مشاهدة النسخة كاملة : لا تغضب (درس رمضاني)


فريق منتدى الدي في دي العربي
06-19-2016, 08:16 AM
لا تغضب (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله مجيب الدعوات، وبنعمته تتم الصالحات، وبفضله تتنزل الخيرات والبركات، وبتوفيقه تتحقق المقاصد والغايات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: يقبَل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فنحن الليلة على موعد مع وصية من أوجز وأبلغ الوصايا النبوية؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: ((لا تغضب))، فردد مرارًا، قال: ((لا تغضب)[1].

فتلك وصية نبوية، وهي مِن أوجز وأقصر الوصايا على الإطلاق، وهي توصي بعدم الغضب، وإذا كانت هذه الوصية يجب أن يتحلى بها المؤمن في كل وقت، فهي في رمضان أكثر توكيدًا، حيث الصيام والجوع والعطش والمشقة، فقد يضطر الصائم إلى الخروج عن شعوره بسلوك الآخرين؛ فوجَب أن يكظِمَ غيظه، وأن يتحلى بالصبر والحِلْم.

وتأتي الوصايا النبوية لتناسب السائلين؛ فلعل السائل كان غضوبًا، فلما طلب الوصية، كانت المناسبة: (لا تغضب)..بل دل على أن عدم الغضب طريق إلى الجنة؛ عن أبي الدرداء قال: قلت: يا رسول الله، دلني على عملٍ يدخلني الجنة، قال: ((لا تغضب ولك الجنة))[2].

وقد امتدَحَ القرآن الكريم الكاظمين الغيظ، الذين يملِكون أنفسهم عند الغضب، فقال ربنا: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].

وقال أيضًا: ﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [الشورى: 36، 37].
أيها الصائم، اكظِمْ غيظك، وكفَّ غضبك؛ مع زوجتك، وأولادك، وجيرانك، في الأسواق، مع السائقين في وسائل المواصلات، مع التجار، مع أصدقائك؛ فإن عدم الغضب وكَظْمَ الغيظ من حسن الخُلق، قيل لابن المبارك: اجمع لنا حُسن الخُلق في كلمةٍ، قال: ترك الغضب...وقال الحسن: أربعٌ مَن كن فيه عصمه الله من الشيطان، وحرَّمه على النار: مَن ملك نفسه عند الرغبة، والرهبة، والشهوة، والغضب.

هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب؟
لم يكن رسول الله يغضب إلا إذا انتُهكت حُرمات الله؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (ما انتقم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيءٍ يؤتى إليه حتى ينتهك من حرمات الله، فينتقم لله)[3].

فلم يكن يغضَب لنفسه صلى الله عليه وسلم؛ عن عبدالله بن سلامٍ، قال: إن الله لما أراد هدى زيد بن سعنة، قال زيد بن سعنة: ما من علامات النبوة شيءٌ إلا وقد عرفتها في وجه محمدٍ صلى الله عليه وسلم حين نظرتُ إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه، يسبق حِلمُه جهلَه، ولا تَزيده شدة الجهل عليه إلا حِلمًا، فكنت ألطف له لأن أخالطه، فأعرف حِلمه من جهله،قال زيد بن سعنة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الحجرات ومعه علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، فأتاه رجلٌ على راحلته كالبدوي، فقال: يا رسول الله، إن بُصرى قرية بني فلانٍ قد أسلموا، ودخلوا في الإسلام، وكنتُ حدثتُهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدًا، وقد أصابتهم سنةٌ وشدةٌ وقحوطٌ من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا، فإن رأيتَ أن ترسل إليهم بشيءٍ تعينهم به فعلتَ، فنظر إلى رجلٍ إلى جانبه أراه عليًّا رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، ما بقي منه شيءٌ، قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه، فقلت: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمرًا معلومًا من حائط بني فلانٍ إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: ((لا يا يهودي، ولكني أبيعك تمرًا معلومًا إلى أجل كذا وكذا، ولا تسمي حائط بني فلانٍ))، قلت: بلى، فبايعني، فأطلقت همياني، فأعطيته ثمانين مثقالًا من ذهبٍ في تمرٍ معلومٍ إلى أجل كذا وكذا، فأعطاها الرجل، فقال: ((اغدُ عليهم فأعِنْهم بها))، فقال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثٍ، أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجهٍ غليظٍ، فقلت له: ألا تقضيني يا محمد حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبدالمطلب لمطلٌ، ولقد كان لي بمخالطتكم علمٌ، ونظرت إلى عمر، وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلَك المستدير، ثم رماني ببصره، فقال: يا عدوَّ الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع، وتصنع به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر فوته لضربتُ بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمرَ في سكونٍ وتؤدةٍ، ثم قال: ((يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا؛ أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر وأعطه حقه، وزِدْه عشرين صاعًا من تمرٍ مكان ما روَّعْتَه))، قال زيدٌ: فذهب بي عمر رضي الله عنه، فأعطاني حقي، وزادني عشرين صاعًا من تمرٍ، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ فقال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أَزيدَك مكان ما روعتُك، قلت: وتعرفني يا عمر؟ قال: لا، مَن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحَبْر، قلت: الحَبْر، قال: فما دعاك أن فعلت برسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلتَ وقلت له ما قلت؟ قلت: يا عمرُ، لم تكن من علامات النبوة شيءٌ إلا وقد عرفته في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه، يسبق حِلمُه جهله، ولا يزيده الجهل عليه إلا حِلمًا، فقد أخبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًّا، وأشهدك أن شطرَ مالي - وإني أكثرها مالًا - صدقةٌ على أمة محمدٍ"[4].

أسباب الغضب:
قال الإمام الغزالي - رحمه الله -: "والأسباب المهيجة للغضب هي: الزَّهو والعُجْب والمزاح والهزل والهزء والتعيير والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهي بأجمعها أخلاقٌ رديئةٌ مذمومةٌ شرعًا، ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب؛ فلا بدَّ مِن إزالة هذه الأسباب بأضدادها"[5].

أنواع الغضب:
مِن الغضب ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، فأما المحمود: فما كان لله، كما كان رسول الله لا يغضب إلا إذا انتُهكت حرماتُ الله، وفي ذلك يقول شوقي:
فإذا غضِبْتَ فإنما هي غَضْبةٌ *** للحقِّ لا ضِغْنٌ ولا شَحْناءُ

وقد قال ربنا حكاية عن موسى عليه السلام عندما رجَع لقومه فوجدهم يعبُدون العِجل: ﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 150].

وأما المذموم: فما كان للنفس، أو للهوى، أو للشيطان، أو لأمر من أمور الدنيا، وفي ذلك يذكر الإمام الغزالي قصة، وفيها أن "رجلًا عابدًا بلغه أن قومًا يعبدون شجرة، فغضب لذلك، وأخذ فأسه على عاتقه وقصد الشجرة ليقطعها، فاستقبله إبليسُ في صورة شيخ، فقال: أين تريد رحمك الله؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة، قال: وما أنت وذاك؟ تركتَ عبادتَك واشتغالك بنفسك وتفرغتَ لغير ذلك، فقال: إن هذا من عبادتي، قال: فإنى لا أتركك أن تقطعها، فقاتله، فقال إبليس: يا هذا، إن الله تعالى قد أسقط عنك هذا ولم يفرِضْه عليك، فقال العابد: لا بد لي من قطعها، فنابَذه للقتال، فغلبه العابد وصرعه، فعجز إبليس، فقال له: هل لك في أمر فصل بيني وبينك وهو خير لك وأنفع؟ قال: وما هو؟ قال: أطلقني حتى أقول لك، فأطلقه، فقال إبليس: أنت رجل فقير لا شيء لك، إنما أنت كَلٌّ على الناس يعولونك، ولعلك تحب أن تتفضل على إخوانك وتواسيَ جيرانك، قال: نعم، قال: فارجع عن هذا الأمر ولك عليَّ أن أجعل عند رأسك في كل ليلة دينارينِ إذا أصبحت، فأنفقت على نفسك وعيالك، فتفكر العابد فيما قال، وقال: صدق الشيخ، فرجع العابد إلى متعبده، فبات، فلما أصبح رأى دينارين عند رأسه، فأخذهما، وكذلك الغد، ثم أصبح اليوم الثالث وما بعده فلم يرَ شيئًا، فغضب وأخذ فأسه على عاتقه، فاستقبله إبليس في صورة شيخ، فقال له: إلى أين؟ قال: أقطع تلك الشجرة، فقال: كذبتَ، والله ما أنت بقادر على ذلك، قال: فتناوله العابد ليفعل به كما فعل أول مرة، فقال: هيهاتَ! فأخذه إبليسُ وصرعه، وقال: لتنتهين عن هذا الأمر أو لأذبحنك، فنظر العابد فإذا لا طاقة له به، قال: يا هذا، غلبتَني، فخَلِّ عني وأخبرني كيف غلبتك أولًا وغلبتني الآن، فقال: لأنك غضبت أول مرة لله، وكانت نيتُك الآخرةَ، فسخَّرني الله لك، وهذه المرة غضبت لنفسك وللدنيا، فصرعتُك"[6].

