المال في التربية القرآنية
د. محمد العبدة
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله في تفسير قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام : " قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " يوسف 55 , قال :" فهو قد طلب أهم ما يتوقف عليه إدارة الملك وسياسته وتنمية العمران وإقامة العدل فيه , وما أضاع ملك المسلمين وغيرهم من الشرقيين في هذه القرون الأخيرة إلا الجهل والتقصير في إدارة النظام المالي وتدبير الثروة وحفظها , سواء في ذلك الدولة أو الأمة " 1
ويتابع الشيخ حرصه واهتمامه بهذا الموضوع فيقول :" فعلم من هذا أن الاقتصاد أصل من أصول الفضائل الإسلامية , ولكن المسلمين أهملوا مراعاته , والأوربيين أعطوه من العناية ما ينبغي له " 2
وهذا فقه سديد في معرفة أهمية المال , وقد جعله القرآن الكريم قوام معايش الناس ومصالحهم , قال تعالى :" ولاتؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما .." النساء 5
وبسبب هذه الأهمية للمال وصف في القرآن بأنه خير , " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " , ومَن الله على الناس بأن أمدهم بالأموال والبنين .
ولأهمية المال طلب من المسلمين حفظه والعناية به وتثميره , وقد جاء في الحديث الصحيح إن الله كره لكم ثلاثا , قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " البخاري
ولذلك أيضا شنع القرآن على المسرفين المبذرين , والسفه هو مرض التبزير والسفهاء هم المسرفون لفساد أخلاقهم أو لضعف عقولهم , والسفيه هو الذي لا يفتأ يعلن - كل يوم من خلال الاستهلاك الجارف وشراء أي بضاعة باهظة الثمن - احتقاره للمال ظاهريا ولكنه في الحقيقة يرصد الإعجاب من أعين الآخرين وهو في الواقع يقدس المال بطريقته الخاصة , إنه هو والبخيل وجهان لعملة واحدة .
هؤلاء المسرفون يفسدون نظام المعيشة , ويكفرون النعمة بعدم حفظها ووضعها في موضع الاعتدال .
كما شنع القرآن على البخل والبخلاء , وهو مرض الحرص وحب المال , قال تعالى : " إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل " وقال سبحانه :" وأحضرت الأنفس الشح " .
وهذا السرف وهذا الشح لا تصلح معه دنيا ولا دين ,قال سبحانه : " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا "
ولهذا السبب ندد القرآن بالذين يكنزون المال ولا يستفيدون منه ولا يفيدون غيرهم فقال تعالى : " ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده "
فالذي يكنز الذهب والفضة , يظن أن كنزه لن يخذله , ولو قطع جزء يسيرا من كنزه فكأنما قطع جزء من جسمه لا لكونه لا يملك ثروة , ولكنه يعتبرها جزء من وجوده .
وقد حارب الإسلام الجشع الذي هو بطل الرأسمالية ووسيلة الربا وأكل أموال الناس بالباطل وبطريقة منهجية , طريق البورصة واصطياد الفرص في تقلبات الأسعار وشم الملايين المحتملة
ولذلك ينبغي الحذر من عبادة المال كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم :" تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار .."
إن المال ليس شرا في الأساس , ولذلك لم يعمد القرآن إلى تجاهل أو كبت هذا المحبوب في الإنسان وهذه الطبيعة الموجودة فيه " وتحبون المال حبا جما " " وآتى المال على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " , ولكن عندما تجنح الغريزة فيصبح المال لذة بحد ذاته , ويرنو إليه صاحبه مرصودا , وعندما يصبح المال هما طاغيا , عندئذ يعمد القرآن للارتقاء بغريزة التملك , فالمال هو مال الله سبحانه والإنسان مستخلف فيه " وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " .
فالملكية في الإسلام هي ملكية انتفاع وهي وظيفة اجتماعية وهذه مزية الإسلام على سائر المناهج الاقتصادية لتحقيق العدالة الاجتماعية , وحث القرآن على الإنفاق ليحمي المجتمع الإسلامي من القلاقل والاضطرابات , فالمال كالسماد لا ينفع إلا إذا فُرد وبُسط , ولأن الفقر يجلب معه رذائل شتى , من سقوط الهمم , وفساد الأخلاق , والجهل والمرض .
والفقر يكمن في الجشع الذي تنطوي عليه طبقة المترفين الأغنياء , حين تتكدس الأموال دون أن تقوم بوظيفتها الاجتماعية .
---------------
1- مجلة المنار م35 / 17
2- مجلة المنار م2 /21