العلامة السلفي محمد نذير حسين الدهلوي
العلامة المحدث السلفي
محمد نذير حسين الدهلوي
(1220-1320هـ)
هو الإمامُ العلامة الجليل، مجددُ وناشر السنَّة في الديار الهندية، بل شيخُ الحديث في عصره، ورئيسُ العلماء المحققين في وقته، أحدُ من اجتمعت فيه خصال الخير.
اسمه ونسبه ومولده:
هو محمد نذير حسين بن جواد علي بن عظمة الله بن إله بخش بن محمد الرضوي الحسيني البِهاري ثم الدِّهْلَوي، وبين المترجَم وبين الحسين بن علي رضي الله عنهما ثلاثون أباً، وكذلك العدد من جهة أمه، كما ساقه تلميذُه فضل حسين في كتابه "الحياة بعد الممات".
وُلد رحمه الله في سورج كره بولاية بِهار شرقي الهند سنة 1220 على الصحيح، ونشأ فيها، وقرأ القرآن، وأخذ مبادئ العلم والكتابة في بلدته ونواحيها.
رحلته في الطلب وشيوخه:
ارتحل المترجَم لطلب العلم سنة 1236 إلى عظيم آباد (بتنه)، فأخذ عن المجاهدَين الشهيرَين إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي السلفي صاحب "تقوية الإيمان"، وأحمد بن عرفان، الملقب كل منهما بالشهيد، وكذا أخذ عن عبد الحي بن هبة الله البدهانوي.
ثم عرَّج على غازي فور، وبَنارس، ووصل مدينة إله آباد، وقرأ على أعيان علمائها المختصرات في فنون شتى، مثل: مراح الأرواح، والزنجاني، ونقود الصرف، والجزولي، وشرح مئة عامل، وهداية النحو، وغير ذلك.
ثم ارتحل إلى عاصمة السلطنة الإسلامية دِهْلي سنة اثنتين - وقيل ثلاث - وأربعين، فوجد عالمها الشاه عبد العزيز بن ولي الله قد توفي، وكان مقصودَه في الرحلة أساساً، فأقام بالمسجد الأورنك آبادي، وقرأ الكتب الدراسية المتداولة على العلماء، ومن ذلك: الكافية، وشرح الشمسية، ونور الأنوار، والحسامي، ومختصر المعاني، وشرح الوقاية، قرأها على الشيخ عبد الخالق الدهلوي.
وقرأ الأصول الكبرى، وشرح الكافية للجامي، مع حاشيته لعبد الغفور، والزواهد الثلاثة، والشمس البازغة على شير محمد القندهاري.
وقرأ شرح السلَّم لحمد الله، وشرح القاضي مبارك، وشرح المطالع، على الفلسفي المتبحر المولوي جلال الدين الهروي.
وقرأ المطول، والتوضيح والتلويح، ومسلَّم الثبوت، وتفسير البيضاوي، وتفسير الكشاف إلى سورة النساء؛ على كرامة علي الإسرائيلي مؤلف "السيرة الأحمدية".
وقرأ خلاصة الحساب والقوشجي لبهاء الدين الآملي، وتشريح الأفلاك، وشرح الجغميني، على مهندس عصره المولوي محمد بخش الشهير بتربيت خان.
وقرأ مقامات الحريري والحميدي وشيئا من ديوان المتنبي؛ على عبد القادر الرامفوري.
وفرغ من الدراسة المذكورة في خمس سنين، وبرع في العلم.
بعد ذلك لازَمَ محدِّثَ عصره الشاه محمد إسحاق الدهلوي السلفي ملازمة تامة ثلاثة عشر عاماً، قرأ عليه أمَّات كتب الحديث كاملةً قراءةَ رواية ودراية وضبط وتحقيق، كالكتب الستة، والموطأ، والمشكاة، وغيرها كثير، كالجامع الصغير، وكنز العمال، وتفسير البيضاوي، وتفسير الجلالين، والأَمَم للكُوراني، وبعض رسائل الشاه ولي الله، كالمسلسلات وغيرها.
وكان المترجَم أخصَّ تلامذة شيخه المذكور، وأخذ عنه ما لم يأخذه غيرُه، وبه تخرَّج، وهو الذي تولى عقد قران المترجم على ابنة شيخه عبد الخالق الدهلوي سنة 1246، وكان يجعله يفتي ويقضي بين الناس بحضرته، ويمتحنه كثيراً بالمشكلات ويجيبه، وأجازه غير مرة، ثم استخلفه على مسند تدريسه لما ارتحل للحجاز سنة 1258 وأعاد كتابة الإجازة له، ولُقِّب نذير حسين بميان صاحب، وهو لقب علماء أسرة الشاه ولي الله الدهلوي.
والشيخ محمد إسحاق أخذ بالقراءة والسماع والإجازة عن جده لأمه الشاه عبد العزيز الدهلوي، وهو كذلك عن أبيه الشاه ولي الله الدهلوي صاحب "حجة الله البالغة"، وأسانيده مشهورة مبسوطة.
عودة لشيوخ نذير حسين:
ذكر تلميذُه العلامة الخانفوري في ثبته "الجوائز والصلات" (مخطوط) أن شيخه يروي عن ثمانية شيوخ بالإجازة الخاصة، وأربعة بالعامة لأهل العصر، ويهمنا القسم الأول، وهم:
1- الشاه محمد إسحاق، بروايته عن جده كما سبق، وعن عمر بن عبد الكريم العطار المكي.
2- شير محمد القندهاري، عن عبد القادر الدهلوي، عن أبيه ولي الله.
3- محمد بخش.
4- كرامت علي الإسرائيلي، كلاهما عن محمد رفيع الدين، عن ولي الله الدهلوي.
5- عبد الخالق الدهلوي، عن محمد إسحاق.
6- جلال الدين الهراني.
7- عبد القادر الرامفوري، ولم يذكر شيوخهما.
8- محمد إسماعيل الشهيد، عن أبيه عبد الغني، وعمه عبد العزيز كلاهما عن أبيهما ولي الله.
وأما شيوخ الإجازة العامة لأهل العصر فذكر عبد الرحمن الأهدل، وعبد الرحمن الكزبري، ومحمد عابد السندي، وعبد اللطيف بن فتح الله البيروتي.
فهذا ما وقفتُ عليه من أسامي شيوخه، وقد كان المترجَم غالبا ما يقتصر في إجازته على عمدته الشاه محمد إسحاق لإكثاره عنه قراءة وسماعاً، واستغنائه به عن غيره.
الإفادة والتدريس:
تصدَّر المترجَم للتدريس والتذكير والإفتاء مكانَ شيخه الشاه محمد إسحاق، ودرَّس جميع الفنون - ولا سيما الفقه وأصوله - إلى سنة 1270، وكان له ذوقٌ عظيم في الفقه الحنفي كما قال العلامة عبد الحي الحسني الحنفي، وأضاف العلامة العظيم آبادي: كان كلُّ مسائله بين عينيه؛ يأخذُ ما يريد ويدَعُ ما يريد.
ثم غلَب عليه حبُّ القرآن والحديث، فترك الاشتغالَ بما سواهما إلا الفقه.
وكان رحمه الله يدرِّس ليلاً ونهاراً، وكل وقته مقسم ما بين التدريس والإفتاء والعبادة، وكان له مجلس للوعظ بعد صلاة الفجر يحضرُه جمعٌ غفير، واشتُهر بتدريس كتب الحديث رواية ودراية، وكان على نهج السلف أهل الحديث اعتقاداً وعملاً، وآتاه الله قَبُولاً عظيماً، حتى ارتحل إليه الطلبةُ من سائر أنحاء الهند، بل تعدى صيتُه إلى ديار العرب، فارتحل إليه عددٌ من علمائها، وكثر طلبته بحيث لا يحصيهم إلا الله تعالى، حتى قال تلميذُه العظيم آبادي: "وقد نفع الله تعالى بعلومه خلقَه، وله منَّة عظيمة على خلق الله تعالى، أمَا رأيت كيف أنه أشاع علمَ الحديث، وكيف روَّج علم السُّنن، وما ترى من آثار السنَّة النبوية إلا أنها من أنوار فيوضاته - وإن كان غيره من النبلاء الأتقياء المحققين مشاركاً فيها - ليس في بلاد الهند بلدٌ بل ولا قرية إلا بلغت فيضانه، وتلاميذه موجودة فيها، يروون الأحاديث، وبروِّجون السنن، ويطهِّرون الناس عن اعتقاد الشركيات والبدعيات والمنكرات والمُحْدَثات، والله يتم نوره ولو كره الكارهون، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وليس انحصارُ تلاميذه ببلاد الهند، بل انتشرت تلاميذُه في الآفاق من العرب والعجم والهند..".
هذا قوله قبل وفاة شيخه بستة عشر عاماً، وبقي يدرِّس إلى وفاته، وقال العلامة عبد الحي الحسني: "وأما تلاميذه فعلى طبقات؛ فمنهم العالمون الناقدون المعروفون، فلعلهم يبلغون إلى ألف نفس، ومنهم المقاربون بالطبقة الأولى في بعض الأوصاف، ومنهم من يلي الطبقة الثانية، وأهل هاتين الطبقتين يبلغون إلى الآلاف... وخلق لا يُحصون".
قلت: وقد أحصى القائمون على مدرسة الشيخ[1] الطلبةَ الذين سكنوها في مدة سبع سنوات، فبلغوا اثني عشر ألفاً، هذا سوى الذين كانوا يحضرون ولا يقيمون في المدرسة!
ولهذا أقول: ما علمتُ عالماً تخرَّج عليه عددٌ يضاهي من تخرج على يدي المترجم، وقد درَّس بضعاً وستين سنة.
ونظراً لكثرة تلاميذه، وطول مدة تدريسه لُقِّب بشيخ الكل في الكل، أي: شيخ كل العلماء في كل العلوم.
وكان إلى جانب تدريسه العلمي يربي سلوكيّاً وعمليّاً بسَمْته وهديه، وله قصص ومواقف ذات عبرة، منها ما رواه الكاتب الشهير غلام رسول مهر في كتابه "يوميات رحلة إلى الحجاز" (ص37 الترجمة العربية، طبع دارة الملك عبد العزيز) عن رفيقه الحافظ محمد صدِّيق الملتاني أحد تلامذة المترجَم، قال: "ذات يوم في المساء هطلت أمطارٌ غزيرة، وامتلأت الأسواقُ والشوارع بالمياه، كان الفصلُ فصلَ الشتاء، وكان العالِمُ الجليل قد رجَع إلى بيته بعد صلاة المغرب، إلا أن جميع الطلبة ظلوا في داخل المسجد، ولم يستطيعوا تدبير أمر الطعام، واستمر المطر يَهْطِلُ حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً، وسمع من في المسجد طَرَقات على باب المسجد، ولما فتحوا الباب وجدوا العالم الجليل ميان نذير حسين واقفاً وقد حمل جميع ما في بيته من طعام حتى لا يموت الطلابُ جوعاً، الله أكبر! أين نجد اليوم مثل هؤلاء العلماء الأجلاء"[2]؟
أشهر تلاميذه:
يحار الكاتب في الاختيار بين تلامذته الكبار، ولكن أقتصر على بعضهم، فمنهم: ابنه شريف حسين المتوفى في حياة والده، وعبد الله الغزنوي، وأبناؤه محمد وعبد الجبار وعبد الواحد وعبد الله، ومحمد بشير السهسواني، وعبد المنان الوزير آبادي، ومحمد حسين البتالوي، وعبد الله الغازيفوري، وشمس الحق العظيم آبادي، وعبد الرحمن المباركفوري، وأحمد الله البرتابكرهي ثم الدهلوي، وعبد السلام المباركفوري، وأبو المكارم محمد علي المووي، وأحمد بن حسام الدين المووي، وأبو القاسم البنارسي، وثناء الله الأمرتسري، ومحمد نعمان الأعظمي، ويوسف الخانفوري - وهو أحد من نشر علم الحديث في العراق - وأبو سعيد شرف الدين البنجابي.
