حلم كلية الطب سيذهب هباء
أ. شروق الجبوري
السؤال
♦ ملخص السؤال:
فتاة في كلية الطب، تشكو صُعوبة الدراسة، حتى قربتْ مِن الفشل، وتريد نصائح تقوي بها دراستها حتى لا يضيعَ منها الحلم الذي تعبتْ مِن أجْله.
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ في كلية الطبِّ، لازَمني حلمُ الطب منذ الصِّغَر، والحمد لله حققتُ الهدَف، وكنتُ من الأوائل على دفعتي في السنة الأولى، وكنتُ المرجع لكلِّ زميلاتي في دفعتي، لكن عندما وصلتُ إلى الفرقة الثانية أصابني تراجُع شديد، وقلَّ مستواي من الممتاز إلى المقبول، وكنتُ أريد فقط النجاح لا أكثر!
صُدِمْتُ مِن كميَّة المعلومات والمُقَرَّرات التي أدرسها رغم حبِّي للطب، ولَم أَعُدْ أرغب في حضور المحاضرات، ولا الاستماع لها، حتى لُغتي الإنجليزية ضعيفة، ولَم أفَكِّر في تطويرها!
وصل بي الحال إلى الاعتماد على الغِشِّ، رغم علمي بحُرمة الغش، ووصل حالي وفشلي إلى الاعتماد على الأُخْرَيات في كلِّ شيء، وأصابني الإحباطُ، ولم أَعُدْ أرغب في التميُّز أو التفكير في شيءٍ.
الآن لا أريد المذاكَرة، وتحوَّل اتجاهي من القراءة إلى مُشاهَدة الأفلام والمُسلسلات والرِّوايات، مع علمي بأنها لن تُفيدني شيئًا!
الآن أنا في السنة الخامسة من كلية الطب، وقد فقدتُ الإحساس بالمستقبل وبالنجاح، أصبحتُ أتهرَّب وأقف في نهاية المحاضرة حتى لا أسمعَ شيئًا أو أعرف شيئًا.
أخجل مِن كل مَن أقابل بسبب أني لا أعرف شيئًا في الطب، فإذا سألني أهلي عن أيِّ شيءٍ أقف عاجزةً، وما يُؤثر فيَّ أكثر أني ضعيفةٌ في اللغة الإنجليزية، وتشجيع أهلي لي يُزعجني.
أريد أن ألْحقَ قبل فَوات الأوان، وأنتشل نفسي مِن الفشل.
أرجو أن تُعطوني نصائح تدخُل قلبي لتُغير وجهة نظري وحياتي ومستقبلي.
وجزاكم الله خيرًا
الجواب
ابنتي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
يُسْعِدنا أن نرحِّبَ بك في شبكة الألوكة، سائلين المولى القديرَ أن يُسَدِّدنا في تقديم ما ينفعك وينفع جميع المستشيرين.
وأَوَدُّ أن أشيدَ بما استشففتُه في سياق رسالتك مِن سماتٍ إيجابيةٍ، وصفات حميدةٍ تتحلين بها، بل تعوَّدت الاستئناس والسعادة بها قبل أن يتراجعَ مستواك الدراسي منذ بضع سنوات، فطُمُوحك واجتهادك وسَعْيُك لنَفْع الإنسانية مِن خلال هذه المهنة الرائعة، وكذلك تفهُّمك وتقديرك لِوَضْع والدك المالي، وأمَلُك في عدم التسبُّب في خيبة أمل أهلك وكل مَن عوَّل عليكِ، وغيرها الكثير مما لمستُه لديكِ من إيجابيات - كلها تمثِّل نموذجًا مثاليًّا لِمُقومات الشخصية، لكن نقدك الذاتي لمَكامِن الإخفاقات في مسيرتك العلمية وأسلوبك المتَّزِن في هذا النقد الذي ابتعد عن جلْد الذات، كما ابتعد عن التبرير للأخطاء أو إسقاط الأسباب على أشخاص أو ظروف أو غير ذلك - قد أثار إعجابي حقًّا بأسلوب تفكيرك، وأعده مُقومًا ومِفتاحًا مهمًّا لديك يُساعدك في تجاوُز كثيرٍ مِن المشكلات، ومن بينها مشكلتك هذه.
