مجالات التقوى كثيرة، تشمل كل حياة الإنسان مع ربه ومع نفسه ومع أهله ومع الناس كافة، عليه أن يتقي الله سبحانه وتعالى في كل أحواله.
والتقوى معناها: أن تتخذ وقاية تقيك من عذاب الله ومن غضبه بفعل أوامره وترك نواهيه، فتفعل ما أمرك الله به رجاء ثوابه، وتترك ما نهاك الله عنه تخاف عقابه، هذه هي التقوى، لأنها تقي من عذاب الله، وتقي من الشرور كلها، ومجالاتها كثيرة:
فيتقي ربه فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى بفعل أوامره وترك نواهيه، فتوحيده وإخلاص العبادة له تقوى يتقي ربه في ذلك ويؤدي عبادة الله سبحانه وتعالى كما أمره الله خالصة لوجه الله صوابا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويتقي ربه في أهله:
(قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)، اتقوا النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، وتقوى الله في النساء المحافظة عليهن وراعيتهن وتولي شؤونهن فيما لا يستطعن مباشرته من الأشياء، فوليها يقوم عليها
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) فلا تترك المرأة لحريتها تضر نفسها وتضر بيتها وتضر المجتمع كله، فإنها فتنة لوليها وفتنة للمجتمع كله، تجب المحافظة عليها، قال صلى الله عليه وسلم في خطبة عرفة: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا والاستصى بالنساء خيرا بإعطائهن حقوقهن التي شرعها الله لهن، وبمنعهن مما يخلو بدينهن وشرفهن، فلا تترك المرأة ولهذا جعل الله عليها الولاية:
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ).
وكذلك تتقي الله في كل عمل تؤديه، تتقي الله في طهارتك من الحدث الأكبر والأصغر فتطهر للصلاة، تتقي الله في صلاتك تؤديها على الوجه المطلوب كما أمرك الله.
تتقي الله في كل أمور دينك بأن تقيم الدين لله عز وجل.
تتقي الله في معاملاتك، تتجنب الحرام والمكاسب المحرمة قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) ذروا ما بقي من الربا لكم في ذمم الناس وإن كانوا أغنياء فلا تأخذ منهم الربا، وخذ رأس مالك،
(وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ* وَإِنْ كَانَ) المدين معسرا لا يستطيع السداد فأمهله حتى يستطيع أو خفض عنه الدين أو أعفه من الدين كله:
(وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) فيتقي الله في معاملاته فلا يتعامل بالمعاملات المحرمة ولا يجاري الناس، لا يبع المحرمات والخبائث والمسكرات والمخدرات، لا يبع الصور المحرمة، لا يبع إلا ما أحل الله بيعه:
(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).
يتقي الله في معاملاته مع الناس، وفي معاملاته في البضائع التي يجوز الاتجار بها والتي لا يجوز الاتجار بها، يستشعر تقوى الله في كل شيء من شؤونه.
يتقي الله في أخلاقه ومظهره ومخبره فيلتزم بالآداب الشرعية لا يحلق لحيته ولا يوفر شرابه وإنما يعمل بالسنة.
يتقي الله في لباسه فلا يسبل الثياب ولا يتشبه بملابس الكفار أو يلبس ملابس النساء.
يتقي الله في مأكله ومشربه فلا يأكل الحرام ولا يشرب الحرام، لا يدخل جوفه الحرام فإن كل جسم نبت من السحت فالنار أولى به ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
يتقي الله في أولاده، لا يضيعهم ولا يهملهم أمانة في عنقه، رعية تحت ولايته، يقوم عليهم ويربيهم ويتعهدهم ويحافظ عليهم من الضياع خصوصاً في مواطن الفتن يحافظ على أولاده، فإنهم أمانة في عنقه وهو راع عليهم كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، ولا يترك تربية أولاده للخدميين والخديمات أو دور الرعاية أو يسرح هو لا ديري عن شيء يتابع الدنيا والمعاملات والتجارة ولا يدري عن أولاده أبدا إلا أنه يوفر لهم الطعام والشراب فقط واللباس يعطيهم السيارات الفارهه ويظن أن هذا يكفي لا حقهم عليك في أمور دينهم ألزم من تربيتهم التربية البدنية التي قد تضرهم ولا تنفعهم فيحافظ على أولاده يتقي الله في ذلك.
يتقي الله في كل شؤونه.
وكذلك يتقي الله في أي مكان كان مع الناس أو خاليا من الناس أو في بر أو بحر أو جو يتقي الله قال صلى الله عليه وسلم: اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ مَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ .
يتقي الله مع الناس ومع إخوانه لا يظلمهم ولا يسيئوا إليهم.
يتقي الله في مقاله وكلامه:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا.
يتقي الله في كل تصرفاته وتقلباته فيفعل ما أحل الله له ويتجنب ما حرم الله عليه.
يتقي الله في مجتمعه، فيقوم بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف النهي عن المنكر فإن هذا مما أوجبه الله على المسلم أن لا يقتصر على نفسه بل يوجه إخوانه بالنصيحة والملاحظة القيمة ولا يتركهم فيما هم عليه ويقول أنا ما علي هذا على الهيئة أو على فلان أو علان: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ هذا من الأمانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمانة في ذمتك، تقوم بما تستطيع منها وتبرئ ذمتك.
فعليك أن تتقي الله في كل مجال وفي كل تصرف وفي كل عبادة تعبد الله بها أن تتقي الله حق التقوى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فمن اتقى الله حسب استطاعته ومقدرته فقد اتقى الله حق تقاته، وإلا فتقوا الله حق تقاته لا يطيقها أحد إلا الأفراد الخواص من الناس؛ لكن إذا اتقى الله حسب استطاعته فقد أدى ما عليه.
فاتقوا الله، عباد الله، في كل أموركم، راقبوا الله سبحانه وتعالى في كل تصرفاتكم.
اتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في أولادكم وفي بيوتكم اتقوا الله في نساءكم، اتقوا الله في تجارتكم ومكاسبكم، اتقوا الله في كل تقلباتكم وتصرفاتكم فإنكم مسئولون أمام الله سبحانه وتعالى ومحاسبون ومجزيون إن أهملت فلست بمهمل.
فتقي الله في نفسك، واتقي الله في كل ما أمرت أن تتقيه وتتجنبه، تتجنب المحرمات هذا توقيها، وتفعل الواجبات وتؤديها هذه تقوى الله في الأعمال.
تتقي الله في كل شؤون حياتك، وفي كل ما ولاك الله عليك،
(وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) اتقوا الله في اجتناب ما يدخلكم النار، تجنبوه فإن النار محفوفة بالشهوات والجنة محفوفة بالمكارة، لن تحصلوا على الجنة إلا بتقوى الله أعدت للمتقين والنار أعدت للكافرين وهي محفوفة بالشهوات، والجنة محفوفة بالمكارة.
فعليك أن تتقي الله في طلب الجنة وإنجاء نفسك من النار أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)، بارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان