أقسام المكلفين وأحوالهم في صيام رمضان
رأفت صلاح الدين
نستعرض هنا أقسام المكلفين وأحوالهم في صيام شهر رمضان، وهذه الأقسام كالتالي [1]:
(1) المسلم البالغ العاقل المقيم القادر السالم من الموانع:
فهذا يجب عليه صومُ رمضان أداءً في وقته؛ لدلالة الكتاب والسنة والإجماع، وذلك لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ.. ".[2]
أما الكافر فلا يجب عليه الصيام، ولا يصح منه؛ لأنه ليس أهلاً للعبادة، فإذا أسلم في رمضان لم يلزمه قضاء الأيام الماضية؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الأنفال: 38].
وإذا أسلم أثناء النهار لزمه الإمساك، وليس عليه القضاء.
(2) الصبي:
لا يجب الصيام على الصبي حتى يبلغ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ".[3]
ولكن يأمره وليه بالصوم إذا أطاقه؛ تمرينًا له على الطاعة حتى يألفها بعد بلوغه، فقد كان الصحابة-رضوان الله عليهم- يُصَوِّمُون أولادَهم وهم صغار، فعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ. قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ - أي: من الصوف -، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ".[4]
(3) المجنون:
وهو فاقد العقل فلا يجب عليه الصيام لان العقل مناط التكليف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ".[5]
ولا يلزمه القضاء؛ لأنه ليس أهلاً للوجوب.
وإذا كان يفيق أحيانًا فيصوم هذه الأوقات. أما المغمى عليه فلا يصح صومه، لكن يجب عليه القضاء؛ لأنه مكلَّف.
(4) الهَرِم الذي بلغ الهذيان وسقط تمييزه:
وهذا لا يجب عليه الصوم، ولا الإطعام عنه؛ لسقوط التكليف عنه بزوال تمييزه؛ فإن كان يميِّز أحيانًا ويهزي أحيانًا وجب عليه الصوم حال تمييزه.
(5) المريض أو العاجز عن الصيام عجزًا لا يُرجى زواله:
كالكبير الهَرِم والمريض مرضًا لا يُرجَى برؤه، فلا يجب عليه الصوم؛ لأنه لا يستطيعه[6]، لكن يجب عليه أن يطعم بدل الصيام عن كل يوم مسكينًا، ويجوز أن يوزعه حبًّا بمقدار مُدّ[7]، أو أن يعد طعامًا يوزعه على المساكين أو يدعوهم إليه بقدر الأيام التي أفطرها.
• قال ابن عباس في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوم: "يُطعمان مكان كل يوم مسكينًا".[8]
(6) المسافر:
المسافر يجوز له الفطر؛ إذا لم يقصد بسفره التحايل على الفطر، فإذا قصد ذلك؛ فالفطر عليه حرام، والصيام واجب عليه، وكذلك فإن سفر المعصية لا تُستباح فيه الرخصة.
فإذا لم يقصد التحايل وسافر سفرًا مباحًا، فهو مخيَّر بين الصيام والفطر، سواء طالت مدة سفره أم قصرت، وسواء كان سفره طارئًا لغرض أم مستمرًّا كسائقي الطائرات والقطارات وسيارات الأجرة، لقول الله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184].
وفي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ".[9]
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: قَالَ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلاَ يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ".[10]
عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ".[11]
والأفضل للمسافر فعل الأسهل عليه من الصيام والفطر، فإن تساويا؛ فالصوم أفضل؛ لأنه أسرع في إبراء ذمته، وأنشط له إذا صام مع الناس.
إذا كان في السفر مشقة فعليه الفطر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للصائمين في رمضان مع السفر الشاقّ "أولئك العصاة، أولئك العصاة"، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ، فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: "أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ". [12]
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ".[13]
وإذا نوى الصوم وهو مقيم، ثم سافر أثناء النهار يجوز له أن يفطر قبل خروجه من محل إقامته والأفضل تأخير الفطر إلى ما بعد الخروج من بلده؛ احتياطًا لئلا يحول بينه وبين السفر حائل.
وإذا قدم المسافر إلى بلده أثناء النهار، وكان مفطرًا، فهل يلزمه الإمساك؟ فيها خلاف بين العلماء؛ فمذهب أحمد أنه يجب عليه أن يمسك بقية اليوم احترامًا للزمن ويجب عليه القضاء.
