الإسلام المختطف
توفيق الصائغ
الإسلام دين عظيم، من رب عظيم، بُعث به رجل عظيم، ودونت قيمه في دستور عظيم، مكونات العظمة تحيط بهذا الدين من كل جانب، واختار الله له في بواكير الدعوة رجالاً عظماء، حملوه لنا بأمانة متناهية، ينفون عنه انتحال المبطلين، وتأويل الغالين، وكانوا ترجمة حرفية لتعاليم الدين ديناً وأخلاقاً وتعاملاً، فكانوا بحق مسلمين بامتياز، يصورون الدين واقعاً، ويمثلونه تطبيقاً، ثم خلف من بعدهم خلف غيروا وبدلوا، وآخرون حاولوا أن يسيروا على الغرز والأثر، وبين هؤلاء وهؤلاء مهاترات ومناظرات، ودعاوى وادعاءات، كلٌ يدّعي أنه الدين، ولا أحد غيره، فهؤلاء يقصون أولئك حاصرين اسم الدين فيهم، وأولئك يختصرون امتداد الدين، وسعة الإسلام في شخوصهم ولا غير، أين الدين الخالص؟ من الذي يمثل الإسلام؟ وهل الإسلام جهاد وقتل وقتال فحسب؟ أم هو علم ورواية وفقه وتفسير فقط؟
هل الدين دعوة وتبشير، وسعي في هداية الخلق إلى الخالق فحسب؟
أم أن الدين هو مجموع ذلك؟ ثم لو اشتغلت طائفة بأمر من أمور الدين هل من الضرورة أن تكون محل نقد طائفةٍ أخرى تشتغل بأمرٍ غيره؟
هل من تثريب على من تخصص في مجالٍ ليسدّ ثغرةً على المسلمين، تاركاً مجالاً آخر لمن يشتغل به؟
أين الخلل؟
كل طائفة من تلك التي ذكرت تحصر الدين فيما هي مشتغلة به، بينما الدين أوسع وأشمل، وأكبر وأعمق من أن يختطفه أحدٌ كائناً من كان، أو أن يمثله مشروعٌ واقعاً ما وقع.
لست أنس أبداً قريباً لي في السويد تواصل معي ذات مرة بعد طول انقطاع، وكان حديث الأوبة للتدين، فسألني بتشنج وحدة: هل أنت سلفي؟
فابتسمت لأقول له: وماذا تعرف عن السلفية؟ فلم يحر جواباً.
وآخر أشد تشنجاً لو أقسمت بين الركن والمقام أنه لا يحفظ الأربعين النووية، فضلاً عن قصار المفصل لما حنثت، جُلُّ همه رصد مخالفات فلان وفلان، وتبديع فلان، وإخراج فلان من دائرة الدين، أو سلامة المنهج، عقد لي مرّة مجلس مناظرة لأنني ذكرت (س) من الناس في خطبة، فلمّا أعياني وغلبني، وأعترف بكل شجاعة أنه غلبني، وصدق الشافعي: "ما ناظرت جاهلاً إلا غلبني" لما رفعت له الراية البيضاء استسلاماً، حاولت أن آوي إلا جبل يعصمني من الماء، أو ركن شديد، فذكرته بشهادة عالمٍ هو يرتضيه، وإمامته محل اتفاق، هو شيخنا العلاّمة ابن عثيمين -رحمه الله- فقلت له: عندي تزكية خطية بقلم الشيخ تثبت أن العبد الفقير على عقيدة سليمة، ومن طلابه الموثوق بسلامة منهجهم.
قال: قد علمت من أمرك ما لم يعلمه الشيخ!
أظنك أيها القارئ وببساطة قد عرفت سرّ استسلامي في المرة الأولى.
شعارات هنا وهناك، وصيحات، ووو.. الكلّ يريد اختزال الإسلام في طائفته وجماعته، ويأبى الإسلام إلا أن يكون فوق الجميع، وحكماً على الجميع.
من حقك أن تسأل: من الذي يمثل الإسلام اليوم؟
ومن واجبي أن أجيب: يمثله حملة الكتاب، وعلماء الأمة، المتمسكون بالكتاب والسنة قولاً وفعلاً، وإلاّ فكل:
يدّعي وصلاً بليلى *** وليلى لا تقرّ لهم بذاكا!
يمثل الإسلام كل متمسك بتعاليمه، محاول لذلك، وإلا فمنذا الذي يدعي الإحاطة بكليته؟ وأنى له ذلك لو ادّعاه؟! بل وهيهات هيهات.
يمثل الإسلام كلّ مسلم لم تعرف عنه بدعة مكفرة، ولا زيغ عن الحق متعمد، ليظلّ الإسلام كما أراده الله ظلاً ظليلاً يقي من هجير كل المذاهب الأرضية، ودوحة فينانة وأمناً وإيماناً.
اللهم أهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، وثبتنا على ذلك حتى نلقاك.