موقف الشوكاني من الرافضة
زهير عمر الخلاقي
عايش الشوكاني - رحمه الله - في بلده الفتن الكبيرة التي أحدثتها الرافضة، ووقف منهم موقف الخصومة والتحذير، وموقف المغالبة والـرد الصريح، ولم يختر طريق المداهنة أو المسايرة كما عُرف عن كثير من علماء عصره، ونعى عليهم ذلك وأنكر.
فهو أولاً ينكر بدعهم صراحة، ثم يفضح سلوكهم المعوج، ويكشف ألاعبيهم من خلال رسائله ومؤلفاته يقول - رحمه الله -:
"انظر الرافضة فإنك تجد أكثر ما لديهم وأعظم ما يشغلون به، ويكتبونه، ويحفظونه؛ مثالب الصحابة المكذوبة عليهم؛ ليتوصلوا بذلك إلى ما هو غاية ما لديهم من الثلب، والسب لهم - صانهم الله، وكبت مُبغضهم -"(أدب الطلب ص:84-85).
وفي موضع آخر يحذر من التعايش مع أهل الرفض، ويبين أثر ذلك عن تجربة ومشاهدة كما يقول في أدب الطلب ص 148: "وقد جربنا هذا تجريباً كثيراً، فلم نجد رافضياً يخلص المودة لغير رافضي، وإن آثره بجميع ما يملكه، وكان له بمنزلة الخول، وتودد إليه بكل ممكن".
وفي موضع بيّن - رحمه الله - حقيقة التشيع والرفض، والتظهر بحب آل البيت، وأن المقصد من ذلك هدم الإسلام، ورفع راية الشرك والزندقة يقول: "أصل هذا المذهب الرافضي هو مذهب إلحاد وزندقة، جعله من أراد كيد الإسلام ستراً له، فأظهر التشيع والمحبة لآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استجذاباً لقلوب الناس؛ لأن هذا أمر يرغب فيه كل مسلم ... ثم أظهر للناس أنه لا يتم القيام بحق القرابة إلا بترك حق الصحابة، ثم جاوز ذلك إلى إخراجهم - صانهم الله - عن سبيل المؤمنين.
ومعظم ما يقصده بهذا هو الطعن على الشريعة وإبطالها، لأن الصحابة هم الذين رووا للمسلمين علم الشريعة من الكتاب والسنة، فإذا تم لهذا الزنديق باطناً، الرافضي ظاهراً؛ القدح في الصحابة، وتكفيرهم، والحكم عليهم بالردة؛ بطلت الشريعة بأسرها؛ لأن هؤلاء هم حملتها، الراوون لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذه هي العلة الغائبة لهم، وجميع ما يتظهرون به من التشيع؛ كذب وزور، ومن لم يفهم هذا فهو حقيق بأن يتهم نفسه، ويلوم تقصيره" أدب الطلب ص 114.
ولم تكن هذه المواقف لتمر بسلام، بل نال الشوكاني بعض الأذى، وكثير من العنت، والفتن، وسجل بعضاً منها في كتبه، فعلى سبيـل التمثيل يقول: "لما ألّفت الرسالة التي سميتها (إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -) ونقلت إجماعهم من ثلاث عشرة طريقة على عدم ذكر الصحابة بسب أو ما يقاربه؛ وقعت هذه الرسالة بأيدي جماعة من الرافضة الذين بصنعاء المخالفين لمذهب أهل البيت، فجالوا وصالوا، وتعصبوا وتحزبوا، وأجابوا بأجوبة ليس فيها إلا محض السباب والمشاتمة، وكتبوا أبحاثاً نقلوها من كتب الإمامية والجارودية.
وكثرت الأجوبة حتى جاوزت العشرين، وأكثرها لا يُعرف صاحبه، واشتغل الناس بذلك أياماً، وزاد الشر، وعظمت الفتنة، فلم يبق صغير ولا كبير، ولا إمام ولا مأموم؛ إلا وعنده من ذلك شيء، وأعانهم على ذلك جماعة ممن له صولة ودولة.
ثم إن تلك الرسالة انتشرت في الأقطار اليمنية، وحصل الاختلاف في شأنها، وتعصب أهل العلم لها وعليها ... وكـل من عنده أدنى معرفة يعلم أني لم أذكـر فيها إلا مجرد الذب عن أعراض الصحابة الذين هم خير القرون، مقتصراً على نصوص الأئمة من آل البيت، ليكون ذلك أوقع في نفوس من يكذب عليهم، وينسب إلى مذهبهم ما هم منه براء" البدر الطالع 233-234/1.
كما أن الشوكاني قد عني بالكشف عن أمر مهم وهو تغلغل الرافضة بين الزيدية، وتأثيرهم عليهم تحت شعار التشيع لعلي ومحبة آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد تفطن إلى هذا المسلك الملتوي جماعة من الأذكياء قبل الإمام الشوكاني كالإمام ابن الوزير في كتابه (العواصم) 457/3، وجماعة من كبار أئمة المذهب كالمروي عن الإمامين الهادي، وعبدالله بن حمزة. الزيدية للأكوع ص 73.
وخاطب العلامة الشاعر أحمد بن حسين بركات المتوفي سنة (1196هـ) من مال إلى مسلك (ثلب الصحابة) من الزيدية (الجاوردية) بقوله شعراً:
تعالوا إلينا إخوة الرفض إن يكن *** لكم شرعة الإنصاف ديناً كديننا
مدحنا علياً فوق مـــــا تمدحونه *** وسببتم أصحاب أحمد دوننا
وقلتم: بأن الحق ما تدعونه *** ألا لعن الرحمن منا أضلنا
وزاد الإمام الشوكاني هذا المعنى إيضاحاً بقوله:
قبيح لا يماثله قبيح لعمر أبيك دين الرافضينا
أذاعوا في عليٍ كل نكر وأخفوا من فضائله اليقيناٍ
وسبوا لا رعوا أصحاب طه وعادوا من عداهم أجمعينا
وقالوا دينهم دينٌ قويمٌ ألا لعن الإله الكاذبينا
الزيدية للأكوع ص 75/74
رحم الله الأمام الشوكاني رحمة واسعة. انتهى