تنبيه الأنام بمفسدات الصيام
عبد الله بن حمود الفريح
أولاً: الأكل والشرب:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا نسي أحدكم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه»؛ (متفق عليه).
هل يدخل السعوط والاحتقان والإكتحال في معنى الأكل والشرب؟
(أ): السعوط: هو مايصل إلى الجوف عن طريق الأنف من الدواء وغيره.
القول الراجح والله أعلم: أنه إذا وصل إلى جوفه فإنه يفطر وبه قال جمهور العلماء.
ويدل على ذلك: حديث لقيط بن صبرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما»(رواه الخمسة) ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - استثنى المبالغة في الاستنشاق حال الصيام خشية أن يصل شيء من الماء إلى الجوف عن طريق الاستنشاق لأنه يؤثر على الصيام وهكذا السعوط.
(ب): الاحتقان: هو إدخال الأدوية عن طريق الدبر.
القول الراجح والله أعلم: أنها لا تفطر، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية.
والتعليل:
1- لأنه لا يطلق عليها أكل أو شرب فهي دخلت للجوف من غير الموضع المعتاد.
(ج): الاكتحال: إذا وصل إلى الحلق.
القول الراجح والله أعلم: أن الاكتحال لا يفطر، وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية.
ويدل على ذلك:
1- ما رواه أبو داود عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه اكتحل وهو صائم، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: لا بأس بإسناده، وجاء في شعب الإيمان عن ابن عباس من فعله، وقال الحافظ ابن حجر بإسناد جيد.
2- أن الاكتحال مما تعم به البلوى ومن الأحكام التي تحتاجها الأمة ولو كان مفطراً لبيَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بياناً عاماً فلما لم يثبت فيه حديث صحيح دل هذا على أنه ليس بمفطر.
3- الأصل براءة الذمة وعدم التفطير وعدم شغل الذمة بلا دليل.
ثانياً: القيء هو ما يخرج من جوف الإنسان من الفضلات عن طريق الفم - القيء له حالتان:
الحالة الأولى: أن يخرج القيء بدون اختياره فهذا لا يفطر.
الحالة الثانية: أن يستدعي القيء، وذلك بإدخال أصبع أو نحو ذلك من الأفعال التي تحركه، فيقيء ما في بطنه فإنه حينئذٍ يعتبر مفطراً وهو قول عامة العلماء.
ويدل على ذلك: من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
ثالثاً: الاستمناء: وهو أن يستدعي خروج المني بأي شيء كان، كأن يتقلب في فراشه، أو بيده، أو بيد زوجته، أو أمته، أو بغير ذلك في نهار رمضان أو في أي صيام. فهذا فسد صومه وعليه القضاء عند جمهور العلماء، وهو مذهب الأئمة الأربعة. ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - القدسي وفيه «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي»؛ (متفق عليه) ، ولا شك أن من تعمد الاستمناء لم يدع شهوته من أجل الله – تبارك وتعالى – ففسد بذلك صومه.
من باشر فأمنى أو أمذى أو كرر النظر فأنزل أو احتلم، هل تعتبر هذه الأمور من المفطرات؟
أ - من باشر فأمنى: أي استمتع بزوجته بما لإجماع فيه فنزل منه المني فهذا فسد صومه، لحديث أبي هريرة القدسي السابق ب- من باشر فأمذى: أي أنه استمتع بزوجته بما لا جماع فيه فنزل منه المذي (وسبقت علامات المذي والمني في كتاب الطهارة).
القول الراجح والله أعلم: أنه لا يفسد صومه بالإمذاء وهو قول جمهور العلماء. يدل على ذلك: حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُقَبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم ولكنه أملككم لإربه؛ متفق عليه، ولا شك أن الإنسان إذا فعل هذا فهو مظنة أن يقع منه المذي.
[الإرب: الحاجة، وقيل: العضو، والمعنيان متقاربان]
ويدخل في هذا من كرر النظر فأمذى فلا يفسد بذلك صومه - إذن نقول: القبلة والمباشرة دون الفرج جائزة للصائم، ولو ترتب عليه خروج المذي فصومه صحيح، لكن إذا كان يخشى أن يتمادى به الأمر إلى الجماع، أو يخشى من خروج المني فيجتنب ذلك، لأنه لو أمنى بسبب القبلة، أو المباشرة لفسد صومه ووجب عليه القضاء ويقول ابن قدامة: في غير خلاف نعلمه أي: في مسألة من خرج منه المني. ج_ من كرر النظر فأنزل: أي أنزل منياً فسد صومه وهو القول الراجح والله أعلم، وتكرار النظر يحصل بمرتين أو باستمرار النظر من المرة الأولى لأن الإستمرار كالتكرار وعلى هذا فلو نظر نظرة واحدة فأنزل لم يفسد صومه لحديث بريدة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في النظر الفجأة: «لك الأولى وليست لك الآخرة» ؛ (رواه أحمد وأبو داود والترمذي). – ولو فكر حتى أنزل فلا يفسد صومه لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تجاوز عن أمتي ماحدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم».
رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وكذلك لو فكر الإنسان بالجماع حتى أنزل فمجرد التفكير لا يؤاخذ عليه الإنسان.
د- من احتلم: والاحتلام: أن يرى الإنسان وهو نائم ما يحرك شهوته فينزل وقد أجمع العلماء على أن من نام فاحتلم لا يفسد صومه لأنه أنزل بغير اختياره.
ويدل على ذلك: حديث علي - رضي الله عنه - مرفوعاً «رفع القلم عن ثلاث.... وعن النائم حتى يستيقظ»؛ (رواه أحمد وأبو داود).
المفطرات المعاصرة والمراد بالمفطرات المعاصرة هي مفسدات الصيام التي استجدت وهي كثيرة منها:-
أولاً: ما يدخل إلى بدن الصائم عن طريق الفم:
1 - بخاخ الربو: هو علبة فيها دواء سائل يحتوي على ثلاث عناصر: الماء والأكسجين ومواد كيميائية.
القول الراجح والله أعلم: أنه لا يُفطِّر.
والتعليل:
أ- أن دخول شيء إلى المعدة من بخاخ الربو أمر ليس قطعياً بل هو مشكوك فيه، والأصل بقاء الصيام وصحته واليقين لا يزول بالشك.
ب- أنه لو دخل شيء فهذا الداخل إلى المريء ثم إلى المعدة قليل جداً، فلا يُفطِّر قياساً على المتبقي من المضمضة والاستنشاق وأيضاً هذا البخاخ ليس أكلاً ولا شرباً. رجح هذا القول ابن باز وابن عثيمين وابن جبرين واللجنة الدائمة.
2- الأقراص التي توضع تحت اللسان وهي أقراص توضع لعلاج الأزمات القلبية، توضع تحت اللسان ويحملها الدم إلى القلب فتوقف أزمته المفاجئة دون أن يدخل إلى جوفه شيء.
القول الراجح والله أعلم: أنها لا تُفطِّر.
والتعليل: لأنه لا يدخل إلى الجوف شيء وأيضاً ليست أكلاً ولا شرباً.
3- منظار المعدة: هو جهاز طبي يدخل عبر الفم إلى البلعوم ثم إلى المريء ثم إلى المعدة يتم فيه تصوير المعدة أو أخذ عينة صغيرة لفحصها.
القول الراجح والله أعلم: أنه لا يُفطِّر.
والتعليل: لأن ذلك لا يدخل في حكم الأكل والشرب ولأنه لا يتغذى به. ويستثنى من ذلك ما لو وضع الطبيب مادة دهنية مغذية في المنظار ليسهل دخوله إلى المعدة فإنه يفطر قال به ابن عثيمين.
فائدة: المنظار الشرجي.
الراجح فيه والله أعلم: أنه لا يفطر والتعليل فيه كالتعليل في منظار المعدة.
ثانياً: ما يدخل إلى الجسم عن طريق الأنف.
القول الراجح والله أعلم: أنها تُفطِّر بشرط وصولها إلى المعدة.
والتعليل: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى الصائم عن المبالغة في المضمضة والاستنشاق كما في حديث لقيط بن صبرة - رضي الله عنه - وهذا يدل على أن الأنف له منفذ إلى المعدة.
ورجح هذا القول ابن باز وابن عثيمين.
2– غاز الأكسجين: هو هواء يعطى للمريض ويذهب معظمه في الجهاز التنفسي.
القول الراجح والله أعلم: أنه لا يُفطِّر لأنه كالهواء الطبيعي.
3– بخاخ الأنف: والقول فيه كالقول في بخاخ الربو عن طريق الفم وقد سبق بيانه، وعلى ذلك فإنه لا يُفطِّر.
ثالثاً: ما يدخل إلى الجسم عن طريق الأذن:
1- قطرة الأذن.
القول الراجح والله أعلم: أنها لا تُفطِّر، وقد بيَّن الطب الحديث أنه ليس هناك منفذ بين الأذن والجوف إلا في حالة واحدة وهي ما إذا حصل خرق في طبلة الأذن.
2- غسول الأذن: وهذا حكمه حكم قطرة الأذن إلا إذا خُرقت طبلة الإذن فيكون هناك منفذ إلى الجوف، إذاً غسول الأذن ينقسم إلى قسمين:
1- إذا كانت الطبلة موجودة فلا يُفطِّر.
2- إذا كانت الطبلة فيها خرق، فإنه يُفطِّر لأن السائل الداخل كثير.
رابعاً: ما يدخل إلى الجسم عن طريق العين:
1 - قطرة العين: القول الراجح والله أعلم: أنها لا تُفطِّر.
التعليل:
1- أن هذه القطرة ليس منصوصاً عليها ولا بمعنى المنصوص عليه فالعين ليست منفذاً للأكل والشرب.
ورجح هذا القول ابن باز وابن عثيمين.
خامساً: ما يدخل إلى الجسم عن طريق الجلد:
1- الإبر (الحقن): وهذه الإبر تنقسم إلى قسمين:
أ – الإبرة الجلدية والعضلية غير المغذية: وهذه لا تُفطِّر.
والتعليل: أن الأصل صحة الصوم حتى يقوم دليل على فساده وهذه الإبر ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعناهما.
ورجح هذا القول ابن باز وابن عثيمين بل هو قول جمهور الفقهاء المعاصرين.
ب– الإبرة الوريدية المغذية: والراجح فيها والله أعلم: أنها تُفطِّر.
والتعليل: أنها في معنى الأكل والشرب، فالذي يتناولها يستغني عن الأكل والشرب. ورجح هذا القول ابن باز وابن عثيمين وهو من قرارات المجمع الفقهي، وبناءً على ما سبق تبيَّن لنا أن الإبر التي يتعاطاها مريض السكر ليست مفطرة.
2- الغسيل الكلوي: له طريقتان:
أ– الغسيل بواسطة آلة تسمى الكلية الصناعية حيث يتم سحب الدم إلى هذا الجهاز الذي يقوم بتصفية الدم من المواد الضارة ثم يعود إلى الجسم عن طريق الوريد وفي أثناء هذه الحركة يحتاج إلى سوائل مغذية تعطى عن طريق الوريد.
ب– عن طريق الغشاء البريتواني في البطن، فيُدخل أنبوب صغير في جدار البطن فوق السرة، ثم يدخل عادة لتران من السوائل تحتوي على نسبة عالية من السكر الجلوكوز إلى داخل البطن، وتبقي في الجوف فترة ثم تسحب مرة أخرى ويكرر هذا العمل عدة مرات في اليوم.
والقول الراجح والله أعلم في غسيل الكلى: أنه مفطر.
والتعليل: أن غسيل الكلى يزود الدم بالدم النقي، وقد يزود بمادة غذائية أخرى فاجتمع مفطران.
ورجح هذا القول ابن باز وأفتت به اللجنة الدائمة.
سادساً: التحاميل:
أ- التي تستخدم عن طريق فرج المرأة ومثله (الغسول المهبلي).
والقول الراجح والله أعلم: أنها لا تُفطِّر.
والتعليل: أثبت الطب الحديث أنه ليس هناك اتصال بين فرج المرأة والجوف.
ب– التحاميل التي تؤخذ عن طريق الدبر.
القول الراجح والله أعلم: أنها لا تُفطِّر.
والتعليل: لأنها تحتوي على مواد علاجية دوائية وليس منها سوائل غذائية، فليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما ورجح هذا قول ابن عثيمين.
سابعاً: التبرع بالدم:
قال ابن عثيمين في مجالس رمضان (صـ101ـ): وعلى هذا فلا يجوز للصائم صوماً واجباً أن يتبرع بإخراج دمه الكثير الذي يؤثر على البدن تأثير الحجامة....وأما خروج الدم بالرعاف أو السعال أو الباسور أو قلع السن أوشق الجرح أو تحليل الدم أو غرز الإبرة ونحوها فلا يفطر لأنه ليس بحجامة ولا بمعناها إذ لا يؤثر في البدن كتأثير الحجامة.
ثامناً: أخذ دم للتحليل: لا يُفطِّر.
تاسعاً: معجون الأسنان: لا يفطر لأن الفم في حكم الظاهر، لكن الأفضل ألا يستخدمه الصائم إلا بعد الإفطار لأن له نفوذ قوي.
عاشراً: استعمال الطيب ومنه البخور: أما الروائح العطرية، (الطيب) فلا يُفطِّر لأنه استعمال خارجي، وأما البخور فقد يُفطِر به الصائم إذا استنشقه وتكبَّبَهُ لأن له جرم يدخل الجوف.