لا يبحث (آبا شيربا) عن شهرة أو مجد، فقد صنع المجد ثماني عشرة مرة، حين قهر جبل «إيفرست» أعلى قمة في العالم، ثماني عشرة مرة.
يتطلع (آبا)، وهو متسلق نيبالي في الـ46 من العمر، إلى أن يقهر القمة للمرة التاسعة عشرة، في مهمة شرع فيها، لا لإضافة مجد إلى مجده السابق أو لتحقيق شهرة أكبر، وإنما باسم «الحفاظ على البيئة».
فقبل أيام، انطلق (آبا) على رأس حملة تُعرف باسم «حملة إيفرست البيئية»، مؤلفة من أربعين عضواً، وذلك لبلوغ قمة «إيفرست»، البالغ ارتفاعها 8848 متراً، ضمن حملة تهدف إلى التوعية بالتأثير السلبي للتغير المناخي في جبال الهملايا، علاوة على تنظيف القمة عبر جمع أكبر قدر ممكن من المخلفات والقاذورات التي تركها المتسلقون، على مدى سنوات هناك.
يؤكد (آبا) أنه لا يسعى إلى حصد مزيد من الشهرة، كما أنه لا يقوم بهذه المهمة لكسر رقمه الشخصي في عدد المرات التي قهر فيها القمة.
(هدفي) -كما يقول- (أن أسلط الضوء على التدهور البيئي الذي يتعرض له الجبل، ولفت انتباه العالم إلى مسألة الاحتباس الحراري).
وكانت عقود من تسلق القمة الأعلى والأشهر في العالم، قد سلبتها شيئاً من وهجها، مع وجود بقايا معدات تسلق متروكة، وعلب طعام فارغة، وفضلات بشرية، بل وبقايا جثث .. وكدليل على التغير المناخي، الذي طال تأثيره الجبل، لوحظ في السنوات الأخيرة نقصان كمية الثلوج عليه.
لقد انتقد علماء البيئة الافتراض الأساسي الذي يقوم عليه الفكر السياسي الغربي بشأن «مركزية البشرية» أو التمركز حول الإنسان، بمعنى أن البشر هم مركز الوجود، وهو ما دمر وشوه العلاقة بين الإنسان والبيئة الطبيعية، وبدلا من المحافظة على كوكب الأرض واحترامه واحترام الفصائل المختلفة التي تعيش على سطحه، سعى الإنسان –كما وصفه (جون لوك)- ليصبح «سيد الطبيعة ومالكها»، وساعدت الفردية الليبرالية على انطلاق مشروع التراكم الرأسي والتحديثي بمقاييسه الاقتصادية النقدية، بعيدا عن التكلفة الإنسانية والطبيعية، معطيا الإنسان الضوء الأخضر للسيطرة على الطبيعة أو بمعنى أوضح «تدمير الطبيعة».
وقد تعرضت البيئة في السنوات الأخيرة -وفق هذا المفهوم- لإفساد كبير من قبل الإنسان، أثر على كافة مناحي الحياة وخاصة صحة الفرد العامة.
فقد أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرا خطيرا، حمل عنوان «توقي الأمراض بفضل البيئات الصحية - نحو تقييم عبء الأمراض البيئية»، يسلط الضوء على العلاقة الوثيقة التي تربط بين تدهور البيئة وانتشار الأمراض.
وتؤكّد معطيات التقرير الجديدة، لأوّل مرّة في التاريخ، وجود أمراض مختلفة مردّها عوامل اختطار بيئية، وتبيّن كيف يمكن توقي العبء البشري الفادح الناجم عنها.
ويقول التقرير إن العوامل البيئية التي يمكن توقيها تتسبب في قرابة 24 % من مجموع الأمراض التي تحدث على الصعيد العالمي.
كما تشير التقديرات الواردة في التقرير إلى أنّ 33% من الأمراض التي تصيب الأطفال دون سن الخامسة إنّما تعود إلى بعض أشكال التعرّض البيئي. ويمكن من خلال توقي المخاطر البيئية إنقاذ أرواح أربعة ملايين طفل في السنة، معظمهم في البلدان النامية.
ويفتح التحليل الوارد في التقرير، من خلال التركيز على الأسباب البيئية للأمراض وكيفية تسبّب العوامل البيئية في أمراض مختلفة .. يفتح آفاقاً جديدة فيما يتعلّق بفهم التفاعلات القائمة بين البيئة والصحة. وتعكس التقديرات الواردة فيه حجم الوفيات والأمراض وحالات العجز التي يمكن توقيها بشكل فعلي في كل عام من خلال تحسين الإدارة البيئية.
وقال الدكتور (آندرس نوردستروم)، المدير العام بالنيابة لمنظمة الصحة العالمية: "إنّ التقرير يمثّل إسهاماً كبيراً في الجهود المبذولة من أجل التعمّق في فهم العلاقات التي تربط بين البيئة والصحة. ونحن على علم، منذ زمن طويل، بأنّ البيئة تؤّثر في الصحة تأثيراً بالغاً، غير أنّ هذه التقديرات هي أفضل ما هو متوافر في هذا الشأن حتى الآن. وسيساعدنا هذا التقرير على أن نثبت أنّ الاستثمار الحكيم الموجه إلى تهيئة بيئة داعمة من شأنه أن يكون إستراتيجية ناجحة في مجال تحسين الصحة وتحقيق التنمية المستدامة".
كما تشير التقديرات الواردة في التقرير إلى أنّ أكثر من 13 مليون من الوفيات التي تحدث سنوياً مردّها عوامل بيئية يمكن توقيها. وتلك العوامل تتسبّب أيضاً في نحو ثلث الوفيات والأمراض التي تحدث في أقلّ مناطق العالم نمواً.
ويمكن توقي أكثر من 40% من الوفيات الناجمة عن الملاريا ونحو 94 % من الوفيات الناجمة عن أمراض الإسهال، وهما من أهمّ العوامل المسبّبة للوفاة لدى الأطفال على المستوى العالمي، وذلك من خلال تحسين الإدارة البيئية.
كما قال علماء أميركيون: إن الإنسان يتحمل مسؤولية انقراض ما لا يقل عن 500 من الطيور في العالم منذ نحو 1500 عام، محذرين من أنه ما لم تتخذ خطوات لحماية الحياة الفطرية فإن عددا آخر من الطيور والحيوانات البرية قد ينقرض أيضا.
وحذر باحثون في «جامعة ديوك» من أن معدل انقراض الطيور خلال القرن الواحد والعشرين سيزداد ليشمل حوالي 10 أصناف جديدة كل عام ما لم تتخذ خطوات لحمايتها وتوفير البيئة الصالحة لها للبقاء.
وهكذا فمسلسل الدمار والخراب البيئي لا ينتهي، ولو أطلقنا العنان للبيانات والإحصاءات لطال بنا المقام .. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن:
أين ومتى؟!
أين نحن من كل هذه الجهود الدولية لاحتواء هذا التدمير ووقف نموه السرطاني؟
ومتى نتجاوز حدود الوعي الضيق القاصر على مشكلاتنا الذاتية فقط .. نتجاوزها إلى آفاق أوسع في مواجهة أخطار عالمية ومستقبلية تطال الغني قبل الفقير، وتطال منطقتنا العربية والإسلامية بالأخص نتيجة ضعف الخطط والبرامج المعدة لمواجهتها والسيطرة عليها.
متى نتجاوز حدود الانغلاق، وسياسة النظر تحت الأقدام، ونتجاوز الأنانية التي تسيطر أفكارنا، لنعود إلى دورنا الريادي في ساحات الإيجابية الذي ارتضاه لنا إسلامنا وديننا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا الشامخة.
ألسنا الأولى بالحفاظ على نعم الله من الذين لا يؤمنون به كإيماننا، ولا يملكون من إرث النبوة كما نملك من هدي نبينا.
ألسنا الأولى بالاتحاد في سبيل الخير لمنطقتنا وللعالم بأسره، بدلا من التشرذم والتفكك وإعجاب كل ذي رأي برأيه.
متى نرقى لمسئولياتنا المنوطة بنا وفق رسالتنا الربانية التي تنادينا دوما: «لا ضرر ولا ضرار»، «إن الله جميل يحب الجمال»، «النظافة من الإيمان».
المصادر
- الإسلام والتربية البيئية، د. بركات محمد مراد، مجلة الوعي الإسلامي 536
- البيئة مسئولة عن ربع أمراض العالم أحمد الشربيني
د/ خالد سعد النجار
تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation