روي في سحر عائشة رضي الله عنها قصة طويلة من طريق الامام مالك
أَخْبَرَنَا أَبُو الرِّجَالِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ أَعْتَقَتْ جَارِيَةً لَهَا عَنْ دُبُرٍ مِنْهَا، ثُمَّ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَكَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَشْتَكِيَ، ثُمَّ إِنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا رَجُلٌ سِنْدِيٌّ، فَقَالَ لَهَا، أَنْتِ مَطبُوبَةٌ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: وَيْلَكَ، مَنْ طَبَّنِي؟ قَالَ: امْرَأَةٌ مِنْ نَعْتِهَا كَذَا وَكَذَا، فَوَصَفَهَا، وَقَالَ: إِنَّ فِي حَجْرِهَا الآنَ صَبِيًّا قَدْ بَالَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: ادْعُوا لِي فُلانَةً جَارِيَةً كَانَتْ تَخْدُمُهَا، فَوَجَدُوهَا فِي بَيْتِ جِيرَانٍ لَهُمْ فِي حَجْرِهَا صَبِيٌّ، قَالَتْ: الآنَ حَتَّى أَغْسِلَ بَوْلَ هَذَا الصَّبِيِّ، فَغَسَلَتْهُ ثُمَّ جَاءَتْ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: أَسَحَرْتِنِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَتْ: أَحْبَبْتُ الْعِتْقَ، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لا تَعْتَقِينَ أَبَدًا، ثُمَّ أَمَرَتْ عَائِشَةُ ابْنَ أُخْتِهَا أَنْ يَبِيعَهَا مِنَ الأَعْرَابِ مِمَّنْ يُسِيءُ مَلْكَتَهَا، قَالَتْ: ثُمَّ ابْتَعْ لِي بِثَمَنِهَا رَقَبَةً، ثُمَّ أَعْتِقْهَا، فَقَالَتْ عَمْرَةُ: فَلَبِثَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الزَّمَانِ، ثُمَّ إِنَّهَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ أَنِ اغْتَسِلِي مِنْ آبَارٍ ثَلاثَةٍ يَمُدُّ بَعْضُهَا بَعْضا، فَإِنَّكِ تُشْفَيْنَ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، فَذَكَرَتْ أُمُّ عَائِشَةَ الَّذِي رَأَتْ، فَانْطَلَقَا إِلَى قَنَاةٍ، فَوَجَدَا آبَارًا ثَلاثَةً يَمُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَاسْتَقَوْا مِنْ كُلِّ بِئْرٍ مِنْهَا ثَلاثَ شُجُبٍ حَتَّى مَلَئُوا الشُّجُبَ مِنْ جَمِيعِهَا، ثُمَّ أَتَوْا بِذَلِكَ الْمَاءِ إِلَى عَائِشَةَ، فَاغْتَسَلَتْ فِيهِ فَشُفِيَتْ.))
ورواه أحمد وعبد الرزاق عن سفيان عن يحيى عن أبي الرجال لكن بسياق مختصر ,
عن سفيان عَنِ ابْنِ أَخِي عَمْرَةَ، وَلَا أَدْرِي هَذَا أَوْ غَيْرَهُ، عَنْ عَمْرَةَ قَالَتْ: اشْتَكَتْ عَائِشَةُ فَطَالَ شَكْوَاهَا، فَقَدِمَ إِنْسَانٌ الْمَدِينَةَ يَتَطَبَّبُ، فَذَهَبَ بَنُو أَخِيهَا يَسْأَلُونَهُ، عَنْ وَجَعِهَا، فَقَالَ: وَاللهِ إِنَّكُمْ تَنْعَتُونَ نَعْتَ امْرَأَةٍ مَطْبُوبَةٍ، قَالَ: هَذِهِ امْرَأَةٌ مَسْحُورَةٌ سَحَرَتْهَا جَارِيَةٌ لَهَا ، قَالَتْ: نَعَمْ أَرَدْتُ أَنْ تَمُوتِي فَأُعْتَقَ، قَالَ: وَكَانَتْ مُدَبَّرَةً، قَالَتْ: " بِيعُوهَا فِي أَشَدِّ الْعَرَبِ مَلَكَةً، وَاجْعَلُوا ثَمَنَهَا فِي مِثْلِهَا "))
و هذه القصة غير صحيحة , وهي ضعيفة سندا ومتنا ,وفيها اضطراب واختلاف في متنها
ولا توجد في الموطآت الا في موطأ أبي مصعب, وأيضا في موطأ محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة , لكن هو ضعيف و روايته للموطأ من أضعف الروايات
أما أبو مصعب فهو ثقة , لكن تفرده عن تلاميذ مالك الكبار -على كثرتهم -بهذه الرواية مما يوهن أمر ثبوتها
ومما يزيدها وهنا الى وهنها أن مالكا لم يسمع من أبي الرجال , فهو يرسل عنه
وله في الموطأ أربعة أحاديث أرسلها عنه , وهي موصولة من طريق غيره كما قال الحافظ الكبير ابن عبد البر
والعجيب أنه لم يشر الى هذه الرواية مع تبحره في معرفة نسخ الموطآت واختلافاتها وما زاد وما نقص فيها
وأكبر دليل يسقط هذه الرواية أن أبا مصعب الزهري كتبها بعد باب
(
(باب ما جاء في بيع المدبر))
وبعد أن ساق القصة كاملة
ذكر كلام مالك المفصل في حكم بيع المدبر
فقال
((،
قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمُدَبَّرِ: أَنَّ صَاحِبَهُ لاَ يَبِيعُهُ. وَلاَ يُحَوِّلُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ. وَأَنَّهُ إِنْ رَهِقَ سَيِّدَهُ دَيْنٌ. فَإِنَّ غُرَمَاءَهُ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى بَيْعِهِ مَا عَاشَ سَيِّدُهُ....))
وهذا الكلام لمالك هو الذي اتفق رواة الموطأ -ما عدا محمد بن الحسن - على كتابته بعد الترجمة
أما محمد بن الحسن فكتب بعد القصة ما يلي
(أَمَّا نَحْنُ فَلا نَرَى أَنْ يُبَاعَ الْمُدَبَّرُ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا)) انتهى
ثم روى من طريق مالك عن ابن المسيب عدم جواز بين المدبر
ولا شك أن ما قاله مالك في الموطأ بعد الترجمة السابقة فيه تعارض شديد بينه وبين قصة عائشة
ففي القصة أنها باعت هذه المرأة المدبرة التي سحرتها
لكن مالكا مذهبه الذي صرح به في الكلام اعلاه أنه لا يجوز بيع المدبر ولو أرهقت سيده الديون ولم يجد مالا غيره
قال الباجي ( قَالَ مَالك: لَا يجوز بَيْعه حَال الْحَيَاة وَيجوز بعد الْمَوْت إِذا كَانَ على السَّيِّد دين))انتهى
وأيضا هو مذهب أبي حنيفة , وقد صرح بذلك
وهذا خلافا للشافعي الذي جوز بيعه مطلقا , دون شرط الاعسار والحاجة
والأعجب والأنسب أن الشافعي استدل بقصة عائشة مختصرة في بيع المدبرة كما ذكر البيهقي وغيره , وقد روى القصة مختصرة أيضا في مسنده
قال ابن عبد البر
((وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ بَاعَتْ عَائِشَةُ جَارِيَةً لَهَا كَانَتْ دَبَّرَتْهَا سَحَرَتْهَا وَأَمَرَتْ أَنْ يُجْعَلَ ثمنها في مثلها))
فكيف يرويه مالك في الموطأ ثم يفتي بخلافه ؟
ورواية الموطأ مخالفة لرواية أحمد وعبد الرزاق المختصرة
فالأولى فيها دخول الرجل السندي على عائشة وحكمه عليها أنه مريضة مسحورة وهذا لا يكون الا برؤيتها والكشف عن وجهها
وفي الثانية أن بني أخيها هم من ذهب الى الرجل وسألوه عن حالها , فأخبرهم دون رؤيتها
ولا شك أن القصة الأأولى أنكر من الثانية , فكيف يجوز لرجل غريب أن يدخل على أم المؤمنين وينظر ويحدق فيها ؟
و في الثانية وكذا الأولى معرفة الرجل بسحر عائشة وبمن سحرها دون أن يراها , وهذا ضرب من علم الغيب الذي لا يطلع عليه الا الله تعالى
ويمكن أن تكون عائشة رضي الله عنها سحرت فهذا لا يستبعد وقوعه لأحد , لا سيما بعد أن حدث مثله للنبي عليه السلام , لكن وقوعها بهذه التفاصيل هو المستبعد
ولو حدث مثل هذا لاشتهر وانتشر خبره ولا ينقل الينا بمثل هذا الاسناد الفرد و المنقطع ,
ومعلوم أن الصحابة كان مذهبهم قتل الساحر , فكيف تركت هذه المرأة بعد أن اعترفت بفعلتها دون حد ؟
والله أعلم