الجانب الإنساني في صيام رمضان .
محمد سيد حسين عبد الواحد
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون يقول رب العالمين سبحانه وتعالى {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْىِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
أيها الإخوة الكرام: في رمضان يعيش المسلمون حالة غير مسبوقة من قوة الإيمان ومن محبة العطاء والإحسان ومن حسن الأخلاق ومن التراحم والتعاطف نسأل الله تعالى أن يديمها علينا في رمضان وبعد رمضان ..
إنما المؤمنون إخوة ، مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمي والسهر ..
من أجمل وأعظم الجوانب الإنسانية في رمضان أن الله تعالى يشرح الصدور المؤمنة إلي مواساة الفقراء ، وإلى العطف على اليتامى ، وإلى السعي في حوائج الأرامل وأصحاب الحاجات وتحديداً بسقيا الماء وإطعام الطعام ..
فألذ قطرة ماء ما كانت على ظمأ ، وأطيب لقمة عيش ما كانت على طوي ..
{وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلَا شُكُورًا}
ما أحوج الناس في وقت الشدة ونحن الآن في وقت شدة ، ما أحوج الناس في وقت الغلاء ونحن الآن في وقت الغلاء ..
ما أحوج الناس لمن ينظر إليهم بعين الرحمة فالراحمون يرحمهم الرحمن ، ومن يسر على الناس في وقتر العسر يسر الله تعالى عليه في الدنيا والآخرة ، ومن فك كرب الناس في وقت الشدة فك الله كربه في الدنيا والآخرة ومن كان في عون أخيه كان الله تعالى في عونه ..
جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال:
يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ويبعدني عن النار فقال صلى الله عليه وسلم « أطعم الجائع واسق الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر»
وفي حديث النبي عليه الصلاة والسلام عن رمضان أتى بالحديث إلى الجانب الإنساني في رمضان وتحديداً أتى بالحديث على سقيا الماء وإطعام الطعام..
فقَالَ عليه الصلاة والسلام "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا".
إنها دعوة لإدراك ثواب صيام رمضان في العام الواحد مرة ومرتين وثلاثة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا". هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام..
ثم إن من الملائكة من يقصد بيوت الصائمين فيدعون لهم ويستغفرون لهم ويصلون على كل من سقى منهم ظمآنا أو أطعم منهم جائعا ..
«ورد أن النبيَّ ﷺ دخل على أُمِّ عمَارَةَ الأَنْصارِيَّةِ رَضِيَ اللَّه عَنْها، فقدَّمَتْ أم عمارة إِلَي رسول الله طَعَامًا .. » «فَقالَ النبي صلى الله عليه وسلم يا أم عمارة كُلِي فَقالَت: إِنِّي صائمةٌ، فقالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ الصَّائمَ تُصلِّي عَلَيْهِ المَلائِكَةُ إِذا أُكِلَ عِنْدَهُ حتَّى يَشْبَعُوا "»
من هنا كان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم يفتشون عن الفقراء في رمضان فيقفون على رؤسهم مع غروب الشمس فيخدمونهم ويطعمونهم ويسقونهم ويقضون حوائجهم ..
ولله دره عبد الله بن عمر كان يصوم رمضان ولا يفطر إلا مع الفقراء حتى ورد أنه يطعمهم السكر !!
فلما سئل في ذلك قال أطعمهم السكر لأن الله تعالى يقول ﴿ « لَن تَنَالُوا۟ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا۟ مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ » ﴾ ويعلم الله أني أحب السكر ..
من عبادة إطعام الطعام تولد عبادات أخري ..
من بركة سقيا الماء وإطعام الطعام تولد سلامة الصدور ونقاء السرائر ، وتولد المودة وتولد المحبة بين الناس وتولد الألفة وكلها أسباب لدخول الجنة ، ( نسأل الله الكريم من فضله) قال النبي عليه الصلاة والسلام " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ..
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا الجنة وما قرب اليها من قول وعمل إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير .
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن الجانب الإنساني في صيام رمضان ... بقي لنا أن نقول :
تماشيا مع هذه الروح الإنسانية التي تسري بين الناس في رمضان جعل الله تعالى كفارة الصيام إطعام طعام ، وجعل فدية الصيام أيضاً إطعام طعام .. ليجد الفقير ما يسد به جوعته ، ويجد الظمآن ما يروي به ظمأه ..
قال أبو هريرة : « بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: ما لَكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي وأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ: لَا، فَقَالَ: فَهلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَكَثَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَبيْنَا نَحْنُ علَى ذلكَ أُتِيَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ - والعَرَقُ المِكْتَلُ - قَالَ: أيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أنَا، قَالَ: خُذْهَا، فَتَصَدَّقْ به فَقَالَ الرَّجُلُ: أعَلَى أفْقَرَ مِنِّي يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ ما بيْنَ لَابَتَيْهَا - يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ - أهْلُ بَيْتٍ أفْقَرُ مِن أهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أطْعِمْهُ أهْلَكَ.»
أما إن كان الرجل شيخا كبيرا أو كانت المرأة عجوز أو كان بالمريض مرضا مزمناً ولا قوة منهم على الصيام في رمضان ولا بعد رمضان فقد شرعت في حقهم الفدية عن كل يوم من رمضان إطعام مسكين ..
{أَيَّامًا مَّعْدُودَٰتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُۥ ۚ وَأَن تَصُومُوا۟ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا خير الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير .