هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه
محمد هادفي
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
[الآية 11 من سورة لقمان]
آيةٌ ترتقي بسامعِها ومتأمِّلها ومتدبِّرها في رحاب مسألةِ رؤية الخلق من النظرِ إليها نظرَ العابرِ المنشغل اللاهي الظالم الضالِّ، إلى الناظر الواعي المتوقِّف المدقق المتمعِّن.
إذًا تجلَّى في الآية الكريمة أسلوبٌ توجيهيٌّ تعليمي بديعٌ، يدفع السامعَ المتأمِّل إلى تدقيق النظر في مسألة الخلق من النظر غير الدقيق السطحيِّ العابر، إلى النظر العميقِ الجدِّيِّ العاقل المتوقف.
حيث أخبرنا الحقُّ سبحانه عن حقيقةِ مسألة الخلق، فما نلاحظه ونعاينُه ونشاهده ونراه من خلقٍ هو خلقُ اللهِ تعالى.
ولكن كان ذلك الخبرُ تمهيدًا للولوج بالسامع الناظرِ المتأمل لهذه الآية إلى عُمْق هذه المسألة.
فكان السؤال الآتي: ﴿ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [لقمان: 11]؟
سؤال علينا أن نتأمَّله، وندرسَه، ونراه، ونقف عنده.
من ذلك أرى أن فعل "خلَقَ" أو "الخَلْق" يطلقه الإنسان عند معاينتِه ورؤيته ومشاهدته وملاحظته وإدراكه لموجوداتٍ وأشياءَ لا يستطيع أن يأتيَ بمثلِها أو يُوجِدَ مِثلَها؛ فهو عاجزٌ محدودُ القدرة أمام فعل الإيجاد وحركة الخلق تلك؛ فيعبِّر ويترجم فهمَه وإدراكه وملاحظته لذلك بفعل خلَقَ أو الخَلْق.
إمعانُ التدقيقِ والتأمل في حركة الخلق وفعلِه المشاهَد والمُعايَن والملاحظ (مثل: خلق الإنسان، الحيوان، النبات، الليل، النهار، الشمس، القمر، السماء، الأرض...) - يقود العاقلَ المتفكِّر إلى التسليم إقرارًا، والتصديق إيمانًا لا يَقبلُ الرَّيْب بوجود خالقٍ عظيم القدرةِ، حكيم عليم.
إذًا حركةُ وفعل الخلق أدركَها الإنسان وجلَّاها في تعبيره عنها، وطرحها تفكُّرًا وتساؤلًا وملاحظة.
وأن يتجاوز الإنسان ذلك ويتعدَّاه ويُظْلِمَه ولا يُجلِّيه فيه وقوفًا وتأمُّلًا وتنبُّهًا، وينشغل عنه ولا يعيه ولا يراه حقَّ الرؤية - إنما سببُه الظلمُ والضلال البعيد.