إمام أهل السنة: أحمد بن حنبل
الشيخ صلاح نجيب الدق
الاسم والنسب:
هو: أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس الشيباني، أحد الأئمة الأعلام.
كنيته: أبو عبدالله؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ 178).
ميلاد الإمام أحمد:
وُلِد أحمد بن حنبل في ربيع الأول في بغداد سنة أربع وستين ومائة، ومات والده شابًّا، له نحو من ثلاثين سنة، وعاش أحمد يتيمًا، وقامت أمُّه على تربيته؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ 179).
زوجات الإمام أحمد وأولاده:
لم يتزوج أحمدُ إلا بعد سن الأربعين، تزوج أولًا بامرأة تسمى عباسة بنت الفضل، فلم يولد له منها سوى صالح، وعاشت معه عشرين سنة، ثم توفيت، ثم تزوج بعدها ريحانة، فما ولدَتْ له سوى عبدالله، وعاشت معه سبع سنوات، ولما توفيت أم عبدالله اشترى أحمد جارية تسمى حُسْن، فولدت له أمَّ عليٍّ زينبَ، والحسن والحسين توءمًا، وماتا بالقرب من ولادتهما، ثم ولدت الحسن ومحمدًا، فعاشا نحو الأربعين يومًا، ثم ولدت بعدهما سعيدًا قبل موت الإمام أحمد بخمسين يومًا، فكبِرَ سعيد وتفقه، ومات قبل أخيه عبدالله؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ 333: 332).
حسن مظهر الإمام أحمد:
قال عبدالملك بن عبدالحميد الميموني: ما أعلم أني رأيت أحدًا أنظفَ ثوبًا ولا أشد تعاهدًا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ولا أنقى ثوبًا وأشده بياضًا من أحمد بن حنبل؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي جـ 2 صـ 340).
طلب الإمام أحمد للعلم:
طلب الإمام أحمد العلم وهو ابن خمس عشرة سنةً، وطاف في البلاد، وسمِع من علماء عصره، وكانوا يجلُّونه ويحترمونه في حال سماعه منهم؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ 181).
سَعة حفظ الإمام أحمد:
1) قال عبدالله بن أحمد: قال لي أبو زرعة: أبوك يحفظ ألفَ ألفِ حديث.
فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرتُه، فأخذتُ عليه الأبواب.
قال الإمام الذهبي: هذه حكاية صحيحةٌ في سَعة علم أبي عبدالله، وكانوا يعُدُّون في ذلك المكرَّر، والأثر، وفتوى التابعي، وما فسر، ونحو ذلك.
وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عُشْرَ مِعشار ذلك؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ 187).
2) قال عبدالله بن أحمد: قال لي أبي: خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع من المصنف، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك أنا بالكلام؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ 186).
3) قال عليُّ بن المديني: ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد، وبلغني أنه لا يحدِّث إلا من كتاب، ولنا فيه أسوة؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ 200).
4) قال أبو زرعة: حزرت كتب أحمد يوم مات، فبلغت اثني عشر حملًا وعدلًا، ما كان على ظهر كتاب منها: حديث فلان، ولا في بطنه: حدثنا فلان، كل ذلك كان يحفظه؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ 188: 187).
5) قال عبدالله بن أحمد: كتب أبي عن القاضي أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني (صاحبا أبي حنيفة) الكتب، وكان يحفظها؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ 306).
مؤلَّفات الإمام أحمد:
كتاب العلل، وكتاب الناسخ والمنسوخ، وكتاب الزهد، وكتاب المسائل، وكتاب الفضائل، وكتاب الفرائض، وكتاب المناسك، وكتاب الإيمان، وكتاب الأشربة، وكتاب طاعة الرسول، وكتاب الرد على الجهمية، والمسنَد؛ (الفهرست لابن النديم صـ 281).
مسند الإمام أحمد:
أولًا: معنى المسند: هو الكتاب الذي يجمع أحاديث كل صحابي على حدة، سواء كان هذا الحديث صحيحًا أو حسنًا أو ضعيفًا، بصرف النظر عن موضوع الأحاديث.
بدأ الإمام أحمد في تأليف المسند بعد عودته من رحلته لشيخه عبدالرزاق بن همام عالم اليمن عام مائتين من الهجرة، كان الإمام أحمد في السادسة والثلاثين من عمره، ويحتوي المسند على نحو من ثلاثين ألف حديث، رواها الإمام أحمد عن مائتين وثلاث وثمانين شيخًا.
قال حنبل بن إسحاق: جمعنا أحمد بن حنبل أنا وصالح وعبدالله، وقرأ علينا (المسند)، ما سمعه غيرنا.
وقال: هذا الكتاب جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفًا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه، وإلا فليس بحجة؛ (سير أعلام النبلاء جـ 11 صـ 329).
فائدة هامة:
ليس المقصود من هذه الآلاف الكثيرة من الأحاديث أنها أحاديث مختلفة، وإنما هي أطراف متعددة للأحاديث؛ فقد يروى الحديث الواحد بعشَرات الأسانيد، فيختار منها عالم الحديث، كالإمام أحمد، أو البخاري، أو مسلم، وغيرهم، أصحها، ويترك الأحاديث الضعيفة، وفي هذه الألوف أيضًا آثار الصحابة والتابعين وغيرهم، فقد كان علماء الحديث يروونها بالأسانيد، ويعُدونها كالأحاديث.
عبادةُ الإمامِ أحمد:
1) قال الإمام أحمد: حججتُ خمس حجج؛ منها ثلاث راجلًا، أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهمًا، قال: وقد ضللت في بعض هذه الحجج عن الطريق وأنا ماشٍ، فجعلت أقول: يا عباد الله، دلُّوني على الطريق، فلم أزَلْ أقول ذلك حتى وقفت على الطريق؛ (البداية والنهاية لابن كثير جـ 10 صـ 340).
2) قال عبدالله بن أحمد: كان أبي أصبرَ الناس على الوَحدة، لم يره أحد إلا في مسجد، أو حضور جنازة، أو عيادة مريض، وكان يكرَه المشي في الأسواق، وكان أبي يصلِّي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلِّي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة، وقد كان قرب من الثمانين، وكان يقرأ في كل يوم سُبُعًا، يختم في سبعة أيام، وكانت له ختمة في كل سبع ليال، سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي جـ 2 صـ 349: 348).
3) قال صالح بن الإمام أحمد: كان أبي يصوم ويُدمِن، ثم يُفطر ما شاء الله، ولا يترك صوم الاثنين والخميس وأيام البِيض، فلما رجع من العسكر، أدمن الصوم إلى أن مات؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ: 223).
4) قال أبو بكر المروذي: رأيت أبا عبدالله يقوم لورده قريبًا من نصف الليل حتى يقارب السَّحَر، ورأيته يركع فيما بين المغرب والعشاء؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ 223).
قال أبو بكر المروذي أيضًا: كنت مع أبي عبدالله نحوًا من أربعة أشهر بالعسكر لا يدع قيام الليل وقراءة النهار، فما علِمتُ بختمة ختمها، كان يسرُّ ذلك؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي جـ 2 صـ 339).
أخلاق الإمام أحمد:
(1) قال أبو بكر المروذي: كان أبو عبدالله لا يجهل، وإن جُهِل عليه، حَلَمَ واحتمل، ويقول: يكفي الله.
ولم يكن بالحقود ولا العجول، كثير التواضع، حسن الخُلق، دائم البِشر، ليِّن الجانب، ليس بفظٍّ، وكان يحب في الله، ويُبغض في الله، وإذا كان في أمر من الدين، اشتد له غضبه، وكان يحتمل الأذى من الجيران؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ: 221: 220).
(2) قال إسماعيل بن علية: كان يجتمع في مجلس أحمد نحو خمسة آلاف - أو يزيدون، نحو خمسمائة - يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ: 316).
(3) قال أبو بكر بن المطوعي: اختلفت إلى أبي عبدالله ثنتي عشرة سنةً، وهو يقرأ (المسند) على أولاده، فما كتبت عنه حديثًا واحدًا، إنما كنت أنظر إلى هَدْيه وأخلاقه؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ: 316).
