منهج السلوك في الإسلام
يحيى السيد النجار
عنى الإسلام بتربية الإنسان على نقاء السريرة والإخلاص والنصح، من أجل التحرك بالبر والوفاء وصلة الرحم، وإكرام اليتيم والمسكين، وبر الوالدين، والإحسان للجار.، إلخ، وكلها معان تحقق الأخوة في الإسلام.
تلك الأخوة، تقيم المجتمع السليم، ولنشر التوازن الإيجابي بين الإنسان والمجتمع؛ لأن الإسلام دين: عدل وعمل ورحمة بمنهج سلوك إيجابي، وينهى عن العنف والعدوان، والغاية تحقيق الرحمة.
وقال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) سورة الأنبياء (107).
الإنسان في حياته الدنيوية بحاجة دائمة للرشد والتوبة، للتحرك بطبيعة الوحدة، والتكافل والتعاون على البر والتقوى، من أجل تحقيق الخير، والابتعاد عن المنكر البغيض الذي يمثل الرذيلة والشر.
وقال تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) طه (82).
والرسول -صلى الله عليه وسلم- بيَّن طريق التوبة لعامة المؤمنين، لقولة تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعا آية المؤمنين لعلكم تفلحون) النور( 31).
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)) رواه مسلم.
الإسلام منهج وسلوك، والأمة هي أمة الوسط والاعتدال، حتى لا يجنح الإنسان، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أوصى باليسر والتخفيف؛ لأن ليس للإنسان مكان يعيش فيه سوى تلك الأرض، والإنسان لا يرغب في الشقاء، والله عز وجل جعل الإنسان خليفة في الأرض . لقوله تعالى : (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) البقرة (30).
ورسالة الإسلام تكرم الإنسان بصفته الإنسانية مهما اختلفت الأجناس والألوان والأمم وقال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلاً ) الإسراء (70).
والله -عز وجل- خلق الأرض والإنسان، وسخر له كل ما في الكون، وبيَّن له طريق الخير والهداية، لنبذ الإثم والعدوان.
وقال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) المائدة( 2).
والتساؤل المطروح، لماذا البعض من البشر أصبح سلوكه غير حضاري، ويفتقد محاور السلام والمحبة والتعاون، والله -عز وجل- بين دور الإنسان الذي يفتقد خاصية التعقل ويتحرك ببلادة الحس.
لقوله تعالى: (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) الأنفال (22)
وكم من آيات قرآنية تدعو الإنسان للتعقل والتدبر، والتفكير... إلخ، وفي نحو 350 آية قرآنية والهدف فهم سنن الكون الحضارية.
وقال تعالى: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين * هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين) آل عمران ( 138/137).
شريعة الإسلام جاءت لتحل للإنسان الطيبات، وتحرم عليه الخبائث، وتحذر من الظلم والاستغلال... إلخ ، والله -عز وجل- وهب للإنسان عقل وقلب من أجل تلقي إيقاعات الكون الحضارية وتنطلق النفس الإنسانية لحمد الله -عز وجل-، والإنسان يمتلك فطرة، وقال تعالى: (فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الروم(30).
وكل البشر منذ خلق آدم -عليه السلام- إلى عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكونوا في حاجة إلى معرفة الله -عز وجل- وعبادته؛ لأن كل شيء مستقر في الفطرة الإنسانية.
وقال تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) الأعراف (172).
والإسلام يستمد وجهته من الترابط الوثيق بين الدنيا والآخرة، الروح والمادة، وجاء التنافس في إطار الإسلام لصالح المجتمع الإنساني، بعكس التنافس في الإطار المادي، الذي ينشد الربح المادي، والاستغلال، والاحتكار، أو التنافس في الإطار الشيوعي الذي ينشد الاستبداد والسيطرة، والخطورة نمت من انتشار الثقافة المادية المعاصرة، وتهدف لإضعاف الهوية والانتماء، وفقدان الروح، والله -عز وجل- حذر الإنسان من هوى النفس، وإغراءات الشيطان.
وقال تعالى: (ولوا تبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والأرض) المؤمنون (71).
وفي ظل الثقافة المادية، يواجه العقل المسلم تحديات جسام؛ لأن لكل إنسان قدرات وإمكانات ومواهب، ومن تلك القدرات يتحقق الإنتاج والبناء والتنمية داخل المجتمع المسلم والعقل في الإسلام له قيمة. كما أن للتقدم قوانينه وسننه.
لقوله تعالى: (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) المدثر (37).
منهج وسلوك الإسلام له عدالة وسماحة وثقافة، من أجل تحقيق التقدم الحضاري في شتى مجالات الحياة، والمنهج له أسلوب حوار، بعيداً عن نزاعات الأهواء، وضيق الأنفس والإسلام ينشد إشاعة العدل والخير، وبما يكفل سلامة البناء الاجتماعي، والإسلام لا يتخذ العنف وسيلة للوصول إلي غاية؛ لأن الإسلام دين سلام ومحبة ووئام.
وقال تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا) المائدة (33).
الإسلام يقرر الاختلاف في وجهات النظر، لكنه لا يقر أسلوب العنف والتطرف والغلو وكلاهما يهدفان ابتعاد الأمة عن تعددية عالم اليوم.
والخطاب القرآني بيَّن الغلو لأهل الديانات الأخرى.
قوله تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل) المائدة (77).
والفارق شاسع ما بين التدين الإيجابي، والتطرف، فالتدين له ارتباط بمنهج وسلوك العقيدة، أما التطرف، يمثل ابتعاد عن ثوابت العقيدة، والتطرف يدمر ولا يبنى، منهج وسلوك الإسلام يملك ثروة موصولة العطاء مع أهل الفكر والعلم والثقافة القادرين على تبسيط روح الشريعة، وكشف الحلال والحرام، والمباح وغير المباح، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والأديان السماوية، والإسلام خاصة حرم قتل النفس البشرية، والاعتداء على الإنسان أياً كان دينه بالقتل أو الإيذاء، لا يتفق مع شرع الله.
وقال تعالى: (وإذا أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم) البقرة (84).
والتعددية للبشر من أجل التعارف، والتعايش السلمي.
وقال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات (13).
منهج وسلوك الإسلام، بيان لكل إنسان بان يتحمل أمانة إنسانيته، ويتعرض للخير والشر، النعمة والحرمان، كما ورد لفظ الإنسان في القرآن الكريم في نحو ستين مرة.
لقوله تعالى: (خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم* كلا إن الإنسان ليطغى) العلق (6:2).
وقال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) التين (4).
والإنسان يملك وعى وإدراك وبصيرة، وفي الإسلام دعوة لتشغيل العقل، فلماذا تتعطل العقول، وتبتعد عن طريق الحق والخير والهدى، خاصة أن حركة عالم اليوم تتغير بالتباس فكري وثقافي واقتصادي واجتماعي، وافرز هذا التغير، تفشى الجرائم السلوكية والحروب العدوانية، وجرائم لها قسوة ووحشية، وترف استفزازي، ونشر الفقر في البلدان النامية، وبلغت القسوة مداها، مثلما حدث لقوم موسى -عليه السلام-.
لقوله تعالى: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعلمون) البقرة ( 74).
والتساؤل لماذا هبطت المعنويات لدى البعض من أبناء الأمة؟ وكتاب الله الكريم دعاء الإنسان للتفكير الايجابي، والعقل ومشتقاته من: تعقل وتفكير وتأمل وتدبر ونظر..، ذكر في كتاب الله الكريم نحو سبعمائة مرة تعظيماً وتقديراً لدور العقل وقيمته وإعماله في شؤون الحياة الإنسانية.
منهج وسلوك الإسلام يقرر الاختلاف في وجهات النظر، والاختلاف لا يأخذ صورة التطرف والتعصب، والإسلام يرفض سوء الظن.
وقال تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) النجم (32).
وفي الإسلام دعوة للأخوة، قال تعالى: (فأصبحتم بنعمته إخواناً) آل عمران (102) وقال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات (10).
والأخوة في الإسلام أسلوب تربوي، وسلوك علمي وعملي، ويقي الأمة من التعثر؛ لأن المجتمع المتكافل تسوده المحبة.
والله -عز وجل- بيَّن أن اتباع الهوى، ينشر الاختراق والشقاق والابتعاد عن الحقائق، كما أن الاختلاف مفسد للعقيدة.
وقال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء، إنما أمرهم إلى الله، ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) الأنعام (195).
والأمة بحاجة لتوحيد الصف، وعلى أبنائها الابتعاد عن الغلو والتطرف، والأمة لها مشروع حضاري متكامل.
وقال تعالى: (والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين) الأعراف (107).
والإنسان فرد وجماعة مطالب بأن يكون على مستوى إسلامه، والتحرك بقيمة التكليف، لقوله تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر ولله عاقبة الأمور) الحج (41).
والإنسان بحاجة للتحرك بالثقافة الإيجابية، وتعميق قيم العدل والتفكير وحب الخير، واحترام الأقلية، والروح الجماعية من أجل صالح ومستقبل الأمة؛ لأن الثقافة هي مجموعة المفاهيم التي يحملها الفرد والجماعة عن الكون والحياة والإنسان، وهي التي يتعامل ويتفاعل على أساسها مع المتناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعاشة، وهي بهذا التعريف تعتبر أداة لتكريس خط سياسي ولقوة مجتمعة؛ لأن أعداء الرسالة يريدون إضعاف الأمة ليبقى العالم كله تحت قبضتهم، فهل نع الدرس.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.