الإعراب
أبو زياد النحوي
تيسير النحو العربي (5)
الإعراب
أولًا: حقيقة الإعراب:
قلنا: إن الإعرابَ هو: حالة التغيُّر التي تعتري شكلَ الحرف الأخير من الكلمة، وهذا التغيُّر يحدث بتسلُّط العوامل الإعرابيَّة على الكلمة المعربة.
وقد عرف النُّحاة الإعراب بقولهم: "الإعراب: تغييرُ أواخر الكَلِم؛ لاختلافِ العوامل الداخلةِ عليه، لفظًا أو تقديرًا"[1]، وعلى ضوء هذا التعريف يتَّضح ما يلي:
(أ) أن الإعراب هو حالة التغيُّر التي تصيب شكلَ الحرف الأخير من الكلمة المعربة - كما سبق ذكره - وهذا التغيُّر يكون بالرفع، أو النصب، أو الجرِّ، أو الجزم.
(ب) أن هذا التغيُّر يكون في آخر الكلمة المعربة، فإن كان في أوَّل الكلمة أو وسطها، فهذا لا يكون إعرابًا، بل يكون تغيُّرًا صرفيًّا؛ لأنه يتعلَّق ببنية الكلمة كما في قولهم: فِلْسٌ وفُلَيْسٌ، وأَفْلُس وفُلُوس؛ فهذا تغيُّر صرفيٌّ لا إعرابيٌّ؛ لأنه في غير الآخر.
(ج) أن التغيُّر الإعرابيَّ الذي يكون في آخرِ الكلمة هو الذي يكون أثرًا للعامل الإعرابيِّ، فإن كان لغيرِ ذلك فليس إعرابًا؛ لأن الكلمةَ قد يتغيَّرُ آخرها بحسب لهجات العرب، كما في (حيث) فإن العربَ تنطقُها بلهجات مختلفة، فمنهم مَن يجعلها على الضمِّ فيقول: (حيثُ)، ومنهم مَن يجعلها على الفتح (حيثَ)، ومنهم مَن يجعلُها على الكسر (حيثِ)، فالإعرابُ له عواملُ يتعلَّق بها، وتحدث بها التغيُّرات التي تعتري آخرَ الكلمة؛ كما في الأمثلة:
(أ) جاء زيدٌ.
(ب) رأيت زيدًا.
(ج) مررت بزيدٍ.
فكلمةُ (زيد) في الأمثلة الثلاثة تغيَّر شكلُ آخرها مرةً بضمةٍ، ومرَّة بفتحة، ومرة بكسرة، وهذا التغيُّر جاء تبعًا لموقع الكلمة في كلِّ مثال، فـ(زيد) في المثال الأولِ فاعلٌ؛ وهذا يقتضي الرفعَ، والرفع علامتُه الضمة، و في المثال الثاني (زيدًا) مفعولٌ به؛ وهذا يقتضي النَّصْبَ، والنصب علامته الفتحة، وفي المثال الثالث (زيدٍ) اسمٌ سبقه حرفُ جرٍّ؛ وهذا يقتضي الجرَّ، والجرُّ علامته الكسرة، فالتغيُّر الذي طرأ على كلمة (زيد) إنما هو لتأثُّره بالعامل الإعرابي.
(د) أن الكلمةَ المُعربة التي هي محلُّ هذا التغير عند النحاة نوعان[2]:
الأول: الاسمُ المُتمكِّن: والمُتمكِّن هو الاسم المعربُ، وهو قسمان:
1- متمكِّن أمكنُ: وهو الاسم المُنصرِفُ، ومثالُه:
جاء محمدٌ، ورأيت محمدًا، ومرَرْتُ بمحمدٍ، فإن (محمدًا) لَحِقه التنوينُ في كل حالاتِه؛ لأنه متمكِّن أمكنُ، فنعربُه بالحركات الثلاث، ونعطيه التنوينَ كعلامة على تمكنه في باب الاسميَّة.
2- متمكِّنٌ غيرُ أمكن: وهو الممنوعُ من الصرف لعلَّة أو علتين، ومثاله:
جاء أحمدُ، ورأيت أحمدَ، ومررت بأحمدَ، فـ(أحمد) ممنوعٌ من الصرف؛ لأنه عَلَم على وزن الفعل، فهذا نعربُه بالضمة رفعًا وبالفتحة نصبًا وجرًّا، ولا نعطيه التنوين؛ لأنه ممنوع منه.
• والنوع الثاني: يعني: من المعرب، هو الفعلُ المضارع الذي خلا من نونَيِ التوكيدِ والإناث؛ نحو: يضربُ، يأكل، وما جرى على هذه الصورة.
(هـ) أن الإعرابَ قسمان: ظاهرٌ، وهو: ما للسانِ فيه حظٌّ؛ يعني: يُنطَقُ به، ويُتلفَّظُ؛ فيظهر في النطق، ومثاله: جاء زيدٌ، فضمةُ الرفع نطَق بها اللسانُ هنا، وظهرت عليه.
والقسم الثاني: أَيْ: من الإعراب: المُقدَّر، وهو: ما ليس لِلسان فيه حظٌّ، فيَمنَعُ من النطق به مانعٌ؛ ومثاله: جاء الفتى، فإن ضمةَ الرفع في (الفتى) لم تظهَرْ، ولم يَنطِقِ اللسانُ بها؛ لأن (الفتى) اسمٌ مقصور؛ أي: مختوم بألف لازمة، وهذا يأتي في موضعه.
ثانيا: أقسام الإعراب[3]:
أقسام الإعراب التي تقعُ في الاسم والفعل جميعًا أربعة: الأول: الرفع، والثاني: النصب، والثالث: الخَفْضُ، والرابع: الجَزْم، ولكل واحد من هذه الأنواع الأربعة معنًى في اصطلاح النحاة.
أما الرفعُ فهو في الاصطلاح: تغيُّرٌ مخصوص، علامتُه الضمة وما ناب عنها، ويقعُ الرفع في كلٍّ من الاسم والفعل؛ نحو: يقومُ عليٌّ.
وأما النصب فهو في الاصطلاح: تغيُّرٌ مخصوص، علامتُه الفتحة وما ناب عنها، ويقع النصب في كلٍّ من الاسم والفعل أيضًا؛ نحو: لن أحبَّ الكسلَ.
وأما الخفض في الاصطلاح فهو: تغيُّرٌ مخصوص، علامته الكسرةُ وما ناب عنها، ولا يكون الخفضُ إلا في الاسم؛ نحو: تألَّمْتُ من الكسولِ.
وأما الجزم فهو في الاصطلاح: تغيُّرٌ مخصوصٌ علامتُه السكون وما ناب عنه، ولا يكونُ الجزمُ إلا في الفعل؛ نحو: لم يَفُزْ متكاسل.
[1] المقدمة الآجرومية ص: 35.
[2] قال ابن هشام في (شذور الذهب) ص: 58:
"الإعراب أثرٌ ظاهر أو مُقدَّر يجلبُه العامل في آخر الاسم المتمكن، والفعل المضارع"، فذكر رحمه الله أن الإعرابَ يدخلُ بابين: الاسم المتمكِّن، والفعل المضارع.
[3] التحفة السنية بشرح الآجرومية؛ محيي الدين عبدالحميد ص: 17، 18.