوير علاقته بذلك المتن حتى يصل به إلى المرحلة المؤدية إلى النبوغ العلمي والاستحضار للمسائل والمعارف .

ولأجل هذا , فإن الانخراط في هذا البرنامج لا يصلح لمن هو مبتدئ جدا في طلب العلم الشرعي , وإنما يصلح لمن بلغ مرحلة لا بأس من تصور العلوم الشرعية وأحسن إدراك قدر لا بأس به من مسائلها الكلية الإجمالية .
ولا بد من التنبيه على أن هذه الورقة ليست في بيان آداب طالب العلم ولا في تحديد الأخلاق التي لا بد أن يلتزم بها , ولا في الترغيب في طلب العلم والدعوة إليه , وإنما هي في بيان المنهجية العملية التي ينبغي أن يسير عليها طالب العلم في تحصيل العلوم الشرعية فقط .

والمخاطب في هذه الورقة ليس الشخص المتردد في طلب العلم أو غير الراغب في الانخراط في طلبه , وليس الشخص الكسلان المتهاون في قصده ورغبته , وإنما هي مخاطبة لمن زعم بجد في طلب العلم , وقرر قرارا نهائيا حازما بالدخول في غمار بحاره والخوص في ساحاته .

تعريف البرنامج العلمي :

المراد بالبرنامج العلمي : الترتيب العَمَلي المنظم الذي يجب على طالب العلم الالتزام به في تعلم العلوم الشرعية والترقي في تحصيلها , بحيث يكون واجبا من الواجبات التي لا يمكن أن يفرط فيها بحال من الأحوال .
أهمية الالتزام بالبرنامج العلمي :

لا شك أن الالتزام بالبرنامج العلمي له أهمية بالغة , فهو ضرورة من ضرورات التحصيل , وواجب من واجبات التعلم في العلوم الشرعية , بل في كل العلوم الأخرى , ويمكن أن نبرز أهميته في الأمور التالية :
الأمر الأول : توفير الجهد والوقت , فإن كثيرا من طلبة العلم يبذل جهودا كثيرا في طلب العلم , ويمكث أزمانا مديدة في تتبعه والبحث عنه , وإذا قمنا بقياس النتيجة التي حصلها مع الجهد الذي بذله نجد النتيجة متدنية جدا , ومن أقوى أسباب هذا الإخفاق الذريع الذي يصاب به كثير من طلاب العلم عدم التزامهم بمنهجية واضحة في طلب العلم , فتجدهم يتخبطون ويتيهون في مجالات العلم المختلفة بغير بصيرة ولا وعي , ويعيشون حالة رهينة من الفوضى والتشتت .

كثير من طلبة العلم لا ينقصه الذكاء والفطنة ولا الحرص والاجتهاد , ومع ذلك لا نجده حصّل من العلوم ما نرجوه منه وما تنتظره أمته منه في مستقبلها , وحين نقوم بالبحث عن أسباب ذلك نجدها راجعة إلى عدم التزامه بمنهجية علمية صحيحة في التحصيل والبناء العلمي .

الأمر الثاني : تحقيق الرسوخ العلمي , فالأمة في حاجة شديدة إلى من يملك نظرا دقيقا متخصصا في كل مجال من المجالات التي تحتاجها الأمة في دينها , ومن أقوى السبل المؤدية إلى البلوغ إلى هذه المرحلة الالتزام الدقيق بالمنهجية العلمية الصارمة في تعلم العلوم الشرعية والترقي في معارجها .


الأمر الثالث : تحقيق التكامل العلمي , فالعلوم الشرعية مترابطة فيما بينها ومتداخلة في كثير من أصولها وفروعها , والنبوغ في العلم بها والعمق في إدراكها لا بد فيه من إدراك قدر كبير من المعارف المتوزعة على مجالات مختلفة , فلا بد في طالب العلم الشرعي أن يكون مستحضرا استحضارا جيدا لأصول المسائل التي تقوم عليها العلوم الشرعية , وضابطا ضبطا دقيقا للأسس التي تستند إليها المعارف الإسلامية , وعارفا بأصول المعارف التي تتشارك في تكوين العقلية المناسبة للتعامل مع القضايا التي تحتاجها الأمة .


الأمر الرابع : ضبط أصول العلم وتثبيت أركانه في نفس طالب العلم , فإن من المعلوم أن علو البنيان وتماسكه مرتبط بشكل أساسي بقوة الأسس التي يقوم عليها وثبوتها , فمتى ما كان الأساس وثيقا حمل البنيان واعتلى عليه , وإذا تهدم شيء من البينان سهل تداركه وإصلاحه , وإذا كان الأساس غير وثيق لم يرتفع البنيان ولم يثبت , وإذا تهدم شيء منه يصعب إصلاحه مع ضعف أساسه وأصله , ومن أقوى ما يوصل طالب العلم إلى قوة الأصل وثبوت الأساس التزامه بالبرنامج العلمي المنضبط في مراحله ومعالمه وخطواته .


الأمر الخامس : التغلب على العوائق وطبيعة الحياة المعقدة , فلا شك أن زماننا الذي نعيش فيه مزدحم ازدحاما كبيرا بالعوائق التي تقطع الطريق دون البلوغ إلى العمق في تحصيل العلوم الشرعية , ومليء بأمور كثيرة تعيق كثيرا من الجادين والأذكياء عن مواصلة السير في الترقي إلى معارج العلوم الشرعية , ومن أقوى السبل في التغلب على هذه العوائق أن يلتزم الطالب نفسه ببرنامج عملي صارم , ويصدق في الأخذ به والتقيد بقيوده .

مكونات البرنامج العلمي :

حين كانت العلوم التي ينبغي على طالب العلم إدراكها والعلم بها متنوعة في طبيعتها ومتنوعة فيما تحتاجه من الواجبات والأدوات ومتشعبة في مسائلها وأحكامها ومساراتها , كان لا بد من تنوع مكونات البرنامج التي العلمي الذي يجب عليه الالتزام به وهي ترجع في مجملها إلى ستة مكونات أساسية :

المكون الأول : برنامج الدرس والمذاكرة .
المكون الثاني : برنامج القراءة والتحصيل .
المكون الثالث : برنامج الحفظ .
المكون الرابع : برنامج جرد المطولات والجوامع العلمية
المكون الخامس : برنامج جرد كتب السنن والآثار .
المكون السادس : برنامج البحث العلمي .

فهذه المكونات الست تعد بمثابة الأركان الأساسية التي لا يقوم البناء العلمي المتماسك إلا عليها , وفقدان واحد منها سيؤدي حتما إلى إحداث الخلل في هيكل البناء العلمي .

وكل ركن من تلك الأركان له أصل وكمال , وتتعلق به تفاصيل وتفاريع متعددة , وسنقتصر في هذه الورقة على شرح المكون الأول والثاني , لأنهما المكونان اللذان يهمنا الابتداء فيهما في طرق الترقي في تحصيل العلوم الشرعية , وسنكمل الحديث عن المكونات الأخرى في الجزء الثاني من هذه الورقة .


المكون الأول
برنامج الدرس والمذاكرة
مفهومه :

هو أن يحدد طالب العلم الكتاب المعتمد في كل فن من الفنون المختلفة , ثم يقوم بدراسته ومراجعته كأنه سيختبر فيه من الغد بين يدي أستاذ شديد التدقيق .

فلا بد أن يحدد طالب العلم من أول مراحله في طلب العلم متنا/كتابا معتمدا في كل علم من العلوم , بحيث يكون هذا المتن هو القاعدة الأساسية التي يبني عليها جميع تصوراته عن ذلك العلم , ويرجع إليه في كل ما يحتاج في ذلك العلم , ويكثر من مراجعته ومذاكرته ومحاولة استحضار مسائله , ويتعمق في تأمل أفكاره ويكرر النظر في فقراته وجمله , ويقيد عليه كل ما يقف عليه من النوادر والشوارد المتعلقة بذلك العلم .
ويكون ذلك المتن/الكتاب معتمده في مراجعة مسائل العلم ومذاكرته في كل مراحله في طلب العلم وتطوراته في مدارجه , فلا يرجع إلى كتاب آخر إلا إذا لم يجد بغيته في كتابه الذي اعتمده وحدده .

وإذا كان الأمر كذلك , فإن الكتاب الذي ينبغي أن يكون عمدة في برنامج المذاكرة والدرس لا بد أن تتوفر فيه الأوصاف التالية , حتى لا يضطر طالب العلم إلى الانتقال عنه وتضيع عليه جهود كثيرة وطويلة :
الوصف الأول : أن يكون شاملا لأهم مسائل العلم وأصوله أبوابه وفروعه .

الوصف الثاني : أن يكون مخدوما بالشروح والتعليقات سواء لألفاظه أو لمسائله ومكوناته .

الوصف الثالث : أن يكون سهل العبارة واضح المعاني متسق الترتيب والتنسيق .
العلوم التي يتعلق بها برنامج الدرس والمذاكرة .

