بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
(( نصائح نبوية للأزواج للتعامل مع زوجاتهم
تصحيح فهم الرجال))
أ. د. فؤاد محمد موسى
لقد شاعت وكثرت ظاهرة الخلافات الزوجية مع تسارع تغيرات الحياة وتمادي الانحلال الأخلاقي وجنون العالم المادي مع غياب التمسك بمنهج الله في قيادة الحياة البشرية. فأصبحت القيادة لشياطين الإنس والجن للبشرية هي السائدة الآن. لقد انقاد الكثير من الأزواج من الجنسين في العالم الإسلامي لهذه القيادة الشيطانية تاركين منهج الله خلف ظهورهم.
ومن ينظر في قائمة الأخبار اليومية يجدها تعج بأبشع حالات الانحرافات الزوجية بل وحالات القتل الناتجة عن الخلافات الزوجية.
وفي هذا المقال نضع أمام الأزواج من الرجال بعض الهدي النبوي الشريف الذي ينير لهم كيفية فهم طبيعة الزوجات كما حددها لنا رسول الله وكيفية التعامل السليم مع الزوجات بمنهج الله، لا بمنهج هوى النفس والشيطان.
وننوه بشدة أن هناك غالبية قد فسرت أحاديث النبي في هذا المجال بهوى نفس الرجال مما أخرج هذه الأحاديث عن المقصود منها، مما شوه صورة النساء في الإسلام، وبالتالي تم استخدام ذلك من أعداء الإسلام لمحاربته وتشويه صورته.
ونحن هنا سنوضح الجانب المشرق لمنهج الله في أحاديث النبي صلّ الله عليه وسلم لبيان خصائص وطبيعة النساء كما خلقهن رب السماوات والأرض، رب العرش العظيم، ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴾ ) السجدة: 7).
إن فهم الزوج لطبيعة زوجته التي تختلف عن طبيعتة كرجل وبيان الحكمة من ذلك سيحل الكثير من الخلافات الزوجية.
لقد أوضح لنا رسول الله صلّ الله عليه وسلم في بعض الأحاديث بعض طبائع النساء التي يجب علي الزوج معرفتها جيدا حتى يحسن معاملة زوجته، ومنها:
الحديث الأول:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلّ الله عليه وسلم قال: « المرأة كالضلع، إن أقمْتَها كسرتَها، وإن استمتعتَ بها استمتعت بها وفيها عوجٌ »، وفي رواية أخرى للبخاري كذلك: « استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن خُلِقْنَ من ضلع، وإن أعوجَ شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمُه كسرتَه، وإن تركتَه لم يَزَلْ أعوجَ، فاستوصوا بالنساء خيرًا ».
إن هذا الحديث موجه للرجال وليس للنساء، وهذا يعني أن هناك ما يجب فهمه وعمله من جانب الرجال، أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصحح به ما لدي الرجال من مفاهيم موروثة من الجاهلية أو مما حرف في بعض الرسائل السماوية عن النساء كما هو عند اليهود.
إن سوء معاملة الرجال للنساء قبل نزول رسالة الإسلام على نبينا محمد صلّ الله عليه وسلم استلزم تصحيح ذلك في عقول الرجال، فالاعوجاج موجود في عقولهم.
ولكن لوجود رواسب الفكر الماضي في عقول الرجال فقد ذهبوا إلى تفسير الحديث متأثرين بهذه الرواسب.
قد يظنُّ بعض الأزواج - جهلًا - أن في قول رسول الله صلّ الله عليه وسلم: إن المرأة خُلِقت من ضلع أعوج - عيبًا فيها، ونقيصة يجب إصلاحها، وقد يذكُرُ الرجل ذلك لزوجته للتقليلِ من شأنها وإذلالها بذلك، والسخرية والاستهزاء بها!.
ولكن هذا الفهم لهذا القول هو عينُ العيب والنقيصة؛ ففي الحقيقة أن خَلْقَ المرأة من ضلع أعوج هو الكمالُ كلُّه في خلقها، اقرأ قول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، فليس فيما خلَق الله نقصٌ.
إن الخالق هو الله، ألم تقرأ: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم ﴾ [التين: 4]؟
من هنا؛ فإن العوجَ صفةُ مدح، وليس صفةَ ذمٍّ للمرأة؛ إذ إن هذا العوج في حقيقته هو استقامةُ المرأة لمهمَّتها، وليس العوج في الحديث مرادًا به الفساد في طبيعة المرأة؛ لأن عوجَها هذا هو صلاحها لأداء مهمتها، فالمرأة من وظائفها أن تتعاملَ مع الأطفال، والأطفال في حاجة إلى الحنان والعطف الشديد، وليسوا في حاجة إلى التعامل معهم تعاملًا يغلب عليه العقلُ، بل هم في حاجةٍ إلى تعامل تغلبُ فيه العاطفة على العقل؛ حتى يمكن تحمُّل السهر والبكاء، ومتاعب الأطفال، التي لا يُعرَف لها سببٌ أحيانًا.
فلا يظنَّ بعض الجاهلين في عقولهم أنهم سيُصلحون ما خلقه الله؛ فالحديث يشير إلى أن الخللَ هو في عقول هؤلاء الذين يريدون تغييرَ ما أبدعَه الله في خلق المرأة، فهذا الضلع الأعوج هو الذي يميِّز المرأة على الرجل.
فإن أراد هذا الجاهلُ تغييرَ هذا الاعوجاج - كما يتصوَّر هو في عقله - يكون بهذا العمل قد أفسد كمالَ خلق الله للمرأة، وأصبحت غير صالحة للمهمة التي خُلقت من أجلها ((إن أقمتَها كسرتَها))، ((فإن ذهبتَ تُقيمه كسرتَه))، أما وضعها كما خلقها الله، ففيه مصلحة الزوج ((وإن استمتعت بها استمتعتَ بها وفيها عوجٌ))، هذا خلق الله الخالق البارئ المصور.
لقد جاء وصف المرأة بأنها خُلقت من ضلع أعوج في سياق توصيةِ نبي الرحمة صلّ الله عليه وسلم للأزواج بأن يُحسنوا تعاملهم مع زوجاتهم ((استوصوا بالنساء خيرًا))، ولا يكلفوهن بما لا يتناسبُ مع طبيعة خلقِهن التي فطرهنَّ الله عليها، فهذا وصفٌ بالمقارنة بالرجال، وليس هذا حكمًا على العموم.
فللمرأة فطرة مختلفة عن فطرة الرجلِ بما يتناسب مع المهام التي خُلِقت من أجلها، وللرجال فطرة تختلف عن فطرة النساء بما يناسب التكاليفَ المنوطة بهم من خالقهم ﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾ [آل عمران: 36]، فلا يَقِسِ الرجل تكاليفَه التي كلفه الله بها كرجلٍ بتكاليف زوجته التي كلَّفها الله بها.
﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 32].
فتكاليفُ الله لكل طرف منهما هو عدلُ الله لهما، ويجب علينا ألا نُخالِفَ عدلَ الله ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]. والحديث التالي سيؤكد ذلك.
الحديث الثاني:
فقد جاء في حديث رسولِ الله صلّ الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم ومن حديثِ الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فقال: (خرج رسول الله صلّ الله عليه وسلم في أضحى أو فطرٍ إلى المصلَّى، فمرَّ على النساء، فقال: « يا معشر النساء، ما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودينٍ أذهَبَ للُبِّ الرجل الحازمِ من إحداكن! »، قلن: وما نقصانُ دينِنا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: « أليس شهادةُ المرأة مثلَ نصف شهادة الرجل؟ »، قلن: بلى، قال: « فذلك من نقصانِ عقلها، أليس إذا حاضَتْ لم تُصلِّ ولم تَصُمْ؟ »، قلن: بلى، قال: « فذلك من نقصان دينها ».
وهنا يحدِّد رسول الله صلّ الله عليه وسلم في الحديث طبائعَ النساء، وما اختصهن الله به من تفوُّقِ العواطف على العقل، على العكس من الرجل الذي يتفوَّق فيه العقل على العواطف، وهنا تمايزت النساء عن الرجال في التكاليف الشرعيَّة والخصائص الفطرية،
فالحديث يشير إلى غلبة العاطفة والرقَّة على المرأة، وهى عاطفةٌ ورقَّةٌ صارت "سلاحًا" تغلبُ به هذه المرأة أشدَّ الرجال حزمًا وشدة وعقلًا، وفى هذا التمايز حكمةٌ بالغة؛ ليكون عطاءُ المرأة في ميادين العاطفة بلا حدود.
فهو مدحٌ للعاطفة الرقيقة التي تذهبُ بحزم ذوي العقول والألباب، ويا بؤسَ وشقاء المرأة التي حُرمت من شرف امتلاك هذا السلاح الذي فطر الله النساء على تقلُّده والتزين به في هذه الحياة!.
الحديث الثالث:
جاء في البخاري وغيره من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: قال: كان رسولُ الله صل الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلَتْ إِليه إِحدى أُمهات المؤمنين بِصَحْفَة فيها طعام، فَضَرَبتِ التي هو في بيتها الصَّحفَة، فانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فِلَق الصَّحفَةِ، ثم جعل يجمع فيها الطعام ويقول: « غَارتْ أُمُّكم، غارتْ أُمُّكم ».
وفي رواية الترمذي أن النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «طعام بطعام، وإِناء بإناء».
هنا عائشة رضي الله عنها أصابتها الغيرة فكسرت الإناء. لكن ما يسترعي الانتباه هنا هو هذا الموقف التربويُّ العظيم من النبي صل الله عليه وسلم، وكيف تعامل مع غيرة عائشة، إذ لم يزجر ولم يعنف بل قالت عائشة رضي الله عنها كما عند ابن ماجه فما رأيت ذلك في وجه رسول الله – صلّ الله عليه وسلم.
أخي المسلم:
ماذا لو كُنتَ مكان رسول الله – صل الله عليه وسلم ومعك أصحابك وضيوفك؟، ربما سببت وشتمت وضربت وطلقت، وقلت: كيف تهان كرامتي، وكيف تنتقص رجولتي..
لقد عالج النبي صلّ الله عليه وسلم الأمر معالجة تربويّة حكيمة، يتبين منها رقي تعامله صلّ الله عليه وسلم مع الزوجة، وتقدير نفسيتها وما جُبلت عليه من غيرة قد تجعلها تخطئ الصواب في التصرف أحيانا، فلم يعاتبها وأعذرها فيما فعلت ولم ينته إلى هذا الحد فحسب، بل نبه أصحابه إلى ما حملها على هذا التصرف فقال: « غَارتْ أُمُّكم، غارتْ أُمُّكم».
الحديث الرابع:
في صحيح ابن حبّان عن عائشة رضي الله عنها قالت: لمّا قدم وفد الحبشة على رسول الله -صلّ الله عليه وسلّم- قاموا يلعبون في المسجد، فرأيت رسول الله -صلّ الله عليه وسلّم- يسترني بردائه وأنا أنظر إليهم، وهم يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا الذي أسأم وفي رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب. فإمّا سألت رسول الله صلّ الله عليه وسلم، وإمّا قال: « تشتهين تنظرين؟ »، فقلت: نعم. فأقامني وراءه، وخدي على خده، وهو يقول: « دونكم يا بني أرفدة »، حتى إذا مللت قال: « حسبك؟ »، قلت: نعم. قال: « فاذهبي ».
أخي المسلم:
أنظر كيف سمح رسول الله -صلّ الله عليه وسلّم لزوجته أن تروح على نفسها، بل هو الذي عرض عليها الأمر « تشتهين تنظرين؟ ».
وانظر كيف كان يدلل زوجته ويتلطف معها (وخدي على خده).
أي حنان هذا، وأي تودد هذا من نبي الرحمة صلّى الله عليه وسلّم لأزواجه.
وبِناء على هذا أمرنا الرسولُ صلّ الله عليه وسلم بالتعامل مع النساء بما يلائمُ طبائعَهن، والتصرُّف معهن على أساس أنهن الجنسُ الناعم، وقد خلقهُنَّ الله كذلك بمشيئته لدواعٍ خاصة، مما يتوجَّب على الرجال مراعاةُ الرِّفق في التعامل مع النساء دائمًا، وبالأسلوب الجميل.
فللرجلِ دائرتُه، وللمرأة دائرتُها، والحياة لا تستقيمُ إلا بتكاتف النوعَيْنِ فيما ينهض بأمَّتِهما، فإنْ تخاذلا أو تخاذلَ أحدُهما انحرفت الحياة الجادَّة عن سبيلها المستقيم؛ فما زاد في المرأة نقص من الرجل، وما زاد في الرجل نقص من المرأة.
ولذلك؛ فمن المهم أن يكون لدى كلٍّ من الرجل والمرأة درايةٌ كافية بطبيعة الرجل وطبيعة المرأة، وبذلك يسهلُ على كلٍّ منهما التعاملُ مع الطرف الآخر في ضوء خصائص كلٍّ منهما، فعندما يعرف الرجل أن المرأةَ مخلوق مشحونٌ بالمشاعر والأحاسيس والعواطف، فإنه يستطيع أن يتعاملَ معها على هذا الأساس، وبالمِثْل إذا عرفَتِ المرأة طبيعة الرجل، فإن هذا سيساعدُها أيضًا على التعامل معه.
أخي المسلم:
عامل زوجتك عبادة لله لترضي ربك، فتفوز براحة الدنيا وثواب الآخرة.
تغاضى عن تقصيرها معك تستريح وتثاب من الله البر الرحيم.
تعلم التودد لزجتك عبادة لله وليس ضعفا منك.
فالرجولة ليست بالغلظة والعنف، ولكن بالمودة والرحمة.
جرب ذلك واصبر عليه ستجد راحة البال والسكينة التي يسكبها ربك في بيتك.
الألوكة.
§§§§§§§§§§§§§§§§§§