ورأى آخرون أنه لا يجب عليه الإمساك؛ لأنه لا يستفيد منه؛ لوجوب القضاء عليه، قال ابن مسعود: "من أكل أول النهار فليأكل آخره"، وهو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد. لكن لا يعلن أكله ولا شربه؛ لخفاء سبب الفطر، وحتى لا يساء به الظن، أو يُقتدَى به.
(7) المريض الذي يرجى برؤه:
وله ثلاث حالات:
أ- أن لا يشق عليه الصوم، ولا يضره: فيجب عليه الصوم؛ لأنه ليس له عذر يبح الفطر.
ب- أن يشق عليه الصوم، ولا يضره: فيفطر لقوله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184].
ويُكره له الصوم مع المشقة؛ لأنه خروجٌ عن رخصة الله عز وجل وتعذيب لنفسه، وفي الحديث "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ".[14]
(ج) أن يضره الصوم: فيجب عليه الفطر، ولا يجوز له الصوم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا"[15]، ومن حقها أن لا تضرها مع وجود رخصة من الله تعالى، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".[16]
وإذا حدث له المرض في أثناء رمضان وهو صائم وشقَّ عليه إتمامه جاز له الفطر؛ لوجود المبيح للفطر، وإذا برئ في نهار رمضان وهو مفطر لا يصح أن يصوم ذلك اليوم؛ لأنه كان مفطرًا في أول النهار.
إذا ثبت بالطبّ أن الصوم يجلب المرض أو يؤخر برؤه؛ جاز له الفطر محافظةً على صحته، واتقاء للمرض.
فإن كان يُرجى زوال ذلك الخطر، انتظر حتى يزول، ثم يقضي ما أفطر، وإن كان لا يُرجَى زواله، فحكمه حكم القسم الخامس، يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا.
(8) أحكام صيام الحائض والنفساء:
يحرم عليهما الصيام، ولا يصح منهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في النساء: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ. قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا. أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا".[17]
وإذا ظهر الحيض منها وهي صائمة ولو قبل الغروب بلحظة بطل الصيام ولزمها قضاء ذلك اليوم.
وإذا طهرت من الحيض أثناء النهار لم يصح صومها بقية اليوم.
وإذا طهرت في الليل في رمضان ولو قبل الفجر بلحظة؛ وجب الصوم، لأنها من أهل الصيام، وليس فيها ما يمنعه، ويصح صومها حينئذ ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر.
ويجب على الحائض والنفساء قضاء ما أفطرته من أيام شهر رمضان، فعن مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: "كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ".[18]
(9) أحكام صيام الحامل والمرضع:
إذا كانت المرأة حاملاً أو مرضعًا، وخافت على نفسها أو ولدها؛ فإنها تفطر؛ لحديث أنس بن مالك رنهضي الله ع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ عز وجل وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوْ الصِّيَامَ".[19]
وعليها القضاء بعدد الأيام التي أفطرت حين يتيسر ذلك، ويزول عنها الخوف كالمريض إذا برئ.
(10) من احتاج إلى الفطر لدفع ضرر غيره:
كإنقاذ مسلم من غرق أو حريق أو هدم أو نحو ذلك، ولا يمكنه إنقاذه إلا بالتقوِّي عليه بالأكل والشرب؛ جاز له الفطر، بل وجب عليه الفطر حينئذ؛ لأن إنقاذ المعصوم واجب، ويلزمه قضاء ما أفطره.
ومثل ذلك من احتاج إلى الفطر للتقوِّي على الجهاد في سبيل الله، سواء كان ذلك في السفر أو في بلده، وعليه أن يقضي بعد ذلك.
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ"، فَكَانَتْ رُخْصَةً، فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلاً آخَرَ فَقَالَ: "إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا"، وَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ. [20]
ففي هذا الحديث إيماءٌ إلى أن القوة على القتال سببٌ مستقل غير السفر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل علة الأمر بالفطر القوة على قتال العدو دون السفر، ولذلك لم يأمرهم بالفطر في المنزل الأول.
وكل من جاز له الفطر بسبب مما تقدم؛ فإنه لا يُنكر عليه إعلان فطره؛ إذا كان سببه ظاهرًا كالمريض والكبير الذي لا يستطيع الصوم، أما إذا كان سبب فطره خفيًّا كالحائض فإنه يفطر سرًّا ولا يعلن فطره؛ لئلا يجرَّ التهمة إلى نفسه، ولئلا يغتر به الجاهل، فيظن أن الفطر جائز بدون عذر.
قضاء رمضان:
كل من لزمه القضاء في الأقسام السابقة يقضي بعدد الأيام التي أفطرها، والأولى المبادرة بالقضاء من حين زوال العذر؛ لأنه أسبق إلى الخير وأسرع في إبراء الذمة، ويجوز تأخيره إلى ما قبل رمضان الثاني، ولا يلزم فيه التتابع، والدليل قوله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184]، يعنى فعليه عدة من أيام أخر، ولم يقيدها الله تعالى بالتتابع ولو قُيِّدت بالتتابع للزم من ذلك الفورية، فدل هذا على أن الأمر فيه سعة.[21]
ولا يجوز تأخير القضاء إلى رمضان الثاني بدون عذر، ودليل ذلك:
1- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ"[22]، فقولها: "ما أستطيع أن أقضيه" دليلٌ على أنه لا يُؤَخَّر إلى ما بعد رمضان؛ لأنها لا تستطيع أن تؤخره إلى ما بعد رمضان، والاستطاعة هنا هي الاستطاعة الشرعية. [23]
2- أنه إذا أخَّره إلى بعد رمضان صار كمن أخَّر صلاة الفريضة إلى وقت الثانية من غير عذر.[24]
وإذا أخَّره بدون عذر كان آثمًا، وعليه القضاء فقط، وليس عليه إطعام؛ لضعف الأدلة في ذلك، وظاهر الآية ﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ أن الله تعالى لم يُوجِب إلا عدة من أيام أُخَر، وهو رأي الحنفية.
وإن ترك القضاء لعذر حتى مات فلا شيء عليه؛ لأنها سقطت عنه بموته، كمن مات قبل دخول رمضان لا يلزمه صومه، أما إذا تأخر بدون عذر فعليه أن يقضي ويطعم.
فإن تمكن من القضاء، ففرَّط فيه حتى مات صام وليه عنه جميع الأيام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن ماتَ وعليه صيامٌ صَامَ عنه وَلِيُّهُ". [25]
والولي هنا هو وارثُه أو قريبُه، ويجوز أن يصوم عنه جماعة بعدد الأيام التي عليه في يوم واحد، قال البخاري: "وقال: الحسن إن صام عنه ثلاثون رجلاً يومًا واحدًا جاز".[26]
فإن لم يكن له ولي أو كان له، ولم يرد الصوم أطعم من تركته عن كل يوم مسكينًا، لكل مسكين مُدُّ بُرٍّ.
[1] مجالس شهر رمضان (51-77)، فقه السنة (1/ 438-444).
[2] أخرجه البخاري (1801)، ومسلم (1080).
[3] أخرجه أحمد في مسنده (24738)، والنسائي (3432) وصححه الألباني.
[4] أخرجه البخاري (1859)، ومسلم (1136).
[5] أخرجه أحمد في مسنده (24738)، والنسائي (3432) وصححه الألباني.
[6] وقيل هذا أيضًا في أصحاب الأعمال الشاقة الذين لا بديل لهم عن هذه الأعمال.
[7] المدّ: ملء اليدين متوسطتي الحجم.
[8] صحيح البخاري (4235).
[9] أخرجه البخاري (1845) ومسلم (1116).
[10] أخرجه مسلم (1116).
[11] أخرجه مسلم (1121).
[12] أخرجه مسلم (1114).
[13] أخرجه مسلم (1115).
[14] أخرجه الطبراني في الكبير (10030)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 101)، والبزار كما في كشف الأستار (1/ 990)، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (1885).
[15] أخرجه البخاري (1867).
[16] أخرجه أحمد (2867)، وابن ماجه (2341) وصححه الألباني.
[17] أخرجه البخاري (298)، ومسلم (80).
[18] أخرجه مسلم (335).
[19] أخرجه أحمد (19069) وابن ماجه (1667) وصححه الألباني.
[20] أخرجه مسلم (1120).
[21] الشرح الممتع (6/ 449).
[22] أخرجه مسلم (1146).
[23] الشرح الممتع (6/ 449- 450).
[24] الشرح الممتع (6/ 449- 450).
[25] أخرجه البخاري (1952)، ومسلم (1147).
[26] صحيح البخاري (2/ 689)، الناشر: دار ابن كثير، اليمامة- بيروت، الطبعة الثالثة، 1407هـ- 1987م.