يموت في الغابِ أو في غيرِه الأسدُ
( يموت في الغابِ أو في غيرِه الأسدُ ** كلُّ البلادِ وسادٌ حين تتَّسدُ )
( قد غيَّبَ الغربُ شمساً لا سقامً بها ** كانت على جَنَباتِ الشرقِ تَتَّقِد )
( حدا بها الأجلُ المحتومُ فاغتربتْ ** إن النفوسَ إلى آجالها تفد )
( كلُّ اغترابٍ متاعٌ في الحياةِ سوى ** يومٍ يفارقُ فيه المهجةَ الجسد )
( نعى الغمامَ إلى الوادي وساكنهِ ** برقٌ تمايلَ منه السهلُ والجَلد )
( برقُ الفجيعةِ لما ثار ثائِرُه ** كادتْ كأَمسٍ له الأَحزابُ تَتَّحِد )
( قام الرجالُ حيارى منصتين له ** حتى إذا هدَّ من آمالهم قعدوا )
( علا الصعيدَ نهارٌ كلُّه شجنٌ ** وجلَّل الريفَ ليلٌ كلُّه سُهُدُ )
( لم يُبْقِ للضاحكين الموتُ ما وجدوا ** ولم يَرُدَّ على الباكين ما فقدوا )
( وراءَ ريبِ الليالي أو فجاءتها ** دمعٌ لكلِّ شماتٍ ضاحكٍ رصد )
( باتت على الفكِ في التابوتِ جوهرةٌ ** تكادُ بالليل في ظلِّ البِلَى تقِدُ )
( يفاخرُ النيلُ أصداف الخليج بها ** وما يدبُّ إلى البحرين أَو يَرِدُ )
( إنّ الجواهر أسناها وأكرمها ** مايقذفُ المهدُ ، لا ما يقذفُ الزَّبدُ )
( حتى إذا بلغ الفلكُ المدى انحدرتْ ** كأنها في الأكفِّ الصارمُ الفرد )
( تلك القيَّةُ من سيف الحمى كسرٌ ** على السرير ، ومن رمح الحمى قصد )
( قد ضمّها فزكا نعشٌ يطاف به ** مُقدَّمٌ كلِواءِ الحقِّ مُنفرِد )
( مشتْ على جانبيه مصرُ تَنْشُدُه ** كما تدَلَّهَت الثَّكْلَى ، وتَفتقِد )
( وقد يموت كثيرٌ لا تحسُّهمُ ** كأَنهم من هَوانِ الخطب ما وُجِدوا )
( ثكلُ البلاد له عقلٌ ، ونكبتها ** هي النجابةُ في الأولاد ، لا العدد )
( مكلِّل الهامِ بالتصريح ، ليس له ** عودٌ من الهام يَحويه ولا نَضد )
( وصاحبُ الفضل في الأَعناقِ ليس له ** من الصنائعِ أَو أَعناقهم سَنَد )
( خلا من المِدْفَع الجبَّارِ مَركَبُهُ ** وحلّ فيه الهدى والرفقُ والرَّشَد )
( إن المدافِعَ لم يُخْلَقْ لصُحبتها ** جندُ السلام ، ولا قُوّادُه المُجُد )
( يا بانِيَ الصرح لم يَشغَله مُمتدِحٌ ** عن البناءِ ، ولم يصرفه مُنتقِد )
( أَصمَّ عن غضبٍ مِنْ حَوْلِه ورِضًى ** في ثورةٍ تَلِدُ الأَبطالَ أَو تَئِد )
( تصريحك الخطوةُ الكبرى ومرحلةٌ ** يدنو على مثلها ، أو يبعد الأمد )
( الحقُّ والقوةُ ارتدّا إلى حكمٍ ** من القياصل ، ما في دينه أود )
( لولا سِفارتُك المهديّةُ اختصما ** وملَّ النِّضالِ الذئبُ والنَّقد )
( ما زِلْت تَطرقُ بابَ الصلح بينهما ** تفتحت الأبوابُ والسُّدد )
( وجَدْتها فرصةً تُلْقى الحِبالُ لها ** إنَّ السياسةَ فيها الصَّيْدُ والطَّرَد )
( طلبْتَها عندَ هُوجِ الحادثاتِ كما ** يمشي إلى الصيد تحتَ العاصفِ الأَسَد )
( لما وجدت مُعدّاتِ البناءِ بنَتْ ** يداك للقوم ما ذمُّوا وما حمدوا )
( بنيت صرحك من جهد البلاد ، كما ** تبنى من الصخرِ الآساسُ والعمد )
( فيه ضحايا من الأَبناءِ قَيِّمةٌ ** وفيه سَعْيٌ من الآباءِ مُطَّرِد )
( وفيه ألويةٌ عزَّ الجهادُ بهم ** لولا المنيَّةُ ما مالوا ، ولا رقدوا )
( رميْت في وَتَدِ الذلِّ القديمِ به ** حتى تَزعزعَ من أسبابه الوتِد )
( طوى حِمايَتَهُ المحتَلُّ ، وانبسطتْ ** حمايةُ اللهِ ، فاستذرى بها البلد )
( نمْ غيرَ باكٍ على ما شدت من كرمٍ ** ما شِيدَ للحقِّ فَهْوَ السَّرْمَدُ الأَبد )
( يا ثروةَ الوطنِ الغالي ، كفَى عظةً ** للناس أنك كنزٌ في الثرى بدد )
( لم يطغك الحكمُ في شتَّى مظاهره ** ولا استخفَّك لينُ العيشِ والرَّغد )
( تغْدُو على الله والتاريخِ في ثِقةٍ ** ترجو فتُقْدِمُ ، أَو تخْشَى فتَتَّئِد )
( نشأتَ في جبهةِ النيا ، وفي فمها ** يدورُ حيثُ تَدور المجدُ والحسَد )
( لكلِّ يومٍ غَدٌ يمضي برَوْعَتِهِ ** وما ليومكَ يا خيرَ اللداتِ غدُ )
( رَمَتْكَ في قنواتِ القلبِ فانصدعَتْ ** منِيَّةً ما لها قلبٌ ، ولا كَبِد )
( لمّا أناختْ على تامورك انفجرتْ ** أَزكَى من الورْدِ ، أَو من مائه الوُرُد )
( ما كلُّ قلبٍ غدا أو راح في دمه ** فيه الصديقُ وفيه الأَهلُ والولد )
( ولم تطاولكَ خوفاً أن يناضلها ** منك الدهاءُ ورأيٌ منقذٌ نجد )
( فهل رثى الموت للبرِّ الذَّبِيحِ وهل ** شجاه ذاك الحنانُ الساكنُ الهَمِد ؟ )
( هَيْهَات ! لو وُجِدَتْ للموت عاطفةٌ ** لم يبك من آدمٍ أحبابه أحد )
( مَشَتْ تَذُودُ المنايا عن وَديعتها ** مدينةُ النُّور ، فارتدَّتْ بها رمد )
( لو يُدفع الموتُ رَدَّتْ عنك عادِيَهُ ؟ ** للعلم حولكَ عينٌ لم تنمْ ويد )
( أبا عزيز سلامُ اللهِ ، رسلٌ ** إليك تحمل تسليمي ، ولا بردُ )
( ونفحةٌ من قوافي الشعر كنت لها ** في مجلس الراحِ والريحانِ تحتشدِ )
( أرسلتها وبعثتُ الدمعَ يكفنها ** كما تحدَّر حولَ السَّوسن البرد )
( عطفتُ فيك إلى الماضي ، وراجعني ** ولا تغّير في أبياتها الشُّهد )
( حتى لمحتُكَ مَرموقَ الهلالِ على ** حداثةٍ تععدُ الأوطانَ ما تعد )
( والشعرُ دمعٌ ، ووجدانٌ ، وعاطفةٌ ** ياليت شعريَ هل قلتُ الذي أجد )