فريق منتدى الدي في دي العربي
06-18-2016, 11:07 PM
السؤال:
هناك من يشككون في القرآن الكريم بدعوى أن جمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه لم يكن كاملا ، ويستدلون بـ : " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ : فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا ، فَالْتَمَسْنَاه َا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) فَأَلْحَقْنَاهَ ا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ " فكيف فاتتهم هذه الآية من قبل جمع أبي بكر , أثق بأن هذا القرآن الذي بين يدينا كامل ، فهم خير حفظةٍ للقرآن , ولكني لست على علم بملابسات هذا الموقف . أرجو الإفادة ، جزاك الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
الرواية المذكورة في السؤال رواها الإمام البخاري رحمه الله في " صحيحه "، كتاب " فضائل القرآن "، باب " جمع القرآن "، حديث رقم: (4988)، قال:
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ : فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا ، فَالْتَمَسْنَاه َا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ )
وقد استشكل بعض الناس – سواء من المسلمين أم من الطاعنين على القرآن – أن آية من كتاب الله لا يعرفها سوى صحابي واحد ، والفرض أن القرآن الكريم منقول إلينا بالتواتر ، كما أن فقد الآية يبعث على الشك فيما سواها .
والجواب على ذلك أمر سهل ميسور بحمد الله تعالى ، وذلك من وجوه عدة :
أولا :
لو تأملنا في كلام زيد بن ثابت رضي الله عنه لتبين لنا مراده ومقصده ، فهو رضي الله عنه حين يقول : " فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا " يدل على أنه رضي الله عنه يعرف الآية ويحفظها ، وإلا فكيف يفتقد شيئا لا يعرفه أصلا ، أو كيف يفتقد شيئا غفل عنه ونسيه ولم يخطر على باله ، وأكد على معرفته بالآية حين قال : ( قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا )
ثانيا :
معلوم أن زيد بن ثابت رضي الله عنه من كبار الحفاظ المتقنين الذين جمعوا القرآن حفظا في صدورهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثله أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وعبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبو الدرداء ، وأبو زيد الأنصاري ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد وردت فيهم الأحاديث والروايات الصحيحة التي تدل على أنهم من كبار الحفاظ ، وغيرهم أيضا من عشرات القراء الذين ورد أنهم قتلوا في حرب المرتدين ، مما يدل على توافر حفاظ آخرين كثيرين ، ينظر : " المقدمات الأساسية في علوم القرآن " (ص/91-93).
فمن غير المعقول ، ومن المتعذر عادة أن آية من كتاب الله فاتت جميع القراء والحفاظ الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنهم ، ولا يعرفها سوى صحابي آخر لم يشتهر أنه من حفظة كتاب الله تعالى .
ثالثا :
إذن فما الذي يريده زيد بن ثابت رضي الله عنه في قوله : " فَالْتَمَسْنَاه َا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ "؟
يريد أنه وجدها مكتوبة عند خزيمة بن ثابت رضي الله عنه ، فقد كان شرط زيد بن ثابت في جمعه للقرآن أنه لا يثبت آية في المصحف حتى يتثبت أنها مكتوبة مدونة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة الشهود الثقات ، ولا يعتمد على الحفظ فقط .
فبين زيد بن ثابت رضي الله عنه هنا أنه لم يقف على آية الأحزاب مكتوبة سوى عند صحابي واحد وهو خزيمة بن ثابت رضي الله عنه .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قوله : ( لم أجدها مع أحد غيره ) أي : مكتوبة ، لِما تقدم من أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة ، ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا تكون تواترت عند من لم يتلقها من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة ، ولعلهم لما وجدها زيد عند أبي خزيمة تذكروها كما تذكرها زيد ، وفائدة التتبع المبالغة في الاستظهار والوقوف عند ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من " فتح الباري " (9/15)
وقال ابن حزم رحمه الله :
" أما افتقاد زيد بن ثابت الآية فليس ذلك على ما ظنه أهل الجهل ، وإنما معناه أنه لم يجدها مكتوبة إلا عند ذلك الرجل... بيان ما قلناه منصوص في هذا الحديث نفسه ، وذلك أن زيدا حكى أنه سمع هذه الآية من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت عند زيد أيضا " انتهى باختصار من " الإحكام في أصول الأحكام " (6/265)
ويقول بدر الدين العيني رحمه الله :
" كيف ألحقها بالمصحف وشرط القرآن التواتر ؟
أجيب : بأنها كانت مسموعة عندهم من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسورتها وموضعها معلومة لهم ، ففقدوا كتابتها .
قيل : لمَّا كان القرآن متواترا ، فما هذا التتبع والنظر في العسب ؟
وأجيب : للاستظهار ، وقد كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليعلم هل فيها قراءة لغير قراءته من وجوهها أم لا .
قيل : شرط القرآن كونه متواترا ، فكيف أثبت فيه ما لم يجده مع أحد غيره ؟
وأجيب : بأن معناه لم يجده مكتوبا عند غيره ، وأيضا لا يلزم من عدم وجدانه أن لا يكون متواترا ، وأن لا يجد غيره ، أو الحفاظ نسوها ثم تذكروها " انتهى من " عمدة القاري " (20/19)
رابعا :
مما يدل على شرط زيد بن ثابت في جمعه للقرآن أنه لا يثبت آية في المصحف حتى يتثبت أنها مكتوبة مدونة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة الشهود الثقات ، قوله رضي الله عنه : " فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ "
وعن عروة بن الزبير رحمه الله قال : " لَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ يَوْمَئِذٍ فَرَقَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْقُرْآنِ أَنْ يَضِيعَ ، فَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : اقْعُدُوا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَمَنْ جَاءَكُمَا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَاكْتُبَاهُ "
رواه ابن أبي داود في " المصاحف " (51) قال : حدثنا عبد الله ، حدثنا أبو الطاهر ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه .
عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ :
( أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَجْمَعَ الْقُرْآنَ فَقَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ : مَنْ كَانَ تَلَقَّى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَأْتِنَا بِهِ ، وَكَانُوا كَتَبُوا ذَلِكَ فِي الصُّحُفِ وَالْأَلْوَاحِ وَالْعُسُبِ ، وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى يَشْهَدَ شَهِيدَانِ )
رواه ابن أبي داود في " المصاحف " (62)
يقول علم الدين السخاوي رحمه الله :
" معنى هذا الحديث : من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله الذي كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا فقد كان زيد جامعاً للقرآن " انتهى من " جمال القراء وكمال الإقراء " (ص/161)
ويقول أبو شامة المقدسي رحمه الله :
" إنما كان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولم يكتبوا من حفظهم ؛ لأن قراءتهم كانت مختلفة ، لِما أبيح لهم من قراءة القرآن على سبعة أحرف " انتهى من " المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز " (1/57)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا ، مع كون زيد كان يحفظه ، وكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط .
وعند ابن أبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه .
ورجاله ثقات مع انقطاعه .
وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب .
أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن .
وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، لا من مجرد الحفظ .
قوله : ( وصدور الرجال ) أي : حيث لا أجد ذلك مكتوبا ، أو الواو بمعنى مع ، أي : أكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدر " انتهى من " فتح الباري " (9/14)
يقول الدكتور محمد حسن جبل :
" تصرح العبارة بشرط بالغ الأهمية ، وبالغ الاحتياط لكتاب الله ، حيث صارت عند التطبيق أحد الشروط المهمة ، أن يشهد شاهدان على ما يأتي به من عنده قرآن محفوظ في صدره ، أو في عريضة مكتوبة .
ومن الطبيعي أن تكون الشهادة على أن هذا الذي أتى به فلان هو من القرآن ، ولكن كيف يتأتى ذلك للشاهدين ؟
الإجابة : بأن يكون الشاهدان أنفسهما يحفظان من القرآن في صدريهما هذا الذي جاء به فلان مكتوبا ، أو محفوظا وله نسخة من المكتوب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبلغ من هذا أن يكون الشاهدان قد حضرا تنزيل هذا المجيء به ، وتسجيله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويتلخص من هذا أن عناصر التوثيق كانت ثلاثة معا :
أ*- أن يكون النص مكتوبا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ب*-أن يكون النص محفوظا متلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أو عمن تلقي عنه مباشرة .
ت*-أن يشهد شاهدان على الأمرين السابقين " انتهى من " وثاقة نقل النص القرآني " (ص/179)
ويقول الزرقاني رحمه الله :
" وانتهج زيد في القرآن طريقة دقيقة محكمة ، وضعها له أبو بكر وعمر فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبت بالغ وحذر دقيق وتحريات شاملة فلم يكتف بما حفظ في قلبه ولا بما كتب بيده ولا بما سمع بأذنه.
بل جعل يتتبع ويستقصي آخذا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين :
أحدهما : ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والثاني : ما كان محفوظا في صدور الرجال ، وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى من " مناهل العرفان في علوم القرآن " (1/252)
خامسا :
ثم على فرض ثبوت أن آية الأحزاب لم يكن أحد يحفظها سوى خزيمة بن ثابت ، فقبول الصحابة لروايته لها ، وإجماعهم على قرآنيتها ، وإدخالها في المصحف المتفق عليه : دليل شرعي كاف على أنها من القرآن الكريم بدون شك ولا تردد ، فقد كان غرض أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما من جمع القرآن إثبات اليقين من كتاب الله ، ودرء الاختلاف والنزاع في آياته ، فقبولهم هذه الآية من خزيمة بن ثابت دليل على اطمئنانهم لقرآنيتها ، وذلك كاف في اطمئناننا نحن أيضا إلى ذلك .
سادسا :
ننبه أخيرا إلى أن فقد آية الأحزاب ثم الوقوف عليها عند خزيمة بن ثابت إنما حصل في جمع القرآن ونسخه زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وليس في عهد عثمان رضي الله عنه ، يدل على ذلك ثلاثة أدلة :
1- نص الإمام الدارقطني رحمه الله على أن الإسناد الذي رويت به هذه القصة من رواية ابن شهاب الزهري قال : أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، أنه سمع زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول فقدت آية من الأحزاب....الخ.
وهذا الإسناد من الأسانيد التي رويت بها قصة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وأما رواية الزهري لقصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه فقد رواها الزهري عن أنس بن مالك مباشرة ، وليس عن زيد بن ثابت .
سئل الإمام الدارقطني عن حديث زيد بن ثابت ، عن أبي بكر الصديق في جمع القرآن ، فقال : هو حديث في جمع القرآن .
رواه الزهري ، عن عبيد بن السباق ، عن زيد بن ثابت .
حدث به عن الزهري كذلك جماعة – وذكر جماعة منهم - اتفقوا على قول واحد .
ورواه عمارة بن غزية عن الزهري ، فجعل مكان ابن السباق خارجةَ بنَ زيد بن ثابت ، وجعل الحديث كله عنه .
وإنما روى الزهري ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، من هذا الحديث ألفاظا يسيرة ، وهي قوله : ( فقدت من سورة الأحزاب آية قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت ) .
ضبطه عن الزهري كذلك إبراهيم بن سعد ، وشعيب بن أبي حمزة ، وعبيد الله بن أبي زياد...فأما رواية الزهري ، عن أنس من هذا فهو أن حذيفة قدم على عثمان فقال أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا ، كذلك قاله الحفاظ عن الزهري ، وكذلك قاله ابن وهب والليث عن يونس " انتهى باختصار من " العلل الواردة في الأحاديث النبوية " (1/186-189)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" الصحيح عن الزهري :
أن قصة زيد بن ثابت مع أبي بكر وعمر : عن عبيد بن السباق ، عن زيد بن ثابت .
وقصة حذيفة مع عثمان : عن أنس بن مالك .