(4) روى ابن المنادي عن جده أبي جعفر، قال: كان أحمد من أحيا الناس وأكرمهم، وأحسنهم عِشرةً وأدبًا، كثير الإطراق، لا يسمع منه إلا المذاكرة للحديث، وذكر الصالحين في وقار وسكون، ولفظ حسن، وإذا لقيه إنسان بشَّ به، وأقبل عليه، وكان يتواضع للشيوخ شديدًا، وكانوا يعظمونه، وكان يفعل بيحيى بن معين ما لم أره يعمل بغيره من التواضع والتكريم والتبجيل، كان يحيى أكبر منه بسبع سنين؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ: 317: 316).
وفاء الإمام أحمد لشيوخه:
(1) قال القاضي محمد بن محمد بن إدريس الشافعي: قال لي أحمد: أبوك أحد الستة الذين أدعو لهم سَحَرًا؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ: 227).
هيبة الإمام أحمد:
قال أبو عبيدٍ القاسمُ بن سلام: جالست أبا يوسف ومحمد بن الحسن ويحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن مهدي، فما هِبْتُ أحدًا منهم ما هِبْتُ أحمد بن حنبل، ولقد دخلت عليه في السجن لأسلم عليه، فسألني رجل عن مسألة، فلم أُجِبْه هيبةً له؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي جـ 2 صـ 339).
جهاد الإمام أحمد:
قال عبدالله بن أحمد: خرج أبي إلى طرسوس، ورابط بها، وغزا.
ثم قال أبي: رأيت العلم بها يموت؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ: 311).
كرامات الإمام أحمد:
(1) قال علي بن أبي فزارة: كانت أمي مُقعَدة (مشلولة) نحو عشرين سنة، فقالت لي يومًا: اذهب إلى أحمد بن حنبل فسَلْه أن يدعوَ الله لي، فمضيت فدققت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: رجل من أهل ذلك الجانب، سألتني أمي وهي كبيرة السن مُقعَدة، أن أسألك أن تدعو الله لها، فسمعتُ كلامه كلام رجل مغضَب، وقال: نحن أحوج أن تدعو الله لنا، فوليت منصرفًا، فخرجَتْ عجوز من داره، فقالت: أنتَ الذي كلمت أبا عبدالله؟ قلت: نعم، قالت: قد تركتُه يدعو الله لها، قال: فجئتُ من فوري إلى البيت، فدققت الباب، فخرجت على رجليها تمشي حتى فتحت لي الباب، وقالت: قد وهَب اللهُ لي العافية؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي جـ 2 صـ 350: 349).
(2) قال الإمام أحمد بن حنبل: تبيَّنت الإجابة في دعوتين: دعوت الله ألا يجمعَ بيني وبين المأمون، ودعوته ألا أرى المتوكل؛ فلم أرَ المأمون، مات بالبذندون (قرية)، وبقي أحمد محبوسًا بالرقة حتى بويع المعتصم إثر موت أخيه، فرد أحمد إلى بغداد، وأما المتوكل فإنه نوَّه بذكر الإمام أحمد، والتمس الاجتماع به، فلما أن حضر أحمدُ دار الخلافة بسامراء ليحدث ولد المتوكل ويبرك عليه، جلس له المتوكل في طاقة، حتى نظر هو وأمه منها إلى أحمد، ولم يرَه أحمد؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ 242: 241).
الإمام أحمد يرفض تولية القضاء:
قال الشافعي لأحمد بن حنبل: إن أمير المؤمنين - يعني محمدًا - سألني أن ألتمس له قاضيًا لليمن، وأنت تحب الخروج إلى عبدالرزاق، فقد نلت حاجتك، وتقضي بالحق.
فقال للشافعي: يا أبا عبدالله، إن سمعتُ هذا منك ثانيةً، لم ترني عندك.
وكان لأحمد بن حنبل ثلاثين سنةً، أو سبعًا وعشرين؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11 صـ 224).
يتبع