اكتأبت من حياتي وأريد الموت
أ. شروق الجبوري
السؤال
السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته، والصلاةُ على أشرفِ المرسَلين سيِّدنا محمد.
أنا فتاة كنتُ أمارس العادة السِّرِّيَّة في صِغَري، ثم أُصبْتُ باكتئابٍ، ومرضتُ مرضًا شديدًا نتيجة ظُهُور بعض الأورام الليمفاوية، والتي زادتْ في جَسَدي بعد ذلك بِشَكْلٍ فَظيعٍ، فأحسَسْتُ أني مصابة بالسرَطان، فتدهورتْ حياتي بعدَها بشكلٍ فظيعٍ على جميعِ المستويات، وانحدر مستواي الدراسي والعلمي حتى غيرتُ مجال دراستي!
تعرفتُ على شابٍّ على (النت) واتفقنا على الزواج، ثم جاء لزيارة أبي، ثم رجع عن الخطبة، فكانت صدمة لي!
ثُمَّ تعرَّفتُ على شخص آخَر كان يبدو لي رجلاً ليس له مثيل، كله مميزات، وأهم مميزاته قُربه مِن الله، أحببتُه حبًّا ليس له مثيل، وتعلَّقتُ به لدرجةٍ جنونيَّة، وكان بالنسبة لي بَرَّ الأمان الذي بحثتُ عنه طيلةَ حياتي، فجأة ترَكَني بدون سببٍ قبلَ موعد خطبتنا الرسميَّة بأيَّام، فكانتْ تلك ضربة قاضية بالنسبة لي قصمتْ ظهري، وجعلتني أتمنَّى لو كنت فعلاً مصابةً بسرطان، وأن يكون موتي عاجلاً؛ لأتخلَّص من كلِّ الآلام.
أنا الآن أعيش مثلَ الأموات، كلُّ شيءٍ في حياتي مؤجَّل إلى أجَلٍ غير مسمًّى، الفرح مؤجَّل، والنجاح مؤجَّل، والحب مؤجَّل! منعزلة لا أخرُج من البيت، منهارة حبيسة جُروحي، أقوم بواجباتي الدِّينيَّة على أكملِ وجهٍ، وأتقرَّب مِن خالقي قدرَ الإمكان، ولا أظنُّ أن ما أنا فيه بسببِ بُعدي عن ربِّي، أرجو منكم الردَّ على رِسالتي وتحليل شخصيَّتي التي أتعبتْني.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
أُختي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
نودُّ أولاً أن نرحِّب بك في شبكة (الألوكة)، ونشكُر انضمامَكِ إليها، سائلين الله تعالى أن يُسخِّرنا في تقديمِ ما يَنفعُكِ ويَنفع جميعَ السائلين.
كما أودُّ أن أُحيي ما لمستُه مِن سِمات إيجابيَّة في شخصيتك، ومنها حِرْصك على التقرُّب مِن الله، وطُموحك في نيْل الأفضل لمستقبلك، وإقرارك ببعضِ النِّعم التي مَنَّ الله تعالى عليك بها.
وهي سِماتٌ تُحسَب لك، وأتمنَّى عليكِ تعزيزَها في نفسِكِ وتنميتَها؛ لتكون ضمنَ الدفاعات التي تُواجهين بها هواجسَكِ.
فرَغمَ مميزاتك التي أسلفتِ ذِكرها، لكني أرَى استسلامًا واضحًا منكِ للهواجس التي تَعتريكِ بين الحين والآخر في شَتَّى الموضوعات، بل أرَى منكِ تهويلاً لها، لدرجةٍ تقودك إلى عدَمِ رُؤيتك للواقِع بشكلٍ سليم، وقد يكونُ ذلك بسببِ شُعوركِ بالوحدة وعدَم تبادُل الآراء والأحاديث بشأنِ ما تَقلقين منه مع الآخَرين، فجعَل منك إنسانةً كتومًا، تخْتَلي بأفكارِها وهواجسها، ولا تجِد مَن يَحُدُّ مِن تضخيمها.
وهذا ما حدَث لكِ حين كنتِ في الثالثة عشرةَ مِن عمرك، فأطلقتِ العِنانَ لتلك الهواجس التي أخذتكِ بعيدًا عن الواقع؛ لأنَّكِ لم تُقدمي على استشارةِ والدتكِ مثلاً ومصارحتها بأمرِكِ، ثم تَكرَّر الأمر معك حين أُصِبْتِ بأورامٍ لميفاوية، لكن استجابتك حينَها تجاوزتِ الاستسلام للهواجِسِ السلبيَّة، وتعدَّتْه إلى اتِّخاذ إجراءاتٍ وخُطوات عمليَّة بشأنها، جعلتْكِ تغيِّرين التخصُّص الذي أرشدَك إليه طموحُكِ الإيجابي.
ورغمَ إثبات الوقائع بأنَّ تلك الاستجابات لم تكُن في سياقها السليم - بدليلِ عيشك سليمة معافاةً طيلةَ هذه المدَّة والحمد لله تعالى - لكنَّك لم تقفي لتتأمَّلي ذلك، وتُعيدي تقييمَك لأسلوبِ استجاباتك لتلك الهواجس، وقد أدَّى بكِ ذلك إلى الشعورِ بالاكتئاب الذي يتسبَّب في الوهن والشعور بضعْفِ القُوَى.
وقدْ يكون لنهجك هذا في تقييمِ الأمور، ورُؤيتك للواقِع بهذا المنظار، السببُ في انسحاب الأشخاص الذين تَعرَّفوا عليك، فالناس عمومًا يا عَزيزتي، يأملون مِن علاقاتهم بالآخرين إعانتَهم على رفْع (دافعياتهم) في شتَّى النواحي، وليس مَن يُثبِّطهم أو يصوِّر لهم الأمورَ بأسوأ مِن حقيقتها، لا سيَّما في ظلِّ تزايُد ضغوطاتِ الحياة وأعبائها.
ولذلك، فإنِّي أنصحُكِ أولاً بتغيير مساراتِ فِكرك تُجاهَ نظرتك وتحليلِكِ للوقائع، مِن خلال تأمُّلِكِ في نتائج تفسيراتك الخاطِئة فيما سبَق، وتخيلك إعادة لتلك الوقائِع بتبنِّيكِ الأفكارَ السليمة تُجاهَها، والتي مِن شأنها تنمية سِمة الطُّموح لديكِ، وباقي سِماتكِ الإيجابية، وليس تلك التي تقتُلها أو حتَّى تُحجمها.
واعْلَمي يا عزيزتي، بأنَّ علاقةَ الإنسان بالله تعالى لا تقِف أبدًا عندَ أداء العِبادات، رغمَ أهميتها، لكن حُسْن الظنِّ والثِّقة واليَقين برحمتِه وبحِكْمته - عزَّ وجلَّ - هي توثيقٌ وتطبيقٌ حقيقي لها.
كما أنصَحُكِ باكتشافِ مواهبكِ وهواياتكِ التي تَميل إليها نفسُكِ وتأنس بأدائها، ثم ممارستها بانتظام؛ لأنَّ في ذلك تنفيسًا للمشاعِر السلبيَّة، بالإضافةِ إلى أثَرها في تعزيزِ الثِّقة بالنفس، كذلك أنْصَح بانضمامِك إلى الأعمالِ التطوعيَّة والخيريَّة ولو بشكلٍ جُزئي، واختيار ما تَميل إليه نفسُكِ منها، كرِعاية المسنِّين، أو الأيتام، أو المعاقين، وما إلى ذلك، فإنَّ ذلك يقودك إلى الالتفات إلى ما تَنعمين به وما تتميَّزين به عن غيرِكِ، بالإضافةِ إلى نِعمة الجمال، فيشعرك بمزيدٍ مِن الرِّضا الذي هو أحدُ عوامِل السعادة.
وأخيرًا، أختم بدعاءِ الله تعالى أن يُصلِح حالك، ويرزقك بالزوجِ والذريَّة الصالحة، وينفع بكِ، وكلنا أمَلٌ بسماعِ أخباركِ الطيِّبة مجددًا.