ومن بلاد العرب: إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ، وسعد بن حمد بن عتيق، وعلي بن ناصر أبو وادي، وفوزان السابق، وأبو بكر خوقير، وعبد الله بن إدريس السنوسي المغربي، وغيرهم كثير.
وقد سرد تلميذه فضل حسين آخرَ كتابه "الحياة بعد الممات" أسامي خمس مئة عالم من تلامذته.
محنته بسبب دعوته للسنَّة:
نظراً لما كان عليه المترجَم من اتِّباع ودعوة لمنهج السلف، واشتهار وكثرة في التلاميذ، فقد أصابه ما أصاب غيره من المصلحين، فأوذي وعودي من المخالفين والمتعصبة (وما أكثرَهم هناك!) والحاسدين، وابتُلي في ذات الله غير مرة، واستطال عليه أعداؤه استعانة بالمحتل الإنكليزي! -كما فعلوا مع العلامة صدِّيق حسن خان - واتهموه بالخروج على الولاة والاعتزال عن السنَّة، فسجنه الإنكليز سنة 1280 تقريباً في روالبندي سنةً كاملة، ولما أُطلق رجع إلى التدريس والإفادة كعادته، ولما حج سنة 1300 سبقه كيد أعدائه وسعيهم عند والي مكة واتهموه بما هو بريء منه، فسجنه، وأراد به سوءاً، ثم أطلقه.
ويقول العلامة عبد الحي الحسني الحنفي: "ثم إنه لما عاد إلى الهند بدَّعوه وكفَّروه، كما كفَّر الناسُ في الزمان السالف كبارَ العلماء من الأئمة المجتهدين، والله سبحانه وتعالى مجازيهم في ذلك، فإن الشيخ كان آية ظاهرة، ونعمة باهرة من الله سبحانه في التقوى والديانة، والزهد والعلم والعمل، والقناعة والعفاف، والتوكل والاستغناء عن الناس، والصدق وقول الحق، والخشية من الله – سبحانه -، والمحبة له ولرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - اتفق الناس ممن رزقه الله سبحانه حظاً من علم القرآن والحديث على جلالته في ذلك"، وقال العلامة العظيم آبادي: "امتُحن وأوذي مرات، وكم من حاسد افترَوا عليه بالأباطيل والأكاذيب، وكم من معاند له تقوَّلوا عليه بما لم يقل به، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون، لكن هو لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يخاف إلا الله".
قلت: وكان من صنيع المتعصبة أن صدُّوا كثيراً من طلبة العلم عن تعلم الحديث، ومن عباراتهم: "إن الطالب إذا قرأ الحديث في دهلي يتزلزل ذهنه ويميل إلى ترك ما كان عليه السلف (!) من تقليد أحد الأئمة ويسيء الظن بالأئمة المجتهدين"[3]!! فضلاً عن التكفير والتضليل والعياذ بالله، أما هو فكان حليماً صبوراً، لا يحسُد ولا يحقِد على أحد، رحمه الله تعالى.
مؤلفاته:
قال عبد الحي الحسني: "ولم يكن للسيد نذير حسين كثرةُ اشتغال بتأليف، ولو أراد ذلك لكان له في الحديث ما لا يقدر عليه غيرُه، وله رسائل عديدة.. وأما الفتاوى المتفرقة التي شاعت في البلاد فلا تكاد أن تحصر، وظني أنها لو جمعت لبلغت إلى مجلدات ضخام".
وقال العظيم آبادي: "أما مؤلفاته التي هي موسومة بأساميها فلم نرَ منها إلا "معيار الحق"، وهذا كتاب لم يؤلَّف مثله في بابه، و"واقعة الفتوى ودافعة البلوى"، و"ثبوت الحق الحقيق"، و"رسالة في تحلي النساء بالذهب"، و"المسائل الأربعة"، وكلها بالهندية، و"فَلاح الولي باتباع النبي"، ومجموعة بعض الفتاوى، وهاتان الرسالتان بالفارسية، و"رسالة في إبطال عمل المولد" بالعربية، أما الفتاوى المتفرقة التي شاعت في البلاد والقرى وانتفع بها خلق الله فكثيرة، ما بين مطوَّل ومتوسط ومختصر، بالألسنة الثلاثة المذكورة، يعسر عدُّها، وظني أنها لو جمعت لبلغت إلى مجلدات ضخام، وإن سُمِّيت فتاواه على نمط رسائل الحافظ السيوطي وجُعلت رسائل مستقلة في كل باب بلغت إلى مئتين".
وقال شيخي الدكتور عبد الرحمن الفريوائي في كتابه "جهود مخلصة" (ص105): "رَتَّب بعض تلاميذه فتاواه في جزأين كبيرين باسم الفتاوى النذيرية، ولو رتب أبحاثه وفتاواه كلها لكانت في مجلدات ضخام، وله كتاب جليل في مباحث الاجتهاد والتقليد "معيار الحق"، وقد ذكر مؤلف "الحياة بعد الممات" سبعة ثلاثين بحثاً أو كتاباً له".
قلت: وللأسف الشديد فإن هذه الرسائل طبعت قديماً ولم تجدَّد، وقد مضى على وفاة هذا الإمام قرن وزيادة، ومن واجب علماء تلك البلاد إعادةُ إحياء تراثه وإخراجه من جديد .
من ثناء العلماء عليه:
قال عنه العلامة المتفنن صِدّيق حَسَن خان القِنَّوجي: ((شيخُ الإسلام، ومركزُ علوم الاستجازة والإجازة، والعالمُ الخبيرُ حقيقةَ ذلك ومَجازَه، ومن المثل السائر: لا يُفتى ومالكٌ في المدينة، ولا يسند والحاكم ببغداد)). (الحياة بعد الممات ص303).
وقال العلامة المحدّث حسين بن مُحْسِن الأنصاري اليماني: ((إن الذي أعلمه وأعتقده وأتحققه في مولانا السيد الإمام، والفرد الهمام: نَذير حسين الدِّهْلَوي أنه فَرْدُ زمانه، ومُسنِدُ وقته وأوانه، ومن أجلِّ علماء العصر، بل لا ثاني له في إقليم الهند في علمه وحلمه وتقواه، وأنه من الهادين والمُرْشِدين إلى العمل بالكتاب والسنة والمعلِّمين لهما، بل أجلُّ علماء هذا العصر المحققين في أرض الهند أكثرُهم من تلاميذه، وعقيدتُه موافقةٌ لعقيدة السَّلَف؛ الموافقة للكتاب والسنّة، وفي رؤية الشمس ما يغنيك عن زحل..)) الخ. (الحياة بعد الممات ص310).
وقال العلامة القاضي المؤرِّخ الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى النَّجْدي - رحمه الله تعالى - في رسالة بتاريخ 5 من ربيع الأول 1312: ((حضرة العالم العلامة، المحدّث الفهامة، قدوة أهل الاستقامة: السيد محمد نَذير حسين)). (الحياة بعد الممات ص298).
وقال المحدّث العلامة الشيخ شمسُ الحقّ العَظيم آبادي عن نَذير حسين في "غاية المقصود شرح سنن أبي داود" (1/54-55): ((وإني صاحبْتُه ولازمتُه قريباً من ثلاث سنين، واستفضتُ منه فيوضاً كثيرة، ووجدته إماماً في التفسير والحديث والفقه، عاملاً بما فيها، حَسَن العقيدة، ملازماً لتدريس القرآن والحديث ليلاً ونهاراً، كثير الصلاة والتلاوة والتخشع والبكاء، حسن الخُلُق، كثير التودد، لا يحسد ولا يحقد، منكسر النفس، ولم أر في زمننا من أ هل العلم أكثر عبادة منه، وكان يطيل الصلاة جدا، ويمدّ ركوعها وسجودها، وكان يعظ الناس كل يوم بعد صلاة الصبح بالمسجد، ويجتمع في مجلسه خَلق كثير، ولو حلفت بين الركن والمقام أني ما رأيتُ بعيني مثله ولا رأى هو مثلَ نفسه في العلم والعبادة والزهد والصبر والكرم والخُلق والحلم، ما حنثت، وليس هو بالمعصوم، ولكن لم أرَ في معناه مثله، شيخ الإسلام، مفتي الأنام، محدّث العصر، فقيه الدهر، رئيس الأتقياء، قدوة النجباء، الإمام الأجل الأكرم، شيخ العرب والعجم، عمدة المفسرين، زبدة الناسكين، ذو الكرامات الظاهرة والمقامات الفاخرة)).
وقال أيضاً (1/57): ((قال بعضُ أفاضل العَصْر وأماثل الدَّهر [في الحاشية: هو المولوي وَحيد الزمان] في ترجمته للعقيدة الصابونية: (إنَّ من علامات أهل السنّة أن يُحِبَّ أهلَ الحديث وناصِريهم، كالأئمة الستّة، والأئمة الأربعة، وغيرهم من متقدميهم ومتأخريهم - وعدَّ أسماء بعضهم، وقال في آخره -: ومنهم شيخُ الهند حضرة سيدي مولانا نَذير حسين الدِّهْلَوي). فوالله نِعْمَ ما قال هذا الفاضل الصالح، وإني أقول: إن حُبَّه من علامات أهل السنّة، وإنه لا يبغضه إلا مبتدعٌ معاند للحق)).
وترجمته في هذا الكتاب حافلة (1/51-67)، وقد ألَّفه في حياة شيخه.
وقال أيضاً في عون المعبود - الذي ألّفه في حياة شيخه أيضاً - عند ذكره للمجدِّدين عبر القرون (11/266 ط. العلمية): ((وعلى رأس الثالثة عشرة شيخُنا العلاَّمة النبيل، والفهّامة الجليل، نِبْراسُ العلماء الأعلام، سامي المجد الأثيل والمقام، ذو القدر المحمود، والفخر المشهود، حَسَنُ الاسم والصفات، ربُّ الفضائل والمَكْرُمات، المحدِّث الفقيه المفسِّر، التقيُّ الوَرِعُ النَّبيه، الشيخ الأكمل الأسعد، السيِّد الأجلُّ الأمجد، رُحْلةُ الآفاق، شيخُ العَرَب والعَجَم بالاتفاق، صاحبُ كمالات الباطن والظاهر، مُلْحِقُ الأصاغر بالأكابر، شيخُنا وبركتنا، السيد نَذير حسين، جعله الله تعالى ممن يُؤتَى أَجْرَه مرَّتين، ولا زالت أنوارُ معارفه مدى الأيام لامعة، وشموسُ عوارفه في فَلَكِ المعالي ساطعة، وحماه الله من حوادث الأزمان ونَكَباتها، وأعزَّ محله في الجنان بأعلى درجاتها)).
ولا يأتي ذكرُه في عون المعبود إلا مقروناً بالتبجيل والثناء، ومنه قوله (1/124): ((إمامُ عَصْرِه، وأستاذ دَهْرِه، العلاَّمة المحدِّث الفقيه المفسِّر، شيخنا ومعلِّمنا السيد محمد نَذير حسين الدِّهْلَوي)).
وقوله (1/220): ((سمعتُ شيخنا العلامة المحدِّث الفقيه سلطان العلماء السيد محمد نَذير حسين أدام الله بركاته علينا يَقول به)).
وقال أيضاً في التعليق المُغْني على سنن الدّارَقُطْني (1/11): ((قرأتُ بعض السنن على رئيس المحدِّثين في عصره، عمدة المحققين في دهره، مُسْنِدِ الوقت، شيخِ الإسلام، جمال الملة والدين، السيد محمد نَذير حسين الدِّهْلَوي..)).
وقال أيضاً (4/49): ((.. واختيار شيخنا العلامة الرُّحْلة، إمام عصره، فريد دهره، السيد محمد نَذير حسين المحدث الدِّهْلَوي، أدام الله بركاته علينا)).
وقال أيضاً في "الوجازة في الإجازة" (ص28) معدداً شيوخه: ((أوَّلُهم وأَشْرَفُهم وأقدَمُهم: السيّد العلاَّمة، زَيْنُ أهل الاستقامة، المحدِّث، المفسِّر، الفقيه، الكامل، النَّبيه، الوَرِعُ، الزاهد، مُلْحِقُ الأحفاد بالأجداد، الذي لم تَرَ مثلَه العُيون، ومُلئت المشارق والمغارب بتلاميذه، الإمامُ الهمام.. السيد محمد نَذير حسين، جعله الله ممن يُؤتَى أَجْرَه مَرَّتين)).
وقال مؤرِّخ الهند العلامة عبد الحي الحَسَني - والد مجيزنا العلاَّمة أبي الحسن النَّدْوي - في "نزهة الخواطر" (8/523-527): ((شيخنا السيد نَذير حُسين الدِّهْلَوي، الشيخ الإمام العالم الكبير المحدِّث العلاَّمة.. المتفق على جلالته ونَبالته في العلم والحديث.. انتهت إليه رئاسةُ الحديث في بلاد الهند، وكان رحمه الله ممن أوذي في ذات الله سبحانه غير مرة.. كان آيةً ظاهرة، ونعمةً باهرة من الله سبحانه في التقوى والدِّيانة، والزُّهد والعِلْم والعَمَل، والقناعة والعفاف، والتوكل والاستغناء عن الناس، والصِّدق وقول الحق، والخشية من الله سبحانه، والمحبة له ولرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - اتفق الناس - ممن رزقه الله سبحانه حظًّا من علم القرآن والحديث - على جلالته في ذلك.. ولم يكن للسيد نَذير حُسين كثرةُ اشتغال بتأليف، ولو أراد ذلك لكان له في الحديث ما لا يَقدر عليه غيرُه.. وأما تلامذته فعلى طبقات، فمنهم العالمون الناقدون المعروفون، فلعلهم يبلغون إلى ألف نفس، ومنهم المقاربون بالطبقة الأولى في بعض الأوصاف، ومنهم من يلي الطبقة الثانية، وأهل هاتين الطبقتين يبلغون إلى الآلاف)). وترجَمَه ترجمةً حافلة.
وقال العلامة الشيخ أبو بكر خُوقِير المَكّي في ثَبْت الأثبات الشهيرة (ص37 الغفيلي، ص55 حاتم العوني): ((شيخنا السيد نَذير حسين عالم دِهْلي المُحَدِّثُ الشهير)).
وقال تلميذه الشيخ سعد بن حَمَد بن عتيق رحمه الله تعالى: ((وممن حضرتُ عليهم؛ وسمعتُ منهم؛ وأخذتُ عنهم من العلماء الأعلام المحدِّثين الكرام: الشيخُ الفاضل النِّحرير، والعالِمُ الكامل الشهير، حاملُ لواء أهل الحديث بلا نزاع، وحليةُ أهل الدِّراية والرواية والسماع: السيد نَذير حسين الدِّهْلَوي، رفع الله درجاته، وبارك في حسناته)). (إجازة الشيخ سعد بن عتيق للشيخ عبد الله العَنْقَري بتحقيقي ص74، ومثله في إجازته للشيخ محمد بن عبد اللطيف ص33، وعنه: إتحاف النُّبلاء بالرواية عن الأعلام الفضلاء ص5).
وقال ابن عَتيق أيضاً: ((العالمُ النِّحرير، الذي ليس له في عصره نَظير، السيد محمد نَذير)). (إجازة لعبد العزيز بن عبد الله بن عبد الوهاب، المذكورة في مقدمة المجموع المفيد من رسائل وفتاوى الشيخ سعد بن حمد بن عتيق ص15).
وقال شيخ السنّة في المغرب العلامة عبد الله بن إدريس السنوسي في إحدى رسائله: "والِدُنا العلامة المحدِّث الفهامة السيد محمد نذير حسين". (الحياة بعد الممات 298)
وقال العلاَّمة المحدِّث الشيخ عبد الرحمن المُبارَكْفُوري في مقدمة "تحفة الأحوذي" (1/52-53 ط.السلفية) عند كلامه على الشاه محمد إسحاق الدِّهْلَوي: ((ثم إنه هاجر إلى مكة المكرمة، واستخلف من هو فَرْدُ زمانه وقُطْبُ أوانه، رُحْلة الآفاق، شيخ العرب والعجم بالاتفاق، المجدِّدُ على رأس المئة الثالثة عشرة، أعني المحدِّث المفسِّر الفقيه شيخنا الأجل السيد: محمد نَذير حسين الدِّهْلَوي؛ في إشاعة العلوم الحديثيَّة، فولي التدريس والإفادة والإفتاء والوعظ والتذكير، ودرَّس الكتب من جميع العلوم المتداولة ثنتي عشرة سنة، ثم غَلَبَ عليه حُبُّ تدريس القرآن والحديث، فترك اشتغاله بما سواهما إلا الفقه، فاشتغل بتدريس هذه العلوم الثلاثة إلى آخر عمره، أي من سنة سبعين بعد الألف ومئتين إلى سنة عشرين بعد الألف وثلاث مئة، فجميع مدة اشتغاله بتدريس هذه العلوم الثلاثة اثنتان وستون سنة، أفاد شيخنا بعلومه ونفع بإفاضته خَلْقاً كثيراً لا يُحصى عددهم، فأنارت بأنوار فيوضه البلاد، وأضاءت بأضواء علومه الأمصار، انتشر تلامذته في جميع أقطار الأرض، من الهند والعرب وغيرهما.
فليس من بلدة ولا قرية إلا وقد بَلَّغ بها نفحاته المِسْكِيَّة، ووَصَّل إليها فوحاته العلمية، سيقت إليه المَطايا؛ وشُدَّتْ نحوه الرِّحال ليُقْتَبس من أنوار معرفته، ويُغترف من بحار علومه، ويُتلقى من مكارم أخلاقه وشمائله، ويُستمسك بمحاسن آدابه وفضائله، فَلَهُ على رقاب الناس مِنَنٌ عظيمة، وأيادٍ جسيمة، أفنى عمره العزيز في إشاعة الدين، وصَرَفَ متاعه ومالَه في نشر العلوم الدينية وترويج السنن السنيّة، لم يوجد مثله في زمانه ولا بعده في عِلْمِه وفضله، وخُلُقه وحِلْمه، وَجُودِه وتواضعه، وكَرَمه وعفوه، وكثرة عبادته لربه، وخشيته له واتقائه، وورعه وزهده، وجميع الخصال الحميدة، والشِّيَم المَرْضِيَّة، والصفات الجميلة، والسِّمات الحسنة.
وصنَّف تصانيفَ مفيدة تشهد له بطول الباع في العلوم والاطلاع على الكتب، وتدلُّ على تبحره، وسعة نظره، وكثرة مطالعته، وجودة حفظه، ودقَّة فهمه، وإصابة فكره، حصل له من الشرف والفضل ما لم يحصل لأحد ممن عاصره، وبلغ من العُلى والرِّفعة ما لم يبلغ غيره من المعاصرين)).
وقال شيخ الحديث في دهلي العلامة الشيخ أحمد الله بن أمير الدِّهْلَوي في إجازته للشيخ عبد الله القَرْعاوي رحمهما الله (ق1/ب): ((أخذتُ قراءة وسماعاً وإجازةً عن مشايخ أجلاء أعلام، وسادة كرام، من أجلِّهم شيخُنا الشريف الإمام الهمام المدقِّق سيدنا نَذير حسين الدِّهْلَوي رحمه الله)).
وقال العلامة المحدث الشيخ يوسف حُسين الهَزارَوي الخانْفُوري الأثري في ثَبْته ((الجوائز والصِّلات في أسانيد الكتب والأثبات)) (ص8): ((شيخنا ومولانا، شيخ الإسلام والمسلمين، رئيس العلماء المحققين، بقيَّة السَّلَف، حُجَّة الخَلَف، مجدد القرن الثاني عشر، معلِّم بني الأسود والأصفر والأحمر، المجتهد المطلق، الحاوي على كل ما جلَّ من العلوم الشريفة وما دقّ، الفارس الأسبق في ميدان البَراعة فلا يُلحق، المحدِّث المفسِّر الحافظ الفقيه الأصوليُّ النَّحْوِيُّ المقرئ، السيد محمد نَذير حسين، الشيخ الإمام العابد الزاهد، الثقةُ الثقةُ الثقةُ، العَدْلُ العدلُ العدلُ، الضابط المُتْقِن، ناصر السنّة، قامع البدعة، سلالة أهل بيت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فِلْذَةُ كَبِدِ البَتول، قُرَّةُ عين أسد الله الغالب أبي الحسن علي بن أبي طالب، عليهم الصلاة والسلام إلى يوم القيامة)).
وقال أيضاً (ص24): ((السيِّد الإمام المجتهد المُطْلَق، المحقق الأسبق في ميدان الإرشاد والتعليم بحيث لا يُلْحَق، شيخنا الحافظ الحجّة محمد نَذير حسين المحدث الدِّهْلَوي)).
وقال أيضاً (ص47): ((شيخُ الإسلام محمد نَذير حسين الدِّهْلَوي، الإمام الحجة الحافظ الضابط)).
وقال (ص49): ((الحافظ الضابط الحجَّة الإمام المجتهد الفقيه الأصوليّ شيخ الإسلام السيد محمد نَذير حسين الدِّهْلَوي المحدِّث)).
وقال الشيخُ العلامة أبو القاسم محمد بن محمد سعيد البَنَارِسي في إجازته للشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ (ص77): ((شيخُ الكُلِّ في الكُلّ، مولانا السيِّد.. فخر المحدِّثين، تاج المُفَسِّرين، شيخنا وسيّدنا محمد نَذير حُسين المحدِّث الدِّهْلَوي)).
وقال الشيخ محمد أبو ذر النِّظامي الهِنْدي نزيل حِمْص في إجازته للشيخ سليمان الصنيع: ((العلامة الفهامة، خاتم المحدثين، محيي السنّة، مولانا الشيخ نذير حسين المحدّث الدِّهْلَوي)).
وقال العلامة الرُّحْلة المؤرّخ عبد الحفيظ الفِهْري الفاسي في "استنزال السَّكينة الرحمانية" (ص27 رقم 19): ((الشيخ نَذير حسين بن جواد علي الرِّضَوي العَظيم آبادي الدِّهْلَوي من أشهر العلماء الأثريين بالهند، ورسائله تدل على تبحُّره في علم الحديث)).
وقال شيخُنا العلاَّمة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عَقيل حفظه الله تعالى: ((الشيخ نَذير حسين إليه المنتهى والمرجع في وقته في الحديث، ونروي عنه من جانبين، من جانب شيخنا أبو وادي، ومن جانب شيخ القرعاوي: أحمد الله)).
وقال أيضاً في مقدمة "النوافح المسكية" (ص6): ((شيخ الحديث والمحدّثين في عصره، الإمام السلفي الشهير نَذير حسين الدِّهْلَوي)).
وقال لي أيضاً: ((كان شيخنا علي أبو وادي يعظم شيخه نذير حسين كثيراً، ويثني عليه، ولا سيما في الحديث)).
وقال مجيزنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله في تراجم ستة من فقهاء العالم الإسلامي (260): ((المحدّث الكبير الشهير، المحقق الناقد، الضابط المتقن، الشيخ نذير حسين)).
ومن شاء التوسع في ثناء العلماء ولا سيما الهنود فليراجع كتاب "الحياة بعد الممات"، فقد سجل كلام الكبار، مثل محمد بشير القِنَّوجي، وعبد الحي اللكنوي الحنفي، وفضل الرحمن الكنج مراد آبادي الحنفي، وأحمد علي السهارنفوري الحنفي، وعبد الله الغازيفوري، وغيرهم.
وأُنشدت قصائد كثيرة في مدحه ورثائه، منها قصيدة محمد عبد الرحمن بقا الغازيفوري، ابن أخت العلامة عبد الله الغازيفوري، ومطلعها:
ظَعَنَتْ سُليمى فالسرورُ قبيحُ والعين تذرِفُ والفؤاد جريحُ
والصبر في يوم الفِراق محرَّمٌ أوَ ما ترى وُرْقَ الأراكِ تنوحُ
وله أيضاً:
أيا من يُضيعُ العمرَ في طول غفلةٍ أتحسَبُ أن المرءَ في الدهرِ خالدُ
ومنها قصيدة علي نعمت الفلواروي، مطلعها:
الحبُّ لا يستطيع الصَّبُّ يكتمُهُ حلَّ الغرامُ به ودمعُه دمُهُ
وقلبُه حَزِنٌ والعينُ باكيةٌ تَفيضُ في الخدِّ هتَّاناً وتسجمُه
وله فيه ميميةٌ مطلعها:
أسقى على طَلَلٍ دَرَسنَ معالمُه مُذ هاجَرَت هِنداتُه وفَواطِمُه
طَوراً أحنُّ وتارةً أبكي إذا تَبكي لهنَّ بذي الأراكِ حَمائمُه
وغيرها من القصائد بالعربية والأُردية، تنظر في كتاب "الحياة بعد الممات"، ومقدمة "غاية المقصود".
وفاته:
عاش رحمه الله مئة سنة، حتى ألحق الأحفاد بالأجداد، وكان ارتحالُه من الدنيا يوم الإثنين لعشر ليال مضين من رجب سنة 1320 في دهلي، رحمه الله - تعالى - وجزاه عن السنّة وأهلها خيراً[4].
وأرَّخ وفاته المولوي الحكيم مختار أحمد بقصيدة بديعة من عشرين بيتاً، كل شطر منها يؤرِّخ سنة وفاته، وساقها صاحب الحياة بعد الممات (264)، ومطلعها:
فاتَ نور الفرقة السُّبْحانيَهْ إنه أحيا الأصول الغاليهْ
ربَّنا أكرِم بهذا وافيا أنت مُعطي العافيات العاليهْ
أهم مصادر ترجمته:
وقد أفرد ترجمةَ السيد محمد نَذير حسين تلميذُه الشيخ فضل حُسين المُظَفَّرْفُور ي في كتاب حافل بالأُرْدية اسمه ((الحياة بعد الممات))، طبع في الهند قديماً، وجُدِّد طبعُه حديثاً، وله ترجمة في مقدمة "غاية المقصود" (1/51)، و"نزهة الخواطر" (8/523)، و"فهرس الفهارس" (2/593)، و"يوميات رحلة في الحجاز" (37)، و"مشاهير علماء نجد وغيرهم" (ص458)، و"معجم المؤلفين" (3/749)، و"علماء العرب في شبه القارة الهندية" (ص875)، و"جهود مخلصة" (ص103)، و"معجم المعاجم والمشيخات" (2/313)، و"زهر البساتين من مواقف العلماء والربانيين" لسيِّد العفاني (2/191)، وانظر بقية مصادر ترجمته باللغتين العربية والأردية في حاشية كتاب ((حياة المحدّث شمس الحق وأعماله)) لمحمد عُزَير شَمْس (ص270).
اتصالي به:
لعل من دلائل قَبول هذا الإمام أن جعله الله متفرداً بعلو اتصال أمَّات كتب السنّة بالسماع في عصره وبعده، فمن أراد سماعَها بعلوٍّ فلا بد أن يرويَها من طريقه، وبفضل الله تعالى فقد اتصلت لي الأَّمات عنه سماعاً بواسطتين - وهو أعلى ما يكون - فأكثر، وكل ذلك من طريق مدرسته من أهل الحديث السلفيين، وإنما أردفت هذا بترجمته لأتمثَّل بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في حق شيخه القدوة الفخر علي بن أحمد المقدسي المعروف بابن البخاري، إذ قال: ينشرح صدري إذا أدخلتُه بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأكتفي بطرف إسناد كتاب واحد من طريقه، وهو صحيح الإمام البخاري:
فأخبرنا بالصحيح من أولِه إلى آخره الشيخان المسندان: الحافظُ ثناء الله بن عيسى خان المدني، وعبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي، بقراءتي مع غيري عليهما معاً في الجامع الكبير بالكويت.
قال الأول: أخبرنا شيخنا الحافظ عبد الله الرُّوبْري قراءة عليه لجميعه غير مرة، أخبرنا عبد الجبار بن عبد الله الغزنوي. (ح)
وقال الثاني: أخبرنا بجميعه والدي غير مرة، قال: أخبرنا جماعة، منهم محمد حسين البتالوي قراءة عليه لجميعه. (ح)
وقرأت قطعة من أوله على شيخي الفقيه عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم في أبها والرياض وما حولهما، وأجازني، قال: أخبرنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز قراءة عليه لجميعه غير مرة، أخبرنا عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي قراءة عليه لبعضه وإجازة. (ح)
وقرأته عالياً من أوله إلى آخره على شيخي العلامة عبد القيوم بن زين الله الرحماني في الهند، وبقراءتي عليه لأوله وثلاثياته مرة أخرى في منزل شيخنا عبد الله بن عقيل قرب المسجد الحرام بمكة المكرمة، قال: أخبرنا بجميعه أحمد الله المحدّث الدهلوي في المدرسة الرحمانية بدهلي. (ح)
وأخبرنا بقطعة صالحة من أوله مع ثلاثياته شيخي العلامة الجليل عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل في منزله بالرياض وأجازني سائره، قال: قرأته كله على شيخنا الضرير عبد الله بن محمد المطرودي - قال: وكان يحفظ البخاري سنداً ومتناً كالفاتحة - قال: أخبرنا علي بن ناصر أبو وادي قراءة عليه.
قال شيخنا ابن عقيل: وقرأت قطعة من أوله عالياً على شيخنا المعمر علي بن ناصر أبو وادي في مسجده بعُنيزة، وأجازني سائره، وناولنيه. (ح)
وأخبرنا بقطعة من أوله مع ثلاثياته كذلك الشيخ المعمر محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ في الرياض، وأجاز سائره، قال: قرأت ثلثيه على الشيخ سعد بن حمد بن عتيق وأجازني. (ح)
قال خمستهم: أخبرنا السيد نذير حسين الدهلوي قراءة لجميعه في دهلي، أخبرنا الشاه محمد إسحاق الدهلوي قراءة لجميعه، أخبرنا جدي الشاه عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي قراءة لجميعه.
وباقي السند السماعي حرّرتُه في كتابي "فتح الجليل"، فلا أطيل به.
والحمد لله أولا وآخراً.
ـــــــــــــــ ـــــــــ
[1] وقد يسَّر الله لي زيارة المدرسة التي كان يدرِّس فيها المترجَم، وهي في دهلي القديمة، تتكون من مبنى متواضع من ثلاثة أدوار ضيقة في وسطها فناء، وأسفلها مسجد صغير كانت دروسه فيه، فتعجبت من البركة التي طرحها الله في هذا الشيخ وتلامذته وذلك المكان المتواضع، وتأثرت لما أخبروني أن بيت هذا الإمام الكبير كان غرفة صغيرة رأيتها تحت الدرج المؤدي للدورين العلويين حيث يسكن الطلاب.
ومن نافلة القول أن المدرسة استمرت في العطاء بعد وفاة الشيخ، وتولى التدريس فيها تلميذه العلامة محمد بشير السهسواني وغيره، وبقيت تنشر السنّة إلى أن حلّت نكبة المسلمين بتقسيم الهند سنة 1366، فأُغلقت المدرسة أسوة بغيرها، إلى أن أحياها بعض المحتسبين من مدة قريبة، ولكنها ضعيفة الموارد وتحتاج إلى الدعم.
[2] وهناك قصة أخرى عقبها في المصدر السابق أذكرها استطراداً؛ لما فيها من إضاءة لجانب آخر في المترجَم، قال: "وقال الحافظ محمد صدّيق: إنه كان يصلي خلفه الفجر كل يوم، وكان في نهاية حياته يتلو عادة سورة المرسلات، وحين يأتي إلى قوله تعالى: {فبأي حديث بعده يؤمنون} يتغير صوته فيكون مؤثراً جداً، حتى أن عيني الحافظ تغرورقان بالدموع، وأردف قائلاً: إنه لا يمكن أن يجد مثل هذه اللذة وهو يصلي خلف إمام آخر".
ويأتي كلام العظيم آبادي الذي فيه: "كان..كثير الصلاة والتلاوة والتخشع والبكاء.. ولم أر في زمننا من أهل العلم أكثر عبادة منه، وكان يطيل الصلاة جداً، ويمدّ ركوعها وسجودها".
[3] انظر حاشية العناقيد الغالية (47).
كما أن بعض هؤلاء حاولوا يائسين دفن حسنات وجهود هذا الإمام ومدرسته في إشاعة السنّة ونشرها في ديار الهند، فتجاهلوا ذكرها في الكتابات المتعلقة بذلك، ولكن هيهات! فلهذا الإمام وطلبته الدور الأكبر في طبع أمّات كتب السنّة وخدمتها، وسبقوا في ذلك العرب أنفسهم، شهد بذلك القاصي والداني.
[4] وهنا فائدة ذكرها العلامة السلفي عبد العزيز الميمني الراجكوتي رحمه الله في مقال له (ضمن مجموع بحوث وتحقيقات له، جمعها محمد عزير شمس) فقال (1/18): "ولعل أكثر العلماء يعرفون الشاه ولي الله، وولده الشاه عبد العزيز، ثم شاه إسماعيل الشهيد، يُعرفون بجنوحهم إلى طريقة السلف، من دون التقيد بمذهب من المذاهب، ثم في زمن الثورة الهندية وبعدها زادت هذه الرغبة، ونشأ منهم شاه محمد إسحاق، ثم تلميذه السيد نذير حسين، الذي رأيتُه من سوء حظي ميتاً في الرابع عشر من عمري، واشتركتُ في غسله".
قلت: وأخبرني الشيخ عبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي في الكويت أن الذي تولى غسل نذير حسين هو تلميذه وخادمه الشيخ عثمان حسين العظيم آبادي، والد شيخنا ومجيزنا الشيخ يحيى المدرس في المسجد الحرام، حفظه الله تعالى.
رابط الموضوع:
تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation