اللهم اهدني فيمن هديت (الاهتداء بالقرآن)
5 رمضان 1437 هـ
الحمدلله ..
أما بعد فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون ..
عباد الله .. الهدايةُ والاهتداءُ غايةُ كلِّ مؤمنٍ يحبُّ اللهَ ورسولَه، ومطلبُ كلِّ تقيٍّ يرجو اللهَ والدارَ الآخرةَ، فهي المنة العظمى من الله لعباده، ﴿يَمُنُّونَ عَلَيۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُواْۖ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسۡلَٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِيمَٰنِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ﴾.
ومن أسماء ربنا سبحانه الهادي، يهدي عباده إليه، ويدلّهم عليه وعلى سبيل الخير والأعمال المقرّبة منه عزّ وجلّ، فالموفق من نال هداية الله تعالى، والمخذول من تقلب في غيَّه، وضل في سعيه، ﴿مَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُۥۚ وَيَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ﴾.
والأنبياء وأتباعهم من أهل العلم أدلَّاءُ على الله، هداةٌ إليه هداية الإرشاد والبيان، قال سبحانه مخاطبًا رسوله ﷺ{وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ }، وقال عن أنبيائه ورسله {وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا} ولكنَّ هداية التوفيق للحق والاستقامة عليه، ودخول الجنة، ليست إلا لله جل في علاه، فهو وحده سبحانه الذي يلهمها ويوفق إليها، {فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ كَذَٰلِكَ يَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ}.
ولذلك كان من دعاء أهل الجنة حين يدخلونها {ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ}
وكان من دعاء القنوت الذي علمه النبي ﷺ «اللهم اهدني فيمن هديت» .
ورمضان هو شهر القرآن، والقرآن هو النور والهدى الذي أنزله الله على عباده {شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ}.
ولا تنال هداية القرآن، إلا لأهل التقوى المتمسكين به، التالين له آناء الليل وأطراف النهار، المؤمنين بما فيه، فأولئك هم أهلُ الفوزِ والفلاح ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ 2 ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ 3وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ 4أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴾.
أهل الإيمان هم أسعد الناس بهداية القرآن لما ينالون به من الرحمة والخير {وَإِنَّهُۥ لَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ}، فمن طمع في عفو ربه ومغفرته ورحمته فعليه باتباع القرآن، {وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ}ومن أحب أن يبشر بروح وريحان، ورضى من الرحيم الرحمن فعليه بهذا القرآن.
{إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا} ومن أحب الثبات على دين الله والهداية إلى طريق الجنة فعليه بهذا القرآن {قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ }.
ومن رام الشفاء والطمأنينة، وتنزل السكينة فعليه بهذا القرآن ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ 57﴾ فبشراكم يا معاشر الصائمين .. كتاب الله بين أيديكم فأين المنافسون في تلاوته، المسابقون للعمل به، المتعرضون لهدايته ؟!
لقد أدرك الجن هداية القرآن حين انصرف نفر منهم يستمعون القرآن من النبي ﷺ{قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوٓاْ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا 1يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فََٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا 2 } فآمنوا به وصدقوا ودعوا قومهم إليه، كما أخبرنا الله تعالى عنهم ﴿وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ 29قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ 30يَٰقَوۡمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِۦ يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُجِرۡكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ 31﴾ إلى آخر الآيات.
تأملوا -يا أهل الإيمان- كيف أنهم حين استمعوا إلى القرآن وقع في قلوبهم هيبته وجلالُه، وشنف أسماعَهم جمالُه وكمالُه، فعبّروا عما خالج مشاعرهم منه، وما أحست ضمائرهم فيه، فقالوا عنه: {يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ} .. إنها الهداية التي أنزلها الرحمن بهذا القرآن، لامست قلوبهم لأول وهلة، فإذا هي تنطق بالشهادة والإيمان..
كيف لا يؤثر القرآن في هذه القلوب والجبال الهامدة الجامدة تتصدع وتخشع لآياته وعظاته {لَوۡ أَنزَلۡنَا هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلٖ لَّرَأَيۡتَهُۥ خَٰشِعٗا مُّتَصَدِّعٗا مِّنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ 21 }فهل بعد ذلك تستكثر دقائق وساعات ولحظات وأوقات صرفت في تلاوة القرآن وتدبره ؟!
إن من يعرض عن تلاوة كتاب الله، ولا يتعرض لرحماته وهداياته، ثم هو ينصرف عنها إلى غيرها من اللهو والباطل، والقيل والقال، لا سيما في رمضان الذي اختص بمزيد عناية بالقرآن، إن ذلك لمحروم مخذول، يخشى عليه أن يكون ممن نالهم المقت، فصرفوا عن الهدى، وكان القرآن عليهم عمىً ووقرًا .. لا يبصرون به رشدًا، ولا يهتدون به، ولا يزيدهم إلا ضلالا. ﴿قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٞ وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًىۚ﴾.
نسأل الله تعالى عفوه وعافيته، والتوفيق لطاعته، والهداية للإيمان، والاهتداء بالقرآن، جعلني الله وإياكم من ﴿ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ﴾
أقول ما تسمعون ..
الحمدلله ..
أما بعد فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون ..
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ ﴾.
عباد الله .. الهداية إلى طريق الله، والاهتداء بكتاب الله مراتب ودرجات بقدر ما يبذل العبد لها من الإيمان والعمل الصالح، {وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ هُدٗىۗ}{وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ 17 }.
ولذلك كان من حسن التوفيق أن يتلو في كل يوم وليلة سورة الفاتحة، التي تضمنت سؤال الهداية {ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ 6 }لأن حاجةَ العبد إلى الهداية أشد من حاجته إلى الطعام والشراب، وافتقارَه إلى توفيق الله ورحمته أعظم ما يكون؛ لأنه افتقار من لا يملك شيئًا البتة إلى الغني الذي يملك كل شيء وبيده كل شيء، افقتار من لا يستغني عن رحمته طرفة عين، ولذلك كان من دعاء النبي ﷺ «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ»، وكان من دعاء أهل العلم الراسخين كما أخبر الله تعالى عنهم ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ ﴾.
فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون الصائمون، وتعرضوا لرحمات الله وهداياته في شهركم، بملازمة المساجد، وأداء الفرائض في أوقاتها، والمحافظة على التكبيرة الأولى مع الإمام، والإكثار من تلاوة القرآن، والإلحاح بالدعاء في أوقات الإجابة، وسؤال الله تعالى الهدى كل وقت وحين، ودعاء الصائم مستجاب ما لم تمنعه الموانع، فقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: «ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر».
وصلوا وسلموا ..
الملفات المرفقة
تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation
(28.3 كيلوبايت)