من منطلقات العلاقات الشرق والغرب ( الاستغراب - السماحة)
ظهر سنة 1412هـ/ 1992م كتاب عن التسامح بين شرق وغرب: دراسات في النقاش والقبول بالآخر، وترجمه إبراهيم العريس[1]،وهو خمس مقالات على النحو الآتي:
♦ التسامح في اللغة العربية لسمير الخليل.
♦ التسامح كمثال أخلاقي لبيتر ب.نيكولسون.
♦ التسامح والحق في الحرية لتوماس بالمدوين.
♦ التسامح والمسؤولية الفكرية لكارل بوير.
♦ منابع التسامح لألفريد ج.آيير.
يأتي هذا الكتاب في مسيرة الاستغراب التي جرى الحديث عنها في الوقفة السابقة؛ إذ إنه صدر عن سلسلة الفكر الغربي الحديث، إلا أن مقالاته الخمس المذكورة أعلاه لم تركز على الفكر الغربي الحديث، حيث يتحدث المؤلفون عن الفكر الغربي القديم تمهيدًا للحديث.
الذي يطلع على مثل هذه الأطروحات يستطيع الربط المقارن بين ثقافته وثقافة الآخر؛ إذ الملاحظ أنَّ طرح التسامح من منطلق غربي جعل من موروث الماضي الغربي معوقًا لمفهوم التسامح، بل إنه انطلق من مفهوم "الإباحية" مفهومًا جديدًا أو دخيلًا للتسامح، رغم أن بعض المؤلفين يحذر من الانطلاق غير المسؤول باسم التسامح، ويشدد على بقاء قدر من الرقابة الدينية والاجتماعية، بل والسياسية والسيادية المتسامحة على بعض المفهومات التي تنعكس على السلوكيات العامة والخاصة باسم التسامح، ومن ذلك الحفاظ على ما تعارف عليه المسلمون من الضرورات الخمس، وهي حفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسل.
ويتضح أن لهجة المقالات الثلاث الأخيرة ركزت على الرغبة في بث روح التسامح من خلال الانفراط من عقد الدِّين الذي يدين به الكتَّاب الأربعة؛ لاتهامهم رجال الدين بالتأثير السلبي على مفهوم التسامح.
ويغوص المؤلفون الأربعة - كل حسب أسلوبه وطريقته - في هذا المجال ليقدموا رؤية شخصية للتسامح، جديرة بالتوقف عندها؛ لمعرفة مدى محدودية عقل ابن آدم في النظر إلى القضايا الكبرى التي تحكم الوجود البشري في تعامله مع ذاته ومع خالقه، بما في ذلك محاولات فلتير وميل ولوك حول التسامح والحرية الطبيعية، ومدى الارتباط بين التسامح والحرية وحدود التسامح، بل ومفهوم التسامح بناءً على معطيات ثقافية[2].
وعليه، فإن هناك مصطلحات متشابهة أو مشتركة بين ثقافات عدة، لكنها تختلف باختلاف الثقافة نفسها عن غيرها،ومن ذلك مصطلحات التسامح والحرية والأصولية والإرهاب[3]، التي لم يستقر على مفهوماتها، وإن كثر ترديدها،ومن ذلك أن مفهوم التسامح في الإسلام أكثر من مفهومه في الثقافات الأخرى[4]، مما يعني أن استخدام المصطلح "التسامح" في الفكر العربي فيه إجحاف بالمفهوم الأعمق من مجرد التسامح إلى السماحة المتمثلة في حسن الخلق، كما يحقق الإمام أبو حامد الغزالي[5]،ولن تتأتى معرفة الفروقات إلا بمعرفة ثقافة الآخر[6]،ومن هنا يأتي مصطلح الاستغراب الذي يسعى إلى معرفة ما لدى الغرب والتعريف به.
ولم ينل هذا المصطلح "الاستغراب" العناية التي يستحقها، وظل جانب معرفة الآخر قاصرًا لدى جمع من المثقفين الذين يرغبون في توسيع آفاقهم، وفتح مجالات للحوار بين الثقافات.
[1] انظر: سمير الخليل، وآخرون،التسامح بين شرق وغرب: دراسات في النقاش والقبول بالآخر/ ترجمة إبراهيم العريس - بيروت: دار الساقي، سنة 1992م/ 1412هـ - ص 128.
[2] انظر: سمير الخليل، وآخرون،التسامح بين شرق وغرب - المرجع السابق - ص 128.
[3] انظر: أسامة خليل،الإسلام والأصولية التاريخية: الأصولية بمعنى آخر - باريس: مركز الدراسات العربي الأوروبي، 2000م - ص 208.
[4] انظر: علي بن إبراهيم النملة،إشكالية المصطلح في الفكر العربي - الرياض: المؤلف، 1431هـ/ 2010.
[5] انظر: أبو حامد الغزالي،إحياء علوم الدين - 3 مج - بيروت: دار المعرفة، 1402هـ/ 1982م - 3: 70.
[6] انظر: ديفيد لانداو،الأصولية اليهودية: العقيدة والقوة/ ترجمة: مجدي عبدالكريم - القاهرة: مكتبة مدبولي، 1414هـ/ 1994م - 416.
_________________________________________________
الكاتب: أ. د. علي بن إبراهيم النملة