فريق منتدى الدي في دي العربي
03-04-2016, 09:06 AM
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
D9%8A%D9%83%D9%85.gif
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
مِنْ النِّسَاء العَظِيمَات في العَصر الأَخِير ...
صِدِّيقَة بنت الشيخ شرف الدّين
هذه ترجمةٌ موسعةٌ لامرأةٍ مِن نساءِ العصرِ الأَخير، مِن النّساء العظيمات، اللواتي مَن وقف على جليلِ أعمالهن لم يَسعهُ إلا اللَّهَج بالثناء عليهن ورفع ذكرهن، وإذا وجدنا في العصر الأخير الكثير من الرجال نكتب عنهم وعن جهادهم العلمي والدعوي فإنه – بالعكس- يندر أن نجد من نكتب عنهن من نساء عصرنا!!...
وإنَّ الحديث عن هذه المرأة العالمة الداعية الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر في شخص «صدّيقة شرف الدّين» ليُسَلِّينَا بعضَ الشيء عن نقائِص مجتمعاتنا، وليَبعثُ فِينا شيئًا مِن الفَخَار؛ أنّهُ لم يَخْلُ عصرُنا مِن أولئك النِّسَاء العظيمات... وفي الزَّوَايَا خَبَايَا!
كتب الأستاذ محمد كرد علي (رحمه الله) في تقريظ بعض المطبوعات قائلاً: «كما قيَّضَ اللهُ سُبحانه رجالاً في «الهند» لنَشرِ مَذهبِ السَّلَف بطَبع كتب الحديث وسُننه ومسانيده وأجزائِه وكُتب عقيدتهم الصَّحيحة، كذلك أتاح لذلك رجالاً من «البحرين» و«مصر» و«جُدّة»، لا يَألُون جُهدًا في السَّعيِ وراء إحياء آثار السَّلَف وبَعثِها من مراقد الإِهمال الذي قضى عليها ضَعفُ العِلم في العصور الأخيرة»اهـ[1].
أقولُ: ومن جملةِ رجال الهندِ أولئك: الشيخ شرف الدّين الكُتبي وأولادُهُ، ومن رجال الحجاز: عينُ أعيانِ جدّة الوجيه الشيخ محمد نصيف. وقد توثّقت الصِّلاتُ العلمية والدعوية بين الرجلينِ وامتدت بينهما إلى الصِّلات الاجتماعية وانتهت بالمصاهرة بينهما، فاختار الشيخ نصيفٌ لابنه عمر كريمةَ الشيخ شرف الدّين، فانتقلت «صدّيقة شرف الدين» من «الهند» إلى دار نصيف في «جدّة» وعاشت في كنفِ العائلة النصيفية مُقرّبةً ومحبوبة من الجميع لا سيّما عميدها الشيخ محمد نصيف.
الشيخ شرف الدين الكُتبِي:
لم أقف لهُ على ترجمة تُوفيه حقَّهُ، وقد ذكره تقي الدين الهلالي (رحمه الله) أثناء حديثه عن زيارته للهند (سنة 1341هـ)، فقال: «وصلتُ إلى مدينة «بومباي» فنزلتُ عند العالم الصالح الشيخ شرف الدين الكُتبي رحمةُ الله عليه، و أقمت في «بومباي» شهرين دخلتُ في أثنائها المستشفى وأجري لي عمل جراحي غير ناجح في عيني اليسرى، و كان الشيخ شرف الدين (رحمه الله) في تلك المُدّة يغمرني ببِرِّهِ و إِحسانِه» [2]. وذكر عن نفسِه أنه كان يجلسُ كثيرًا في مكتب الشيخ شرف الدّين.
والشيخ «شرف الدين الكُتبيّ» الّذي نُسِب إلى عمله وهو ترويج الكتب ونشرُها؛ هُوَ «الذي أَسَّس [إِبَّانَ الحُكمِ البريطاني] [3] أول مطبعة للكتب الإسلامية باللغة العربية في مدينة «بُومباي» بالهند، وكان عمله الرئيس - بالإضافة إلى الدعوة والتعليم الإسلامي - طباعة الكتب والمراجع الإسلامية المطلوبة في دول الخليج، ثُمّ أضاف للمطبعة مكتبةً إسلاميةً عربيةً في نفس المكان [هي مطبعة ومكتبة تطبع وتبيع الكتب العربية والدينية تحت اسم (شرف الدين الكتبي وأولاده] [4]، وكان هذا الأمر في بداية القرن العشرين، ولا زالت المكتبةُ والمطبعةُ قائمتين إلى هذا اليوم»[5].
ثُمّ وقفتُ على خبر وفاته في صحيفة «أُم القرى» التي كانت تصدر بمكة [السنة الثالثة، الجمعة 4 ربيع الآخر 1346هـ- 30 أيلول 1927م، (ص3)]: «وفاة: نَعَت إلينا أخبارُ الهند وفاة الشيخ محمد شرف الدين الكُتبي العالم السَّلَفي المَعروف والعامِل على نشر العِلم الصحيح بين قومه، فنُعزِّي آله وذوِيه وندعُو له بالرحمة».
أبناء الشيخ شرف الدّين:
واصَلَ أبناء الشيخ شرف الدين مسيرته العلمية الدعوية بعد وفاته، واقتسموا فيما بينهم المكتبة والمطبعة، «تولى أمر المكتبة الشيخ عبد الحكيم شرف الدين، وقام بأمور المطبعة أخوه الأصغر الشيخ خليل شرف الدين» [6]، وبدأ الشيخ عبد الصمد شرف الدين[7] عمله المستقبَل في بلدة تقع شمال بومباي باسم بيوندي التي ولد فيها حيثُ أسس مطبعة لنشر الكتب العربية والدينية تحتَ اسمِ: «الدار القيمة»، وقام بطبع الكتب العديدة من مؤلفات العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن القيم وغيرهما» [8]، ومن مطبوعاتها: «كتاب الرد على المنطقيِّين» لابن تيمية، «طبعة المطبعة القيمة لأصحابها شَرف الدين الكتبي وأولاده»، «بُمباي 1368هـ- 1949م»، «نشره عبد الصمد شرف الدين الكتبي للمرة الأولى عن نسخة وحيدة كتب عليها المصنّف بخطّه»، ومن مطبوعاتها: «مجموعة تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية من ست سور: الأعلى، الشمس، الليل، العلق، البينة، الكافرون»، «صححه وعلق عليه مع مقدمة بالإنجليزية عبد الصمد شرف الدين»، «الدار القيمة- بُمباي، الهند 1374هـ- 1954م». ومن مطبوعات الشيخ عبد الحكيم شرف الدّين: «تحفة المودود بأحكام المولود»، «بتصحيح وتعليق عبد الحكيم شرف الدين، المطبعة الهندية العربية. الهند 1380هـ- 1961م». طبعها عن نسخة خطّيّة يملكها الشيخ محمد نصيف.
صدِّيقة شرف الدّين:
لا أعرفُ شيئًا كبيرًا عن نشأة «صدّيقة بنت الشيخ شرف الدّين» وحياتها بالهند في كنف والدَيها، غير أنَّها: «تَلَقَّت العِلم الشّرعيّ على يد والدها العلامة والداعية الإسلامي المعروف «شرف الدين كتبي»»[9]، فأخذت عليهِ ودرست أُمَّات الكتب في الفقه والحديث.
انتقالُها إلى الحِجاز:
ثم شاء الله عزَّ وجلَّ أن تنتقل «صدّيقة» إلى أرض الحجاز لتعيش فيها بقيَّةَ عُمرها، حيثُ زوّجت من الأستاذ عمر نصيف[10]؛ نجل وجيه الحجاز الشيخ محمد نصيف، للعلائق التي كانت تربط هذا الأخير بالشيخ شرف الدّين وأولاده.