وقصة فقد زيد بن ثابت الآية من سورة الأحزاب في رواية عبيد بن السباق : عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه " انتهى باختصار من " فتح الباري " (9/11)
2- وذِكرُ الإمام البخاري رحمه الله كلام زيد بن ثابت عن فقد آية الأحزاب عقب قصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه ليس لأنه يرى أن فقد الآية وقع في عهد عثمان ، وإنما لأن الراوي عن الزهري - وهو إبراهيم بن سعد - هو الذي روى كلتا الروايتين ، فأوردهما على وجه التعاقب في الذكر فقط ، وليس على وجه تقرير كونهما في سياق واحد ، وذلك في باب " جمع القرآن "، حديث رقم: (4988)
يدل على ذلك أن البخاري رحمه الله روى حديث فقد آية الأحزاب عن رواة آخرين عن الزهري في موضعين آخرين في الصحيح ، وليس فيهما أي حديث عن قصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه ، وذلك في باب " غزوة أحد "، حديث رقم : (4049)، وفي باب : ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر )، حديث رقم: (4784).
3- أن جميع العلماء الذين شرحوا هذا الحديث واستدلوا به إنما تكلموا عليه من جهة توضيح منهج زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع القرآن زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وكيف أنه كان يشترط كون الآية مكتوبة بشهادة الشهود إلى جانب الحفظ والضبط ، وهذا إجماع منهم على أن سياق الحديث إنما كان في عهد الصديق رضي الله عنه .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" وأما ما رواه الزُّهريُّ عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب ، وإلحاقهم إياها في سورتها ، فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر ، وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف ، كما جاء مصرحًا به في غير هذه الرواية عن الزهري , عن عبيد بن السباق , عن زيد بن ثابت .
والدليل على ذلك أنه قال : فألحقناها في سورتها من المصحف , وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية " انتهى من " فضائل القرآن " لابن كثير (ص86)
وفي موقعنا أجوبة سابقة نشرح فيها بإيجاز قضية جمع القرآن الكريم ، يمكنكم الاطلاع عليها والإفادة منها في الأرقام الآتية : (10012) ، (153908).
والله أعلم .
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
هناك من يشككون في القرآن الكريم بدعوى أن جمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه لم يكن كاملا ، ويستدلون بـ : " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ : فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا ، فَالْتَمَسْنَاه َا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) فَأَلْحَقْنَاهَ ا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ " فكيف فاتتهم هذه الآية من قبل جمع أبي بكر , أثق بأن هذا القرآن الذي بين يدينا كامل ، فهم خير حفظةٍ للقرآن , ولكني لست على علم بملابسات هذا الموقف . أرجو الإفادة ، جزاك الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
الرواية المذكورة في السؤال رواها الإمام البخاري رحمه الله في " صحيحه "، كتاب " فضائل القرآن "، باب " جمع القرآن "، حديث رقم: (4988)، قال:
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ : فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا ، فَالْتَمَسْنَاه َا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ )
وقد استشكل بعض الناس – سواء من المسلمين أم من الطاعنين على القرآن – أن آية من كتاب الله لا يعرفها سوى صحابي واحد ، والفرض أن القرآن الكريم منقول إلينا بالتواتر ، كما أن فقد الآية يبعث على الشك فيما سواها .
والجواب على ذلك أمر سهل ميسور بحمد الله تعالى ، وذلك من وجوه عدة :
أولا :
لو تأملنا في كلام زيد بن ثابت رضي الله عنه لتبين لنا مراده ومقصده ، فهو رضي الله عنه حين يقول : " فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا " يدل على أنه رضي الله عنه يعرف الآية ويحفظها ، وإلا فكيف يفتقد شيئا لا يعرفه أصلا ، أو كيف يفتقد شيئا غفل عنه ونسيه ولم يخطر على باله ، وأكد على معرفته بالآية حين قال : ( قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا )
ثانيا :
معلوم أن زيد بن ثابت رضي الله عنه من كبار الحفاظ المتقنين الذين جمعوا القرآن حفظا في صدورهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثله أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وعبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبو الدرداء ، وأبو زيد الأنصاري ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد وردت فيهم الأحاديث والروايات الصحيحة التي تدل على أنهم من كبار الحفاظ ، وغيرهم أيضا من عشرات القراء الذين ورد أنهم قتلوا في حرب المرتدين ، مما يدل على توافر حفاظ آخرين كثيرين ، ينظر : " المقدمات الأساسية في علوم القرآن " (ص/91-93).
فمن غير المعقول ، ومن المتعذر عادة أن آية من كتاب الله فاتت جميع القراء والحفاظ الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنهم ، ولا يعرفها سوى صحابي آخر لم يشتهر أنه من حفظة كتاب الله تعالى .
ثالثا :
إذن فما الذي يريده زيد بن ثابت رضي الله عنه في قوله : " فَالْتَمَسْنَاه َا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ "؟
يريد أنه وجدها مكتوبة عند خزيمة بن ثابت رضي الله عنه ، فقد كان شرط زيد بن ثابت في جمعه للقرآن أنه لا يثبت آية في المصحف حتى يتثبت أنها مكتوبة مدونة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة الشهود الثقات ، ولا يعتمد على الحفظ فقط .
فبين زيد بن ثابت رضي الله عنه هنا أنه لم يقف على آية الأحزاب مكتوبة سوى عند صحابي واحد وهو خزيمة بن ثابت رضي الله عنه .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قوله : ( لم أجدها مع أحد غيره ) أي : مكتوبة ، لِما تقدم من أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة ، ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا تكون تواترت عند من لم يتلقها من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة ، ولعلهم لما وجدها زيد عند أبي خزيمة تذكروها كما تذكرها زيد ، وفائدة التتبع المبالغة في الاستظهار والوقوف عند ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من " فتح الباري " (9/15)
وقال ابن حزم رحمه الله :
" أما افتقاد زيد بن ثابت الآية فليس ذلك على ما ظنه أهل الجهل ، وإنما معناه أنه لم يجدها مكتوبة إلا عند ذلك الرجل... بيان ما قلناه منصوص في هذا الحديث نفسه ، وذلك أن زيدا حكى أنه سمع هذه الآية من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت عند زيد أيضا " انتهى باختصار من " الإحكام في أصول الأحكام " (6/265)
ويقول بدر الدين العيني رحمه الله :
" كيف ألحقها بالمصحف وشرط القرآن التواتر ؟
أجيب : بأنها كانت مسموعة عندهم من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسورتها وموضعها معلومة لهم ، ففقدوا كتابتها .
قيل : لمَّا كان القرآن متواترا ، فما هذا التتبع والنظر في العسب ؟
وأجيب : للاستظهار ، وقد كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليعلم هل فيها قراءة لغير قراءته من وجوهها أم لا .
قيل : شرط القرآن كونه متواترا ، فكيف أثبت فيه ما لم يجده مع أحد غيره ؟
وأجيب : بأن معناه لم يجده مكتوبا عند غيره ، وأيضا لا يلزم من عدم وجدانه أن لا يكون متواترا ، وأن لا يجد غيره ، أو الحفاظ نسوها ثم تذكروها " انتهى من " عمدة القاري " (20/19)
رابعا :
مما يدل على شرط زيد بن ثابت في جمعه للقرآن أنه لا يثبت آية في المصحف حتى يتثبت أنها مكتوبة مدونة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة الشهود الثقات ، قوله رضي الله عنه : " فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ "
وعن عروة بن الزبير رحمه الله قال : " لَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ يَوْمَئِذٍ فَرَقَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْقُرْآنِ أَنْ يَضِيعَ ، فَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : اقْعُدُوا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَمَنْ جَاءَكُمَا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَاكْتُبَاهُ "
رواه ابن أبي داود في " المصاحف " (51) قال : حدثنا عبد الله ، حدثنا أبو الطاهر ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه .
عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ :
( أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَجْمَعَ الْقُرْآنَ فَقَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ : مَنْ كَانَ تَلَقَّى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَأْتِنَا بِهِ ، وَكَانُوا كَتَبُوا ذَلِكَ فِي الصُّحُفِ وَالْأَلْوَاحِ وَالْعُسُبِ ، وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى يَشْهَدَ شَهِيدَانِ )
رواه ابن أبي داود في " المصاحف " (62)
يقول علم الدين السخاوي رحمه الله :
" معنى هذا الحديث : من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله الذي كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا فقد كان زيد جامعاً للقرآن " انتهى من " جمال القراء وكمال الإقراء " (ص/161)
ويقول أبو شامة المقدسي رحمه الله :
" إنما كان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولم يكتبوا من حفظهم ؛ لأن قراءتهم كانت مختلفة ، لِما أبيح لهم من قراءة القرآن على سبعة أحرف " انتهى من " المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز " (1/57)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا ، مع كون زيد كان يحفظه ، وكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط .
وعند ابن أبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه .
ورجاله ثقات مع انقطاعه .
وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب .
أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن .
وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، لا من مجرد الحفظ .
قوله : ( وصدور الرجال ) أي : حيث لا أجد ذلك مكتوبا ، أو الواو بمعنى مع ، أي : أكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدر " انتهى من " فتح الباري " (9/14)
يقول الدكتور محمد حسن جبل :
" تصرح العبارة بشرط بالغ الأهمية ، وبالغ الاحتياط لكتاب الله ، حيث صارت عند التطبيق أحد الشروط المهمة ، أن يشهد شاهدان على ما يأتي به من عنده قرآن محفوظ في صدره ، أو في عريضة مكتوبة .
ومن الطبيعي أن تكون الشهادة على أن هذا الذي أتى به فلان هو من القرآن ، ولكن كيف يتأتى ذلك للشاهدين ؟
الإجابة : بأن يكون الشاهدان أنفسهما يحفظان من القرآن في صدريهما هذا الذي جاء به فلان مكتوبا ، أو محفوظا وله نسخة من المكتوب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبلغ من هذا أن يكون الشاهدان قد حضرا تنزيل هذا المجيء به ، وتسجيله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويتلخص من هذا أن عناصر التوثيق كانت ثلاثة معا :
أ*- أن يكون النص مكتوبا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ب*-أن يكون النص محفوظا متلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أو عمن تلقي عنه مباشرة .
ت*-أن يشهد شاهدان على الأمرين السابقين " انتهى من " وثاقة نقل النص القرآني " (ص/179)
ويقول الزرقاني رحمه الله :
" وانتهج زيد في القرآن طريقة دقيقة محكمة ، وضعها له أبو بكر وعمر فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبت بالغ وحذر دقيق وتحريات شاملة فلم يكتف بما حفظ في قلبه ولا بما كتب بيده ولا بما سمع بأذنه.
بل جعل يتتبع ويستقصي آخذا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين :
أحدهما : ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والثاني : ما كان محفوظا في صدور الرجال ، وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى من " مناهل العرفان في علوم القرآن " (1/252)
خامسا :
ثم على فرض ثبوت أن آية الأحزاب لم يكن أحد يحفظها سوى خزيمة بن ثابت ، فقبول الصحابة لروايته لها ، وإجماعهم على قرآنيتها ، وإدخالها في المصحف المتفق عليه : دليل شرعي كاف على أنها من القرآن الكريم بدون شك ولا تردد ، فقد كان غرض أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما من جمع القرآن إثبات اليقين من كتاب الله ، ودرء الاختلاف والنزاع في آياته ، فقبولهم هذه الآية من خزيمة بن ثابت دليل على اطمئنانهم لقرآنيتها ، وذلك كاف في اطمئناننا نحن أيضا إلى ذلك .
سادسا :
ننبه أخيرا إلى أن فقد آية الأحزاب ثم الوقوف عليها عند خزيمة بن ثابت إنما حصل في جمع القرآن ونسخه زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وليس في عهد عثمان رضي الله عنه ، يدل على ذلك ثلاثة أدلة :
1- نص الإمام الدارقطني رحمه الله على أن الإسناد الذي رويت به هذه القصة من رواية ابن شهاب الزهري قال : أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، أنه سمع زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول فقدت آية من الأحزاب....الخ.
