- لماذا خالف الشيخ - رحمه الله- طريقة المصنفين فلم يجعل للكتاب خطبة يبين فيها طريقته، بل قال: " كتاب التوحيد" وقول الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، فأخلاه من الخطبة؟.
والسبب في ذلك، والسر فيه- فيما يظهر لي- أن التوحيد الذي سيبينه الشيخ - رحمه الله - في هذا الكتاب هو توحيد الله - جل وجلاله -.
وتوحيد الله قد بينه الله - جل وعلا- في القرآن، فكان- لذلك - من الأدب في مقام التوحيد ألا يَجعل فاصلا بين الحق والدال على الحق وكلام الدال عليه.
فالحق الذي لله هو التوحيد، والذي دل على هذا الحق هو الله - جل جلاله - والدليل عليه هو كلامه، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا من لطائف أثر التوحيد في القلب، وهذا كصنيع الإمام البخاري، رحمه الله- في صحيحه.
إذ لم يجعل في (صحيحه)؛ إذ لم يجعل لصحيحه خطبة، بل جعل (صحيحه) مبتدأ بالحديث؛ ذلك أن كتابه كتاب سنة.
ومن المعلوم أن من الأدب، أو من مراعاة الأدب: ألا يُتقدَّم بين يدي الله ورسوله، لذا لم يقدِّم المؤلف كلامه على كلام رسوله صلى الله عليه وسلم كما جعل البخاري (صحيحه) مفتتحا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم
إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) لأن كتابه كتاب سنة، فجعل كتابه في ابتدائه مبتدأ بكلام صاحب السنة -عليه الصلاة والسلام-. وهذا من لطيف المعاني التي يرعاها من نور الله قلوبهم لمعرفة حقه، وحق رسوله صلى الله عليه وسلم.