المراد بقيام رمضان
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي
المراد بقيام رمضان: التراويح؛ قال الكرماني رحمه الله: "اتفقوا على أن المراد بقيامه صلاة التراويح"[1].
قال الحافظ[2] رحمه الله: "والتراويح جمع ترويحة، وهي المرَّة الواحدة من الراحة؛ كتسليمة من السلام، سُميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان "التراويح"؛ لأنهم أول ما اجتَمَعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين، وقد عقد محمد بن نصرٍ في قيام الليل بابين لمن استحب التطوع لنفسه بين كل ترويحتين، ولمن كره ذلك، وحكى فيه عن يحيى بن بكير عن الليث أنهم كانوا يَستريحون قدر ما يُصلي الرجل كذا وكذا ركعة"[3].
قال صاحب "المصباح المنير" (ص: 93): "أرحنا بالصلاة؛ أي: أقمها، فيكون فعلها راحة؛ لأن انتظارها مشقةٌ على النفس، واسترحنا بفعلها، وصلاة التراويح مشتقةٌ من ذلك؛ لأن الترويحة أربع ركعات، فالمصلي يستريح بعدها، وروحت بالقوم ترويحًا صليت بهم التراويح، واستروح الغصن تمايل، واستروح الرجل سمر" ا. هـ.
قال صاحب "الفروع" (2 / 375): "ويستريح بين كل أربع، ويدعو، فعله السلف، ولا بأس بتركه".
• والأفضل فعلُها جماعة في المسجد، وهو قول الشافعي، وجمهور أصحابه، وأبي حنيفة، وأحمد، وبعض المالكية، وغيرهم، كما فعله عمر بن الخطاب، والصحابة رضي الله عنهم، واستمر عمل المسلمين عليه؛ لأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد[4].
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: ((قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم؛ إلا أني خشيت أن تُفرض عليكم))، قال: وذلك في رمضان[5].
وعنها رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، وصلى رجالٌ بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا؛ فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا؛ فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة، عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: ((أما بعد؛ فإنه لم يخْفَ عليَّ مكانكم؛ لكني خشيت أن تفترض عليكم؛ فتعجزوا عنها))، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك[6]؛ رواه البخاري.
وعنها رضي الله عنها قالت: كان الناس يُصلُّون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان بالليل أوزاعًا[7]، يكون مع الرجل الشيء من القرآن، فيكون معه النفر الخمسة، أو الستة، أو أقل من ذلك، أو أكثر، يُصلون بصلاته، قالت: فأمَرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من ذلك أن أنصب له حصيرًا على باب حُجرتي، ففعلت، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى العشاء الآخرة، قالت: فاجتمع إليه مَن في المسجد، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلًا طويلًا، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل، وترك الحصير على حاله، فلما أصبح الناس تحدَّثوا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن كان معه في المسجد تلك الليلة، قالت: وأمسى المسجد راجًّا بالناس، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم دخل بيته وثبت الناس، قالت: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما شأن الناس يا عائشة؟)) قالت: فقلت له: يا رسول الله، سمع الناس بصلاتك البارحة بمن كان في المسجد؛ فحشدوا لذلك لتصلي بهم، قالت: فقال: ((اطوِ عنَّا حصيرَك يا عائشة))، قالت: ففعلتُ، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم غير غافل، وثبَتَ الناس مكانهم حتى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح، فقال: ((أيها الناس، أما والله ما بت والحمد لله ليلتي هذه غافلًا، وما خفيَ عليَّ مكانكم، ولكني تخوَّفت أن يفترض عليكم، فاكلفوا من الأعمال ما تُطيقون، فإن الله لا يملُّ حتى تملوا))[8]؛ رواه أحمد.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحبَّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ))[9]؛ رواه الشيخان.
[1] "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (11 / 176).
[2] تنويه: إذا قُلت "الحافظ" مُطلقًا، إنما أعني به: الحافظ ابن حجر رحمه الله.
[3] "فتح الباري" (4 / 317).
[4] ينظر: "شرح مسلم" (6 / 39 - 40)، وفيه: "وقال مالك، وأبو يوسف، وبعض الشافعية، وغيرهم، الأفضل فرادى في البيت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)).
[5] رواه البخاري في التهجد، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل، رقم: (1129)، ورواه مسلم، واللفظ له، في صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، رقم: (761).
[6] رواه البخاري في صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان، رقم: (2012).
[7] "أوزاعًا: حال من الضمير الذي في "يُصلُّون"، بمعنى: متفرِّقين، أوزاعٌ: جماعات متفرقة، وضروب مجتمعة بعضها دون بعض، وأصله من التوزيع وهو الانقسام، والمعنى: كان الناس يتنفَّلون فيه بعد صلاة العشاء متفرقين"، "شرح سنن أبي داود" للبدر العيني (5 / 278).
[8] رواه أحمد، (43 / 332 - 334) رقم: (26307)، وبعضه عند البخاري ومسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بما تُطيقون، فوالله لا يملُّ الله حتى تملوا)).
[9] رواه البخاري في الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، رقم: (6464)، ورواه مسلم في صلاة المسافرين، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، رقم: (783).