شذوذ رواية أن النبي صلى الله عليه وسلَّم إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على نشر ...

[فريق منتدى الدي في دي العربي]

شذوذ رواية
أن النبي صلى الله عليه وسلَّم إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على نشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
فقد كنت أسمع هذه الرِّواية، وأذكرها في الخطب والكلمات وغيرها، حتى ذكر لي أحد الإخوة أنها تخالف حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى - رضى الله عنه - قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَالَ « يَا فُلاَنُ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا ».
قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا.
قَالَ صلى الله عليه وسلم « انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا ».
قَالَ فَنَزَلَ فَجَدَحَ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَرِبَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ « إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَا هُنَا وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ »
فعزمت أن أخرِّج الرِّواية وانظر طرقها مستعينا بالله تعالى

• أخرج ابن خزيمة في الصحيح (2061) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , حَدَّثَنَا سُفْيَانُ , عَنْ أَبِي حَازِمٍ , عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى سُنَّتِي مَا لَمْ تَنْتَظِرْ بِفِطْرِهَا النُّجُومَ» , قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ صَائِمًا أَمَرَ رَجُلًا فَأَوْفَى عَلَى شَيْءٍ , فَإِذَا قَالَ: غَابَتِ الشَّمْسُ , أَفْطَرَ.
وأخرجه عنه ابن حبَّان في الأنواع والتقاسيم (3506) ترتيب ابن بلبان، وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/434) حدثنا علي بن الحسين بن علي الحافظ، أنبأ عبدان الأهوازي، ثنا محمد بن أبي صفوان الثقفي ...
وقد صحَّحَ إسناده الألباني رحمه الله في الصحيحة (2081 )، والأرناؤوط في تحقيقه لابن حبَّان رقم (3510) .

أقول وبالله التوفيق: هذه الرِّواية شاذة لا تصحُّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلَّم، ومن حكم عليها بناء على ظاهر إسنادها دون تتبُّع طرقها والنَّظر في طبقات رواتها فقد أخطأ.
وهذه الرِّواية الشَّاذة تفرَّد بها محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثَّقفي عن عبد الرَّحمن بن مهدي عن سفيان الثَّوري عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد السَّاعدي رضي الله عنه.

وقد خالف ابن أبي صفوان من رواها من أهل طبقته ومن فوقهم في أمرين:

الأول: غيَّر متن الرِّواية
فالرِّواية المشهورة التي رواها جميع الثِّقات عن أبي حازم هي (( لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ، مَا عَجَّلُوا الْفِطْر ))
• وقد رواها عن أبي حازم جمع من الثِّقات بهذا اللفظ، وهم:
1- الإمام مالك بن أنس الأصبحي في الموطَّأ
2- سفيان بن سعيد الثوري
3- عبد العزيز بن أبي حازم
4- يعقوب بن عبد الرَّحمن الدَّورقي عند مسلم

• ورواها عن سفيان الثَّوري جمع من الثِّقات بهذا اللفظ، وهم:
1- عبد الرزاق بن همام الصنعاني
2- عبد الرحمن بن مهدي
3- إسحاق بن يوسف الأزرق
4- وكيع بن الجرَّاح
5- محمد بن يوسف الفريابي
6- أبو نعيد الفضل بن دكين
7- زائدة بن قدامة
وخالفهم: إسماعيل بن عمرو البجلي فرواه عن الثَّوري بلفظ: (( لا تزال أمتي بخير ما عجَّلوا الفطر، ولم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النُّجوم ))
وهو ضعيف في حديثه مناكير، وقد ذكره ابن حبَّان في الثقات وقال: يغرب كثيرا.
فروايته هذه منكرة لمخالفته جماعة الثقات الذين رووه عن سفيان.

• ورواها عن عبد الرحمن بن مهدي جمع من الثِّقات بهذا اللفظ، وهم:
1- الإمام أحمد بن حنبل
2- محمد بن بشَّار
3- زهير بن حرب
4- محمد بن المثنَّى
5- إسحاق بن منصور

وخالفهم: محمد بن أبي صفوان، فرواه عن ابن مهدي بلفظ: (( لا تزال أمَّتي على سنَّتي ما لم تنتظر بفطرها النُّجوم ))
وهذا دليل على عدم ضبطه لمتن الحديث، حيث خالفه هؤلاء الثِّقات.
ولم أجد من تابعه على هذا المتن في جميع الطَّبقات حسب تتبعي القاصر .

الثَّاني : زاد زيادة شاذَّة لم يتابع عليها

حيث زاد ((وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ صَائِمًا أَمَرَ رَجُلًا فَأَوْفَى عَلَى شَيْءٍ، فَإِذَا قَالَ: غَابَتِ الشَّمْسُ , أَفْطَرَ. ))

• وقد استنكر هذه الزِّيادة ابن خزيمة رحمه الله، فقال بعد روايتها: هَكَذَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ أَبِي صَفْوَانَ، وَأَهَابُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الْأَخِيرُ عَنْ غَيْر سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، لَعَلَّهُ مِنْ كَلَامِ الثَّوْرِيِّ، أَوْ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَازِمٍ، فَأُدْرِجَ فِي الْحَدِيثِ.
• وكذلك ألمح الحاكم إلى مخالفته للمتن المشهور، فقال بعد أن رواها: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ، إِنَّمَا خَرَّجَا بِهَذَا الْإِسْنَادِ لِلثَّوْرِيِّ: " لَا تَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ " فَقَطْ. اهـ

وقد بحثت عن متابع لابن أبي صفوان على هذه الزيادة الشَّاذة فلم أجد شيئا، حسب بحثي القاصر.
وقد بان من التنبيه الأول أن ابن أبي صفوان غير ضابط للمتن الذي شارك فيه الجماعة، حيث قام بتغييره، فكيف بحال هذه الزيادة الشَّاذة المنكرة التي تفرَّد بها عنهم ؟!

فظهر مما سبق ما يلي :
1- أن هذه الرواية شاذة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، فقد أخطأ ابن أبي صفوان في المتن، ثم زاد زيادة شاذة منكرة تفرَّد بها.
2- أن الحكم على الرِّوايات بناء على ظاهر إسنادها دون جمع طرقها وتتبُّع حال رواة طبقاتها يوقع الباحث في الخطأ، فيصحح أو يحسِّن ما حقه الإعلال، أو يضعِّف ما حقُّه التَّصحيح أو التَّحسين.
3- أن متابعة أحكام العلماء المعاصرين الذين اشتهروا بالحكم على الرِّوايات دون فحصها ودراستها -خاصَّة من المتخصِّصين والمهتمين بعلم الحديث- يوقع الباحث في الخطأ وربما الإصرار عليه بناء على ثقته في العالم الذي يتابعه.
4- أن الوقوف على خطأ أو بعض أخطإ العلماء المعاصرين أو من سبقهم لا يعني إهدار جهودهم، أو الطعن في جميع أحكامهم، بل كل يؤخذ من قوله ويردُّ حسب المعطيات والأدلَّة الصَّحيحة .

وهذا ما بلغه اجتهادي، وقد تركت العزو للمراجع لشهرتها وسهولة الوصول إليها، ولانشغالي ببعض الأمور، وإن يسَّر الله طباعة هذا التخريج فلا بدَّ من الإحالة لجميع المراجع بإذن الله

والله أعلم وأحكم

خالد بن عمر الفقيه الغامدي
1437/9/9هـ