من أقوال السلف في حفظ اللسان -1
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن نعم الله عز وجل التي لا تعد ولا تحصى: نعمة اللسان, قال الإمام الغزالي رحمه الله: اللسان من النعم العظيمة, صغير جرمه, عظيم طاعته وجرمه, رحب الميدان ليس له مرد, ولا لمجاله منتهى وحدّ, له في الخير مجال, وله في الشر ذيل سحب, فمن أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخى العنان, سلك به الشيطان في كل ميدان, وساقه إلى شفا جرف هار, إلى أن يضطره إلى البوار, ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم, ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع, فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة, ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله.
فطوبى لعبد حفظ لسانه عن ما يلهي قلبه, ويصده عن ما ينفعه, قال العلامة السعدي رحمه الله: " لهو الحديث " أي: الأحاديث الملهية للقوب, الصادّة لها عن أجلِّ مطلوب, فدخل في هذا, كل كلام محرم, وكل لغو وباطل وهذيان, من الأقوال المرغبة في الكفر والفسوق والعصيان, ومن أقوال الرادين على الحق, المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق, ومن غيبة, ونميمة, وكذب, وشتم, وسب, ومن غناء, ومزامير شيطان, ومن الماجريات الملهية التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا.
للسلف أقوال في حفظ اللسان يسّر الله فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
** عن زيد بن أسلم, عن أبيه, قال: رأيت أبا بكر الصديق رحمه الله آخذ بطرف لسانه, فقال: هذا أوردني الموارد.
** قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من كثُر كلامه كثُر سقطه.
** قال أبو هريرة رضي الله عنه: لا خير في فضول الكلام.
** قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:
& البلاء موكل بالقول.
& والذي لا إله غيره ما على الأرض شيء أحوج من طول سجن من لسان.
& أنذركم فضول كلامكم, حسب امرئ من الكلام ما بلغ به حاجته
& قال لابنه: يا بني...اخزن لسانك.
& جاء إليه رجل فقال له: أوصني يا أبا عبدالرحمن, فقال له: ليسعك بيتك, واكفف لسانك, وابكِ على ذكر خطيئتك.
** قال أبو الدرداء رضي الله عنه: أنصف أذنيك من فيك, فإنما جعل لك أذنان اثنان, وفم واجد, لتسمع أكثر مما تقول.
** قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: عليك بالصمت إلا في الحق, فإنك تغلب الشيطان.
** كان عمار بن ياسر رضي الله عنه, قليل الكلام, طويل السكوت, وكان عامة كلامه: عائذ بالرحمن من فتنة, عائذ بالرحمن من فتنة.
** قال سلمان رضي الله عنه: أكثر الناس ذنوباً يوم القيامة أكثرهم كلاماً في معصية الله.
** قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تكلم فيما لا يعينك, فإنه فضل ولا آمن عليك فيه الوزر
** عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أحق ما طهر المسلم لسانه.
ــــــــــــــ
** قال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: كان يقال: دع ما لست منه في شيء, ولا تنطق فيما لا يعنيك, واخزن لسانك كما تخزن ورقك.
** قال كعب الأحبار: قلة النطق حكمة, فعليكم بالصمت, فإنه رعة حسنة, وقلة وزر, وخفة من الذنوب.
** قال رجل لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه, أوصني يا أبا سعيد, قال: عليك بالصمت إلا في حق, فإنك تغلب الشيطان.
** قال جعفر الصادق: لا شيء أحسن من الصمت.
** قال مورق العجلي: أمر أنا في طلبه منذ عشرين سنة, لم أقدر عليه, ولست بتارك طلبه, قالوا: وما هو ؟ قال: السكوت عما لا يعنيني.
