فريق منتدى الدي في دي العربي
06-19-2016, 11:40 PM
من المعلوم أن الأصل في علل الأفعال وحِكَمها، أنها تُتطلب من الفاعل نفسه ولا تُتطلب من المفعول له أو المفعول به، إذ هذا هو الأصوب. أو تُلتمس عن طريق الاستقراء، مع العلم أن الوسيلة الأخيرة - في هذا الموضوع - تأتي بنتائج ظنيّة، وفي كثير من الأحيايين وهمية.
فعندما عُرفت عِلّة خرق السفينة، وعِلّة *** الغلام من الخضر عليه السلام وهو الفاعل، زال وهم موسى عليه السلام من أن ذلك كان خِطْئاً وعملاً منكراً غير معروف. ولو تُركت العِلّة للمعلَّلِ له لأنكر هذا الفعل - وقد فعل- ورسخ ذلك المفهوم في ذهن القارئ.
وأضرب مثالاً آخر: افترض أننا رأينا رجلا يقطع يد رجل آخر، فإنه يبتدر إلى أذهاننا نكارةُ هذا الفعل، حيث يكون إنكارنا له أحد أقوى لوازمه، ولكننا حين سألنا ذلك الرجل عن عِلّة قطعه أخبرنا أنه كان طبيباً! وبترَ تلك اليد المصابة بداء السرطان لكي لا يسري الداء إلى باقي الجسد.
ولهذا أقول: إن كثيرا من تكليفات الله لعباده نتلْمس لها عللا وحِكَما لسنا ببالغيها، وإن وصلنا إلى بعضها فلن تكون بدرجة القطع، إلا إذا جاءت من البارئ سبحانه الذي أنزل وقدّر تلك الأحكام؛ لأنه أعلم بما أنزل، وله الحكمة البالغة سبحانه.
وبناء على هذا المبدأ، يكون زمن الإدلاء بعِلَة الفعل متوقفٌ على ما يقرّره المعلِّلُ نفسه، وهذا هو الذي جعل الخضر عليه السلام يمتنع عن متابعة تعليم موسى عليه السلام؛ لأنه اضطره (أي الخضر) للتعليل وفق الوقت الذي ارتآه موسى لا ما أراده الخضر.
والله سبحانه يفعل ما يريد ومتى يريد، وعللُ كثيرٍ من العبادات وتواقيتها، سوف تعرف في الوقت الذي يحدده رب العزة، لا في الوقت التي يريده الإنسان؛ فالإنسان عجول بطبعه، ويطلب ما لن يعطيه الله إلا بمقدار ما يريده الله، لأنه لا يمكن للإنسان أن يعلم كل شيء وعلل كل شيء، فذاك علم متناهٍ، وأما العلم اللامتناهي فذاك من صفات الله سبحانه علام الغيوب، والله وحده الذي يعلم علل كل شيء.
ومما نستخلصه كذلك: أن معرفة العِلّة والحكمة من وراء الشيء يأتي كذلك في وقت معين لحكمةٍ كذلك، فمن غير الطبَعي أن نتلمّس الحكمة وراء الأشياء، ثم يعين وقت معرفتها جُزافاً أو لوقت يريده الإنسان المعلَّل له، إذْ لا بد أن يكون ذات التوقيت لحكمةٍ تصدر من الحكيم سبحانه الذي يضع الأشياء في مواضعها، ومن هذه الأشياء: الوقت الذي يُطلع فيه عباده على عِلَل أقداره.
أرأيتَك أيها الإنسان إذا أخذت طفلا لك للتطعيم في عيادة طبيب، وغرْزُ الإبرة في ظهره عمليةٌ مؤلمةٌ لا يُحبّها، وسألك ابنك عن الحكمة من وراء ذلك التطعيم ، ستجدك تخبره بعلةٍ تناسب عقله، كقولك له: " لكي يعافيك الله عند الكبر" أو: "لكي تصبح قوياً إن شاء الله"، أو غير ذلك، وأنت تحاول تبسيط المسألة له، وذلك لقصور عقله على استيعاب العلة الحقيقية التي سوف يعلمها بعد حين. ومع الوقت سوف يستوعب تلك العملية، بل سيُجبر أبناءه عليها.
وكذلك أيها الإنسان هل تناقش طبيبك كثيراً عن عِلّة إعطائك بعض أنواع الأدوية، أم أنك تسلم له لعلمك بطريق العقل والتجريب أن هذا الطبيب مختصٌ ويعلمُ ما يفعل؟ ولا شك أنك سوف تختار الأخير وهو التسليم لأهل الاختصاص؛ ولئن سألت الطبيب عن العلة لأعطاك علةً تُناسب عقلك، وسوف يقول لك: "هذا الدواء مفيد لك لأنه آخر دواء اكتشفه علماء الطب والكيمياء"، ولن يدخلك في تعقيدات علم الكيمياء لقصور أو لصعوبة استيعاب الكثيرين لتلك العلوم ودقائقها.
فكذلك الأمر بالنسبة لعلل أحكام الشرع التكليفية والوضعية والحِكم من ورائها، فإنها سوف تظهر للإنسان في الوقت الذي يريده الله سبحانه، وقد يدرك الإنسان في الدنيا بعض الحكم وبعض علل الأشياء ولكن ذلك يبقى نسبياً كمّاً وناقصاً كيفاً، لأنه انبثق من إنسان، والإنسان ناقصٌ خلقةً، ومهما رجّحَ من عِلَل واستنبط من حِكَم، لا بد وأن يعتريها شيء من النقص؛ لأنه ليس مصدر تلكم الأحكام، بل هو مستقبلٌ تلكَ الأحكام والمنفعلُ لها.
لكن الحكم الذي صدر من الله سبحانه الحقِّ المطلق وصاحبِ الكمال المطلق، لا بد أن تكون الحكمة من أفعاله حقاً مطلقاً لا نسبيّةَ فيه؛ إذ ما يصدر عن الحق سبحانه يكون حقاً ضرورة، وبالله التوفيق.
فعندما عُرفت عِلّة خرق السفينة، وعِلّة *** الغلام من الخضر عليه السلام وهو الفاعل، زال وهم موسى عليه السلام من أن ذلك كان خِطْئاً وعملاً منكراً غير معروف. ولو تُركت العِلّة للمعلَّلِ له لأنكر هذا الفعل - وقد فعل- ورسخ ذلك المفهوم في ذهن القارئ.
وأضرب مثالاً آخر: افترض أننا رأينا رجلا يقطع يد رجل آخر، فإنه يبتدر إلى أذهاننا نكارةُ هذا الفعل، حيث يكون إنكارنا له أحد أقوى لوازمه، ولكننا حين سألنا ذلك الرجل عن عِلّة قطعه أخبرنا أنه كان طبيباً! وبترَ تلك اليد المصابة بداء السرطان لكي لا يسري الداء إلى باقي الجسد.
ولهذا أقول: إن كثيرا من تكليفات الله لعباده نتلْمس لها عللا وحِكَما لسنا ببالغيها، وإن وصلنا إلى بعضها فلن تكون بدرجة القطع، إلا إذا جاءت من البارئ سبحانه الذي أنزل وقدّر تلك الأحكام؛ لأنه أعلم بما أنزل، وله الحكمة البالغة سبحانه.
وبناء على هذا المبدأ، يكون زمن الإدلاء بعِلَة الفعل متوقفٌ على ما يقرّره المعلِّلُ نفسه، وهذا هو الذي جعل الخضر عليه السلام يمتنع عن متابعة تعليم موسى عليه السلام؛ لأنه اضطره (أي الخضر) للتعليل وفق الوقت الذي ارتآه موسى لا ما أراده الخضر.
والله سبحانه يفعل ما يريد ومتى يريد، وعللُ كثيرٍ من العبادات وتواقيتها، سوف تعرف في الوقت الذي يحدده رب العزة، لا في الوقت التي يريده الإنسان؛ فالإنسان عجول بطبعه، ويطلب ما لن يعطيه الله إلا بمقدار ما يريده الله، لأنه لا يمكن للإنسان أن يعلم كل شيء وعلل كل شيء، فذاك علم متناهٍ، وأما العلم اللامتناهي فذاك من صفات الله سبحانه علام الغيوب، والله وحده الذي يعلم علل كل شيء.
ومما نستخلصه كذلك: أن معرفة العِلّة والحكمة من وراء الشيء يأتي كذلك في وقت معين لحكمةٍ كذلك، فمن غير الطبَعي أن نتلمّس الحكمة وراء الأشياء، ثم يعين وقت معرفتها جُزافاً أو لوقت يريده الإنسان المعلَّل له، إذْ لا بد أن يكون ذات التوقيت لحكمةٍ تصدر من الحكيم سبحانه الذي يضع الأشياء في مواضعها، ومن هذه الأشياء: الوقت الذي يُطلع فيه عباده على عِلَل أقداره.
أرأيتَك أيها الإنسان إذا أخذت طفلا لك للتطعيم في عيادة طبيب، وغرْزُ الإبرة في ظهره عمليةٌ مؤلمةٌ لا يُحبّها، وسألك ابنك عن الحكمة من وراء ذلك التطعيم ، ستجدك تخبره بعلةٍ تناسب عقله، كقولك له: " لكي يعافيك الله عند الكبر" أو: "لكي تصبح قوياً إن شاء الله"، أو غير ذلك، وأنت تحاول تبسيط المسألة له، وذلك لقصور عقله على استيعاب العلة الحقيقية التي سوف يعلمها بعد حين. ومع الوقت سوف يستوعب تلك العملية، بل سيُجبر أبناءه عليها.
وكذلك أيها الإنسان هل تناقش طبيبك كثيراً عن عِلّة إعطائك بعض أنواع الأدوية، أم أنك تسلم له لعلمك بطريق العقل والتجريب أن هذا الطبيب مختصٌ ويعلمُ ما يفعل؟ ولا شك أنك سوف تختار الأخير وهو التسليم لأهل الاختصاص؛ ولئن سألت الطبيب عن العلة لأعطاك علةً تُناسب عقلك، وسوف يقول لك: "هذا الدواء مفيد لك لأنه آخر دواء اكتشفه علماء الطب والكيمياء"، ولن يدخلك في تعقيدات علم الكيمياء لقصور أو لصعوبة استيعاب الكثيرين لتلك العلوم ودقائقها.
فكذلك الأمر بالنسبة لعلل أحكام الشرع التكليفية والوضعية والحِكم من ورائها، فإنها سوف تظهر للإنسان في الوقت الذي يريده الله سبحانه، وقد يدرك الإنسان في الدنيا بعض الحكم وبعض علل الأشياء ولكن ذلك يبقى نسبياً كمّاً وناقصاً كيفاً، لأنه انبثق من إنسان، والإنسان ناقصٌ خلقةً، ومهما رجّحَ من عِلَل واستنبط من حِكَم، لا بد وأن يعتريها شيء من النقص؛ لأنه ليس مصدر تلكم الأحكام، بل هو مستقبلٌ تلكَ الأحكام والمنفعلُ لها.
لكن الحكم الذي صدر من الله سبحانه الحقِّ المطلق وصاحبِ الكمال المطلق، لا بد أن تكون الحكمة من أفعاله حقاً مطلقاً لا نسبيّةَ فيه؛ إذ ما يصدر عن الحق سبحانه يكون حقاً ضرورة، وبالله التوفيق.