نشاطُها الدَّعَوي:
عملت «صدّيقة» بجدٍّ ومُثابرةٍ في مجال الدّعوة الإسلاميّة، وقامَت بِإِحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم النساء أمور دينهنّ، وكانت أوَّل مَن بدأت الدروس الدِّينية والمحاضرات العِلمية لنِساء «جُدَّة»، منذ نحو خمسةٍ وخمسين عامًا... وكما كانت نِعم الزّوجة! كانت نِعم المُسلمة الفاعِلة! التي بدأت نشاطاتها الدعوية في رغبةٍ قويّة وإرادة متينةٍ لأجلِ إصلاح مجتمعها (الوسط النّسويّ منهُ) وبثّ الوعي الدّينيّ في بناتِ جنسِها، وكانَ لها أن نجحت في القضاءِ على بعض العادات الفاسدة الّتي لم تتخلّص منها بعض النساء في مجتمع الحجاز آنذاكَ؛ مِن تعليق التَّمائم والحُروز والتَّعاويذ البِدعيَّة... ولا زالت ابنتُها (الدكتورة) «فاطمة عمر نصيف»[11] تَذكر ذلك عن والدتها «صدّيقة»، حيثُ كانت تَصحبُها في مجالسها الدعويَّة، مما غرس في وجدانها أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[12] الذي كانت والدتُها تضطلع بهِ وتقومُ عليهِ. تقول «د. فاطمة عمر نصيف»: «إنَّني أَذكرُ أنّه كان عمري خمس سنوات، لم يكن في مدينة «جُدّة» مَن يَدعُو إلى الله! كانت أوّل واحدة هي والدتِي، وكان عمري خمس سنوات، كانت تَأخذُني مِن يدي وأنا كنتُ وحيدتها وتُجلِسني في مجالسها وتُعلِّم الناسَ. مِن ذلك التاريخ: العِلمُ ما شاء الله! في الفترة هذه... خلال فترة دَعُونا نقول: خمسين سنة، أو خمس وخمسين سنة»اهـ[13].
ويَقولُ ولدُها «د. عبد الله عمر نصيف»(وُلِد في جُدَّة عام 1358هـ= 1939م): «الوالدة (رحمةُ الله عليها) كانت مشتغلة بالدَّعوة بين النساء فكنت أذهب بها إلى أحياء جُدَّة المُختلفة للوعظ والإرشاد والتوعية... نشأتُ في بيئة فيها الدعوة والتعليم... الوالدة أنشأت أول مدرسة للبنات تحت إِشراف جَدِّي... الوالدة – من الأشياء التي لا تُنسَى- كُنَّا نَذهب إلى القُرى المحيطة بجُدَّة، الآن صارت جُزء مِن جُدَّة (الرُّوَيْس والنُّزْلَة وبَنِي مَالِك)، وكانت هناك تدعُو النساء إلى التوحِيد وترك البدع والخرافات، فكُنَّا نجمَع في نهايَة اليَوم كميّة من الحُجُب والتَّمَائِم والخَرَز والوَدَع والأشياء التي يُعَلِّقُها الناس اعتقادًا بنَفْعِهَا... فكنا نجمعها و(أَشِيلْهَا) أنا في السيارة وأُحضرها إلى البيت وأقوم بقَصّ الحُجُب، مع أن الناس ينبهون علي أن لا تفتح الحجاب هذا خَطِر!... أفتح الحجاب وأفتح ما في الداخل وأشوف أيش مكتوب فيه! قليل منه فيه آية الكرسي أو قل هو الله أحد أو المعوذات أما أكثرها شخابيط! لا أستطيع أن أتبينْهَا... فهذا التوعية ظهر أثرها الآن، الفتيات الذين في المدارس وفي التعليم يَدعُونَ لِلوالدة بالخير أنها نَبَّهَتهُم إلى هذا الجَانِب»اهـ[14].
ومِن جهود «صدّيقة» الدَّعويّة عملُها على نشرِ الكُتب النَّافِعة في الأوساط النّسائيَّة؛ تُدعِّم بذلك سَعيَها فِيما تَرجوهُ مِن اهتداء النِّساء إلى عقائد الحقّ وأعمال السُّنَّة.
شهادةُ من الشيخ عبد الصمد شرف الدين لأُخته صدّيقة:
قام الشيخ عبد الصمد شرف الدين بطبع «تفسير المعوذتين» لشيخ الإسلام ابن تيمية، «الطبعة الثالثة، المطبعة القيمة، بُمباي، الهند، سنة 1375هـ- 1955م»، وصححه وعلق عليه، وقدّم له بمقدمةٍ قال فيها: «أما بعد، فقد هدَى اللهُ تبارك وتعالى أُختنا الكريمة «صدّيقة بنت شرف الدين» – حرم الأستاذ عمر نصيف أفندي، نجل السَّلَفي الحجازي الشّهير الشيخ محمد نصيف أفندي متّعه اللهُ بطول الحياة- لإعادة طبع «تفسير المعوّذتين»... والباعثُ لها على ذلك شِدّةُ رَغبتِها في نشرِ العِلم النافع بين الناس، ولا سيّما في أهالي الحجاز القاطنة بينهم. فقد وَفَّقَها اللهُ للقيام ببَثِّ دعوةِ الحقّ في أَترَابها من أهالي «جُدّة» وما حولها بجهادٍ متواصلٍ مُنذُ سنين غير خائفةٍ لومةَ لائمٍ. وقد أخذَ مَجهودُها المحمودُ يُثمر آثارَه الحميدة بما ظهر في أوساط السّيّدات من الإصلاح العام في العقائد والأعمال وإزالة البدع والضلال. وقد لاَحَظَت أثناء اختلاطِها مع النِّسوة في حلقات الدرس للوعظ والإرشاد أنَّ عامَّة النّاس يَمِيلون إلى ما انتشر بين العوامّ من تعليق التعاويذ الرسمية وتمائِم الجاهلية فيما يستعيذون به من الشرور والآفات ويستجلبون به الخير والبركات بما لم ينزل الله به سلطانًا، ويتجنّبون ما أرشد الله ورسوله إليه في هذا الباب. فرَأَت أنّ خيرَ ما يُوضَع في أيدي الناس لإصلاح عقائدهم ودعوتهم إلى محض الكتاب والسُّنّة هي الكُتب القيّمة مِن آثار السَّلَف تَهدي للَّتِي هي أَقوَم. فوقع اختيارُها على هذا الكتاب بهذا الغرض»اهـ.
تأسيس «المَدرسة النَّصِيفيّة»:
ثم قامت «صدّيقة» بتَأسيسِ أوّل مدرسةٍ للبنات في المملكة العربية السعودية بإذنٍ من الملك سعود بن عبد العزيز (رحمه الله)، تحت إشراف الشيخ محمد نصيف. كما أَسّست –أيضًا- جمعيّةً للقُرآن الكريم[15].
في مقابلةٍ مع «السيدة فتحية عبيد» المشرفة العامّة على «مدارس النّصيفية»[16]، والتي تولت إدارتها طوال فترة 38 سنة، قبل أن تُسلِّم المهمّة لابنتها «إيمان». تَذكر «عبيد» أنّها انضمت للمدرسة منذ أن كانت طالبةً تُساعد مُديرتها «السيدة صديقة شرف الدين»، حيث كانت من طالبات الدفعة الأولى اللاتي تخرجن من المدرسة ذاتها وتقول: «لقد أُسّست المدرسة عام 1375هـ، وتَمّ افتتاحُها عام 1376هـ، واستمرّت حتّى الآن خمسين سنة مِن عطائها»، وتُتابع حديثها: «لقد سبقت «مدرسة النّصيفية» التعليم الرسمي الحكومي للبنات بخمس سنوات، حيث بدأ منذ 45 سنة، وبعد تأسيسنا لِـ«مدرسة النصيفية» بقُرابة ستّة أشهر تَمَّ افتتاح مدرسة دار الحنان ومدرسة الثقافة الشعبية الابتدائيتين». وعن نشأتها، تقول «عبيد»: «سببُ نشأتها تمثَّل في رغبة السيدة صدّيقة شرف الدين زوجة الشيخ عمر محمد نصيف (رحمهما الله)، وكانت حينها قد جاءت من الهند وهي متعلِّمة ومن أهل دين وعلم، ولذلك رغِبت أن تحظى ابنتها الوحيدة بالتعليم الذي يُفترَض أن تحصل عليه، ولكنّها لم تجد أي مدرسة نظامية في «جُدّة» يُمكنها من خلالها تعليم ابنتها، ووجدت بعض الكتاتيب التي تُعلّم الفتيات شيئًا من القرآن والأحاديث والقراءة والكتابة وبعض العلوم القليلة التي كانت تتلقاها الفتاة في تلك الأيام، ولهذا فكَّرت في إنشاء مدرسة تتعلم بها ابنتُها والبنات كافة في المنطقة ودَعَّمَها في ذلك زوجُها». وتُتابع «عبيد» سرد القصة قائلةً: «من أجل رغبتها قام والدُ زوجها الأفندي محمد نصيف، كما كان يُلقَّب في تلك الأيام، برفعِ خطابٍ يَطلبُ فيه من الملك سعود بن عبد العزيز رغبَتَهُ في فتح مدرسةٍ نظاميةٍ للبنات في «جُدّة» وكان مُقرَّبًا حينها من الملك سعود، فوافق، وأَسَّسُوا «مدرسة النصيفية» تيمُّنًا بلقب الشيخ محمد نصيف». وعن بداية المدرسة، تقول «عبيد»: «عندما جاءت المُوافقة تَمَّ تأسيسُها في منزل الشيخ محمد نصيف، وهو المعروف الآن في «جُدّة» القديمة وسط «سوق العَلَوِي»، والذي يُعَدُّ الآن مُتحفًا أثريًّا تَشهدهُ المنطقة التاريخية بجُدّة، وبدأت المدرسة في الدور الأرضي من المنزل وتَمَّ توسيع الطابق الأرضي وفتح بعض الغُرف لتكون فصولاً دراسية تستقبل الطالبات اللاتي وصل عددهُنّ في أول سنة دراسية إلى 300 طالبة فقط، في ثلاث مراحل دراسية بدأت من الصف الأول وحتى الصف الثالث ابتدائي، وبعد ذلك تدرَّجت المدرسة حتى وصلت للمرحلة الثانوية». وعن المواد الدراسية التي قامت «صدّيقة» بتبنِّيها في المدرسة، تقول «عبيد»: «كانت مناهج البنين من قراءةٍ وكتابةٍ وحسابٍ وغيرها مما كانوا يدرسونه، لكن «صدّيقة» أضافت إليها أيضًا بعض المواد التي تفيد الفتيات كالتدبير المنزلي والتفصيل والخياطة» وتُتابع: «وساعد في إدارة المدرسة كلٌّ من زوجي الشيخ عبيد الله سرور، وهو ابن أخت صاحبة المدرسة «السيدة صدّيقة»، بالإضافة إلى ابنها الدكتور «عبد الله عمر نصيف»، وهو الرئيس الفخري للمدارس النصيفية، وبعد ذلك تفرَّغ لها «عبيد الله سرور»». وعن صعوبة تعليم الفتاة منذ خمسين سنة ومدى قناعة الأهالي في تعليم بناتهم تقول: «بعد أن فتحت «السيدة صدّيقة» المدرسة كانت هيَ وبعضُ مَن عمِلن معها يَدُرْن على المنازل في «جُدّة» ويَطرُقْن الأبواب ليُخبِرْن الناس بأنّهن افتتَحْنَ مدرسةً نظامية لتعليم البنات ويُحاولن إقناعهم بضرورة تعليم البنات ومدى أهمية ذلك»، وتصمتُ لبُرهةٍ وتُتابع بعدها: «لقد عانوا في بداية الأمر لعدم قناعة الأهالي بتعليم بناتهم، وأنّهم يَرون أن تعليمها ينحصر في حفظ القرآن والأحاديث فقط، فقد كانوا يَخشون خروج الفتاة للعِلم كي لا تفسد أخلاقُها، خاصّةً أن الفتاة عندما كانت تُخطئُ كانوا يُرجعون هذا الخطأ، لأنّها تعلّمت، وتلك الفترة كانت الكتاتيب هي المنتشرة ولم يكن التعليم الحكومي للفتيات قد بدأ». وتُكمل سَرد القصة: «ولكن بعد فترة استطعن أن يَكسِبن ثقة الأهالي، وكان عدد الطالبات في أول سنة دراسية قد وصل إلى 300 طالبة في ثلاث مراحل».
الأستاذ علي الطنطاوي في «المدرسة النَّصِيفيّة»:
يقول الأستاذ علي الطنطاوي في«ذكرياته» تحت فصل: «لمّا علَّمتُ البنات»(8/294): «...فلما جئتُ مكة أُدرِّس فيها لم يكن في المملكة إلاّ مدرسة واحدة للبنات (فيما أعلم أنا) هي«المدرسة النصيفيّة» التي أنشأها الرجلُ العظيم الشيخ محمد نصيف رحمةُ الله عليه، فكان رائدًا في فتح مدارس البنات...»، وقال(ص:295): «...لمّا قدمتُ المملكة سنة1383 كلّفني الشيخ الأفندي محمد نصيف رحمةُ الله عليه بأن أعقد ندوةً في المدرسة النصيفية أُجيب فيها على البنات، فاعتذرتُ وتنصّلت. قال: ولِمَ؟ هل هذا حرام؟ قلت: التحريم لا بدّ فيه من دليل وأنا ما عندي من دليل، ولا أقول بأن ذلك حرام، بل ربما قلت بأن تعليم البنات أمرَ دينهن واجبٌ على المسلمين، فإن كان المدرِّس كبيرًا مأمونًا وكُنَّ متحجّبات يكون ذلك مفروضًا لا مرفوضًا، ولكنني أخشى أن أستنَّ في المملكة سُنّةً يُساء اتِّباعُها فيكونُ عليَّ وِزرها ووِزر من عمل بها، لذلك لا أبدأُ أنا بها. ولكن إذا أُلقيت محاضرتان تكون محاضرتي الثالثة إن شاء الله، ولا أكون أنا فاتحَ هذا الباب. فسكتَ وإن ظهر على وجهه أنه لم يقتنع بما قلتُ، ثم زرته بعد حين فقال لي: إنها قد ألقيت الآن محاضرتان، ونحن نُطالبك بوعدك... وجئتُ وفاءً بوعدي فوجدتُ حجابًا كاملاً وجوًّا إسلاميًّا شاملاً، ولا عجبَ في ذلك ومُديرةُ المدرسة هي أُمُّ الأساتذة النُّجُب العلماء: الدكتور عبد الله نصيف، وأخوه الدكتور عبد العزيز وسائر الإخوة الأفاضل. وأخذتُ معي زوجتي وبنتين لي وقد حضرنَ معي من الشام، وكان اجتماعًا مُوفّقًا والحمدُ لله»اهـ.
نماذجُ مِن كتاباتِ صدّيقة شرف الدّين:
وجدتُ أنّ «صديقة شرف الدين» قد نَشَرَت كتيّبًا صغير الحجم كبير الفائدة بعُنوان «دُعاء المُسلم»، وللعنوان والموضوع دلالاته؛ فهُو كاشفٌ عن شخصية مؤلّفتِه ومنهجِها الذي تتبعُه ودعوتِها التي تَعمل على نشرها، وإنِّي أقتطفُ منه فقراتٍ وجُملاً، تُبِينُ عن أسلوبها ومُكْنَتِها العِلميَّة الدَّعويَّة وتكشِفُ عن غَيرتِها الدّينيَّة. قالت (رحمهَا الله) في «المقدمة»: «الحمد لله الذي بذكره تطمئن القلوب، والصلاة والسلام على رسول الله الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة بأحسن أسلوب، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد: فيكفينا في فضل الذكر أمره تعالى بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾[الأحزاب:41-42] ومن أهم ما جاء به خاتم النبيين (صلى الله عليه وسلم) بعد القرآن الكريم الأدعية والأذكار، التي يحتاج إليها العبد آناء الليل وأطراف النهار، في جميع شؤونه الدينية والدنيوية، إذ أن الدعاء هو العبادة التي لأجلها خلق الله الإنس والجن ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]. وبالرغم مما صنفه العلماء قديمًا وحديثًا فيما يُسمّى بِـ«عمل اليوم والليلة»، فقد وجدنا الحاجة ماسة إلى تأليف مختصر جامع لبعض ما ثبت من الأدعية والأذكار عن رسول ا لله (صلى الله عليه وسلم) في أمهات كتب الحديث، متجنبين في سيرنا ما ليس له أصل في الكتاب أو السنة، وصدق من قال: «مَا مِنْ بِدعَةٍ تَقُومُ إِلاَّ وتُمِيتُ سُنَّةً». وجمعنا ما تيسر منها في هذا الكتيب وسميناه: «دُعاء المُسلم» راجين من الله أن ينفع به كل من يقرأه، وأن يجعل عملنا خالصًا لوجهه تعالى، وذخيرةً ليوم المعاد، والله الموفق للسداد والرشاد. «صدّيقة شرف الدين». «جُدّة» في غرة رمضان المبارك سنة 1398 هـ الموافق الثالث من أغسطس 1978م».
وقالت (رحمها الله) في «التمهيد»: «أما بعد: فهذا كتابٌ يجمع الأذكار الواردة عن سيد الأبرار (صلى الله عليه وسلم) يُسن للمسلم ترديدها، وقصدت بهذا العمل أمرين: 1 ـ أن يكون بين أيدي الناس كتابٌ مختصر في الأدعية يلتزم السنة ويجتنب البدعة ويحل محلّ كثير من الكتب المملوءة بالخرافات المصطنعة والأدعية الباطلة المخترعة.
2 ـ أن يكون هذا الأثر من العِلم الذي يُنتفَع به على تطاول الأيام.
وإن شأن الدعاء لعظيم؛ لأن الدعاء هو العبادة كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولذلك كان من الضلال البين دعاءُ غير الله أو التزام ذكرٍ لم يشرعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولقد انتشرت في العصور المتأخرة بدعٌ فلَبَّسَت على الناس الحق، وعمَّت الخرافة أصقاعًا كثيرة فظهرت بمظهر الدين، وذاعت أدعية فيها ما لم يُجِزه الشرع من سؤال غير الله أو سؤال الله بغير أسمائه الحسنى الـ99 كما هو منتشر في الأوراد الشائعة المختلفة مثل حزب الدسوقي الكبير والصغير ... إلخ وروَّجها سدنة الصوفية وأئمة الضلال. وما دام الدعاء عبادة فلا بد من التزام ما شرعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فالخير كل الخير في اتباع طريقته واقتفاء أثره. وشأن الدعاء عظيمٌ ولا سيما في هذه الأيام التي طغت فيها الحياة المادية على الناس طغيانًا شديدًا حتى قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة، فألسنتهم مشغولة باللغو أو بالمحرّم من القول، وآذانهم مُصغية إلى اللهو أو المحرَّم من المعازف، وقلوبهم معلّقة بالدنيا مستغرقة في تدبير شؤونها، وأوقاتهم مصروفة في أمور الحياة الدنيا. ضيعوا دينهم فضاعوا وظلموا أنفسهم فهانوا، لذلك آل عزُّهم إلى ذل، وسيادتهم إلى هزيمة. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[الأنفال:53]، ومن هنا فإن الحق الخالص الذي لا بد من تعزيزه هو: أنه لا نجاحَ ولا فلاحَ إلا بالعودة إلى الإسلام من جديد. ولقد جرّبت أمتنا المَكلُومة المنكوبة غير سبيل الإسلام، فجنَت من ذلك الصاب والعَلْقَم والذل والفرقة والهوان والشقاء والفساد والإقلال. ونحن – العرب- قومٌ أعزّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، ومن هنا كانت الدعوة المنقِذة هي الدعوة إلى الرجوع إلى الإسلام.
والدور الذي يقوم به الدعاء في حياة المسلم هو التذكير بالتزام الإسلام، فالإسلام نظامُ حياة كامل ... والحياة لها مشاغلها التي قد تطغى على الإنسان فتُنسيه ربه وتُنسيه دينه. إذا فتح المسلم عينيه من النوم جاء الدعاء يقول له: اذكر ربك واذكر عبوديتك له واذكر فضله عليك، فهو الذي أحياك بعد موت وإليه النشور، فحاذِر أن تقع في عذابه واسأله أن يعينك على ذلك. ويلازمه الدعاء في أموره وحركاته وحاجاته... في خروجه من المنزل ورجوعه إليه، في طريقه... في ركوبه .. في ولوجه المسجد.. في إرادته الوضوء أو الأكل وهكذا.. حتى يُنهِيَ يومه ويأتيَ إلى فراشه للنوم. أي: أن الدعاء المأثور ليذكر كل مسلمٍ بربه وحقيقة عبوديته له في كل شأن من شؤون الحياة اليومية وفي كل جزء من أجزاء الليل والنهار، وبذلك يبقى المسلم مرتبطًا بدينه»، لتقول: «وختامًا فإني أسأل الله أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يرد المسلمين إلى دينهم، سببِ عزتهم ورفعتهم في الدنيا والآخرة. والحمد لله رب العالمين»اهـ
رحمةُ اللهِ الواسِعة على «صدّيقَة»!
إلحاقٌ: هذا ولم يتيسَّر لي ضبطُ تاريخ وفاتها، رغم أنّه حصل لي اللّقاء بولدها الأستاذ (المحامي) عبد الرحمن عمر نصيف في مكتبة بجدة القديمة بجوار منزل الأفندي نصيف(وهو الآن مَعلمٌ أثري من معالم جدة التاريخية) صباح يوم السبت 13 شعبان 1434هـ موافق 22 جوان 2013م. ولم يَقدِر الأستاذ أن يُحدّثني عن والدته، وقد أخبرني بأن إحدى الباحثات أعدّت رسالةً ودراسةً عن صدّيقة شرف الدّين. وكنتُ قبلُ – في رمضان 1430هـ- قد طلبتُ من حفيدها الأستاذ محمد عبد العزيز عمر نصيف- أستاذ اللغة العربية في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية- أن يكتب لي شيئًا عنها، فلم يصلني منهُ شيءٌ إلى الآن. ثم بلغني خبرُ وفاة الأستاذ عبد الرحمن (رحمه الله) في مِن عام 1434هـ، فرحمه اللهُ رحمةً واسعةً.
وهذه صورةٌ لبَيت (قصر) الشيخ محمد نصيف؛ أينَ كانت تُقِيمُ: «صِدِّيقَة شَرَف الدِّين» (رحمها الله تعالى):
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
---------------------------------------------------------------------
[1] - مجلة «المقتبس»، العدد (74).
[2] - «الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة»(ص).
[3] - ترجمة الشيخ عبد الصمد شرف الدين بقلم أبي الأشبال شاغف، منشورة في مجلة «صوت الأمة»، بنارس، الهند، م28، ع 4، ذو القعدة 1416هـ- أبريل 1996، (ص55-57و62).
[4] - ترجمة الشيخ عبد الصمد شرف الدين بقلم أبي الأشبال شاغف.
[5] - «موقع دعوتُهَا».
[6] - ترجمة الشيخ عبد الصمد شرف الدين بقلم أبي الأشبال شاغف.
[7] - توفي في 27 رمضان 1416هـ (1996م) عن عمر 95 عامًا؛ إذ وُلد في 19 أكتوبر 1901م.
[8] - ترجمة الشيخ عبد الصمد شرف الدين بقلم أبي الأشبال شاغف.
[9] - موقع «دعوتُهَا».
[10] - وُلدَ عام 1326هـ، وتُوفّي عام 1382هـ.
[11] - وُلدت سنة (1944م) بمدينة جُدّة.
[12] - أثمرَ ذلكَ دراسةً أعدّتها «فاطمة عمر نصيف» عن «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في إصلاح المُجتمعات» في عام 1400هـ.
[13] - جريدة «الرياض» اليومية، الخميس 24 ربيع الأول 1428هـ - 12أبريل 2007م - العدد (14171).
[14] - لقاءٌ تلفزيونيٌّ بعنوان: «علماء مبدِعون» مع الأستاذ عبد الله عمر نصيف، حَاورهُ الأستاذ جاسم المطوّع بتاريخ: 20/9/2001م.
[15] - موقع «دعوتُهَا».
[16] - جريدة «الشرق الأوسط»، العدد (9654)، الأربعـاء 27 ربيـع الأول 1426هـ- 4 مايو 2005م.
********************
كتب المقال:سمير سمراد
التصنيف: العلماء والدعاة: تاريخ وسير
أضيف المقال بتاريخ: الثلاثاء 27 تشرين1/أكتوير 2015
مِنْ النِّسَاء العَظِيمَات في العَصر الأَخِير ... صِدِّيقَة بنت الشيخ شرف الدّين . (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)
D9%8A%D9%83%D9%85.gif
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
مِنْ النِّسَاء العَظِيمَات في العَصر الأَخِير ...
