صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ
(
أركان الإيمان الستة هذه فيها قدر واجب لا يصح إسلام بدونه؛ قدر واجب على كل مكلف، من لم يأت به فليس بمؤمن، وهناك قدر زائد على هذا تبعا للعلم، أو تبعا لما يصله من الدليل.
فما هو القدر المجزئ وهو الذي من لم يأتِ به صار كافرًا ؟
فهذا هناك قدر مجزئ في الإيمان بالله، قدر مجزئ في الإيمان بالرسل، قدر مجزئ في الإيمان بالكتب، وقدر مجزئ في الإيمان باليوم الآخر والقدر، إلى آخره.
أما الإيمان بالله فهو ثلاثة أقسام:
1. إيمان بالله بأنه واحد في ربوبيته.
2. وإيمان بالله بأنه واحد في ألوهيته؛ يعني في استحقاقه العبادة.
3. وإيمان بالله يعني بأنه واحد في أسمائه وصفاته لا مثيل له سبحانه وتعالى?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }
القدر المجزئ من الأول أن يعتقد أن الله جل جلاله هو ربّ هذا الوجود، يعني أنه هو الخالق له، المدبر له، المتصرف فيه؛ خالق له، مدبر له، ومتصرف فيه كيف يشاء، هذه الربوبية.
بالإلهية بأنه لا أحد يستحق شيئا من أنواع العبادة من الخلق؛ بل الذي يستحق هو الله جل جلاله وحده.
والثالث: أن يؤمن بأن الله جل وعلا له الأسماء الحسنى والصفات العلا دون تمثيل لها بصفات المخلوقين، ودون تعطيل له عن أسمائه وصفاته بالكلية، أو جحد لشيء من أسمائه وصفاته بعد وضوح الحجة فيها له.
هذا القدر المجزئ من الإيمان بالله.
الإيمان بالملائكة: القدر المجزئ أن يؤمن بأن الله جل وعلا له خلق من خلقه اسمهم الملائكة، عباد يأتمرون بأمر الله جل وعلا، مربوبون لا يستحقون شيئًا، وأن منهم من يأتِ بالوحي للأنبياء، هذا القدر هو الواجب.
فإذا قال: لا أنا أنكر وجود ملائكة ما شفت أحد. فهذا انتفى عنه هذا الركن وهو الإيمان بالملائكة؛ لكن لو قال: أنا ما أعلم ميكال هذا. فإنه لا يقدح في إيمانه بالملائكة؛ لأنه يقول: أنا مؤمن بوجود هذا الخلق من خلق الله جل وعلا ملائكة؛ لكن ميكال ما أعرف هذا ميكال. فيبلَّغ بالحجة فيه في آية البقرة (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ ) التي فيها ذكر ميكال، ويبلغ بما جاء فيه، فإن علم أنها آية ثم لم يؤمن كان جاحدًا لهذا الركن من الأركان.
فإذًا فيه قدر مجزئ وهو الذي يجب على كل أحد، وقدر يتفاضل فيه الناس واجب أيضاً مع العلم؛ فكلما علم شيئاً من ذلك وجب عليه الإيمان به، إلى آخره، وهذا واسع، وكلما علم شيئاً واجبا من ذلك زاد أجره وثوابه وإيمانه ويقينه.
الإيمان بالكتب: القدر المجزئ منها أن يعلم؛ أن يعتقد الاعتقاد الجازم الذي لا شك فيه بأن الله جل وعلا أنزل على من شاء من رسله كتباً هي كلامه جل وعلا وأن منها القرآن الذي هو كلامه جل وعلا هذا هو القدر المجزئ من ذلك. وما بعد ذلك أن يؤمن بالتوراة؛ قد يقول: أنا لا أعرف التوراة، فإذا عُرِّف وجب عليه، وهكذا في تفاصيل ذلك. فمن علِم شيئا بدليله، بنصه وجب عليه أن يؤمن به، لكن أول ما يدخل في الدين يجب عليه أن يؤمن بهذا القدر المجزئ، وهو الذي يصح معه إيمان المسلم.
ورسله: الإيمان -وهو الاعتقاد الجازم الذي لا ريب فيه، ولا تردد- بأن الله جل وعلا أرسل رسلاً لخلقه، وأن هؤلاء الرسل موحى إليهم من الله جل وعلا، وأن خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام فيؤمن به عليه الصلاة والسلام ويتبعه، فهذا هو القدر المجزئ، وما بعد ذلك أيضا يكون واجبا بقدر ما يصله من العلم، وفيها أشياء أيضاً مستحبة في تفاصيل )
طبعاً هذا الحديث قد نُدخل فيه العقيدة كلها، ويطول الكلام، لكن أنبهك على أصول في فهم هذه الأحاديث.
واليوم الآخر: القدر المجزئ منه الذي يتحقق به قيام الركن أن يؤمن بأن الله جل وعلا جعل يوماً يحاسب فيه الناس، يعودون إليه ويبعثهم من قبورهم ويلقون ربهم ويجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وأن المحسن يدخل الجنة وأن المسيء يعني الكافر يدخل النار، وأن المسلم يدخل الجنة، هذا القدر واجب؛ ركن، وما بعد ذلك يكون بحسب العلم.
والقَدَر: يؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى؛ بأن يؤمن -هذا هو القدْر المجزئ- بأنه ما من شيء يكون إلا وقد قدَّره الله جل وعلا؛ بمعنى أنه سبحانه علِم هذا الشيء قبل وقوعه، وعِلْمُه بذلك أوَّل، وأنه كتب ذلك عنده سبحانه وتعالى، ويغني عن اعتقاده الكتابة قبل العلم بدليلها أن يؤمن بالقدَر السابق، يعني أن القدَر سابق، فيشمل ذلك؛ يشمل اعتقاده أن القدر سابق العلم: علم الله جل وعلا، والكتابة؛ لأن الأقسام الآتية مقارَنة أو لاحقة، وليست سابقة. ويؤمن أيضاً بأن ما شاء الله جل وعلا كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما من شيء إلا والله جل وعلا هو الذي يخلقه سبحانه فيخلق جل وعلا جميع الأشياء كما قال?اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } .
فإذن الإيمان بالقدر إيمانٌ بالقدَر السابق وبمشيئة الله وقُدرته وخلقه؛ لإنفاذ القدَر السابق. هذا قدر واجب لا يصح الإيمان بدونه، وهو الركن فيه أن يؤمن بسبق القدر، وفيما يتعلق بالمقدور الواقع، يعني بالقضاء الواقع، يعتقد أنه بمشيئة الله وخلقه لهذا الفعل، يعلم مراتب القدر الأربعة، وتفاصيل ذلك، هذا بحسب ما يصل إليه من العلم فمنه واجب، ومنه مستحب.
إذا تقرر هذا فالإيمان الشرعي المراد به في هذا الموطن الذي يكون قريناً للإسلام كما فسرت لك، يراد به الاعتقاد الباطن، فإذا قرن بين الإسلام والإيمان انصرف الإسلام إلى عمل اللسان وعمل الجوارح، والإيمان إلى الاعتقادات الباطنة؛
فلهذا نقول إذًا لا يُتصور أن يوجد إسلام بلا إيمان، ولا أن يوجد إيمان بلا إسلام، فكل مسلم لا بد أن يكون معه من الإيمان قدرٌ هو الذي ذكرنا صحَّح به إسلامه، فلو لم يكن عنده ذلك القدر ما سُمي مسلماً أصلاً، فلا يُتصور مسلم بلا إيمان، فكل مسلم عنده قدر من الإيمان، وهذا القدْر هو القدْر المجزئ الذي ذكرت لك. وكل مؤمن عنده قدْر من الإسلام مصحِّح لإيمانه، فإنه لا يُقبل من أحد إيمان بلا إسلام، كما أنه لا يقبل من أحد إسلام بلا إيمان.
فإذا قلنا: هذا مسلم، فمعناه أنّه وُجد إسلامه الظاهر مع أصل الإيمان الباطن، وهو القدْر المجزئ )
و بعد هذا ننظر لكلام ابن حزم في قوله ان
من قَالَ أَن الله عز وَجل هُوَ فلَان لإِنْسَان بِعَيْنِه
أَو أَن الله تَعَالَى يحل فِي جسم من أجسام خلقه أَو أَن بعد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا غير عِيسَى بن مَرْيَم فَإِنَّهُ لَا يخْتَلف اثْنَان فِي تكفيره لصِحَّة قيام الْحجَّة بِكُل هَذَا على كل أحد
وَلَو أمكن أَن يُوجد أحد يدين بِهَذَا لم يبلغهُ قطّ خِلَافه لما وَجب تكفيره حَتَّى تقوم الْحجَّة عَلَيْهِ
بمعنى انه لو امكن ان يقول جاهل ان الله عز وجل فلان لانسان بعينه و لم يبلغه قط خلاف هذا فهو مسلم لا يحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة .
و هذا الجهل لو كان مانعا من العقوبة و العذاب قبل قيام الحجة
فلا يصح ان يكون صاحبه مسلما لتخلف حقيقة الاسلام و الايمان عنه
فهذا الجاهل لم يحقق القدر المجزىء الذي يصح به الحكم عليه بالاسلام
و خاصة اذا علمنا ان هذا الجاهل يتخذ ذلك دينا كما قال ابن حزم . ليس هو قول مخالف لاعتقاده
فهو في نفس الامر كافر لم يحقق ما يصح ان يسمى به مسلما حتى نحتاج لاقامة الحجة عليه
بل الواجب تبليغه و تعليمه ما يصح ان يكون به مسلما مؤمنا .
و الله اعلم