برنامج الدرس والمذاكرة لا يتعلق بكل العلوم التي ينبغي على طالب العلم الشرعي معرفتها ؛ لأن من العلوم ما ليس له كتاب معتمد يجمع أصول مسائله ويرتب مكوناته ويبوبها , كعلم التاريخ وعلم الفرق وعلم الأديان وعلم التفسير وعلم الأدب وعلم الفكر وغيرها , فهو إذن لا يتعلق إلا بالعلوم التي أقام فيه العلماء كتبا معتمدة , جمعت أصول مسائلها ورتبت أبوابها ونسقت جملها , وأهم تلك العلوم أربعة عشر علما , هي :

العلم الأول : علم العقيدة
العلم الثاني : علم الفقه .
العلم الثالث : علم أصول الفقه .
العلم الرابع : علم القواعد الفقهية .
العلم الخامس : علم مصطلح الحديث .
العلم السادس : علم النحو .
العلم السابع : علم البلاغة .
العلم الثامن : علم العروض .
العلم التاسع : علم الصرف .
العلم العاشر : علم فقه اللغة " المعلقات العشر على الأقل" .
العلم الحادي عشر : علم أصول التفسير وعلوم القرآن .
العلم الثاني عشر : علم المنطق .
العلم الثالث عشر : علم الجدل والمناظرة .
العلم الرابع : علم الفرائض .

وقد قصدت عدم ذكر الكتب/المتون المعتمدة في كل فن ؛ لأن تحديد ذلك من الأمور الاجتهادية التي تختلف فيه الأنظار , وهو يتأثر أيضا بطبيعة الطالب وطبيعة بلده الذي يعيش فيه .

والمطلوب أن يحدد طالب العلم في كل فن من هذه الفنون كتابا/ متنا معتمدا بحيث يكون متصفا بالصفات التي سبق ذكرها , ويجعله عمدته في دراسة هذا الفن ومذاكرته .

وعليه أن يسأل أهل الخبرة والاختصاص في كل فن ويسترشد بآرائهم في تحديد المتن الذي يصلح لأن يكون عمدة للتأسيس العلمي .

ومع ذلك فسأذكر أمثلة لبعض الكتب التي تصلح أن تكون عمدا في دراسة بعض العلوم توضيحا للفكرة وبيانا لها .

أما علم العقيدة فأرجح أن يعتمد الطالب كتاب التوحيد مع شرحه القول المفيد للشيخ محمد العثيمين , وكتاب الواسطية مع شرحه الثمار الشهية للشيخ محمد خليل الهراس , والطحاوية مع شرح ابن أبي العز عليها .

وإنما ذكرت في علم العقيدة ثلاثة كتيب ؛ لأنه لا يوجد كتاب واحد يجمع جميع أصول مسائل العقيدة كما هو معلوم .

وفي علم المنطق أرجح كتاب السلم المنورق مع شرح الدمنهوري عليه المسمى : إيضاح المبهم .

وفي علم الجدل أرجح كتاب : الولدية في آدب البحث والمناظرة للمرعشي , مع شرح عبدالوهاب الآمدي عليها .

طرق تفعيل برنامج الدرس والمذاكرة :

لا يؤتي برنامج الدرس والمذاكرة أكله ولا يحقق أثره في طالب العلم إلا إذا التزم طالب العلم بالطرق التالية :

الأمر الأول : أن يكرر مذاكرة الكتاب كثيرا , بحيث يكون حاله كأنه سيختبر فيه من الغد بين يدي أستاذ شديد التدقيق , ويكرر ذلك في كل مرحلة يأتي فيها الدور على هذا الكتاب .

الأمر الثاني : أن يكثر من التأمل في مسائل الكتاب , والتفكر في جمله وتفهمها وتعقلها بصورة دقيقة متقنة .
وسيكتشف طالب العلم أنه مع مرور الأيام وكثرة عدد مرات المراجعة والمذاكرة أن مسائل العلم أخذت تستقر في ذهنه شيئا فشيئا .

أفرأيت لو أن جامعة من الجامعات حددت خمسة عشر كتابا فقط , يدرسها الطالب في كل المستويات , بحيث يختبر فيها في كل سنة مرتين , مرة في النصف الأول من السنة ومرة في النصف الثاني منها , ماذا تتوقع أن يكون حال الطالب في آخر المستويات ؟ ألا يكون مستحضرا بشكل جيد جدا مسائل تلك الكتب؟
فكذلك الحال مع طالب العلوم الشرعية , فإنه لو التزم بعدد محدد من الكتب المعتمدة في العلوم الشرعية , وأدمن النظر فيها , وكرر المذاكرة والمراجعة لها , واستمر على ذلك سنوات عديدة , فإنه سيأتي عليه وقت لا يحتاج فيه إلا إلى المراجعة السريعة وتقليب الأوراق والفصول .

نعم قد يجد طالب العلم صعوبة في المذاكرة الأولى , وربما في الثانية , ولكنه يكتشف أن تلك الصعوبة تقل في المذاكرة الثالثة , ثم تضعف في المذاكرة الرابعة , حتى يصل إلى مرحلة لا يجد فيها أي نوع من الشدة والصعوبة .

الأمر الثالث : أن يضيف طالب العلم إلى كتابه المتعمد في الفن كتابا آخر , بحيث يكتب الزيادات التي تضمنها في موضعها المناسب .

مثال توضيحي :

لو افترضنا أن طالب العلم اختار كتاب التوحيد متنا معتمدا في توحيد العبادة , واختار القول المفيد شرحا معتمدا له , فإنه يحسن به في المراجعة الثالثة أو الرابعة له أن يضيف إلى القول المفيد زيادة شرح من الشروح الأخرى , ثم يفعل ذلك مع شرح أو شرحين آخرين .

بحيث تكون مراجعاته القادمة ليست لشرح واحد , وإنما لشروح متعددة , وبذلك يحصل علما كثيرا جدا .
ولكن لا بد من التأكيد على ضرورة ضبط الشروح المزيدة ؛ لأن كثرتها قد تؤدي إلى تشتت الذهن وتبدده , ولذا اقترح ألا يزيد على شرحين أو ثلاثة فقط .

الأمر الرابع : أن يضيف طالب العلم إلى الكتاب المعتمد الشوارد والنوادر والفوائد التي يجدها في غير مظانها أثناء قراءته في الكتب الأخرى , بحيث يجعل ذلك الكتاب مخزنا لكل ما يقف عليه من نفائس العلم ودرره , وسيكتشف مع الأيام أن ذلك الكتاب تحول إلى منجم ضخم , فيه من أصناف الدرر وأنواع النفائس العلمية .

كيفية تطبيق برنامج الدرس والمذاكرة :

تطبيق برنامج الدرس والمذاكرة يختلف باختلاف حال طلاب العلم , واختلاف طبيعة حياتهم وعلاقاتهم , ولكن هناك مسلكان مقترحان لتطبيقه :

المسلك الأول : الورد اليومي , بحيث يحدد طالب العلم لنفسه وردا يوميا يلتزم به في المذاكرة المراجعة , ولا يقبل التفريط فيه أو التخلي عنه إلا لظروف قاهرة .

المسلك الثاني : الورد المتقطع , بحيث يحدد طالب العلم لنفسه ثلاث أوقات في السنة , يذاكر فيها الكتب المعتمدة جميعا , كما هو الحال في اختبارات الجامعات والمدارس , ثم يكرر ذلك في كل سنة في الكتب نفسها .

أو يحدد أوقاتا متفرقة في السنة ويقسم عليها المتون/ الكتب المعتمدة عنده , فيقوم في الفترة الأولى من السنة بمذاكرة خمسة متون فقط , وفي الثانية خمسة أخرى , وفي الثالثة خمسة أخرى , ثم يحدد وقتا لمراجعتها مجتمعة أو متفرقة .

تنبيه :

الالتزام بهذين المسلكين في تطبيق برنامج الدرس والمذاكرة ليس شرطا , فقد يكتشف طالب العلم طريقة تناسبه في المذاكرة والدرس , والمهم أن يلتزم طالب العلم بدوام المذاكرة في الكتب نفسها ودوام المراجعة لها .

توصيات وتنبيهات :

1-يفضل أن يتفرغ طالب العلم لكل فن من الفنون في المذاكرة والدرس حتى ينتهي منه , ثم ينتقل إلى فن آخر , ولا يجمع فنين في وقت واحد .

2-يمكن أن تقسم بعض الفنون الطويلة أو الصعبة , كعلم الفقه وعلم العقيدة وغيرهما , بحيث يبدأ طالب العلم في قسم المحدد منها , ثم يتركه إلى فن آخر ويذاكره ويراجعه , ثم يرجع إلى إكمال ما بقي من ذلك الفن في الوقت التي يحدد .

مثال توضيحي :

يمكن أن يقسّم طالب العلم الفقه إلى قسمين : قسم العبادات , وقسم المعاملات , فيذاكر فقه العبادات , ثم ينتقل إلى فن العقيدة والنحو والبلاغة وغيرها , ثم يرجع إلى قسم المعاملات فيكمله .

3-من المهم جدا أن يحرص طالب العلم على تقييد الأسئلة التي تمر به أثناء مذاكرته لما اعتمده من الكتاب , سواء كانت متعلقة بمسائل الكتاب أو أدلته أو غير ذلك , فإن تقييدها سيزيد من توقد ذهنه وفعاليته بحيث يكون متحفزا دائما إلى البحث والسؤال , وستكون تلك الأسئلة نافعة له أثناء تطبيقه لبرنامج القراءة والجرد .

4- يجب على طالب العلم أن يغلب جانب التفكر والتأمل في مسائل الكتاب التي يقوم بمراجعته ومذاكرته , ويقوم بتحليلها وتقسيمها وإعادة تركيبها ونحو ذلك من الطرائق , ولا يعتمد على مجرد الحفظ والمذاكرة فقط .

5-يمكن أن يطبق برنامج المذاكرة والمراجعة بصورة فردية , ويمكن أن يطبق بصورة جماعية , ولكل حال إيجابيات وسلبيات , والمقصود أن يحرص طالب العلم على كل السبل التي تعينه على الاستمرار في الالتزام بالبرنامج وكثرة الاستفادة منه .

6-لا يلزم أن يحدد طالب العلم الكتب المعتمدة في كل الفنون دفعة واحدة , بل يكفي أن يحدد بعضها , ويبدأ بها , ثم يحدد مع الوقت بعد سؤال أهل الاختصاص والخبرة في كل فن .

وكثير من الكتب التي تصلح أن تكون عمدة في دراسة علم كل معروف مستقر , ومع ذلك فإنه يجب على طالب العلم الحذر من الاستغراق في الجدل الواسع الذي يقع بين المختصين في المقارنة بين المتون وتفضيل بعضها على بعض , وعليه أن يركز على توفر الشروط التي ذكرت سابقا , فمتى ما وجدها متوفرة في كتاب فليعتمده ؛ لأن المتون ليست مقصودة لذاتها في التعلم .

7-الأكمل أن يلتزم طالب العلم بكتاب معتمد في كل الفنون التي سبق ذكرها , ولكن ذلك ليس شرطا , فإن أراد الاقتصار على بعض الفنون فله ذلك , ولكنه سيفوت على نفسه الكمال والخير الكثير , وسيكون بناؤه العلمي غير تام .

8- لا تعارض بين ما ذُكر في برنامج الدرس والمذاكرة وبين التخصص , فإن المتخصص في علم من العلوم يمكنه أن يكثف المادة المتعلقة بتخصصه في المذاكرة المراجعة .

9- يجب ألا يكثر طالب العلم على نفسه في أول دخول في برنامج القراءة والتحصيل , وليأخذ نفسه شيئا فشيئا , حتى يعود نفسه ويروضها .

10- قد ينقطع طالب العلم عن برنامج القراءة أو يجد من نفسه فتورا وضعفا , وقد يمكن ذلك أياما وأسابيع , وحصول هذا الأمر ليس مشكلا , بل هو أمر طبيعي جدا , ولكن المشكلة الاستسلام له والانخراط فيه , وترك المجاهدة والحرص على العودة إلى الالتزام بالبرنامج , وعليه أن يكثر من دعاء الله والالتجاء إليه في إصلاح حاله واستقامة أمره في طلب العلم والترقي فيه .

11- لا بد من المكاشفة والصراحة مع النفس ومحاسبتها بكل وضوح وموضوعية في مدى التزامها بالبرنامج المخطط المرسوم له , فليس العبرة أن يكون لدى الإنسان برنامج مرسوم , وإنما العبرة أن يكون مطبقا لذلك البرنامج ملتزما به , فهذا هو الذي يوصله إلى مبتغاه ومقصده .

12- التزام طالب العلم ببرنامج الدرس والمذاكرة لا يغني عن الاتصال بالشيوخ وأهل الخبرة والاختصاص , بل يجب عليه أن يكون دائم الاتصال بهم وكثير الحضور لمجال المجودين منهم .

13- ليس هناك قدر محدد من المذاكرة والدرس , سواء في حجم المادة أو في وقتها , وكل طالب علم يحدد ما يناسبه من ذلك , والمهم أن يحرص طالب العلم على القدر الذي يحقق له الضبط والإتقان لما يدرسه ويذاكره من العلوم .



المكون الثاني
برنامج القراءة والتحصيل
مفهومه :

هو أن يجعل طالب العلم لنفسه ترتيبا محددا منضبطا في قراءة الكتب وتحصيل الفوائد والأفكار التي فيها , ويجعل له قائمة يسجل فيها كل الكتب التي يرغب في قراءتها , ويلزم نفسه بتلك القائمة , ولا ويفرط فيها إلا في الأحوال القاهرة .

فقراءة طالب العلم لا بد أن تكون منظمة مرتبة , ولا يصح له أن يقرأ قراءة عشوائية لا زمام لها ولا خطام , فإن التأصيل والتقعيد لا بد فيه من الترتيب والتنسيق .

فطالب العلم الجاد , الحريص على أن يكون بناؤه العلمي متسقا منضبطا , والقاصد إلى أن يصل في العلم إلى مرحلة النبوغ والعمق لا يقرأ في الكتب كيفما اتفق , ولا يبادر إلى قراءة أي كتاب بمجرد أن يقع بين يديه , ولا يبدأ في مطالعة ما يقتنيه من الكتب من حين شرائه , ولا يحرص على كثرة المقروء من غير تمحيص وترتيب , وإنما هو يرتب الكتب التي يرغب في قراءتها بطريقة منظمة , بحيث أن كل كتاب يأخذ مكانه من القائمة , ويُقرأ إذا حان وقته ووصل دوره منها .

فبرنامج القراءة والتحصيل لا بد فيه من شرطين أساسيان :

الشرط الأول : تحديد الكتب التي سيقرؤها طالب العلم وترتيبها وتنسيقها , بحيث تقرأ مرتبة منسقة لا يتقدم أحدها على الآخر إلا في حال الضرورة .

الشرط الثاني : تحديد المدة الزمنية التي سيلتزم فيها طالب العلم بقراءة الكتب التي قام بتحديدها وترتيبها , بحيث تكون وردا لا يقبل التنازل عنه إلا في الظروف القاهرة .

ولا بد من توفر الشرطين معا , والتفريط في واحد منهما يؤدي إلى إحداث خلل كبير في هيكل برنامج القراءة بأكمله .

أهمية برنامج القراءة وضرورته :

تكمن أهمية الالتزام ببرنامج القراءة والتحصيل في أنه يعد من أهم الوسائل التي تخلص طالب العلم من آفتين من أخطر الآفات المدمرة للمشروع العلمي, وهي :

الآفة الأولى : التفريط في القراءة , فإن كثيرا من طلبة العلم تجده حريصا على حضور الدروس العلمية , ومهتما كثيرا بالاستماع إلى المحاضرات , ويواظب بشدة على متابعة مواقع التواصل , ولكنه لا يكاد يلتزم ببرنامج واضح المعالم في قراءة الكتب والاطلاع عليها , فلا يكاد يعرف القراءة إلا في الدرس أو مع الأصحاب أو في أوقات معارض الكتب أو إذا زار المكتبات فقط .

وهذه إحدى أقوى الآفات التي دمرت كثيرا من طلبة العلم وعطلت تطورهم وساهمت بشكل كبير في تدني مستوياتهم في العلم والتحصيل .

فإنه مهما كان طالب العلم حريصا على الحضور للدروس العلمية , ومكثرا من الجلوس فيها , فإنه لن يرتقي في معارج العلوم الشرعية ما لم يكن مجتهدا في القراءة ومطالعة الكتب بنفسه .

الآفة الثانية : الفوضى في القراءة , فإن كثيرا من طلبة العلم لديهم همة في القراءة ومطالعة الكتب , ولكنهم فوضويون لا يكاد تعرف لهم طريقة ولا يستقرون على سمت محدد , وإنما تراهم يكثرون التنقل بين الكتب من غير رؤية ولا منهاج ولا ترتيب .

وهذا السلوك لا ينفع طالب العلم كثيرا , ولا يوصله إلى مرحلة النبوغ في التقعيد والتأصيل في العلوم الشرعية , وإنما قد يوصله إلى مرحلة من سعة الاطلاع وكثرة المعارف والأفكار , يكون فيها مشاركا في الثقافة والمعرفة , وهذه المرحلة ليست مقصودة في البناء العلمي الشرعي , وإنما المقصود فيها أن يكون الإنسان بالغا إلى مرحلة يضبط فيها أصول العلم ويستحضرها , ويميز بين المنطلقات والأصول وبين ما يبني عليها , ويملك قدرة على فهم المسائل وتأصيلها والاستدلال عليها والتفريع على مقتضياتها , وتحقيق ذلك لا يكون في العادة إلا بالقراءة المنظمة الواعية المدروسة .

أيهما يقدم برنامج الدرس والمذاكرة أم برنامج القراءة ؟!

هذا السؤال غلط , لأنه لا يسأل عن التقديم إلا في حال التعارض , ولا يوجد تعارض بين برنامج الدرس والمذاكرة وبرنامج القراءة والتحصيل , بل كل واحد منهما مكمل للآخر , ويسيران في خطين متوازيين , وهما ركنان أساسيان من أهم أركان البرنامج العلمي الناضج.

ومع ذلك يمكن أن يقال : إن طالب العلم في أول طريقه في الطلب يغلب مقدار اهتمامه ببرنامج الدرس والمذاكرة أكثر من برنامج القراءة , فالتغليب هنا مرحلي فقط .

طرق تفعيل برنامج القراءة والتحصيل :

لا يؤتي برنامج القراءة والتحصيل أكله ولا يحقق أثره في طالب العلم إلا إذا التزم طالب العلم بالأمور التالية :

الأمر الأول : أن يحدد طالب العلم الكتب التي سيقرؤها بوضوح , ويفضل أن يكتبها في قائمة خاصة , فيبدأ بقراءة الكتاب الأول فيها , ثم ينتقل إلى الكتاب الذي يليه , وهكذا إلى أن ينتهي من القائمة المكتوبة لديه .

الأمر الثاني : أن يحدد طالب العلم الوقت الزمني الذي سيقوم فيه بقراءة الكتب التي وضعها في القائمة , ويجعل ذلك الوقت وردا ملزما لا يقبل التفريط فيه إلا في حالات قاهرة.

الأمر الثالث : تقييد الأفكار والفوائد المستفادة من الكتب المقروءة , وحسن تقييدها , وإتقان كتابتها , ومعرفة ذلك يمكن أن يحصله طالب العلم من خلال قراءته للكتب التي ألفت في هذا الشأن أو من خلال سؤال أهل الخبرة , ويمكن لطالب العلم أن يكتشف طريقة تناسبه في ذلك .

الأمر الرابع : المراجعة الدائمة لما كتبه من فوائد الكتب المقروءة , فيجعل طالب العلم لنفسه وقتا محددا يقوم فيه بمراجعة أصول الكتب التي قرأها , ويطالع ما كتبه من الفوائد المستخلصة منها , فإن ذلك أدعى إلى استحضار أكبر قدر منها .

الأمر الخامس : نقل الأفكار والفوائد التي وجدها طالب العلم في غير مظانها إلى المواضع التي تناسبها في الكتب المعتمدة لديه في برنامج الدرس والمذاكرة , فيكون برنامج القراءة رافدا من فوائد تفعيل برنامج الدرس والمذاكرة وتطويره وتعميقه .

مثال توضيحي :

لو افترضنا أن طالب العلم كان يقرأ في بحث من البحوث المتعلقة بعلوم التفسير , ووجد فيه فائدة محررة تتعلق بباب الرقية والتمائم , فإنه ينبغي عليه أن ينقلها إلى موضعها من الكتاب التي اعتمده في مذاكرة مسائل توحيد العبادة , وهكذا في كل المسائل والأفكار.

شروط قائمة الكتب المقروءة :

إذا كان برنامج القراءة والتحصيل يتبوأ مكانة عالية في طريق الترقي إلى تحصيل العلوم الشرعية , فإنه لا بد من ضبطه بشروط محددة حتى يتمكن طالب العلم من تحصيل الفائدة المرتبة عليه , ومن أهم شروط قائمة الكتب التي يقوم طالب العلم بتحديها شرطان أساسيان :

الشرط الأول : الشمول , فقائمة الكتب التي ينبغي على طالب العلم قراءتها ومطالعة ما فيها يجب أن تكون شاملة لكل المجالات التي لها تعلق بالعلوم الشرعية , فدائرة الكتب تستحق القراءة من طلاب العلم واسعة جدا , تشمل العلوم الشرعية بأنواعها والعلوم اللغوية والتاريخية والاجتماعية والنفسية والأدبية والفكرية وغيرها .

ومن أخطر الأمور على عقل طالب العلم أن يضيق دائرة الكتب التي سيقرؤها , فترى بعض طلبة العلم لا يقرأ إلا في العلوم الشرعية فقط , ويعرض عن كتب اللغة وفقهها أو كتب التاريخ , وغيرها , وهذا الاختزال له آثار سيئة على عقل طالب العلم وتصوره للمسائل وفهمه لها .

الشرط الثاني : التنوع , فلابد أن ينوع طالب العلم في طبيعة الكتب التي يقرأها , فيقرأ في كتب المتفقين معه في المنهج والرؤية , ويقرأ في كتب المختلفين معه في المنهج والرؤية , ويقرأ في كتب المتقدمين , وفي كتب المتأخرين , وفي الكتب المعقدة وفي الكتب السهلة , وفي الكتب المطولة في الكتب القصيرة , وفي الكتب المترجمة , وفي غيرها , فكل ما فيه نفع له في مشروعه ويقدم له مادة تساعده على تطويره فكره وعمق تصوره , فإنه ينبغي عليه أن يقوم بقراءته .

ولكن بعض طلبة العلم ضيق من دائرة مقروآته , فتجده لا يقرأ إلا لمن يتفق معه في الرؤية والمنهج البحثي والمعرفي أو تجده لا يقرأ إلا في كتب المتقدمين فقط أو لا يقرأ إلا في كتب المعاصرين فقط , وكل ذلك اختزال مضر بعقل طالب العلم تصوره وفهمه للمسائل .

معايير الكتب التي تدرج في برنامج القراءة والتحصيل :

من الصعب جدا تحديد قائمة الكتب التي ينبغي على طالب العلم أن يلتزم بقراءتها , فإن ذلك يختلف باختلاف طبيعة طلاب العلم وطبيعة مستواهم العلمي وطبيعة بلدانهم وطبيعة التخصصات العلمية , فالمتخصص في علم الفقه له قائمة من الكتب تناسبه , والمتخصص في العقيدة له قائمة تناسبه , وهكذا في كل العلوم الأخرى , ولأجل هذا كله قصدت إلى عدم ذكر قائمة مقترحة , وإنما سأذكر عددا من المعايير التي تساعد على تحديد نوع الكتب التي تستحق أن تدرج ضمن قائمة القراءة , ومن أهم تلك المعايير :

المعيار الأول : كتب الأصول والأمهات في كل علم أو في كل مسألة , فكل كتاب يعد أصلا في علم من العلوم , فإنه لا بد لطالب العلم من قراءته والاطلاع عليه , ومعرفة الكتب الأصول في كل علم يرجع فيه إلى أهل الاختصاص والخبرة .

ويدخل في كتب الأمهات الكتب المؤسسة للعلوم , التي تعد أصلا ينطلق منه المؤلفون اللاحقون , فلا بد ان يحرص طالب العلم كثيرا على هذا النوع من الكتب .

والمشكل البنائي أن كثيرا من طلاب العلم ابتعد عن الكتب الأصول والأمهات , وانشغل بغيرها , وتمر عليه سنوات عديدة , وهو لم يقرأ شيئا من الكتب الأصول في كل علم , أو لم يقرأ ما يناسب مرحلته من عددها .
وترى بعضهم يقرأ في مسألة من المسائل عددا من الكتب ليس منها الكتاب الذي يعد أصلا فيها , وهذا خلل مضر جدا بالتكوين العلمي .

المعيار الثاني : كتب المتقدمين من العلماء , فإن لكتب المتقدمين من العلماء منزلة عالية في التكوين العلمي , وفوائد الاطلاع عليها كثيرة على طالب العلم , سواء من جهة لغة الخطاب أو من جهة تاريخ الأفكار أو من جهة تطورات المسائل , أو غيرها .

المعيار الثالث : كتب المحققين من المتأخرين , من المؤلفات التي لا بد لطالب العلم أن يحرص على قراءتها ما ألفه العلماء الذين عرفوا بالتحقيق والتدقيق من المتوسطين والمتأخرين , وعددهم كثير في تاريخ الإسلام , كابن تيمية ابن القيم والذهبي وابن كثير وابن رجب والشاطبي وابن حجر وغيرهم كثير .

المعيار الرابع : كتب المؤثرين , هناك علماء كان لهم أثر عميق فيمن جاء بعدهم , سواء من المتقدمين أو المتأخرين , وقد لا يكونون من المحققين المبرزين , كالغزالي وغيره , فمن المهم جدا أن يطلع طالب العلم على أكبر قدر من نتاجهم ليتعرف على منهجهم ويبني تصورا ممتازا عن طريقة تفكيرهم

المعيار الخامس : كتب المجودين من المعاصرين , ومن المؤلفات التي ينبغي على طالب العلم أن يحرض على قراءتها ما كتبه المجودون من المعاصرين في شتى المجالات , فيجعل طالب العلم في قائمة ما سيقرؤه أكبر قدر ممكن منها , فإن الاطلاع على مناهج المجودين وطريقهم من أقوى ما يفتح آفاق التجويد والإتقان عند طالب العلم .

المعيار السادس : الكتب المنهجية , والمراد بالكتب المنهجية المصنفات والبحوث التي اهتمت بالقضايا المتعلقة بمنهج الاستدلال والتحليل والجدل والمناظرة وغيرها , كالكتب التي ألفت في مصادر الاستدلال في العقيدة ومصادر الاستدلال عند المذاهب الفقهية ومدارس أصول الفقه والكتب التي تناولت المغالطات المنهجية والكتب التي ألفت في تحليل طرائق المحققين من الفقهاء والمفسرين واللغويين ونحوهم , وغير ذلك من الكتب المنهجي , والاطلاع على هذا النوع من المصنفات نافع جدا في ضبط تصور طالب العلم وإتقان منهجه الاستدلالي والجدلي .