علاج الغضب:
أولًا: أن تستعيذ بالله من الشيطان:
عن سليمان بن صُرَد، قال: استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوسٌ، وأحدهما يسب صاحبه، مغضبًا قد احمرَّ وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعلم كلمةً، لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم))، فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني لستُ بمجنونٍ[7].

ثانيًا: تغيير الهيئة:
عن أبي ذر، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: ((إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع))[8].

ثالثًا: السكوت:
عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((علِّموا، ويسِّروا، ولا تعسِّروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت))[9].

رابعًا: الوضوء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الغضبَ مِن الشيطان، وإن الشيطان خُلِق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ))[10].

خامسًا: تذكَّرْ ثواب كاظم الغيظ:
عن معاذِ بن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن يُنفِذَه، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيِّرَه الله مِن الحُور العِين ما شاء))[11].
اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشَّهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا ينفَد، وأسألك قرة عينٍ لا تنقطع، وأسألك الرضاء بعد القضاء[12].

وصية عملية:
عليك بوصيةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تغضَبْ، وإذا غضبتَ فقاوِمْ غضبك، وتغلَّبْ عليه، وحقِّقِ السنَّة فيه.
♦♦♦♦


السؤال الثاني عشر: سورتان تُعرَفان بـ: "الزهراون"، فما هما؟
الجواب: سورة البقرة، وآل عمران.
وذلك لِما جاء عن أبي أمامةَ الباهلي، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين؛ البقرةَ، وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتانِ، أو كأنهما غَيَايتانِ، أو كأنهما فِرْقان من طيرٍ صوافَّ، تحاجَّان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أَخْذَها بركةٌ، وتَرْكَها حسرةٌ، ولا تستطيعها البَطَلَةُ))[13].
سُمِّيَتَا بالزَّهْراوين: لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما...الغَمامة والغَيَاية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه مثل السحابة.
♦♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب الطريق:
مِن الآداب التي لا يستغني عنها كل إنسان؛ فمن لوازم الحياة أن يكون للناس طريق يمشون فيه، ويتحركون منه، ويمارسون حياتهم من خلاله، وللطريق آداب وأحكام، وهي:
1- حق الطريق:
عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والجلوس على الطرقات))، فقالوا: ما لنا بد؛ إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: ((فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريقَ حقها))، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: ((غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، وأمرٌ بالمعروف، ونهيٌ عن المنكر))[14].
وهذا حديث جامع في حق الطريق؛ فقد أورد عددًا من آداب الطريق، وهي:
غضُّ البصر: وهو من الآداب، بل من الواجبات، أن تغُضَّ بصرك عن النظر إلى العَوْرات، فهذا من حق من يمر عليك، وهذا للرجال وللنساء؛ قال تعالى في حق الرجال: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].
وقال في حق النساء: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور: 31].

كفُّ الأذى: يجب على المؤمن أن يكف أذاه عن أي أحد، فلا يؤذي أحدًا؛ في طريق أو في غيره؛ فالمسلم مَن يسلَم الناس من أذاه، والأذى – على وجه العموم - يكون بالكلمة، أو بالفعل، أو حتى بالإشارة، ولعل المراد بأذى الطريق أن تميط ما يؤذي الناس في طريقهم؛ كشجر، أو حجر، أو عَظْم، أو شوك.
وليعلَمْ أن إماطة الأذى من طريق الناس مما يثاب عليه ويؤجر؛ فهي صدقة لصاحبها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويميط الأذى عن الطريق صدقةٌ))[15]، بل هو سبب في دخول الجنة؛ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لقد رأيت رجلًا يتقلب في الجنة، في شجرةٍ قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس))[16].

ردُّ السلام: مِن حق الطريق أن من يلقي عليك السلام، وجب عليك أن ترد عليه السلام؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 86].

