آيات من سورتي الانفطار والمطففين بتفسير الزركشي
د. جمال بن فرحان الريمي
سورة الانفطار
﴿ يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [الانفطار: 6]
قوله تعالى: ﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [الانفطار: 6] أي: لا يغرك[1].
﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13، 14]
قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13] أي: لبرهم، وقوله: ﴿ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 14] أي: لفجورهم[2].
♦ ♦ ♦
سورة المطففين
﴿ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴾ [المطففين: 2]
قال رحمه الله: تأتي "على" بمعنى "من" كقوله تعالى: ﴿ اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ ﴾ [المطففين: 2][3].
﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾ [المطففين: 3]
قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾ [المطففين: 3]، فـ "كال" و"وزن" يتعديان إلى مفعولين: أحدهما باللام، والتقدير: كالوا ووزنوا لهم، وحذف المفعول الثاني لقصد التعميم.
وما ذكرناه من كون"هم" منصوبًا في الموضع بعد اللام هو الظاهر، وقرره ابن الشجري في "أماليه"، قال: وأخطأ بعض المتأولين حيث زعم أن "هم" ضمير مرفوع أكدت به الواو، كالضمير في قولك: "خرجوا هم" فـ"هم" على هذا التأويل عائد على المطففين[4].
ويدل على بطلان هذا القول أمران:
أحدهما: عدم ثبوت الألف في ﴿ كَالُوهُمْ ﴾ [المطففين: 3]و﴿ وَزَنُوهُمْ ﴾ [المطففين: 3]، ولو كان كما قال لأثبتوها في خط المصحف كما أثبتوها في قوله تعالى: ﴿ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ﴾ [البقرة: 243] [5]، ﴿ لِنَبِيٍّ لَهُمُ ﴾ [البقرة: 246][6]، ونحوه.
والثاني: أن تقدم ذكر "الناس" يدل على أن الضمير راجع إليهم، فالمعنى: ﴿ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴾ [المطففين: 2]، وإذا كالوا للناس أو وزنوا للناس يخسرون[7].
﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴾ [المطففين: 4]
قال رحمه الله: جوّز أبو الفتح[8] في قوله: ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [المطففين: 4، 5][9]، أن يكون المراد بها اليقين، وأن تكون على بابها، وهو أقوى في المعنى، أي فقد يمنع من هذا التوهم، فكيف عند تحقيق الأمر، فهذا أبلغ كقوله: "يكفيك من شر سماعُه" أي لو توهم البعث والنشور وما هناك من عظم الأمر وشدته لاجتنب المعاصي، فكيف عند تحقق الأمر! وهذا أبلغ.
وقيل: آيتا البقرة بمعنى الاعتقاد[10]، والباقي بمعنى اليقين، والفرق بينهما أن الاعتقاد يقبل التشكيك بخلاف اليقين، وإن اشتركا جميعًا في وجوب الجزم بهما.
وكذلك قوله: ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [11]، وقد جاء عكسه وهو التجوّز عن الظن بالعلم، كقوله تعالى: ﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا ﴾ [12]، ولم يكن ذلك علمًا جازمًا بل اعتقادًا ظنيًّا[13].
﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]
قوله تعالى في شراب أهل الجنة: ﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ ﴾ [المطففين: 26]، وإنما يرى من الكأس الختام، وأعلى ما عندنا رائحة المسك، وهو أدنى شراب أهل الجنة، فليتبين اللبيب إذا كان الثفل الذي فيك المسك أيْشٍ يكون حشو الكأس فيظهر فضل حشو الكأس بفضل الختام، وهذا من التنبيه الخفي[14].
وقال آخر في قوله تعالى: ﴿ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]، إنهم تعبوا في الدنيا فإذا دخلوا الجنة تنعموا[15].
قوله تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ»[16]وأراد الغبطة، وهي تمني مثل ماله من غير أن يغتم لنيل غيره، فإن انضم إلى ذلك الجدّ والتشمير إلى مثله أو خيرٍ منه، فهو منافسة[17].
﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴾ [المطففين: 30]
قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴾ [المطففين: 30]، أي عليهم كما قال: ﴿ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ﴾ [18].
[1] المصدر السابق: أقسام معنى الكلام - الاستفهام بمعنى الإنشاء 2/ 210.
[2] المصدر السابق: معرفة أحكامه 2/ 8.
[3] المصدر السابق: الكلام على المفردات من الأدوات - على 4/ 177.
[4] أمالي ابن الشجري 2/ 130.
[5] سورة البقرة: 243.
[6] سورة البقرة: 246.
[7] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف المفعول 3/ 108.
[8] هو عثمان بن جني، أبو الفتح النحوي، تقدم عند تفسير الآية رقم (28) من سورة الكهف.
[9] سورة المطففين: 4 - 5.
[10] يشير إلى قول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 46]، وقوله سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ ﴾ [البقرة: 249].
[11] سورة الحاقة: 20.
[12] سورة يوسف: 81.
[13] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - التضمين 3/ 216.
[14] المصدر السابق: معرفة أحكامه - الأحكام المستنبطة من تنبيه الخطاب 2/ 14.
[15] المصدر السابق: معرفة تفسيره وتأويله - الفرق بين التفسير والتأويل 2/ 99.
[16] جزء من حديثٍ يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا»، رواه البخاري من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، كتاب العلم - باب الاغتباط في العلم والحكمة، ص/ 31، رقم الحديث (73)، ومسلم من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب "باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، ص/ 365، رقم الحديث (815).
[17] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - ألفاظ يظن بها الترادف وليست منه 4/ 52.
[18] سورة الصافات: 137. البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - الباء 4/ 162.