المعيار السابع : الكتب المحورية , ظهرت في الفكر الإسلامي في القديم والحديث كتب كانت محل جدل وسجال واسع بين الناس , وأضحت تلك الكتب تمثل حالة محورية مهمة , فلا يليق بطالب العلم القاصد إلى التميز والعمق في الإدراك أن يعرف عنها , بل ينبغي له الحرص عليها والاطلاع على مضمونها بنفسه ليشكل تصوره ومواقفه بشكل منضبط دقيق .

ومن الأمثلة على ذلك كتاب : "المصطلحات الأربعة" , الذي ألفه أبو الأعلى المودودي , فإن هذا الكتاب يعد كتابا محوريا في القضية التي عالجها , وقد طرح فيه مؤلفه منهجية جديدة في التعامل مع مفهوم العبادة والحاكمية , فلا بد لطالب العلم أن يكون مطلعا على هذا الكتاب ومدركا لما فيه .
وليس المقصود من هذا المثال تأييد ما في الكتاب أو تصحيحه , وإنما غاية ما في الأمر أنه استعمل مثالا توضيحيا لفكرة معيار الكتب المحورية .

ولو تتبع طالب العلم الساحة الشرعية والفكرية فإنه سيجد عددا لا بأس به من الكتب متصفة بهذه الصفة "المحورية والمركزية" .

المعيار الثامن : كتب تاريخ العلوم , ما من علم من العلوم إلا وله تاريخ يخصه , وقد كتب فيه المختصون كتبا كثيرا , فلا بد لطالب العلم أن يطلع على هذا النوع من المؤلفات ويكون في قائمة مقروآه قدرا كبيرا منها , فهو من أقوى ما يساعد على تصبر مسائل العلم وفقه تطوراته وتراكماته .

المعيار التاسع : الكتب المتعلقة بمشكلات الواقع , فمن أهم السمات التي ينبغي على طالب العلم الاتصاف بها في بنائه العلمي التعرف على الواقع الذي يعيش فيه , وطبيعة الأفكار المطروحة في أجوائه , ونوع النوازل والقضايا التي يتحدث فيها الناس وتهمهم , فإن ذلك من أقوى ما يؤدي إلى خروجه من الغزلة والانقطاع عن الواقع , ومن أشد ما يجعل علمه وتحصيله مثمرا في الحياة .

فمن خلال هذه المعايير يستطيع طالب العلم أن يكوّن قائمة من الكتب ممتازة جدا , تكون عونا له في الترقي إلى معارج العلوم الشرعية , والتعمق في الفكر والتحليل والاتساع في التفكير والتأمل وبناء التصورات الصحيحة والاستدلالات المستقيمة .

ومن الملاحظ أن من أكثر الأسئلة التي يسألها طلبة العلم السؤال عن قائمة مقترحة من الكتب , وانتشار هذا السؤال مؤشر على أن كثيرا من طلبة العلم أضحى مهموما بما يقدم له من وصفات جاهزة , ولا يراعي المعايير التي تبنى عليها تلك الوصفات .

ومع التسليم بأن عدم معرفة القوائم المناسبة سبب من الأسباب المؤدية إلى الضعف في التحصيل والبناء العلمي , ولكن السبب الأشد تأثيرا في مشكلة البناء العلمي يرجع إلى عدم الالتزام بالمنهجية الصحيحة في التحصيل والقراءة , وعدم ضبط المعايير التي يحاكم إليها قائمة المقروآت من الكتب .

ولأجل هذا ركزت في هذه الورقة على تقديم المعايير أكثر من تقديم قائمة جاهزة من الكتب , لأن التركيز على المعايير ينقل تفكير الطالب من مجرد التلقي والسلبية إلى مرحلة النباهة والمشاركة .
واهتمام طالب العلم بهذه المعايير له فوائد كثيرة على فكره , فإن تركيزه عليها يجعل ذهنه في حالة دائمة من التأمل والتفكر والتمحيص والتدقيق , ويصيره في سؤال دائم للمختصين والخبراء , وحوار معمق معهم في ضبط تلك المعايير وموازنتها , وهذا خير له من أن يعطى قائمة من الكتب يقوم بقراءتها من غير أن يشارك في تحديدها وضبطها .

فإن قيل : ولكن طالب العلم قد لا يعرف المعايير ولا يحسن تطبيقها فلا فائدة من الاقتصار عليه ولا بد من ذكر قائمة الكتب المقترحة ؟

قيل : الأمر ليس كذلك , فإن العلم بالمعايير وتركيز النظر فيها سيحدث تغييرا جوهريا في طريقة تفكير طالب العلم وطبيعة أسئلته لأهل الخبرة والاختصاص , فإنه إن علم بالمعايير وأدرك أهميتها يصبح تفكيره مركزا بشكل كبير جدا , وتمسي أسئلته معمقة ودقيقة , ويتخلص من الأسئلة العامة عن الكتب , فلا تجده يقول مثلا : ما الكتب التي توصي بها؟ , وإنما تجده يقول : ما الكتاب الذي يعد أصلا في مسألة كذا؟ وما الكتاب الذي يعد من أمهما علم التفسير مثلا؟ , وما أفضل كتاب في مهج الاستدلال عند الحنفية مثلا؟ أو عن علماء الأصول؟ , ونحو ذلك من الأسئلة المدققة المعمقة .

فوائد برنامج القراءة والتحصيل :

الفوائد التي يجنيها طالب العلم من الالتزام ببرنامج القراءة والتحصيل بالشروط والأوصاف السابقة كثيرة جدا , ويمكن أن نجمل أهمها في الأمور التالية :

الأمر الأول : توسيع مدارك طالب العلم العقلية , وتمديد مساحات تفكيره وتأمله , وفتح الفضاءات الواسعة أمام ناظريه , وكلما ازداد طالب العلم توسعا في القراءة وتوسعا في دوائرها ومجالاتها ازدادت مداركه توسعا ومساحات تفكيره تمددا .

الأمر الثاني : إمداد البرنامج الذي اعتمد في المذاكرة والدرس بالنفائس من العلوم والنوادر والشوارد من الأفكار , وتحويل كتبه التي يذاكر فيها إلى مخازن واسعة من الأفكار النفسية ومناجم ضخمة من المعاني العالية .

الأمر الثالث : التعرف بشكل واسع على مظان الأفكار ومواطن المعاني , فيكتشف طالب العلم إذا احتاج إلى بحث مسألة ما –ولا بد أن يحتاج إليه- أنه يعرف عنها عشرات المراجع والبحوث , وقد لا يشعر طالب العلم بأهمية هذه الفائدة إلا إذا مارس عملة البحث العلمي بالفعل .

وكثير من طلبة العلم يجد صعوبة بالغة جدا في التعرف على مظان المعلومات ومواطنها من الكتب , ويتسبب ذلك في عزوف كثير منهم عن الدخول في البحوث العلمية , ولو كان ملتزما ببرنامج علمي منظم مرتب جاد , فإنه لن يجد تلك الصعوبة البالغة في التعرف عن مظان المعاني والأفكار .

الأمر الرابع : تحقيق التوازن في القراءة والتحصيل , فبعض طلبة العلم لديه جد في مطالعة الكتب , ولكنه يفقد التوازن , فتراه تمر عليه الأشهر وربما السنون وهو متقوقع في دائرة ضيقة من العلوم لا يقرأ في غيرها إلا قليلا , ولو كان لديه برنامج علمي مرسوم بدقة , فإنه سيصل إلى درجة من التوازن الجيد في طبيعة المقروآت وطبيعة ما يطالعه من المصنفات .

الأمر الخامس : التخلص من الظاهرة الجديدة التي أخذت في الانتشار, وهي أن كثيرا من طلبة يعرف معلومات عن الكتاب – اسمه ومحققه وعدد مجلدات وغير ذلك – أكثر مما يعرف عن المعلومات التي احتوى عليها الكتاب , وترى بعضهم يجد في معرفة ذلك متعة وتسلية يسلي بها نفسه .

وانتشار هذا النمط مضر جدا , لأن هذه الحالة لا تؤدي إلى العلم ألبتة ؛ فمعرفتك بما تحويه حقائب الآخرين من كنوز لا يعني أنك تملك تلك الأموال , وكذلك الحال في معرفتك بما يتعلق بالكتب وطبعاتها لا يعني أنك تعلم بما فيها .

والعلم بما فيها يحتاج إلى قدر كبير من الجد والاجتهاد والحرص والبذل في المطالعة والقراءة وتقييد الفوائد والأفكار .

كيفية تطبيق برنامج القراءة والتحصيل :

تطبيق برنامج القراءة والتحصيل يمكن أن يكون بكيفيات متعددة , وهو يختلف باختلاف حال طلاب العلم , واختلاف طبيعة حياتهم وعلاقاتهم , ولكن هناك مسلكان مقترحان لتطبيقه :

المسلك الأول : عن طريق عدد الصفحات , بحيث يحدد طالب العلم عددا من الصفحات , ويلزم نفسه بقرائها في اليوم .