الأمر بالمعروف: وهذا مِن حرص الإسلام على تحقيق النُّصح للآخرين، بأنه مهما وجدت الفرصة لتنصح أخاك، أو لتبذل معروفًا - فافعَلْ؛ فالدِّين النصيحة.

النهي عن المنكر: لا ننسى أن من أسباب خيرية الأمة أن أفرادها يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فإذا وقعَتْ عينك على منكَر، أو سمِعَتْ أُذنك منكرًا، وكنت مؤهلًا للقيام بدور مَن يغير المنكَر - فلا تُفرِّط.

2- هداية السائل:
فلو سألك أحد المارة، لتدله على بيت أحد من الناس، أو عن طريق من الطرق لتصفه له، فلا تبخل عليه إن كنت من أهل المكان، أو على علم بما سألك عنه، أما إذا لم تكن تعلم، فلا تقل بما لا تعلم؛ حتى لا تُضلَّ الناس، وهذا مما يقع فيه كثير من الناس، فلا حرج إن قلت: لا أدري، وثواب مَن يهدي الناس لطريقهم قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((... ودَلُّ الطريق صدقةٌ))[17].

3- عدم قضاء الحاجة:
فاحذَرْ أن تقضيَ حاجتك في طريق الناس، فهذا مما يجلب لعنة الله على فاعله؛ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((اتقوا اللعَّانينِ))، قالوا: وما اللعَّانانِ يا رسول الله؟ قال: ((الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظِلِّهم))[18].

4- إعانة المحتاج:
فلو أن أحدًا من الناس طلب منك أن تعينَه على حمل شيء، أو فِعل أمر في الطريق، فجدِّد نيتك، وأعِنْه على طلبه وحاجته؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((...ويُعين الرجلَ على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقةٌ))[19].

5- سَيْر النساء في جوانب الطريق:
عن أبي أسيدٍ الأنصاري: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارجٌ من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: ((استأخِرْنَ؛ فإنه ليس لكُنَّ أن تحقُقْنَ الطريقَ، عليكن بحافَاتِ الطريق))، فكانت المرأةُ تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلَّق بالجدار مِن لصوقها به[20].
فليس للنساء أن يمشين في وسط الطريق، ولكن جوانب الطريق لهن، فهذه تعاليم الإسلام، فعلى المرأة أن تلتزم بها، وتسير عليها؛ حتى لا تحدُثَ مخالفاتٌ في المجتمَع.

6- الالتزام بقوانين الطريق والمرور:
فلو رأى راكب السيارة أو الدراجة تعليماتٍ مرورية، فعليه أن يلتزم بها؛ فلا يكسر إشارة مرور، أو يسير في اتجاه معاكس، أو يستعمل آلة التنبيه بلا داعٍ، فهذا بلا شك ما دام أنه قد ينتج عنه ضرر للآخرين، فهو مخالف لهَدْي الإسلام.
وقد جمع الإمام ابن حجر آداب الطريق في أبيات شعرية، فقال:
جمعتُ آدابَ مَن رام الجلوسَ على ال <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>

طَّريق مِن قولِ خير الخَلْق إنسانَا <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>


أفشِ السلام وأحسِنْ في الكلام وشمِّ <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>

تْ عاطسًا وسلامًا رُدَّ إحسانَا <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>


في الحمل عاوِنْ ومظلومًا أعِنْ وأغِثْ <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>

لهفانَ، إهْدِ سبيلًا واهدِ حيرانَا <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>


بالعُرف مُرْ وانهَ عن نُكرٍ وكُفَّ أذًى <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>

وغضَّ طرفًا وأكثِرْ ذِكْرَ مولانَا؟![21]​ <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>




♦♦♦♦


درس الفقه: ما يُفسِد الصوم:
وفي هذا الباب مسألتانِ:
المسألة الأولى: ما يُفسِد الصوم ويجب فيه القضاء فقط.
المسألة الثانية: ما يُفسِد الصوم ويجب فيه القضاء والكفَّارة معًا.

أولًا: ما يُفسِد الصوم ويجب فيه القضاء فقط:
الأول: الأكل والشرب عمدًا، أما لو أكل أو شرب ناسيًا فليس عليه شيء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا نسي فأكل وشرب، فليتمَّ صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه))[22].
الثاني: تعمُّد القَيْء، بخلاف ما لو غلَبه، فلا قضاء ولا كفارة؛ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن ذرَعه قيءٌ وهو صائمٌ، فليس عليه قضاءٌ، وإن استقاء فليَقْضِ))[23].
الثالث: مَن أكَل أو شرب ظانًّا عدم طلوع الفجر، أو غروب الشمس، فظهر له خلافُ ظنِّه، فجمهور العلماء على وجوب القضاء.
الرابع: إدخال شيء إلى الجوف عمدًا من الفم، وتناول ما ليس فيه غذاء، أو ما في معنى الغذاء.
الخامس: الحيض والنفاس.
السادس: الإنزال، وهو تعمُّد إخراج المني، وقد يكون سببه المباشرة، أو التقبيل، أو اللمس، ونحو ذلك.
سواء كان بالمباشرة، أو التقبيل، أو باليد، وكذا تعمُّد إنزال المذي، وهو الذي يخرج عند الشهوة، فكل هذه صورٌ تُفسِد الصوم وتوجب القضاء.

ثانيًا: ما يُفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة معًا:
إن الجمهور على أن الذي يوجب القضاء والكفارة معًا: الجِماع في نهار رمضانَ عامدًا متعمدًا.
الدليل:
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكتُ يا رسول الله، قال: ((وما أهلكك؟)) قال: وقعتُ على امرأتي في رمضان، قال: ((هل تجد ما تعتق رقبةً؟))، قال: لا، قال: ((فهل تستطيع أن تصومَ شهرين متتابعين؟))، قال: لا، قال: ((فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟))، قال: لا، قال: ثم جلس، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيه تمرٌ، فقال: ((تصدَّقْ بهذا))، قال: أفقرَ منا؟ فما بين لابتَيْها أهلُ بيتٍ أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدَتْ أنيابُه، ثم قال: ((اذهَبْ فأطعِمْه أهلَك))[24].
ويرى الجمهور: أن الرجلَ والمرأة سواء في وجوب الكفارة، بشرط التعمُّد والاختيار، بخلاف الشافعية، فيرون وجوب الكفارة على الرجلِ فقط.

الكفارة على الترتيب أم التخيير:
يذهب الجمهور: إلى أن الكفارةَ على الترتيب المذكور في الحديث، بخلاف المالكية، فقالوا: الكفارة على التخيير، فأيها فعَل صح، ومن عجز عنها لزِمَتْه حتى يستطيع.

هل تتعدَّد الكفَّارة بتعدد الجِماع؟
إذا جامع أكثر من مرة في يوم واحدة، فالواجب كفارة واحدة، ولو جامع في أيام متفرقة فعليه كفارة عن كل يوم؛ لأن كل يوم عبادةٌ مستقلة، وعند الأحناف كفارة واحدة.
مقدار العَرَق:
تعريف العَرَق: 15 صاعًا، فيكون العرق عند الجمهور = 6و30 كجم، وعند الحنيفة: 75و 48[25].
والله أعلم.


نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان
دار الصفوة بالقاهرة


[1] البخاري (6116).

[2] المعجم الأوسط، للطبراني (2353)، صحيح الجامع (7374).

[3] البخاري (6853).

[4] المعجم الكبير للطبراني (371)، وصحيح ابن حبان (288)، ومستدرك الحاكم (6547)، وقال: صحيح الإسناد.

[5] إحياء علوم الدين، (ج3، ص172).

[6] إحياء علوم الدين، (ج4، ص377) باختصار.

[7] البخاري (6115).

[8] أبو داود (4782)، وصححه الألباني.

[9] أحمد (2136)، وقال الشيخ/ أحمد شاكر: إسناده صحيح.

[10] أبو داود (4784)، وضعَّفه الأرناؤوط.

[11] أبو داود (4777)، والترمذي (2493)، وقال: حديث حسن غريب.

[12] جزء من دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم في سنن النسائي (1305)، وصححه الألباني.

[13] مسلم (804).

[14] البخاري (2465).

[15] البخاري (2989)، مسلم (1009)، عن أبي هريرة.

[16] مسلم (1914).

[17] البخاري (2891).

[18] مسلم (269).

[19] البخاري (2989).

[20] أبو داود (527)، وحسنه الألباني.

[21] فتح الباري، لابن حجر، (ج11، ص11).

[22] البخاري (1933)، مسلم (1155).

[23] أبو داود (3280)، وصححه الأرناؤوط.

[24] البخاري (2600)، مسلم (1111).

[25] المكاييل والموازين الشرعية، ص38 بتصرف.

Adsense Management by Losha