نهال نبيل
كشفت المخابرات المركزية الأمريكية قبل يومين عن وثائق كان قد تم ضبطها في 2011 بمنزل
مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، عقب مقتله إثر عملية أمريكية في مدينة أبوت أباد بباكستان، وتضمنت الوثائق وصية بخد يده بكيفية تقسيم ثروته التي تبلغ أكثر من 31 مليون دولار، حيث قال إنه حصل على 12 مليون دولار من أخيه أبي بكر نيابة عن شركته التي يرأسها بدلًا منه في السودان، وبلغ مجموع ثروته 29 مليون و100 ألف دولار في السودان و800 ألف في جلال أباد بباسكتان ومليون و250 ألفًا في قندهار بأفغانستان. وخصص منها نسبة 1% لاثنين من مساعديه لكل منهما، وحدد حصصًا بالريـال السعودي والذهب لتوزيعها على أمه وأحد أبنائه وإحدى بناته وأحد أعمامه وأبناء عمه وخالاته.
التقرير التالي يكشف سر الأموال الطائلة التي يمتلكها بن لادن، المنحدر من عائلة شديدة الثراء، وحياته كرجل أعمال ومستثمر في البنى التحتية.
ثروة ضخمة لعائلة بن لادن
هاجر
محمد بن عوض بن لادن الحضرمي، والد زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إلى السعودية قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، وأنشأ شركة للبناء وتمتع بعلاقات جيدة مع الملك عبدالعزيز آل سعود عبر مشاريعه الإنشائية، ليتم منحه لاحقًا مشاريع التجديد الخاصة بالحرم المكي وتوسعة المناطق المقدسة في مكة والمدينة، وتتضخم ثروته من العقود الاحتكارية لتشييد المساجد والمنشآت الدينية في جميع المناطق التي وصل لها نفوذ عائلة آل سعود الحاكمة، حتى أن عقود ترميم المسجد الأقصى في ذلك الوقت كانت بيده، فضلًا عن بناء قصور في محافظتي الرياض وجدة للعائلة السعودية المالكة.
ووفقًا لمجلة وورلد ستريت جورنال فإن عائلة بن لادن، التي تتكون من نحو 600 فرد من 3 أجيال متعاقبة، تحتل المرتبة الخامسة بين أغنى العائلات السعودية، ثم تراجع ترتيبها مؤخرًا إلى التاسع، بثروة تُقدر بسبعة مليارات ونصف المليار دولار، وفقًا لموقع " أرابيان بيزنس". وتتركز أعمالها التجارية في الفترة الحالية في مجموعات شركات بن لادن التي أصبحت من أكبر الشركات العالمية في مجال النفط وإدارة الأسهم، وكذلك من أكبر شركات الإنشاءات التي تمتلك مكاتب في العواصم الإنجليزية والسويسرية والإماراتية.
"القاعدة" لم تأكل ثروة بن لادن
وكان مقررًا بعد دراسة
أسامة بن لادن للاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة أن يتولى إدارة أعمال المجموعة، ولكنه قرر استغلال ثروته في العمل الجهادي. وبعد وفاة والده حصل على نصيبه من التركة والذي يُقدر بـ 300 مليون دولار، ولكن أجهزة المخابرات الدولية المعنية بمتابعة نشاطه الجهادي اختلفت كثيرًا حول تقدير حجم ثروته، فبينما قدرها الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق لجهاز المخابرات السعودي، بـ 40 أو 50 مليون دولار عقب هجمات سبتمبر 2001، تراوحت التقديرات الغربية وفقًا لما ذكره بين مليار وثلاثة مليارات دولار.
وذكرت صحيفة الراكوبة السودانية أن صحفيًا عربيًا أجرى مقابلة مع بن لادن في السودان في 1996 قبل أن يغادرها، وقال في اللقاء إنه خسر ما بين 150 و160 مليون دولار في مشروعات إنشائية وزراعية في السودان، ولم تبقَ معه بعدها سوى ملايين قليلة.
يُذكر أيضًا أن لجنة التحقيقات الأمريكية في أحداث سبتمبر استنتجت في 2004 أن ثروة بن لادن لم يتم استنزافها في الأعمال الجهادية للقاعدة، وأنه ليس ممول التنظيم نظرًا لأن التنظيم يمتلك العديد من قنوات التمويل، ويمكنه إيجاد قنوات أخرى غيرها بسهولة، وأشار تقرير اللجنة إلى أن التنظيم قام بتوفير التمويل اللازم لاستمرار عملياته من التبرعات.
اقتصاد بن لادن واستقراره في السودان
يروي
الصحفي السوداني عبد المطلب صديق لصحيفة الشرق القطرية شهادته عن السنوات الخمس التي قضاها بن لادن في السودان، ما بين 1991 و1996، قبل أن يخرج منها بضغط من الولايات المتحدة على الإدارة السودانية.
ويوضح صديق أن
حسن الترابي، زعيم الحركة الإسلامية السودانية، دعا أتباع التيارات الجهادية المختلفة إلى الاستقرار في السودان، التي يتوافر بها جو أمني مناسب يسمح بإجراء الاجتماعات ورسم المخططات وتحديد مواعيد العمليات الكبرى، وذلك في العام 1990. فبدأت هجرة التيارات الإسلامية وكبرى قياداتها إلى الخرطوم، فقرر بن لادن اللجوء إلى السودان تحت مظلة الاستثمار، ولم يكن تنظيم القاعدة قد انطلق في تلك الفترة بل كان قيد التكوين.
ويضيف صديق: "أقام
بن لادن مشروعين رئيسين في السودان أحدهما مشروع زراعي بالنيل الأزرق أطلق عليه اسم وادي العقيق، والآخر بشمال السودان، حيث أوكلت إليه الحكومة تشييد طريق الخرطوم - عطبرة الإستراتيجي، الذي كان أول إنجازات الحكومة الوليدة يومها، وكان حلم الإسلاميين أن يساعدهم بن لادن في تفجير ثروات السودان إلا أن ذلك الحلم لم يتحقق".
ودارت الشكوك حول المشروعات الاقتصادية لبن لادن، وفقًا لصديق، حتى أن الصحفيين المناهضين لحكومة الإنقاذ كانوا يعتقدون بأن مشروع وادي العقيق الزراعي هو المسرح الميداني لتدريب أنصار أسامة بن لادن رغم أن اسم القاعدة لم يكن متداولًا على أجهزة الإعلام بعد.
واعتبر الترابي أن بن لادن دخل إلى السودان مستثمرًا بلا نوايا جهادية، وتوجهت كل جهوده ونواياه إلى الاستثمار في مجال التشييد والبناء، معتبرًا في تصريحات سابقة له أنه لو بقي في السودان "لما تورط في العمل ضمن التنظيمات التي تتبنى العنف والقتل". أيضًا صرح د. عوض الجاز، وزير الطاقة والتعدين السوداني في فترة إقامة بن لادن في الخرطوم: "بن لادن كان يدير أنشطة استثمارية مشروعة في السودان، كان رجل أعمال يتمتع بالشفافية ويعمل في العلن، ولم يكن هناك شيء في الخفاء لا من جانبه ولا من جانبنا". وبعد مغادرة بن لادن للخرطوم صادرت الحكومة ممتلكاته، بما فيها مدبغة للجلود وشركة إنشاءات ومساحات واسعة من المزارع بمنطقة سوبا.