تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فإنني إذ أتوقع أن تصلكم رسالتي هذه، لأتمنى أن تكلل "رؤية السعودية 2030" بالنجاح، رغم قناعتي بأن رحلة التغيير والتحوُّل باتجاه المستقبل لن تكون سهلة.
عملت في السعودية بشكل متواصل من عام 1978 إلى عام 1992، وبشكل متقطع خلال العقدين الماضيين، وقد ولد أولادي الثلاثة في الرياض، ونحمل أنا وكل أفراد أسرتي شهادات عليا من جامعات أمريكية مرموقة. وعلى الرغم من أنني دخلت المملكة بتأشيرات زيارة عشرات المرات في السنوات القليلة الماضية، أجدني ما زلت مضطراً للبحث عن تأشيرة جديدة لكل زيارة، وتقديم بصمات عيوني وأصابعي عند كل مدخل حدودي. ورغم حاجة السعودية إلى مثل خبراتي، فإنني لا أستطيع إطلاق مبادرة استثمارية وإبداعية داخل حدودها، بسبب البيروقراطية الحكومية التي يتم تكليفها دائماً بحل نفس المشكلات التي صنعتها!
وحالتي هذه ليست فردية، فهناك الآلاف من المستثمرين المبادرين والخبراء الاستشاريين الذين تركوا المملكة ولا يريدون، أو لا يستطيعون، العودة إليها للأسباب التي ترنو "رؤية المملكة 2030" إلى تغييرها!
لماذا؟
كتبت في مقدمة ترجمتي لكتاب: "فن الاستراتيجية الحكومية" للدكتور "جيف مولجان" مستشار "توني بلير" السابق: "في عالم سياسي لا يُقَدِّر القرارات طويلة الأمد، علينا أن نستكشف كيف تستطيع الحكومات أن تفكر وتتخذ القرارات على نحو يخلق المساحات اللازمة لحرية الفكر والتعلم، ويرسم ملامح مستقبل متماسك اجتماعياً، ويلبِّي المتطلَّبات البيئية المستدامة، ومن ثمَّ تسخير السلطة والمعرفة ووضعهما في خدمة الناس وصنع مستقبل وتحويل الرؤية إلى واقع تنموي وسياسي واجتماعي وثقافي".
ولكن معظم الاستراتيجيات والرؤى تتخَيَّل الحلولَ وتكتبها، ونادراً ما تنفذها. وحتى في المؤسسات الخاصة فإن 50% من برامج التغيير تفشل لذات السبب، ولأن الحلول تأتي من التعليم (أي من الأفراد)، ومن إبداعات رأس المال البشري، وليس من الرسالات والخطط الاستراتيجية التي تعبر عن حسن النوايا، أكثر مما تعبر عن العزم والحسم في التنفيذ. كلنا نسمع كل يوم مقولة" "صار العالم قرية صغيرة وسوقاً واحداً"، وهذا يعني أنه على كل مؤسسة ومدينة ودولة أن تتنافس مع الدول والمدن والمؤسسات في المناطق المجاورة والبعيدة، إذا ما أرادت أن تحصلَ على نصيبها من المستثمرين والسائحين والمستهلكين والرياضيين والرياديين والباحثين والمفكرين والمبتكرين؛ هذا فضلاً عن تمتعها باحترام واهتمام الآخرين.
نحن جميعاً نخوض غمارَ الحياة ونواجه تعقيداتها محمَّلين ببعض المُسلَّمات الشائعة من قبيل: باريس تعني الموضة، واليابان تعني التكنولوجيا، وسويسرا تعني الثروة والدقَّة، والبرازيل تعني كرة القدم، وأفريقيا تعني الفقر والفساد والمجاعات، والسعودية تعني الاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد وحرمان المرأة من قيادة السيارة. تؤثِّر هذه الأفكار والصور النمطيَّة - سواء كانت إيجابيَّة أم سلبيَّة، حقيقيَّة أم وهميَّة - على سلوكنا بشكل جوهري، ولهذا لا تحصل بعض الدول الغنية - مثل السعودية - على نصيبها من الزوَّار والأعمال والاستثمارات التي تستحقها، بسبب الصورة الذهنية التي تنعكس من مرآتها إلى العالم من حولها.
هناك حكمة صينية تقول: "آخر ما تفكر فيه السمكة هو الماء"؛ أي أن الإنسان قلَّما يعيد النظر في بيئته ليفهم العالم المحيط به، فالاستسلام للمسلَّمات هو ما يجعلنا حتى اليوم نظن أن "الموزة" تُقشَّر من عُنقها، وأن "سيدني" هي عاصمة أستراليا، وأن عدد حواس الإنسان خمس. فلأن السكون أسهل من الحركة، نظن أن الثبات أقل تكلفة من التغيير؛ وهكذا لا تفكر السمكة بالماء إلا عندما يبدأ بالتجمد أو يبدأ بالغليان، فكل قادة التغيير في العالم استطاعوا الإجابة عن السؤالين الثاني والثالث اللذين يطرحهما "التغيير" وهما: ماذا نغير؟ وكيف ندير التغيير؟ في حين لم ينجح أحد في قيادة التغيير قبل أن يجيب عن سؤاله الأول بشجاعة، وهو: "لماذا التغيير؟". هذا السؤال جوهري لأنه يتوجه إلى الداخل، والأسئلة الأخرى تكميلية وتتوجه إلى الخارج. التغيير بفعل ضغوط التجمُّد والغليان هو بحث عن المخارج، والتغيير المستند إلى قناعات ودوافع ذاتية يتوجَّه أولاً إلى الداخل؛ ليس داخل الوطن فقط، بل وداخل الإنسان أيضاً، فالتغيير ذاتي الإيقاع مثل بندول الساعة، ينطلق دائماً من الوضع "حركة"، ويستمد زخمه من اندفاعه باتجاه المستقبل، فهو ليس قفزات متقطعة تبدأ من الوضع "واقفاً" وتنتهي إليه.
يمكنني الآن أن أطرح، وفي خمس دقائق عدداً من المبادئ التي يمكن أخذها بعين الاعتبار عند بدء التغيير، ولكنها مبادئ عامة، في حين أن لكل بيئة خصوصيتها، من هذه المبادئ:
- دع الجميع يتبنَّوا التغيير ويشاركوا فيه ويباركوه!
- خاطب كل الناس وكل المستويات كأفراد وجماعات!
- ابدأ التغيير من القمَّة، ودعه يتدفَّق إلى المستويات الأدنى ويتغلَّل بتدرُّج متواصل!
- أنشد التفاعل قبل التواصل، وخذ برأي الأغلبية وتجاهل الإجماع!
- توقَّع غير المتوقَّع وحاول - دائماً - قبول اللامعقول!
- حلِّل وأصِّل الثقافة التي تحاول تغييرها ثمَّ وظِّفها في التغيير!
مثل هذه الوصفات الجاهزة لا تجدي نفعاً، لأن لكل مجتمع قيمه وأولوياته وثقافته التي يتشبث بها وتتشبث فيه، ففي دولة يُسمَّى ملكها "خادم الحرمين الشريفين" يمكن أن يكون الاندماج في العالم من أجل خدمته هو أول سطور الرؤية، فالسعودية تملك بالإضافة إلى "الحرمين الشريفين" أكبر احتياطي نفطي في العالم، وثراثاً تاريخياً مكتوباً ومحفوظاً يصعب حصره، والأهم من كل هذا؛ مئات الآلاف من السعوديين الذين تخرجوا في جامعات عالمية على مدار العقود الأربعة المنصرمة. هذه الموارد هي غيض من فيض يمكن أن يُشكِّل ميزات تنافسية فريدة تدفع بمملكتكم الغنية إلى مصاف الدول العشر الكبرى.
يقول الفيلسوف الصيني "لو تسو": "قيادتك لدولة كبيرة تشبه طبخ سمكة صغيرة؛ لا تأكلها نيِّئة، ولا تبالغ في طهيها"، فإذا كان لهذه الرؤية أن تنبثق وتنطلق، فلا بد من إنضاج التجربة في مُناخ من الحرية الحقيقية، المعزَّزة بقيم ثقافية حاكمة ومسؤولية مجتمعية واعية! فهل تستطيع "رؤية السعودية 2030" الموازنة بينهما؟
بقلم: نسيم الصمادي
تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation
vshgm Ygn hgHldv lpl] fk sglhk