عزيزتي، إنَّ الإحباط الذي أصابك مِن (كمِّ) و(نوع) المعلومات التي تُقَدِّمها المقرراتُ في المرحلة الثانية من الجامعة، ولا سيما المجموعة الطبية، وتليها الهندسية - هو الذي يتسبَّب بشعورٍ أشبه بالصدمة لأغلب الطلبة، وهو ما يترتب عليه في كثيرٍ من الأحيان نفورٌ مِن الدراسة وكلِّ ما يتعلق بها، ثُم يُؤثر على علاقاتهم بالآخرين وقلقهم من المستقبل، وربما الاكتئاب وغير ذلك، ويبدو أن ذلك هو تمامًا ما تَعَرَّضْتِ إليه.
ففَهْمُ الطالب لأسباب ذلك يُساعده كثيرًا على التكيُّفِ مع هذه المرحلة الانتقالية، فطلَبَةُ الطبِّ عمومًا هم من الطلبة الذين اعتادوا التفوُّق والحرص والاجتهاد، لكن ما يغيب عن أكثرهم أن الصعوبة في دراسة المقررات السابقة كانتْ تأتي بتدريج نسبيٍّ، وأن كل مرحلة تُؤسَّس على سابقاتها، كما أنَّ الطالب يكون قد اعتاد على أسلوب ونمط واحد للدراسة وللأسلوب الدراسي مِن قبل المدرسين لمدة اثني عشر عامًا، لكن ما يَحْدُث في الجامعة هو اختلافٌ كبيرٌ عن تلك المراحل في أسلوب التدريس، وطريقة حصول الطالب على المعلومات التي كان يعتَمِد على الكتاب المنهجيِّ فقط في الحصول عليها، واختلاف نوعية المعلومات وكميتها التي عليه دراستها في وقت محددٍ، وغير ذلك من الأمور التي تُحَتِّم على الطالب إيجاد أسلوب جديد يعتمده في الدراسة، بما يتناسب مع قدراته ومع طبيعة المقررات التي يدرسها.
أما عن كون هذه المشكلة قد بدأتْ معك منذ السنة الثانية للجامعة، فلأنها السنة التي تبدأ فيها فعليًّا دراسة التخصص، حيث تعتمد أغلبُ مقررات السنة الأولى بالجامعة على موضوعات أساسيةٍ وعامَّة لتأسيس وتهيئة الطلبة للمراحل التالية، وتكون كثير مِن موضوعاتها لها صلة بما تمتْ دراسته سابقًا.
مِن ناحية أخرى فإنَّ شعورك كما هو شعور أكثر الطلبة الجامعيين بما فيهم طلبة الطب بعدم وجود معرفة كافية لديك في التخصص يؤهلك لممارسة المهنة مستقبلاً - شعور طبيعي جدًّا يشعر به الخريجون في دولنا العربية، والسببُ يعود ببساطة لقلة التدريب الميداني، لكن ما إن يَنْخَرِطَ الخريجُ في ميدان العمل سيرى بعد أشهر قليلة أن هذه المخاوف قد تبددتْ، وتزداد ثقته بمعلوماته مع ازدياد خبرته العملية التي تتضمن كثيرًا من الخطأ والصواب.
ولذلك فإنِّي أتمنَّى منك أن تتفكَّري فيما عرضته من أسباب، لتعلَمي أن الوقت (بالتأكيد) ما زال أمامك متاحًا لُتعيدي نفسك إلى المكانة التي تطمحين أن تكوني دومًا فيها، والتي أجد أنك أهلٌ بها بالفعل، لا سيما وأنك قد اجتَزْتِ جميع المراحل السابقة بنجاحٍ، رغم اعترافك بعدم بذْل الجُهود المطلوبة! وهو ما يندر حُدوثه في تخصصٍ أكاديميٍّ كتخصص الطب.
وأخيرًا أختم بالدعاء إلى الله تعالى أن يُصْلِحَ كل أمرك، ويفتحَ لك أبواب العلم والخير وينفع بك
وسنسعد بسماع أخبارك الطيبة