المسلك الثاني : عن طريق المدة الزمنية , بحيث يحدد طالب العلم مدة زمنيا منضبطة – ولتكن ساعة واحدة في اليوم أو ساعتين- , ويلزم نفسه بالقراءة فيها .

والمسلك الثاني أولى وأكمل ؛ لأنه يمكن ضبطه وحسمه , وأما عدد الصفحات فإنه يختلف باختلاف حجم الكتاب وحجم الخط طبيعة الكلام المكتوب ونحو ذلك .

تنبيهات وملاحظات :

1-لا بد أن يراعي طالب العلم في تحديد قائمة الكتب التي سيقرؤها مستواه العلمي ومرحلته في التعلم , فلا يختار من الكتب إلا ما يتناسب معه حاله , ويمكن أن يتعرف على ذلك بسؤال أهل الخبرة والاختصاص القريبين منه العارفين بحاله , أو من أصحابه وأصدقائه الذين سبقوه في التعلم .

2- لا بد أن يختار طالب العلم في كل مجال من المجالات كتبا محددة ويجعلها مرتكز نظره ومحل مراجعته الأولية والدائمة في بحث مسائل كل علم , فمع كثرة الكتب وتوسع دائرة يكاد يتعذر على طالب علم أن يقرأ كل ما أنتج حول العلوم الإسلامية , من أفضل الحلول في التغلب على هذه المشكلة تحديد قدر من الكتب لتكون محلا للنظر الدائم والقراءة المستمرة , فيختار في علم التفسير مثلا ثلاثة تفاسير أو أربعة ويجعلها محل نظره وقرائته , ويكرر قراءتها مرة او مرتين أو أكثر , وهكذا في كل العلوم .

3- لا بد أن تكون لدى طالب العلم طريقة منضبطة ومتحدة في تقييد الفوائد التي يستخلصها من الكتب التي سيقرؤها , وليحذر من تعدد المنهجيات والطرائق في ضبط ما سيستفيده , وكل قارئ يمكنه أن يحدد الطريقة التي تناسبه , ويمكن يستعين بأهل الخبرة أو الأصدقاء أو الكتب والمحاضرات التي تتعلق بهذا الموضوع .

4- المدة الزمنية التي يحدد القارئ لنفسه , يمكن أن ينقلها في فترات اليوم المختلفة , حسب ما يناسبه , فقط تكون في حالة من الحالات في فترة الصباح , وقد يكون من الأنسب نقلها إلى فترة العصر أو المساء ,
ويمكن لطالب العلم أن يفرق مدة القراءة على فترات اليوم , فجعل جزءًا منها في الصباح مثلا وجزءًا منها في المساء .
والمهم في ذلك كله أن يحدد طالب العلم الوقت الأنفع له والأدعى إلى استمرار التزامه ودوامه على مشروعه .

5- يمكن تطويل مدة القراءة وتقصيرها , في بعض الأحيان يستطيع طالب العلم أن يجعل مدة القراءة لديه ثلاث ساعات في اليوم , وفي بعض الأحيان لا يستطيع إلا في ساعة واحدة فقط .

6- يمكن لطالب العلم أن يقسم الكتب الطويلة في القراءة , فالكتاب الذي يتكون من أربعة مجلدات مثلا , يمكن أن يقرأ المجلد الأول والثاني منه في شهر والمجلد الثالث والرابع منه في شهر , ونحو ذلك .

7-لا بد من إتمام قراءة الكتاب الذي أدرجه طالب العلم في قائمة القراءة , وليحذر من الانتقال عن الكتاب قبل قراءته إلا في حالات نادرة جدا .

8-يفضل تحديد قائمة كتب القراءة على دفعات , فلا يقوم طالب العلم بتحديد الكتب التي سيقرؤها دفعة واحدة , وإنما يحددها على دفعات متباعدة , فلا يزيد عن تحديد عشرة إلى خمسة عشر كتابا , ثم إذا قارب الانتهاء منها يحدد مثلها وهكذا , هذه الطريقة تساعد طالب العلم على ضبط مقروآته من الكتب وإتقانها .

9- بعض الكتب لا بد من تكرار قراءتها لأهمتها أو لغزارة أفكارها أو لأي سبب آخر , والمهم أنه متى ما وجد طالب العلم حاجة إلى إعادة قراءة كتاب ما أو رأى أن ذلك مفيد له , فليفعله من غير تردد .

10- يجب ألا يكثر طالب العلم على نفسه في أول دخول في برنامج القراءة والتحصيل , وليأخذ نفسه شيئا فشيئا , حتى يعود نفسه ويروضها .

11- من أخطر ما يصاب به طالب العلم أن يحدد قائمة مقروآته بناء على رغبات الآخرين وأعمالهم , فتجد بعض طلبة العلم يتتبع مواقع التواصل الاجتماعي وكلما وجد شيخا أو مثقفا أو طالب علم أثنى على كتاب بادر إلى البحث عنه وقراءته .

وهذا خلل كبير , لا يؤدي إلا إلى تشتت الجهود وضياع التوجه الصحيح نحو الهدف المقصود ؛ لأن طالب العلم سيجعل الآخرين يتحكمون في جدوله وتحديد أولوياته .

ولا أحد ينكر أهمية الاستفادة من مقترحات الآخرين من أهل الخبرة والسبق , وضرورتها وعميق نفعها , ولكن ذلك لا بد أن يكون ممنهجا بطريقة صحيحة , بحيث لا يؤدي إلى ضياع البرنامج الذي ألزم طالب العلم به نفسه ولا إحداث الخلل فيه .

12- قد ينقطع طالب العلم عن برنامج القراءة أو يجد من نفسه فتورا وضعفا , وقد يمكن ذلك أياما وأسابيع , وحصول هذا الأمر ليس مشكلا , بل هو أمر طبيعي جدا , ولكن المشكلة الاستسلام له والانخراط فيه , وترك المجاهدة والحرص على العودة إلى الالتزام بالبرنامج , وعليه أن يكثر من دعاء الله والالتجاء إليه في إصلاح حاله واستقامة أمره في طلب العلم والترقي فيه .

13- لا بد من المكاشفة والصراحة مع النفس ومحاسبتها بكل وضوح وموضوعية في مدى التزامها بالبرنامج المخطط المرسوم له , فليس العبرة أن يكون لدى الإنسان برنامج مرسوم , وإنما العبرة أن يكون مطبقا لذلك البرنامج ملتزما به , فهذا هو الذي يوصله إلى مبتغاه ومقصده .

14- مع ضرورة التأكيد على شمولية برنامج القراءة وتنوعه , إلا أن المتخصص في علم من العلوم ينبغي له أن يزيد من كمية الكتب المتعلقة بتخصصه , ويجعل لها المساحة الأكبر , حتى يتمكن من المطالعة لأكبر قدر من المصنفات التي تعينه على التعمق في تخصصه.

15- يفضل أن يكون بين قائمة الكتب المقروءة كتابا أو عدد من الكتب التي تعين على شحذ الهمم , وشدة العزيمة في طلب العلم , ككتاب صفحات من صبر العلماء , عبدالفتاح أو غدة , وكتاب قيمة الزمن عند العلماء , عبدالفتاح أو غدة , وكتاب المشوق إلى القراءة , علي العمران , وغيرها , وطالب العلم لا بد أن يكون دائم الاتصال بهذا النوع من الكتب , لأنها من خير ما يعونه على الاستمرار والالتزام بمشروعه .

اكتمل الجزء الأول , ويتبعه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى .

لمن رغب في التواصل مع الكاتب حول هذه الورقة , والجواب عن الأسئلة المتعلقة بها والنقاش حولها يرجى إرسال رسالة عبر الرسائل الخاصة في الفيس أو في تويتر .

الشيخ سلطان العميري

فريق منتدى الدي في دي العربي
06-17-2016, 04:57 AM
الدورات المكثفة لحفظ القرآن الكريم نظرة تقويمية

. د. إبراهيم بن صالح الحميضي


إن حفظ القرآن الكريم من أجلّ القربات ، وأفضل الطاعات ، وأهم المهمات .
وحَمَلَةُ القرآن هم أرفع الناس قدراً ، وأشرفهم علماً ، وأقومهم طريقاً .
وقد حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته على حفظ القرآن الكريم ، ومدارسته وتعلمه وتعليمه ، وبيّن فضل أهله وحملته ، والأحاديث في هذا الباب معلومة مشهورة .
وقد اعتنى المسلمون بكتاب ربهم عناية فائقة ، تميزوا بها على من سبقهم من الأمم ؛ حيث تنافسوا في قراءته وحفظه ، وتسابقوا إلى دراسته ، والعمل به .
وقد ظل هذا الكتاب الكريم على مرّ القرون منذ نزوله إلى يومنا هذا محفوظاً في الصدور ، كما هو مكتوب في المصاحف ، يأخذه اللاحق عن السابق ؛ فالحمد لله على منته وفضله .
وفي هذا العصر وجدت أساليب جديدة لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه ، نفع الله بها ، وكان لها أثر كبير في خدمة هذا الكتاب العزيز وتسهيل تعلمه .
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة طريقة جديدة لحفظ القرآن الكريم ، وهي حفظه عن طريق الدورات المكثفة في شهر ، أو شهر ونصف ، أو شهرين ؛ حيث فتحت أبوابها لمن يريد حفظ القرآن الكريم في هذه المدة الوجيزة ، ولا سيما في الإجازة الصيفية ، وكان من أهم الدواعي لظهور الدورات المكثفة لحفظ القرآن الكريم ما يحصل في بعض حِلَق ومراكز التحفيظ من إطالة لمدة الحفظ ، وعدم عناية بالنابهين والجادين من الطلاب والطالبات .
ونحن نشكر الإخوة القائمين على هذه الدورات على جهدهم وحرصهم الكبير على دعوة الناس إلى حفظ كتاب الله تعالى ، وتيسير السبل الموصلة إلى ذلك ، ونسأل الله تعالى أن يثيبهم على ذلك ، ويسدد خطاهم .
وقد كان لهذه الدورات ثمرات طيبة من أهمها :
1 - إظهار يسر حفظ القرآن الكريم لمن أقبل عليه بعزيمة وصدق .
2 - فتح المجال لمن أراد حفظ القرآن الكريم من أصحاب الأعمال ، والمهن ، والارتباطات الدائمة ، والذين لا يتيسر لهم ملازمة الشيوخ طيلة العام .
3 - بعث الهمم ، وإيجاد الفرصة لمن تقدمت به السن ، وظن أن وقت الحفظ قد فات ، وزمن التحصيل ولَّى .
ولكن وجود هذه الميزات لا يلزم منه بقاء هذه الدورات على وضعها الحالي دون تهذيب ، ومراجعة وتقويم .
قد يبهرنا النجاح اليسير الذي نحققه في عمل ما عن الخلل الكبير الذي يتخلل ذلك النجاح .
وقد تصرفنا كلماتُ الإطراء التي نسمعها من بعض الفضلاء عن مراجعة أنفسنا ، وتقويم أعمالنا .
إننا نؤيد ونشجع كل جهد مخلص ، وأسلوب جديد يساعد في تعليم القرآن ، وحفظه ودراسته ، ولكن بشرط أن يكون مبنياً على دراسة وافية ، ورؤية واضحة ، وليس على ردود أفعال ، أو عواطف جياشة ، ونظرات قصيرة .
إنني ومن خلال متابعتي لبعض هذه الدورات في مناطق مختلفة ، ولقائي بالقائمين عليها وطلابها ، وقراءة بعض خريجيها عليَّ ، وسماع رأي بعض المتخصصين بتعليم القرآن فيها ، أرى أنها بحاجة ماسة لإعادة النظر فيها ، وتقويمها تقويماً شاملاً ، وقياس مخرجاتها ، ومعرفة مدى ملاءمتها لما يبذل فيها من أموال وجهود .
هذا وقد ظهر لي عدد من الملحوظات والمآخذ العلمية والتربوية على هذه الدورات ومخرجاتها ، وقبل بيان هذه الملحوظات أُنبه إلى أمرين هامين :
الأول : أن كثيراً من طلاب هذه الدورات لا يصدق عليهم أنهم حفظوا القرآن في شهر أو شهرين ؛ فإن عدداً غير قليل منهم قد أتموا حفظ القرآن ، أو أكثره ، أو نصفه قبل دخولها ؛ حيث أمضوا في حِلَق التحفيظ بضع سنوات ، تعلموا فيها ، وتربوا وتدربوا على الحفظ ، حتى إذا ما نضجوا وقَرُبَ زمن الحصاد ، التحقوا بهذه الدورات ، وتخرجوا فيها ، وكانوا هم النماذج المقدَّمة لها ، ولا شك أن في هذا إيهاماً للطلاب الجدد ، وأولياء أمورهم ، والداعمين لهذه الدورات ، كما أن فيه هضماً لجهود مدرسي ومشرفي حِلَقهم الأصلية الذين تعبوا في تربيتهم وتذليلهم للحفظ ، وترغيبهم فيه ، وهذا الصنف قد لا تنطبق عليهم الملحوظات التي سأذكرها .
الثاني : أني لا أنكر أنه يوجد من يستطيع حفظ القرآن في شهرين أو نحو ذلك ، ويكون قادراً على مراجعته وضبطه ، وقد ذُكر أن العلاَّمة الشيخ عبد الرحمن بن محمد الدوسري [ ت : 1399 هـ ] قد حفظ القرآن في شهرين ، وذلك حينما اشتكى عينيه ، وخشي ذهاب بصره ، ورأيت من الطلاب من عنده القدرة الفائقة على الحفظ والاستذكار في مدة وجيزة ، ولكن هذا أمر نادر .
والملاحظ أن هذه الدورات مفتوحة للجميع رجالاً ونساءً ، صغاراً وكباراً ، بل إن التسجيل في بعضها يتم عن طريق شبكة المعلومات ( الإنترنت ) ، وهي وإن كانت تضع شروطاً للقبول ؛ فإنها غير كافية ، ثم إن هذه الشروط كثيراً ما يُتساهل فيها لسبب من الأسباب ، لا سيما مع كثرة هذه الدورات ، والاهتمام بِالكَمّ .
أهم الملحوظات :
1 - عدم إتقان الحفظ : فإن من المعلوم شرعاً وتجربةً أن القرآن سريع التفلّت ، ولا سيما الحفظ الجديد ؛ فهو يحتاج إلى تكرار كثير ، ووقت طويل حتى يثبت ، وهذا لا يمكن أن يكون في شهر أو شهرين ، مع أن الطالب في هذه الدورات مشغول بالحفظ الجديد الذي يستغرق جلّ وقته ، ولا سيما بعد زيادة المحفوظ ، وأنا أعلم أن هناك برامج للمراجعة في هذه الدورات ، ولكنها غير كافية ، ثم إنه يصعب على الطلاب تطبيقها والوفاء بها ؛ ولذلك وجدنا كثيراً من طلاب وطالبات هذه الدورات احتاجوا إلى حفظ بعض الأجزاء من جديد مرةً أخرى ، وبذلوا من الجهد والوقت في مراجعة بعضها ما يقارب الجهد والوقت الذي يبذل في المحفوظ الجديد ، ومنهم من ضعف وعجز ؛ فتبخر حفظه . والخلاصة أنهم لم يصلوا إلى مرحلة الضبط التام إلا بعد سنتين ، أو أكثر من بداية حفظهم .
2 - عدم إتقان التلاوة : يقع للطلاب أثناء الحفظ بعضُ اللحون على تفاوت بينهم في ذلك ، ويقوم المدرس بتصحيح هذه اللحون ، ولكنْ مع كثرة المحفوظ ، وتتابعه يصعب على الطالب التخلص منها تماماً ، لا سيما إذا حفظ على غلط ، وقد رأيت بعض طلاب هذه الدورات يقعون في لحون جلية غير قليلة .
3 - أن الحفظ في هذه الدورات مكثّف جداً ، ويحتاج إلى مجهود ذهني وبدني كبير ، حتى إن بعض الطلاب لا يستطيع المواصلة ، وما أن تنتهي الدورة حتى يتنفس الطالب بطلاقة ؛ ولذلك يحتاج إلى فترة استجمام طويلة ، ويعتريه فتور كبير ونُفْرَةٌ عن المراجعة ، وهذه الفترة قد تكون كفيلةً بضياع المحفوظ ، أو بعضه .
4 - الحفظ المكثف يُفقِد الطالب عدداً من الأمور المهمة : كمعرفة أوائل وأواخر الأجزاء والأحزاب ، وترتيب السور ، ومواضع السجود والوقوف ، والتمييز بين الآيات المتشابهة ، ونحو ذلك .
5 - لم تكن هذه الطريقة معروفة عند السلف مع حرصهم على الخير ، وقوة حافظتهم ، وعلو همتهم ، وحسن إسلامهم ، وقد ذكر الإمام ابن الجزري أنهم كانوا يُقرئون ثلاثاً ثلاثاً ، وخمساً خمساً ، وعشراً عشراً ، لا يزيدون على ذلك ، وهذا في حالة التلقين أو الحفظ الجديد ، أمّا في مقام العرض ، والتصحيح فلا حرج في الزيادة إلى ما شاء [1] .
وعن أبي نُضرة : قال كان أبو سعيد الخدري يعلمنا القرآن خمس آيات بالغداة ، وخمس آيات بالعشي ، ويخبر أن جبريل نزل بالقرآن خمس آيات ، خمس آيات [2] . ونحوه عن أبي العالية [3] .
وعن إسماعيل : قال : كان أبو عبد الرحمن يعلمنا خمساً خمساً [4] .
وعن علي بن بكار الزاهد قال : « قال بعض أهل العلم : من تعلم خمساً خمساً لم ينسه » [5] .
وعن إسحاق بن عيسى قال : سمعت مالكاً يوم عاب العَجَلة في الأمور قال : « قرأ عبد الله بن عمر البقرة في ثماني سنين » [6] .
فعلى من أراد الحفظ والإتقان ، والفهم والتحصيل أن يراعي سنّة التدرج ، وأن يترفّق بنفسه ، ويقتصر على ما يمكنه إدراكه واستيعابه ؛ فإنه بذلك يحصِّل علوماً كثيرة جداً ، مع راحة نفسه ، وعدم إملاله [7] .
وأنا لست مع من يقول : احفظ في كل يوم آية ، وداوم على ذلك ، بل ينبغي للطالب أن يستغل وقت الشباب والفراغ ، ويجد ويجتهد ، ولكنْ لا يرهق نفسه ، ويشتت ذهنه ، ويتحمل فوق طاقته .
قال الخطيب البغدادي : وينبغي أن يجعل لنفسه مقداراً كلما بلغه وقف وقفته أياماً لا يزيد تعلُّماً ؛ فإن ذلك بمنزلة البُنيان ؛ ألا ترى أن من أراد أن يستجيد البناء بنى أذرعاً ، ثم ترك حتى يستقر ، ثم يبني فوقه ، ولو بنى البناءَ كله في يوم واحد ، لم يكن بالذي يُستجادُ ، وربما انهدم بسرعة ؛ فكذلك المتعلم ينبغي أن يجعل لنفسه حداً كلما انتهى إليه وقف عنده ، حتى يستقرَّ ما في قلبه ؛ فإذا اشتهى التعلُّم بنشاط عاد إليه ، وإن اشتهاه بغير نشاط لم يعرِضْ له [8] .
وقال ابن الجوزي : وينبغي أن يريح نفسه من الحفظ في الأسبوع يوماً أو يومين ليكون كذلك كالبناء الذي يُراح ليستقر [9] .
وقد ذكر العلماء أن من حكمة نزول القرآن منجَّماً تيسير حفظه [10] .
6 - قد يُصاب الطالب بالغرور حينما يحفظ في هذه المدة الوجيزة ، ويتعالى على أقرانه ، وربما تصدّر ، وبدأ بحفظ متون أخرى ، وهو لم يضبط ما حفظ ؛ فيكشف فيما بعد أنه كالمُنْبَتِّ ، لم يتقن القرآن ، ولم يتمكن من العلوم الأخرى .
والعلم الشرعي لا يُنال إلا بالصبر والدأب ، وطول الزمان .
نَعَمْ ! الجد ، واستغلال الوقت ، وانتهاز الفرص ، والتنافس في التحصيل مطلوب ومحمود ، ولكن لا ينبغي أن يتحول العلم إلى وجبات سريعة يأخذه العجلان في فترات قصيرة متقطعة .
7 - من المعلوم شرعاً ونظراً أنه لا يكفي حفظ ألفاظ القرآن ، بل لا بد من تدبر آياته وفهم معانيه والعمل بما فيه ، والتخلق بأخلاقه ، والتحلي بآدابه ، ولا شك أن بقاء الطالب مع الأستاذ سنتين أو ثلاثاً له أثر كبير على دينه وأخلاقه ، ولا سيما أن أكثر الطلاب يحفظون القرآن في مرحلة المراهقة ، وهي مرحلة حساسة كما هو معلوم .
8 - قد تكون هذه الدورات سبباً في تسرب الطلاب من بعض حِلَق التحفيظ طمعاً في سرعة الحفظ ، وهذا له أثر سلبي عليهم وعلى بقية زملائهم .
9 - أكثر هذه الدورات تحتاج إلى تكاليف باهظة تنفق على الإسكان والإعاشة ، والجوائز ، ورواتب المدرسين ، والعاملين فيها ، وهذه المصروفات لا تتناسب مع المُخْرَجَات إطلاقاً ، ولو صُرفت في مشاريع قرآنية أخرى دائمة لكان أوْلى بلا شك ، فإن تكلفة بعض هذه الدورات تكفي لتشغيل دار نسائية ، أو مدرسة تحفيظ للبنين لعدة سنوات .
وبعد : فقد يقول قائل : إن هذه الملحوظات أو بعضها موجودة عند الحفاظ في غير هذه الدورات ، وهذا صحيح ، ولكنْ هناك فروق كثيرة بين الحالين ، وذلك من وجوه : مقترحات للتطوير :
1 - أن وجوه هذه الملحوظات في غير الدورات المكثفة ليس راجعاً إلى كثافة الحفظ أو قِصَر المدة ، ولكن إلى أسباب أخرى يمكن معالجتها بسهولة .
2 - أن حِلَق التحفيظ مفتوحة للجميع يدخلها القوي والضعيف ، الراغب وغير الراغب ، ولها أهداف علمية وتربوية متعددة ، أحدها : حفظ القرآن ، ولو لم يحصل منها إلا ارتباط الطالب بالمسجد والجلساء الصالحين لكفى ؛ بخلاف هذه الدورات المكثفة ؛ فإنه لا يدخلها في الغالب إلا الجاد الحريص على الحفظ ، وهذا يمكن أن يسلم من هذه الملحوظات إذا وضع له برنامج زمني مناسب .
3 - يمكن تشخيص هذه الأدواء ، ومعالجتها في برامج الحفظ الطويلة ، أما في الدورات المكثفة ؛ فإن هذه المزالق قد لا تتبين إلا بعد انتهاء الدورة ، وإن أمكن معرفتها أثناء الدورة لم يمكن معالجتها لقصر المدة .
وفي الختام أقول : إن إيراد هذه الملحوظات على الدورات المكثفة لحفظ القرآن في وضعها الحالي لا يعني بحال : الدعوة إلى إلغائها ، وقعود القائمين عليها ، كلا ! بل إني أدعو وأؤكد على بقائها وانتشارها ، ولكن بعد أن تُراجع وتقوَّم ، وتنظم وتطوَّر وفق دراسة وافية ومتأنية .
ومن البرامج المقترحة التي أرى أنها جديرة بالاهتمام ، والتطبيق ، وهي موجودة ولله الحمد في دورات أخرى ما يلي :
1 - حفظ أجزاء محدودة من القرآن ، ولا أريد أن أحدد القدر المناسب للحفظ في كل دورة ؛ لأمرين :
أ - أن هذا يحتاج إلى دراسة وافية كما أسلفت .
ب - أن هذا القدر يختلف باختلاف مدة الدورة ، ومستوى الطلاب ، ومكان الدورة ، وغير ذلك من المؤثرات .
2 - إقامة دورات الضبط والإتقان ، يتخللها بعض البرامج العلمية والتربوية ، وفي رأيي أننا بأمسِّ الحاجة إلى هذا النوع من الدورات ؛ لأننا لا نشكو من قلة الحفَّاظ في كثير من البلاد - ولله الحمد - ولكننا نشكو من قلة الحفاظ الضابطين المجوِّدين ، المتخلِّقين بأخلاق القرآن .
3 - إقامة دورات في التجويد ، وحسن الأداء ، والتفسير ، وعلوم القرآن ، وهذه أيضاً مهمة ؛ لأنه يوجد كثير من الحفاظ لا يحسنون الأداء ، ولا يعرفون تفسير قصار السور ، ومن المعلوم أن تدبر القرآن موقوف على فهم معناه .
هذا ما أحببت تعليقه حول هذا الموضوع ؛ فإن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن نفسي و الشيطان .
وأرجو أن تتسع صدور إخوتي القائمين على الدورات لهذه الملحوظات ؛ فوالله ما دعاني إلى تقييدها إلا النصح لكتاب الله ، وأهله ، بعد طول تأمل .
وأسأل الله - تعالى - الهداية والسداد ، وحسن القصد وصلاح العمل ، كما أسأله - سبحانه - أن ينفعنا ويرفعنا بالقرآن الحكيم ، وأن يجعله لنا شفيعاً يوم القيامة ، إنه سميع قريب .

(1) انظر منجد المقرئين ، ومرشد الطالبين لابن الجزري : ص 9 ، وانظر أخلاق حملة القرآن للآجري : ص 186 .
(2) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 20/391 ، وانظر الإتقان 1/124 .
(3) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/346) وروي عن أبي العالية مرسلاً ، أخرجه البيهقي في الموضع السابق ، و ابن أبي شيبة (6/118) ، و أبو نُعيم (9/319) وبعض هذه الآثار يقوي بعضها بعضاً .
(4) أخرجه ابن أبي شيبة (6/118) .
(5) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 3/347 .
(6) المصدر السابق (4/ 511 ، 513) وانظر موطأ مالك 1/205 .
(7) انظر : (هكذا فلنحفظ القرآن) لمحمد مصطفى شعيب ، ص 140 ، و (كيف نحفظ القرآن الكريم) للدكتور يحيى الغوثاني ، ص 57 .
(8) الفقيه والمتفقه (2/100) .
(9) (الحث على حفظ العلم وذكر كبار الحفاظ) ص 255 .
(10) انظر : (المرشد الوجيز) لأبي شامة المقدسي ، ص 28 ، و (البرهان في علوم القرآن) للزركشي 1/293 ، و (الإتقان) للسيوطي 1/ 120 .

Adsense Management by Losha