عدم الرضا عن الذات
أ. شروق الجبوري
السؤال
السلام عليكم.
أنا امرأة متزوجة وسعيدة في حياتي - والحمد لله - ولديَّ ابنةٌ ولكني أغلب الوقت أحس بالضيق وأني كارهة حياتي، حتى مشاكلنا العاديَّة التي تحدُث كما بين كلِّ زوجين دائمًا تجعلني مكتئبةً لفترةٍ، وممكن أَصِلُ إلى درجة أنِّي لا أريد أنْ أعيش مع هذا الشخص، مع العلم أنها مشاكل عاديَّة جدًّا، ودائمًا أشعر بأني فاشلة، وأي شيء أفعله أرجعُ وأندم عليه، وأحس أنِّي لا أفكِّر، يعني باختصار: كارهة نفسي، أصبحت أتمنَّى الهرَب من كثرة ندمي على أشياء كثيرة أعملُها، أرجو من قلبي أنْ أسعد زوجي؛ لكن أجدني أفعل عكس ما أريد، أرجو منكم حلاًّ؛ كيلا أصل لمرحلةٍ أحتاج فيها إلى دكتور نفسي.
وآسفة على الإطالة، وشكرًا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
أختي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
يُسعدنا بدايةً أن نُرحِّب بانضِمامك إلى (شبكة الألوكة)، ونسأل الله تعالى أنْ يُسدِّدنا في تقديم ما ينفَعُك وينفَعُ جميع السائلين.
وأودُّ أيضًا أنْ أُحيِّي فيك سمةَ الإقرار بنِعَمِ الله تعالى عليك، رغم ما يَجتاحُك من ألمٍ نفسي، فقد أقرَرْت صَراحةً بنعمة السَّعادة في حياتك الزوجيَّة، وضِمنًا بنعمة الأمومة والزوج الصالح، كما أشيدُ برغبتك في إسعاد زوجك، وفي إيجاد الحلِّ السليم لمواجهة مشاعرك وأفكارك السلبيَّة، وهي سماتٌ إيجابيَّة تُحسب لشخصك، وأرجو منكِ تعزيزها، والانطِلاق منها إلى الحل - بإذن الله تعالى.
أختي الكريمة، من خِلال استقراء رسالتك وما تضمَّنته من عِبارات، أستشفُّ أنَّ سبب مُعاناتك النفسيَّة حاليًّا يَكمُن في شُعورك بعدم الرضا عن الذات، وقد ردَّدت عبارات تشيرُ إلى ذلك صراحةً في السُّطور القلائل لرسالتك، ومنها: (كارهة حياتي، إني فاشلة، لا أفكِّر، كارهة نفسي... إلخ).
أمَّا تبنِّيك لمشاعر عدم الرضا عن الذات، فيتَّضح أنَّه بسبب قيامك (بجلد الذات)، نتيجة خطأٍ سلوكي أو لفظي من قبلك تُجاه الآخَرين، وخاصَّة زوجَك؛ فقد أشرت في رسالتك أنَّك كثيرة اللوم لنفسك، وهي لا شكَّ سمة إيجابيَّة، لكن مَضمون رسالتك وما تضمَّنته من عِبارات، يشيرُ إلى أنَّك قد تجاوزت اللوم إلى الجلد والتوبيخ لنفسك، حتى أوصلك إلى كرهها وبُغضها، وهذا ما يرفُضه دِيننا الإسلامي الحنيف، ثم الخبراء في علم النفس.
فلوم النفس يا عزيزتي تكمن أولى خُطواته في سؤال الشخص نفسَه: لِمَ قمت بهذا الخطأ؟ ليتعرَّف على الأسباب التي دفعته للقيام به، ثم يعزم بعدها على التخلُّص من تلك الدوافع؛ وبالتالي ينتفي سبب القيام بالخطأ؛ أي: إنَّ المخطئ يقومُ بنقدٍ ذاتي لما قام به؛ ليستكشِف أسبابه، ويبحث عن البديل الصائب له، فيعزم فكريًّا على تبنِّي هذا البديل فِكرًا وتطبيقًا في المواقف اللاحقة، وهذا النَّهج النقدي السليم يُعَدُّ من سمات المؤمنين في الإسلام، كما إنَّه من مؤشرات الصحَّة النفسيَّة والتوافُق في ميدان علم النفس.
بينما يُمثِّل جلد الذات في توبيخ الشَّخص لنفسه بأسلوبٍ وعبارات قاسية، عمَّا بدر منه من سُلوكٍ أو قول، ويبقى فكرُه في اجترار مُتكرِّر مع ذكريات ذلك الموقف، وإعادة توبيخ نفسه معها في كلِّ كرَّة، حتى تزيد من بُغضه لنفسه وكرهها، وعندها لا يجد الشخص منفذًا غير الانسِحاب والاكتِئاب، والذي يُمثِّل أسلوبًا دفاعيًّا سلبيًّا من قِبَلِه لمواجهة هذه الحالة.
كما أنَّ هذا التسلسُل الخاطئ في رُدود الأفعال تُجاه ما يبدر عن الإنسان من خطأٍ، هو الذي يُوصِله إلى مرحلة القنوط من رحمة الله تعالى - والعِياذ به عزَّ وجلَّ.
وعليه؛ فإنِّي أنصحك - يا أختي الفاضلة - باستِقراء خُطوات لوم النفس التي أسلفتها، وتبنِّيك لها واعتقادك بها، ثم تطبيقها واقعًا، واعلَمِي يا عزيزتي أنَّنا كلنا مُعرَّضون للخطأ، بل ولتكراره؛ فإنها من سمات البشر، لكن عَزمنا على الكفِّ عنه وتصحيح مساراتنا، هو ما يُوقِدُ في أنفسنا التفاؤل والدافعيَّة، كما أنصَحُك بالعمل على مُكافأة نفسك بما هو مشروعٌ عن أيِّ سلوك لفظي أو عملي يصدر منك، وتجدين له صدًى إيجابيًّا في نفسك؛ لبناء وتعزيز الرضا الذاتي لديك، وإياك وإعادةَ توبيخ نفسك عمَّا يبدر منها من أخطاء، واستَبدِلي ذلك التوبيخ بالعزْم على التصحيح، كما ذكرت.
واعلمي يا عزيزتي أنَّ توافقك واتِّزانك النفسي هو الذي يقودك للفكر السليم والمتأنِّي بتعقُّل قبل اتِّخاذ أيِّ قرار، وعندها ستجدين سُبُلاً عديدة لمساعدة زوجك وإسعاده؛ لأنَّك حينها ستكتشفين قُدراتك وإمكاناتك الذاتيَّة العديدة، والتي تُعطِّلها المشاعر النفسيَّة السلبيَّة.
وأخيرًا:
أختم بالدعاء إلى الله تعالى أنْ يُصلح شأنك وأسرتك، ويفتح لكم أبوابَ خيرِه وفضلِه، وينفعَ بكم، وبانتظار أنْ نسمع منك طيِّب الأخبار.