** قال عبدالله بن أبي زكريا: ما عالجت من العبادة شيئاً أشد من السكوت....وكان لا يكاد يتكلم إلا أن سأل.
** كان عطاء بن أبي رباح يطيل الصمت.
** قال رجل لأيوب السختياني: أوصني, قال: أقلَّ الكلام.
** قال الأوزاعي: من عرف أن منطقه من عمله قلً كلامه.
** قال شفي بن ماتع: من كثر كلامه كثرت خطاياه.
** قال الفضيل بن عياض: لا حج ولا جهاد أشدّ من حبس اللسان.
** قال أبو بكر بن عياش: أدنى نفع السكوت السلامة, وكفى بها عافية.
** قال القاسم بن عثمان الجوعي: الحصن الحصين ضبط اللسان.
** بدر بن المنذر, قال أحمد بن حنبل: من مثل بدر ؟ ملك لسانه.
** قال سفيان الثوري: كان يقال: الصمت زين العالم وستر الجاهل.
ـــــــــــــــ ـــ
** قال لقمان:
& يا بني: كن أخرس عاقلاً, ولا تكن نطوقاً جهولاً.
& يا بني: لو أن الكلام من فضة, فإن السكوت من ذهب.
& يا بني: قد ندمت على الكلام, ولم أندم على الصمت.
& قيل له: ما حكمتك ؟ قال: لا أسأل عما كفيت, ولا أتكلف ما لا يعنيني.
** قال وهب بن منبه: أكثر الصمت إلا أن تسأل عن شيء...إن العبد ليصمت فيجتمع له لبه.
** قال إبراهيم بن أدهم: ينبغي للعبد أن يصمت, أو يتكلم بما ينتفع به, أو ينفع به من موعظة, أو تنبيه, أو تخويف, أو تحذير.
** قال بشر بن الحارث الحافي: لا يكون المتكلم أورع من الصامت إلا رجل عالم يتكلم في موضعه, ويسكت في موضعه
** قال سلمة بن دينار: ينبغي للمؤمن أن يكون أشد حفظاً للسانه منه لموضع قدميه
** قال وهيب بن الورد:
& من عدّ كلامه من عمله قلَّ كلامه.
& قال حكيم : الحكمة عشرة أجزاء, تسعة منها في الصمت, وواحدة في العزلة.
** قال الفضيل بن عياض: احفظ لسانك, وأقبل على شأنك, واعرف زمانك, وأخفِ مكانك.
** قال ابن سيرين: كان رجل من الأنصار يمر بمجلس لهم, فيقول: توضئوا, فإن بعض ما تقولون شر من الحدث.
ــــــــــــــ
** قال الإمام مالك:
& فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما يسمع.
وكان يعيب كثرة الكلام, ويقول: لا يوجد إلا في النساء أو الضعفاء.
** قال زبيد اليامي: أسكتتني كلمة ابن مسعود عشرين سنة: من كان كلامه لا يوافق فعله فإنما يوبخ نفسه.
** قال أكثم بن صيفي: مقتل الرجل من فكية.
** قال الأحنف: حتف الرجل مخبوء تحت لسانه.
** قال عبدالله بن عون: إن الرجل يكون مظلومًا، فلا يزال يقول حتى يكون ظالِمًا.
** قال الجوعي: الصمت: الحصن الحصين.
** قال معروف الكرخي: كلام الإنسان فيما لا يعينه خذلان من الله.
** عن عطاء قال: كانوا يكرهون فضول الكلام, وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن تقرأه, أو أمراً بمعروف, أو نهياً عن منكر, أو أن تنطق في معيشتك بما لا بد لك منه.
** قال بعض قضاة عمر بن عبدالعزيز, وقد عزله, لِمَ عزلتني ؟ فقال: بلغني أن كلامك مع الخصمين أكثر من كلام الخصمين.
** قال محمد بن عجلان: إنما الكلام أربعة: أن تذكر الله, أو تقرأ القرآن, أو تُسأل عن علم فتُخبر به, أو تتكلم فيما يعينك من أمر ديناك.
** تكلم ربيعة يوماً فأكثر الكلام وأعجبته نفسه, وإلى جنبه أعرابي, فقال له: يا أعرابي ما تعُدون البلاغة ؟ قال: قلة الكلام, قال: فما تعدون العيّ فيكم ؟ قال: ما كنت فيه منذ اليوم.
ـــــــــــــ
** قال الحسن:
& ما نظرت ببصري, ولا نطقت بلساني, ولا بطشت بيدي, ولا نهضت على قدمي, حتى أنظر على طاعة أو معصية, فإن كانت طاعة تقدمت, وإن كان معصيةً تأخرتُ.
& ابن آدم بسطت لك صحيفتك, ووكل بها ملكان كريمان, يكتبان أعمالك, فاعمل ما شئت وأكثر وأقلّ.
& من كثر كلامه كثر كذبه, ومن كثر كذبه كثرت ذنوبه.
** قال إبراهيم التيمي: إذا أراد المؤمن أن يتكلم نظر فإن كان له تكلم, وإلا أمسك, والفاجر إنما لسانه رسلا, رسلا.
** قال عطاء بن رباح: إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله تعالى, وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو أمرا بمعروف, أو نهياً عن منكر, أو أن تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها,
** قال طاوس: لساني سبع إن أرسلته أكلني.
** قال شبيب بن شيبة: من سمع كلمة يكرهها فسكت انقطع عنه ما يكرهه, وإن أجاب سمع أكثر مما يكره.
** قال خالد بن صفوان لرجل كثير كلامه: إن البلاغة ليست بكثرة الكلام, ولا بخفة اللسان, ولا بكثرة الهذيان, ولكنها إصابة المعنى, والقصد إلى الحجة.
** قال الإمام ابن قتيبة كان يقال: إذا فات الأدب فالزم الصمت.
** قال الإمام ابن حزم رحمه الله: كم شاهدنا ممن أهلكه كلامه, ولم نر قطُّ أحد بلغنا أنه أهلكه سكوته, فلا تتكلم إلا بما بقربك من خالقك, فإن خفت ظالماً فاسكت.
ـــــــــــــــ ـ
** قال الإمام ابن حبان رحمه الله:
& الواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلا أن يلزمه أن يتكلم، فما أكثر مَنْ ندم إذا نطق! وأقل مَنْ يندم إذا سكت! وأطول الناس شقاء وأعظمهم بلاء: من ابتُلي بلسان مطلق، وفؤاد مطبق! ولسان العاقل يكون وراء قلبه، فإذا أراد القول رجع إلى القلب، فإن كان له قال، وإلا فلا.
& العاقل لا يبتدئ الكلام إلا أن يسأل، ولا يقول إلا لمن يقبل، ولا يُجيب إذا شوتم، ولا يجازي إذا أسمع؛ لأن الابتداء بالصمت وإن كان حسنًا، فإن السكوت عند القبيح أحسن منه.
& الواجب على العاقل أن يروض نفسه على ترك ما أبيح له من النطق؛ لئلا يقع في المزجورات فيكون حتفه فيما يخرج منه.
** قال الإمام الماوردي رحمه الله:
& من سكت عما لا يعلم سلِمَ, ومن تكلم بما علم غنم.
& قال بعض البلغاء: الزم الصمت, فإنه يكسوك صفو المحبة, ويؤمنك سوء المغبة, ويُلبسكُ ثوب الوقار, ويكفيك مؤنة الاعتذار.
& ليعلم أن الحاجة إلى الصمت أكثر من الحاجة إلى الكلام, لأن الحاجة إلى الصمت عامة, والحاجة إلى الكلام عارضة, فلذلك وجب أن يكون صمتُ العاقل في الأحوال أكثر كلامه في كل حال.
& قلّ من كثر كلامه إلا كثر ندمه, وقد قيل: من كثر كلامه كثرت آثامه, ولا ينبغي أن يعجب بجيد كلامه, ولا بصواب منطقه, فإن الإعجاب به سبب الإكثار منه. وقد قيل: من أعجب بقوله أصيب بعقله.