وهذا الإسناد من الأسانيد التي رويت بها قصة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وأما رواية الزهري لقصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه فقد رواها الزهري عن أنس بن مالك مباشرة ، وليس عن زيد بن ثابت .
سئل الإمام الدارقطني عن حديث زيد بن ثابت ، عن أبي بكر الصديق في جمع القرآن ، فقال : هو حديث في جمع القرآن .
رواه الزهري ، عن عبيد بن السباق ، عن زيد بن ثابت .
حدث به عن الزهري كذلك جماعة – وذكر جماعة منهم - اتفقوا على قول واحد .
ورواه عمارة بن غزية عن الزهري ، فجعل مكان ابن السباق خارجةَ بنَ زيد بن ثابت ، وجعل الحديث كله عنه .
وإنما روى الزهري ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، من هذا الحديث ألفاظا يسيرة ، وهي قوله : ( فقدت من سورة الأحزاب آية قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت ) .
ضبطه عن الزهري كذلك إبراهيم بن سعد ، وشعيب بن أبي حمزة ، وعبيد الله بن أبي زياد...فأما رواية الزهري ، عن أنس من هذا فهو أن حذيفة قدم على عثمان فقال أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا ، كذلك قاله الحفاظ عن الزهري ، وكذلك قاله ابن وهب والليث عن يونس " انتهى باختصار من " العلل الواردة في الأحاديث النبوية " (1/186-189)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" الصحيح عن الزهري :
أن قصة زيد بن ثابت مع أبي بكر وعمر : عن عبيد بن السباق ، عن زيد بن ثابت .
وقصة حذيفة مع عثمان : عن أنس بن مالك .
وقصة فقد زيد بن ثابت الآية من سورة الأحزاب في رواية عبيد بن السباق : عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه " انتهى باختصار من " فتح الباري " (9/11)
2- وذِكرُ الإمام البخاري رحمه الله كلام زيد بن ثابت عن فقد آية الأحزاب عقب قصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه ليس لأنه يرى أن فقد الآية وقع في عهد عثمان ، وإنما لأن الراوي عن الزهري - وهو إبراهيم بن سعد - هو الذي روى كلتا الروايتين ، فأوردهما على وجه التعاقب في الذكر فقط ، وليس على وجه تقرير كونهما في سياق واحد ، وذلك في باب " جمع القرآن "، حديث رقم: (4988)
يدل على ذلك أن البخاري رحمه الله روى حديث فقد آية الأحزاب عن رواة آخرين عن الزهري في موضعين آخرين في الصحيح ، وليس فيهما أي حديث عن قصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه ، وذلك في باب " غزوة أحد "، حديث رقم : (4049)، وفي باب : ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر )، حديث رقم: (4784).
3- أن جميع العلماء الذين شرحوا هذا الحديث واستدلوا به إنما تكلموا عليه من جهة توضيح منهج زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع القرآن زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وكيف أنه كان يشترط كون الآية مكتوبة بشهادة الشهود إلى جانب الحفظ والضبط ، وهذا إجماع منهم على أن سياق الحديث إنما كان في عهد الصديق رضي الله عنه .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" وأما ما رواه الزُّهريُّ عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب ، وإلحاقهم إياها في سورتها ، فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر ، وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف ، كما جاء مصرحًا به في غير هذه الرواية عن الزهري , عن عبيد بن السباق , عن زيد بن ثابت .
والدليل على ذلك أنه قال : فألحقناها في سورتها من المصحف , وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية " انتهى من " فضائل القرآن " لابن كثير (ص86)
وفي موقعنا أجوبة سابقة نشرح فيها بإيجاز قضية جمع القرآن الكريم ، يمكنكم الاطلاع عليها والإفادة منها في الأرقام الآتية : (10012) ، (153908).
والله أعلم .
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>