خواطر مريض
سالم محمد
اكتب لك الآن وأنا على فراش المرض، الحمد لله تحسنتُ كثيرا، وإلا لما قدرت على كتابة فقرة، لذا فإنني بين المرض والشفاء، بين أمل العافية المقبلة والمرض المدبر، انتظر بزوغ فجر العافية وظهور نور الشفاء، (وإنَّ غدًا لناظِرِه قريبُ)، وهنا بعض الخواطر أو إن شئت قل( زفرات):
• المرض ليس نوعا واحدا، وليس هيئة منفردة، فمن الناس من يمشي بمرضه، ومنهم من يقعده مرضه، يقعده في بيته أو في المستشفى، وأيضا تختلف المدة التي يحبسك فيها المرض، فبعضهم يوم وبعضهم شهور وقد تمتد إلى سنوات، وبعضهم محكوم عليه بالمؤبد، هذا غير الآلام، فالحمد لله على نعمه التي لا تحصى ولا تعد.
• هناك عبارة رائعة وهي( لا يغني حذر من قدر) هذا ينطبق تماما على المرض، ولكن إذا مرضْتَ فخذ بالأسباب لدفعه، وتضرع إلى مولاك لرفعه وهو القائل: {?إِنّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقناهُ بِقَدَرٍ?} .
• المرض مزعج بل ومزعج جدا خصوصا مع الآلام المبرحة، ومع ذلك فيه فوائد جمة، منها: أنه يكسر نفس الإنسان، ويدوس كبريائها، فالمرض يطرد الكبر من القلب، وأيضا يجعل المرء يلجأ إلى خالقه في انكسار لا يكاد يوجد أيام العافية، والمرض تكفير للسيئات ورفعه للدرجات، وإحساس بمعاناة الآخرين، والعطف عليهم، كما أنه زاد المؤمن ليوم القيامة وقد قال بعض السلف:(لولا المصائب لودنا القيامة مفاليس)، وكثير من الناس كلما اشتدَّت آلامه جَئَرَ بالدعاء والتضرع للرؤوف الرحيم.
• المرض معه أوقات الفراغ الطويلة، لكنها تمر بطيئة ولا يكاد ينتفع بها المريض في عمل لا سيما مع الألم، فالمريض يرى الليلة ليالي والساعة ساعات، ولهذا فالإنجاز يحتاج إلى الإثنين: ( الصحة والفراغ)، واجتماعهما من أعظم النعم.
• المرض يكون مضاعف عند الفقراء لأنها جيوبهم مريضة من قبل، فيجتمع على الفقير مرض الجسد ومرض قلة ذات اليد، والمصيبة الكبرى إذا كان الولد يتألم والوالد خالي الوفاض، لا مال عنده يعالج به فلذة كبده، والوالدان كما تعملون يتمنيان أن ينتقل المرض من ولدهما إليهما، هنا لا بد من التعاون والتكاتف، ولا يخلو مجتمع من موسرين غالبا.
• المرض كما يحملك على الانكسار بين يدي الله تعالى، كذلك يستخرج منك معاني الشكر، فتشكر الله لأن مصيبتك لا تقارن بمن لازم الفراش الأبيض، أو بمن يتنقل من بلد إلى آخر لاهثا خلف العلاج، أنفق في ذلك الإموال الطائلة، وترك عمله وأهله، أملا في شفاء مريضه، وقد يموت في منتصف الطريق بين بلدتين، أو بين السماء والأرض في الطائرة، فاحمدِ الله من أعماق قلبك في مرضك وبعد رحيله.
• من وسائل العلاج الصدقة، وإخراج الصدقة يسهل على المريض، لأن المال يفقد بريقه إذا غابت العافية، فعلى أصحاب الغنى واليسار، أن يبحثوا عن المحتاجين خصوصا المرضى منهم، ورحمتهم لعلَّ الله أن يرحمهم ويلبسهم لباس العافية، ويرحمهم في عرصات يوم القيامة فـ (المؤمن في ظل صدقته يوم القيامة).
• إذا مرضت جيء لك بالدواء، وهو في الغالب مر المذاق، مكروه للنفس، لكنك تتجرعه لما ترجوا من برد العافية من ورائه، هذا درس عظيم من دروس الحياة، فالصبر هنا على الطاعة وعن المعصية وعلى أقدار الله عاقبته بشرى الملائكة في الآخرة وَالْمَلَائِكَة ُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)، وأحوج الناس إلى الصبر هم طلبة العلم، لأن تحصيل العلم يحتاج جهد ومشقة، وحمل النفس على الصبر في سبيله، كما أنه يأخذ من راحة الإنسان وربما ماله، لكن العاقبة حسنة، وقد قيل :( من كانت بداياته محرقة كانت نهاياته مشرقة).
• المريض تتغير في عينه الدنيا، ويرى الدنيا بنظارة غير التي كان يرى بها أيام العافية، فحتى الماء العذب الزلال يتجرعه ويحس به في فمه مرَّ المذاق، المال يهبط أسهمه كثيرا، الدنيا تصغر في عين المريض، وربما تمنى فراقها عند الآلالم المبرحة، فـ « (كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو كعابرِ سبيلٍ)» ، و «(إذا أصبحتَ فلا تنتظِرِ المساءَ ، وإذا أمسيْتَ فلا تنتظِرِ الصَّباحَ ، وخُذْ من صِحَّتِك لمرضِك ، وفي حياتِك لموتِك)» .
• من الأمور الطبيعية المصاحبة للمرض هو الألم، وهذا يدعو المؤمن إلى التفكر: إذا كانت هذه آلام المرض في الدنيا، فكيف بالعذاب الأخروي، إن الإنسان إذا أصيب بصداع، أو وجع سن، أو مغص في بطن لا يهنأ له عيش، ولا يقر له قرار، فحري به أن ينقذ نفسه من عذاب أليم قال تعالى: {(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )} .
• من أعظم النصائح التي يستشعرها المؤمن أثناء مرضه قوله صلى الله عليه وسلم:( «اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك» ).
• ختاما علينا أن لا نكل ولا نمل من سؤال الله العافية، فقد حثنا نبينا على ذلك بقوله ( «سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين خيرًا من العافية» )، فـ ( اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة).