الثبات عزيز
الثبات عزيز..
كلمة يقر بها جميع الناس على اختلاف معتقداتهم ومداركهم، وهي كلمة صحيحة لا شك فيها، لكننا نجد أنه مع حصول هذا الاتفاق الغريب العجيب إلا أننا عند طلب لتفسير المقصد من إطلاق هذا اللفظ نجد الفرق يتضح بينهم والبون يزيد شسعا، وعندها فقط يتبين المصيب في إطلاقه من المخطيء.
فأما الجاهل فإنه يقصد بها أن مضمون الثبات الديمومة على أعمال وأقوال ومعتقدات ليس للنفس البشرية قدرة وطاقة بها وحاصل قوله أن الله شرع شرعا لا يوافق النفوس بل هو عنت لها ثقيل عليها، والجهلة على هذا القول أضراب مختلفة وأنواع متعددة يقرب أحدهم للصواب بقدر ما يحصله من العلم ويبعد الآخرون ببعدهم عنه، فالثبات عزيز عند الجهلة لأنه غير متحقق ولو كان بالنسبة لهم مأمول ومرجو.
وأما المنافق فإنه يقصد بإطلاقه هذا أن مضمون الثبات الديمومة على أعمال وأقوال ومعتقدات لا يؤمن أو يشك في صحة عاقبتها وما رتب عليها من جزاء ومثوبة، فالثبات عليها بالنسبة للمنافقين عزيز لأنه لا نفع فيه وفائدة، وذلك مقتضى ما تنطوي عليه قلوبهم من كفر يبطنوه ويظهرون للناس خلافه.
أما المتقي المهدي لما اختلف فيه من الحق بفضل الله ومنته فإنه يقصد بذلك الإطلاق أن مضمون الثبات ومفهومه الديمومة على أعمال وأقوال ومعتقدات يؤمن جازما بصحة مآلها الحسن الذي أخبر الله به ويعلم يقينا أنها تكاليف من رب رحيم أراد بها للنفوس طهرا وزكاة ورحمة ونجاة وهو فضل الله الذي حقيق على العبد أن يفرح به وهدى الله الذي جدير به أن يهتدي به، وقد رفع به عن الأمة الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا وجعله وسطا سمحا في طاقة المكلف الإتيان به وفي وسعه تحقيقه.
وإن حصل منه خلاف ذلك فذلك من تقصير نفسه وخلل فيها فيحثه ذلك على المسارعة والمسابقة وإن عثرة دابته وزلت قدمه تاب إلى ربه وأناب وأقر بتقصيره ونقصه وضعف نفسه بين يدي رب الأرباب، ليحظى بعد ذلك بكرم مولاه الذي وعده ويفوز بثوابه الذي أعده، فالثبات عزيز عند أهل الإيمان لأنه يتطلب بذل أسباب قد تقصر النفس عن بذلها لضعف فيها وخلل يعتريها، فهم بين الخوف والرجاء يزيد رجائهم إذا وفقوا لبذل أسباب ما يرجون، ويزيد خوفهم إذا وقعوا في فعل ما يؤول بهم إلى ما يخافون.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
______________________________ __________________
الكاتب: حمدان بن راشد البقمي