صِدِّيقَة بنت الشيخ شرف الدّين
هذه ترجمةٌ موسعةٌ لامرأةٍ مِن نساءِ العصرِ الأَخير، مِن النّساء العظيمات، اللواتي مَن وقف على جليلِ أعمالهن لم يَسعهُ إلا اللَّهَج بالثناء عليهن ورفع ذكرهن، وإذا وجدنا في العصر الأخير الكثير من الرجال نكتب عنهم وعن جهادهم العلمي والدعوي فإنه – بالعكس- يندر أن نجد من نكتب عنهن من نساء عصرنا!!...
وإنَّ الحديث عن هذه المرأة العالمة الداعية الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر في شخص «صدّيقة شرف الدّين» ليُسَلِّينَا بعضَ الشيء عن نقائِص مجتمعاتنا، وليَبعثُ فِينا شيئًا مِن الفَخَار؛ أنّهُ لم يَخْلُ عصرُنا مِن أولئك النِّسَاء العظيمات... وفي الزَّوَايَا خَبَايَا!
كتب الأستاذ محمد كرد علي (رحمه الله) في تقريظ بعض المطبوعات قائلاً: «كما قيَّضَ اللهُ سُبحانه رجالاً في «الهند» لنَشرِ مَذهبِ السَّلَف بطَبع كتب الحديث وسُننه ومسانيده وأجزائِه وكُتب عقيدتهم الصَّحيحة، كذلك أتاح لذلك رجالاً من «البحرين» و«مصر» و«جُدّة»، لا يَألُون جُهدًا في السَّعيِ وراء إحياء آثار السَّلَف وبَعثِها من مراقد الإِهمال الذي قضى عليها ضَعفُ العِلم في العصور الأخيرة»اهـ[1].
أقولُ: ومن جملةِ رجال الهندِ أولئك: الشيخ شرف الدّين الكُتبي وأولادُهُ، ومن رجال الحجاز: عينُ أعيانِ جدّة الوجيه الشيخ محمد نصيف. وقد توثّقت الصِّلاتُ العلمية والدعوية بين الرجلينِ وامتدت بينهما إلى الصِّلات الاجتماعية وانتهت بالمصاهرة بينهما، فاختار الشيخ نصيفٌ لابنه عمر كريمةَ الشيخ شرف الدّين، فانتقلت «صدّيقة شرف الدين» من «الهند» إلى دار نصيف في «جدّة» وعاشت في كنفِ العائلة النصيفية مُقرّبةً ومحبوبة من الجميع لا سيّما عميدها الشيخ محمد نصيف.
الشيخ شرف الدين الكُتبِي:
لم أقف لهُ على ترجمة تُوفيه حقَّهُ، وقد ذكره تقي الدين الهلالي (رحمه الله) أثناء حديثه عن زيارته للهند (سنة 1341هـ)، فقال: «وصلتُ إلى مدينة «بومباي» فنزلتُ عند العالم الصالح الشيخ شرف الدين الكُتبي رحمةُ الله عليه، و أقمت في «بومباي» شهرين دخلتُ في أثنائها المستشفى وأجري لي عمل جراحي غير ناجح في عيني اليسرى، و كان الشيخ شرف الدين (رحمه الله) في تلك المُدّة يغمرني ببِرِّهِ و إِحسانِه» [2]. وذكر عن نفسِه أنه كان يجلسُ كثيرًا في مكتب الشيخ شرف الدّين.
والشيخ «شرف الدين الكُتبيّ» الّذي نُسِب إلى عمله وهو ترويج الكتب ونشرُها؛ هُوَ «الذي أَسَّس [إِبَّانَ الحُكمِ البريطاني] [3] أول مطبعة للكتب الإسلامية باللغة العربية في مدينة «بُومباي» بالهند، وكان عمله الرئيس - بالإضافة إلى الدعوة والتعليم الإسلامي - طباعة الكتب والمراجع الإسلامية المطلوبة في دول الخليج، ثُمّ أضاف للمطبعة مكتبةً إسلاميةً عربيةً في نفس المكان [هي مطبعة ومكتبة تطبع وتبيع الكتب العربية والدينية تحت اسم (شرف الدين الكتبي وأولاده] [4]، وكان هذا الأمر في بداية القرن العشرين، ولا زالت المكتبةُ والمطبعةُ قائمتين إلى هذا اليوم»[5].
ثُمّ وقفتُ على خبر وفاته في صحيفة «أُم القرى» التي كانت تصدر بمكة [السنة الثالثة، الجمعة 4 ربيع الآخر 1346هـ- 30 أيلول 1927م، (ص3)]: «وفاة: نَعَت إلينا أخبارُ الهند وفاة الشيخ محمد شرف الدين الكُتبي العالم السَّلَفي المَعروف والعامِل على نشر العِلم الصحيح بين قومه، فنُعزِّي آله وذوِيه وندعُو له بالرحمة».
أبناء الشيخ شرف الدّين:
واصَلَ أبناء الشيخ شرف الدين مسيرته العلمية الدعوية بعد وفاته، واقتسموا فيما بينهم المكتبة والمطبعة، «تولى أمر المكتبة الشيخ عبد الحكيم شرف الدين، وقام بأمور المطبعة أخوه الأصغر الشيخ خليل شرف الدين» [6]، وبدأ الشيخ عبد الصمد شرف الدين[7] عمله المستقبَل في بلدة تقع شمال بومباي باسم بيوندي التي ولد فيها حيثُ أسس مطبعة لنشر الكتب العربية والدينية تحتَ اسمِ: «الدار القيمة»، وقام بطبع الكتب العديدة من مؤلفات العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن القيم وغيرهما» [8]، ومن مطبوعاتها: «كتاب الرد على المنطقيِّين» لابن تيمية، «طبعة المطبعة القيمة لأصحابها شَرف الدين الكتبي وأولاده»، «بُمباي 1368هـ- 1949م»، «نشره عبد الصمد شرف الدين الكتبي للمرة الأولى عن نسخة وحيدة كتب عليها المصنّف بخطّه»، ومن مطبوعاتها: «مجموعة تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية من ست سور: الأعلى، الشمس، الليل، العلق، البينة، الكافرون»، «صححه وعلق عليه مع مقدمة بالإنجليزية عبد الصمد شرف الدين»، «الدار القيمة- بُمباي، الهند 1374هـ- 1954م». ومن مطبوعات الشيخ عبد الحكيم شرف الدّين: «تحفة المودود بأحكام المولود»، «بتصحيح وتعليق عبد الحكيم شرف الدين، المطبعة الهندية العربية. الهند 1380هـ- 1961م». طبعها عن نسخة خطّيّة يملكها الشيخ محمد نصيف.
صدِّيقة شرف الدّين:
لا أعرفُ شيئًا كبيرًا عن نشأة «صدّيقة بنت الشيخ شرف الدّين» وحياتها بالهند في كنف والدَيها، غير أنَّها: «تَلَقَّت العِلم الشّرعيّ على يد والدها العلامة والداعية الإسلامي المعروف «شرف الدين كتبي»»[9]، فأخذت عليهِ ودرست أُمَّات الكتب في الفقه والحديث.
انتقالُها إلى الحِجاز:
ثم شاء الله عزَّ وجلَّ أن تنتقل «صدّيقة» إلى أرض الحجاز لتعيش فيها بقيَّةَ عُمرها، حيثُ زوّجت من الأستاذ عمر نصيف[10]؛ نجل وجيه الحجاز الشيخ محمد نصيف، للعلائق التي كانت تربط هذا الأخير بالشيخ شرف الدّين وأولاده.
نشاطُها الدَّعَوي:
عملت «صدّيقة» بجدٍّ ومُثابرةٍ في مجال الدّعوة الإسلاميّة، وقامَت بِإِحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم النساء أمور دينهنّ، وكانت أوَّل مَن بدأت الدروس الدِّينية والمحاضرات العِلمية لنِساء «جُدَّة»، منذ نحو خمسةٍ وخمسين عامًا... وكما كانت نِعم الزّوجة! كانت نِعم المُسلمة الفاعِلة! التي بدأت نشاطاتها الدعوية في رغبةٍ قويّة وإرادة متينةٍ لأجلِ إصلاح مجتمعها (الوسط النّسويّ منهُ) وبثّ الوعي الدّينيّ في بناتِ جنسِها، وكانَ لها أن نجحت في القضاءِ على بعض العادات الفاسدة الّتي لم تتخلّص منها بعض النساء في مجتمع الحجاز آنذاكَ؛ مِن تعليق التَّمائم والحُروز والتَّعاويذ البِدعيَّة... ولا زالت ابنتُها (الدكتورة) «فاطمة عمر نصيف»[11] تَذكر ذلك عن والدتها «صدّيقة»، حيثُ كانت تَصحبُها في مجالسها الدعويَّة، مما غرس في وجدانها أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[12] الذي كانت والدتُها تضطلع بهِ وتقومُ عليهِ. تقول «د. فاطمة عمر نصيف»: «إنَّني أَذكرُ أنّه كان عمري خمس سنوات، لم يكن في مدينة «جُدّة» مَن يَدعُو إلى الله! كانت أوّل واحدة هي والدتِي، وكان عمري خمس سنوات، كانت تَأخذُني مِن يدي وأنا كنتُ وحيدتها وتُجلِسني في مجالسها وتُعلِّم الناسَ. مِن ذلك التاريخ: العِلمُ ما شاء الله! في الفترة هذه... خلال فترة دَعُونا نقول: خمسين سنة، أو خمس وخمسين سنة»اهـ[13].
ويَقولُ ولدُها «د. عبد الله عمر نصيف»(وُلِد في جُدَّة عام 1358هـ= 1939م): «الوالدة (رحمةُ الله عليها) كانت مشتغلة بالدَّعوة بين النساء فكنت أذهب بها إلى أحياء جُدَّة المُختلفة للوعظ والإرشاد والتوعية... نشأتُ في بيئة فيها الدعوة والتعليم... الوالدة أنشأت أول مدرسة للبنات تحت إِشراف جَدِّي... الوالدة – من الأشياء التي لا تُنسَى- كُنَّا نَذهب إلى القُرى المحيطة بجُدَّة، الآن صارت جُزء مِن جُدَّة (الرُّوَيْس والنُّزْلَة وبَنِي مَالِك)، وكانت هناك تدعُو النساء إلى التوحِيد وترك البدع والخرافات، فكُنَّا نجمَع في نهايَة اليَوم كميّة من الحُجُب والتَّمَائِم والخَرَز والوَدَع والأشياء التي يُعَلِّقُها الناس اعتقادًا بنَفْعِهَا... فكنا نجمعها و(أَشِيلْهَا) أنا في السيارة وأُحضرها إلى البيت وأقوم بقَصّ الحُجُب، مع أن الناس ينبهون علي أن لا تفتح الحجاب هذا خَطِر!... أفتح الحجاب وأفتح ما في الداخل وأشوف أيش مكتوب فيه! قليل منه فيه آية الكرسي أو قل هو الله أحد أو المعوذات أما أكثرها شخابيط! لا أستطيع أن أتبينْهَا... فهذا التوعية ظهر أثرها الآن، الفتيات الذين في المدارس وفي التعليم يَدعُونَ لِلوالدة بالخير أنها نَبَّهَتهُم إلى هذا الجَانِب»اهـ[14].
ومِن جهود «صدّيقة» الدَّعويّة عملُها على نشرِ الكُتب النَّافِعة في الأوساط النّسائيَّة؛ تُدعِّم بذلك سَعيَها فِيما تَرجوهُ مِن اهتداء النِّساء إلى عقائد الحقّ وأعمال السُّنَّة.
شهادةُ من الشيخ عبد الصمد شرف الدين لأُخته صدّيقة:
قام الشيخ عبد الصمد شرف الدين بطبع «تفسير المعوذتين» لشيخ الإسلام ابن تيمية، «الطبعة الثالثة، المطبعة القيمة، بُمباي، الهند، سنة 1375هـ- 1955م»، وصححه وعلق عليه، وقدّم له بمقدمةٍ قال فيها: «أما بعد، فقد هدَى اللهُ تبارك وتعالى أُختنا الكريمة «صدّيقة بنت شرف الدين» – حرم الأستاذ عمر نصيف أفندي، نجل السَّلَفي الحجازي الشّهير الشيخ محمد نصيف أفندي متّعه اللهُ بطول الحياة- لإعادة طبع «تفسير المعوّذتين»... والباعثُ لها على ذلك شِدّةُ رَغبتِها في نشرِ العِلم النافع بين الناس، ولا سيّما في أهالي الحجاز القاطنة بينهم. فقد وَفَّقَها اللهُ للقيام ببَثِّ دعوةِ الحقّ في أَترَابها من أهالي «جُدّة» وما حولها بجهادٍ متواصلٍ مُنذُ سنين غير خائفةٍ لومةَ لائمٍ. وقد أخذَ مَجهودُها المحمودُ يُثمر آثارَه الحميدة بما ظهر في أوساط السّيّدات من الإصلاح العام في العقائد والأعمال وإزالة البدع والضلال. وقد لاَحَظَت أثناء اختلاطِها مع النِّسوة في حلقات الدرس للوعظ والإرشاد أنَّ عامَّة النّاس يَمِيلون إلى ما انتشر بين العوامّ من تعليق التعاويذ الرسمية وتمائِم الجاهلية فيما يستعيذون به من الشرور والآفات ويستجلبون به الخير والبركات بما لم ينزل الله به سلطانًا، ويتجنّبون ما أرشد الله ورسوله إليه في هذا الباب. فرَأَت أنّ خيرَ ما يُوضَع في أيدي الناس لإصلاح عقائدهم ودعوتهم إلى محض الكتاب والسُّنّة هي الكُتب القيّمة مِن آثار السَّلَف تَهدي للَّتِي هي أَقوَم. فوقع اختيارُها على هذا الكتاب بهذا الغرض»اهـ.
تأسيس «المَدرسة النَّصِيفيّة»:
ثم قامت «صدّيقة» بتَأسيسِ أوّل مدرسةٍ للبنات في المملكة العربية السعودية بإذنٍ من الملك سعود بن عبد العزيز (رحمه الله)، تحت إشراف الشيخ محمد نصيف. كما أَسّست –أيضًا- جمعيّةً للقُرآن الكريم[15].
في مقابلةٍ مع «السيدة فتحية عبيد» المشرفة العامّة على «مدارس النّصيفية»[16]، والتي تولت إدارتها طوال فترة 38 سنة، قبل أن تُسلِّم المهمّة لابنتها «إيمان». تَذكر «عبيد» أنّها انضمت للمدرسة منذ أن كانت طالبةً تُساعد مُديرتها «السيدة صديقة شرف الدين»، حيث كانت من طالبات الدفعة الأولى اللاتي تخرجن من المدرسة ذاتها وتقول: «لقد أُسّست المدرسة عام 1375هـ، وتَمّ افتتاحُها عام 1376هـ، واستمرّت حتّى الآن خمسين سنة مِن عطائها»، وتُتابع حديثها: «لقد سبقت «مدرسة النّصيفية» التعليم الرسمي الحكومي للبنات بخمس سنوات، حيث بدأ منذ 45 سنة، وبعد تأسيسنا لِـ«مدرسة النصيفية» بقُرابة ستّة أشهر تَمَّ افتتاح مدرسة دار الحنان ومدرسة الثقافة الشعبية الابتدائيتين». وعن نشأتها، تقول «عبيد»: «سببُ نشأتها تمثَّل في رغبة السيدة صدّيقة شرف الدين زوجة الشيخ عمر محمد نصيف (رحمهما الله)، وكانت حينها قد جاءت من الهند وهي متعلِّمة ومن أهل دين وعلم، ولذلك رغِبت أن تحظى ابنتها الوحيدة بالتعليم الذي يُفترَض أن تحصل عليه، ولكنّها لم تجد أي مدرسة نظامية في «جُدّة» يُمكنها من خلالها تعليم ابنتها، ووجدت بعض الكتاتيب التي تُعلّم الفتيات شيئًا من القرآن والأحاديث والقراءة والكتابة وبعض العلوم القليلة التي كانت تتلقاها الفتاة في تلك الأيام، ولهذا فكَّرت في إنشاء مدرسة تتعلم بها ابنتُها والبنات كافة في المنطقة ودَعَّمَها في ذلك زوجُها». وتُتابع «عبيد» سرد القصة قائلةً: «من أجل رغبتها قام والدُ زوجها الأفندي محمد نصيف، كما كان يُلقَّب في تلك الأيام، برفعِ خطابٍ يَطلبُ فيه من الملك سعود بن عبد العزيز رغبَتَهُ في فتح مدرسةٍ نظاميةٍ للبنات في «جُدّة» وكان مُقرَّبًا حينها من الملك سعود، فوافق، وأَسَّسُوا «مدرسة النصيفية» تيمُّنًا بلقب الشيخ محمد نصيف». وعن بداية المدرسة، تقول «عبيد»: «عندما جاءت المُوافقة تَمَّ تأسيسُها في منزل الشيخ محمد نصيف، وهو المعروف الآن في «جُدّة» القديمة وسط «سوق العَلَوِي»، والذي يُعَدُّ الآن مُتحفًا أثريًّا تَشهدهُ المنطقة التاريخية بجُدّة، وبدأت المدرسة في الدور الأرضي من المنزل وتَمَّ توسيع الطابق الأرضي وفتح بعض الغُرف لتكون فصولاً دراسية تستقبل الطالبات اللاتي وصل عددهُنّ في أول سنة دراسية إلى 300 طالبة فقط، في ثلاث مراحل دراسية بدأت من الصف الأول وحتى الصف الثالث ابتدائي، وبعد ذلك تدرَّجت المدرسة حتى وصلت للمرحلة الثانوية». وعن المواد الدراسية التي قامت «صدّيقة» بتبنِّيها في المدرسة، تقول «عبيد»: «كانت مناهج البنين من قراءةٍ وكتابةٍ وحسابٍ وغيرها مما كانوا يدرسونه، لكن «صدّيقة» أضافت إليها أيضًا بعض المواد التي تفيد الفتيات كالتدبير المنزلي والتفصيل والخياطة» وتُتابع: «وساعد في إدارة المدرسة كلٌّ من زوجي الشيخ عبيد الله سرور، وهو ابن أخت صاحبة المدرسة «السيدة صدّيقة»، بالإضافة إلى ابنها الدكتور «عبد الله عمر نصيف»، وهو الرئيس الفخري للمدارس النصيفية، وبعد ذلك تفرَّغ لها «عبيد الله سرور»». وعن صعوبة تعليم الفتاة منذ خمسين سنة ومدى قناعة الأهالي في تعليم بناتهم تقول: «بعد أن فتحت «السيدة صدّيقة» المدرسة كانت هيَ وبعضُ مَن عمِلن معها يَدُرْن على المنازل في «جُدّة» ويَطرُقْن الأبواب ليُخبِرْن الناس بأنّهن افتتَحْنَ مدرسةً نظامية لتعليم البنات ويُحاولن إقناعهم بضرورة تعليم البنات ومدى أهمية ذلك»، وتصمتُ لبُرهةٍ وتُتابع بعدها: «لقد عانوا في بداية الأمر لعدم قناعة الأهالي بتعليم بناتهم، وأنّهم يَرون أن تعليمها ينحصر في حفظ القرآن والأحاديث فقط، فقد كانوا يَخشون خروج الفتاة للعِلم كي لا تفسد أخلاقُها، خاصّةً أن الفتاة عندما كانت تُخطئُ كانوا يُرجعون هذا الخطأ، لأنّها تعلّمت، وتلك الفترة كانت الكتاتيب هي المنتشرة ولم يكن التعليم الحكومي للفتيات قد بدأ». وتُكمل سَرد القصة: «ولكن بعد فترة استطعن أن يَكسِبن ثقة الأهالي، وكان عدد الطالبات في أول سنة دراسية قد وصل إلى 300 طالبة في ثلاث مراحل».
الأستاذ علي الطنطاوي في «المدرسة النَّصِيفيّة»:
يقول الأستاذ علي الطنطاوي في«ذكرياته» تحت فصل: «لمّا علَّمتُ البنات»(8/294): «...فلما جئتُ مكة أُدرِّس فيها لم يكن في المملكة إلاّ مدرسة واحدة للبنات (فيما أعلم أنا) هي«المدرسة النصيفيّة» التي أنشأها الرجلُ العظيم الشيخ محمد نصيف رحمةُ الله عليه، فكان رائدًا في فتح مدارس البنات...»، وقال(ص:295): «...لمّا قدمتُ المملكة سنة1383 كلّفني الشيخ الأفندي محمد نصيف رحمةُ الله عليه بأن أعقد ندوةً في المدرسة النصيفية أُجيب فيها على البنات، فاعتذرتُ وتنصّلت. قال: ولِمَ؟ هل هذا حرام؟ قلت: التحريم لا بدّ فيه من دليل وأنا ما عندي من دليل، ولا أقول بأن ذلك حرام، بل ربما قلت بأن تعليم البنات أمرَ دينهن واجبٌ على المسلمين، فإن كان المدرِّس كبيرًا مأمونًا وكُنَّ متحجّبات يكون ذلك مفروضًا لا مرفوضًا، ولكنني أخشى أن أستنَّ في المملكة سُنّةً يُساء اتِّباعُها فيكونُ عليَّ وِزرها ووِزر من عمل بها، لذلك لا أبدأُ أنا بها. ولكن إذا أُلقيت محاضرتان تكون محاضرتي الثالثة إن شاء الله، ولا أكون أنا فاتحَ هذا الباب. فسكتَ وإن ظهر على وجهه أنه لم يقتنع بما قلتُ، ثم زرته بعد حين فقال لي: إنها قد ألقيت الآن محاضرتان، ونحن نُطالبك بوعدك... وجئتُ وفاءً بوعدي فوجدتُ حجابًا كاملاً وجوًّا إسلاميًّا شاملاً، ولا عجبَ في ذلك ومُديرةُ المدرسة هي أُمُّ الأساتذة النُّجُب العلماء: الدكتور عبد الله نصيف، وأخوه الدكتور عبد العزيز وسائر الإخوة الأفاضل. وأخذتُ معي زوجتي وبنتين لي وقد حضرنَ معي من الشام، وكان اجتماعًا مُوفّقًا والحمدُ لله»اهـ.
نماذجُ مِن كتاباتِ صدّيقة شرف الدّين:
وجدتُ أنّ «صديقة شرف الدين» قد نَشَرَت كتيّبًا صغير الحجم كبير الفائدة بعُنوان «دُعاء المُسلم»، وللعنوان والموضوع دلالاته؛ فهُو كاشفٌ عن شخصية مؤلّفتِه ومنهجِها الذي تتبعُه ودعوتِها التي تَعمل على نشرها، وإنِّي أقتطفُ منه فقراتٍ وجُملاً، تُبِينُ عن أسلوبها ومُكْنَتِها العِلميَّة الدَّعويَّة وتكشِفُ عن غَيرتِها الدّينيَّة. قالت (رحمهَا الله) في «المقدمة»: «الحمد لله الذي بذكره تطمئن القلوب، والصلاة والسلام على رسول الله الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة بأحسن أسلوب، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد: فيكفينا في فضل الذكر أمره تعالى بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾[الأحزاب:41-42] ومن أهم ما جاء به خاتم النبيين (صلى الله عليه وسلم) بعد القرآن الكريم الأدعية والأذكار، التي يحتاج إليها العبد آناء الليل وأطراف النهار، في جميع شؤونه الدينية والدنيوية، إذ أن الدعاء هو العبادة التي لأجلها خلق الله الإنس والجن ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]. وبالرغم مما صنفه العلماء قديمًا وحديثًا فيما يُسمّى بِـ«عمل اليوم والليلة»، فقد وجدنا الحاجة ماسة إلى تأليف مختصر جامع لبعض ما ثبت من الأدعية والأذكار عن رسول ا لله (صلى الله عليه وسلم) في أمهات كتب الحديث، متجنبين في سيرنا ما ليس له أصل في الكتاب أو السنة، وصدق من قال: «مَا مِنْ بِدعَةٍ تَقُومُ إِلاَّ وتُمِيتُ سُنَّةً». وجمعنا ما تيسر منها في هذا الكتيب وسميناه: «دُعاء المُسلم» راجين من الله أن ينفع به كل من يقرأه، وأن يجعل عملنا خالصًا لوجهه تعالى، وذخيرةً ليوم المعاد، والله الموفق للسداد والرشاد. «صدّيقة شرف الدين». «جُدّة» في غرة رمضان المبارك سنة 1398 هـ الموافق الثالث من أغسطس 1978م».
وقالت (رحمها الله) في «التمهيد»: «أما بعد: فهذا كتابٌ يجمع الأذكار الواردة عن سيد الأبرار (صلى الله عليه وسلم) يُسن للمسلم ترديدها، وقصدت بهذا العمل أمرين: 1 ـ أن يكون بين أيدي الناس كتابٌ مختصر في الأدعية يلتزم السنة ويجتنب البدعة ويحل محلّ كثير من الكتب المملوءة بالخرافات المصطنعة والأدعية الباطلة المخترعة.
2 ـ أن يكون هذا الأثر من العِلم الذي يُنتفَع به على تطاول الأيام.
وإن شأن الدعاء لعظيم؛ لأن الدعاء هو العبادة كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولذلك كان من الضلال البين دعاءُ غير الله أو التزام ذكرٍ لم يشرعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولقد انتشرت في العصور المتأخرة بدعٌ فلَبَّسَت على الناس الحق، وعمَّت الخرافة أصقاعًا كثيرة فظهرت بمظهر الدين، وذاعت أدعية فيها ما لم يُجِزه الشرع من سؤال غير الله أو سؤال الله بغير أسمائه الحسنى الـ99 كما هو منتشر في الأوراد الشائعة المختلفة مثل حزب الدسوقي الكبير والصغير ... إلخ وروَّجها سدنة الصوفية وأئمة الضلال. وما دام الدعاء عبادة فلا بد من التزام ما شرعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فالخير كل الخير في اتباع طريقته واقتفاء أثره. وشأن الدعاء عظيمٌ ولا سيما في هذه الأيام التي طغت فيها الحياة المادية على الناس طغيانًا شديدًا حتى قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة، فألسنتهم مشغولة باللغو أو بالمحرّم من القول، وآذانهم مُصغية إلى اللهو أو المحرَّم من المعازف، وقلوبهم معلّقة بالدنيا مستغرقة في تدبير شؤونها، وأوقاتهم مصروفة في أمور الحياة الدنيا. ضيعوا دينهم فضاعوا وظلموا أنفسهم فهانوا، لذلك آل عزُّهم إلى ذل، وسيادتهم إلى هزيمة. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[الأنفال:53]، ومن هنا فإن الحق الخالص الذي لا بد من تعزيزه هو: أنه لا نجاحَ ولا فلاحَ إلا بالعودة إلى الإسلام من جديد. ولقد جرّبت أمتنا المَكلُومة المنكوبة غير سبيل الإسلام، فجنَت من ذلك الصاب والعَلْقَم والذل والفرقة والهوان والشقاء والفساد والإقلال. ونحن – العرب- قومٌ أعزّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، ومن هنا كانت الدعوة المنقِذة هي الدعوة إلى الرجوع إلى الإسلام.
والدور الذي يقوم به الدعاء في حياة المسلم هو التذكير بالتزام الإسلام، فالإسلام نظامُ حياة كامل ... والحياة لها مشاغلها التي قد تطغى على الإنسان فتُنسيه ربه وتُنسيه دينه. إذا فتح المسلم عينيه من النوم جاء الدعاء يقول له: اذكر ربك واذكر عبوديتك له واذكر فضله عليك، فهو الذي أحياك بعد موت وإليه النشور، فحاذِر أن تقع في عذابه واسأله أن يعينك على ذلك. ويلازمه الدعاء في أموره وحركاته وحاجاته... في خروجه من المنزل ورجوعه إليه، في طريقه... في ركوبه .. في ولوجه المسجد.. في إرادته الوضوء أو الأكل وهكذا.. حتى يُنهِيَ يومه ويأتيَ إلى فراشه للنوم. أي: أن الدعاء المأثور ليذكر كل مسلمٍ بربه وحقيقة عبوديته له في كل شأن من شؤون الحياة اليومية وفي كل جزء من أجزاء الليل والنهار، وبذلك يبقى المسلم مرتبطًا بدينه»، لتقول: «وختامًا فإني أسأل الله أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يرد المسلمين إلى دينهم، سببِ عزتهم ورفعتهم في الدنيا والآخرة. والحمد لله رب العالمين»اهـ
رحمةُ اللهِ الواسِعة على «صدّيقَة»!
إلحاقٌ: هذا ولم يتيسَّر لي ضبطُ تاريخ وفاتها، رغم أنّه حصل لي اللّقاء بولدها الأستاذ (المحامي) عبد الرحمن عمر نصيف في مكتبة بجدة القديمة بجوار منزل الأفندي نصيف(وهو الآن مَعلمٌ أثري من معالم جدة التاريخية) صباح يوم السبت 13 شعبان 1434هـ موافق 22 جوان 2013م. ولم يَقدِر الأستاذ أن يُحدّثني عن والدته، وقد أخبرني بأن إحدى الباحثات أعدّت رسالةً ودراسةً عن صدّيقة شرف الدّين. وكنتُ قبلُ – في رمضان 1430هـ- قد طلبتُ من حفيدها الأستاذ محمد عبد العزيز عمر نصيف- أستاذ اللغة العربية في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية- أن يكتب لي شيئًا عنها، فلم يصلني منهُ شيءٌ إلى الآن. ثم بلغني خبرُ وفاة الأستاذ عبد الرحمن (رحمه الله) في مِن عام 1434هـ، فرحمه اللهُ رحمةً واسعةً.
وهذه صورةٌ لبَيت (قصر) الشيخ محمد نصيف؛ أينَ كانت تُقِيمُ: «صِدِّيقَة شَرَف الدِّين» (رحمها الله تعالى):
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
---------------------------------------------------------------------
[1] - مجلة «المقتبس»، العدد (74).
[2] - «الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة»(ص).
[3] - ترجمة الشيخ عبد الصمد شرف الدين بقلم أبي الأشبال شاغف، منشورة في مجلة «صوت الأمة»، بنارس، الهند، م28، ع 4، ذو القعدة 1416هـ- أبريل 1996، (ص55-57و62).
[4] - ترجمة الشيخ عبد الصمد شرف الدين بقلم أبي الأشبال شاغف.
[5] - «موقع دعوتُهَا».
[6] - ترجمة الشيخ عبد الصمد شرف الدين بقلم أبي الأشبال شاغف.
[7] - توفي في 27 رمضان 1416هـ (1996م) عن عمر 95 عامًا؛ إذ وُلد في 19 أكتوبر 1901م.
[8] - ترجمة الشيخ عبد الصمد شرف الدين بقلم أبي الأشبال شاغف.
[9] - موقع «دعوتُهَا».
[10] - وُلدَ عام 1326هـ، وتُوفّي عام 1382هـ.
[11] - وُلدت سنة (1944م) بمدينة جُدّة.
[12] - أثمرَ ذلكَ دراسةً أعدّتها «فاطمة عمر نصيف» عن «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في إصلاح المُجتمعات» في عام 1400هـ.
[13] - جريدة «الرياض» اليومية، الخميس 24 ربيع الأول 1428هـ - 12أبريل 2007م - العدد (14171).
[14] - لقاءٌ تلفزيونيٌّ بعنوان: «علماء مبدِعون» مع الأستاذ عبد الله عمر نصيف، حَاورهُ الأستاذ جاسم المطوّع بتاريخ: 20/9/2001م.
[15] - موقع «دعوتُهَا».
[16] - جريدة «الشرق الأوسط»، العدد (9654)، الأربعـاء 27 ربيـع الأول 1426هـ- 4 مايو 2005م.
********************
كتب المقال:سمير سمراد
التصنيف: العلماء والدعاة: تاريخ وسير
أضيف المقال بتاريخ: الثلاثاء 27 تشرين1/أكتوير 2015
مِنْ النِّسَاء العَظِيمَات في العَصر الأَخِير ... صِدِّيقَة بنت الشيخ شرف الدّين . (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)