حديث: أنفجنا أرنبا بمر الظهران
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أنفجنا أرنبًا بمر الظهران، فسعى القوم فلعبوا وأدركتها فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة فذبحها وبعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوركها وفخِذها، فقبِله.
قوله: (أنفجنا أرنبًا)؛ أي أثرنا، ولمسلم: استنفجنا يقال نفس الأرنب: إذا ثار وعدا، وأنفجته: إذا أثرته من موضعه والأرنب، هو دويبة معروفة تشبه العناق، لكن في رجليها طول بخلاف يديها، والأرنب اسم جنس للذكر والأنثى، وهي شديدة الجبن، ويقال: إنها تنام مفتوحة العين.
قوله: (بمر الظهران).
قال الحافظ: اسم موضع على مرحلة من مكة وقد يسمى بإحدى الكلمتين تخفيفًا، وهو المكان الذي تسميه عوام المصريين بطن مرو، والصواب مر بتشديد الراء، قوله: فسعى القوم فلغبوا؛ أي تعبوا وزنه ومعناه.
قوله: (وأدركتها فأخذتها)، ولمسلم: فسعيت حتى أدركتها، ولأبي داود وكنت غلاما حزورًا.
قوله: (فأتيت بها أبا طلحة فذبحها، وبعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوركها وفخذها فقبِلها، أبو طلحة وهو زوج أمة، وفي رواية بعجزها، وفي رواية: قلت وأكل منه، قال: وأكل منه، ثم قال فقبله، والترمذي: فالله قلت أكله قال قبله.
قال الحافظ: وفي الحديث جواز أكل الأرنب وهو قول العلماء كافة، إلا ما جاء في كراهتها عن عبدالله بن عمر من الصحابة وعن عكرمة من التابعين وعن محمد بن أبي ليلى من الفقهاء، واحتج بحديث خزيمة بن جزء، قلت: يا رسول الله، ما تقول في الأرنب قال لا آكله ولا أحرمه، قلت: فإني أكل ما لا تحرمه، ولِمَ يا رسول الله؟ قال: نبئت أنها تدمى، وسنده ضعيف، ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة، قال: وفي الحديث أيضًا جواز استثارة الصيد والغدو في طلبه، وأما ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس رفعه: مَن أتبع الصيد غفل، فهو محمول على من واظب على ذلك، حتى يشغله عن غيره من المصالح الدينية وغيرها، وفيه أن آخذ الصيد يملكه بأخذه ولا يشاركه من أثاره معه، وفيه هدية الصيد وقبولها من الصائد، وإهداء الشيء اليسير الكبير القدر إذا علم من حالة الرضا بذلك، وفيه أن ولي الصبي يتصرف فيما يَملِكه الصبي بالمصلحة، وفيه استثبات الطالب شيخه عما يقع في حديثه مما يحتمل أنه يضبطه؛ كما وقع لهشام بن زيد مع أنس - رضي الله عنه -[1]؛ انتهى.
[1] فتح الباري: (9/ 661، 662).