تعالوا نتحاب في الله... !
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
إخوتي وأخواتي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أحمد الله إليكم على الاستقبال الحافل الذي استقبلتم به موقعكم "صوت السلف"، وأسأل الله أن يجعل ذلك خالصًا لوجهه، صالحًا على ما يرضيه -عز وجل-، ونحن ما زلنا نطلب المزيد مِن مشاركتكم ونصائحكم وآرائكم، نمد أيدينا بالحب في الله لنتعاون على البر والتقوى كما أمرنا الله.
مددنــــا لك كفًّا بحب ليس يخفى
لنبني به صفـًّا قويًّا عزَّ بنيانــًا
إخوتي وأخواتي:
إن مِن أعظم سعادة الإنسان أن يحيا في مجتمع متآلف متحاب، مترابط، يعيش كالجسد الواحد كما وصف النبي ـصلى الله عليه وسلم- المؤمنين فقال: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) (متفق عليه).
وإن هذه الألفة والمحبة بيْن البشر لا تحصل إلا بالإيمان الصادق، فإن ما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل، والكفار والمنافقون كما وصفهم الله: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) (الحشر:14)، والعصاة مِن المسلمين لهم نصيب مِن الحب على قدر إيمانهم وطاعتهم، ولهم نصيب مِن العداوة والشقاء على قدر معاصيهم وبدعتهم، وإن حاجتنا اليوم في وسط أمواج الفتن وأنواع الكيد والمكر بالإسلام والمسلمين والصد عن سبيل الله بكل طريق إلى أن نبذل كل جهد ليقترب مجتمعنا مِن الصورة الشرعية التي بيـَّنها لنا الكتاب والسنة حاجة ماسة شديدة.
ولقد وصف الله المؤمنين بأوصاف رائعة سبقت وجودهم وحببتهم إلى خلقه السابقين واللاحقين، فأحبهم مَن قبْلهم قبْل وجودهم وأجلـَّهم مَن بعدهم بعد رحيلهم، فقال -تعالى-: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح:29).
فهل لنا هذه الأسوة الحسنة في أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)؟! هل لنا أن يكون اللاحق معضدًا للسابق، وأن يكون الصغير مؤازرًا للكبير، وأن يكون الابن محترمًا موقـِّرًا لأبيه، وأن يكون التلميذ شادًا مِن أزر أستاذه؟ وليس العكس كما نرى كثيرًا أن يكون اللاحق هادمًا للسابق، وأن يكون الصغير باحثـًا عن زلات الكبير، وأن يكون الابن حانقـًا متمردًا على الأب، وأن يكون التلميذ طاعنًا في الأستاذ، وأن يكون السابق لا يحتمل وجود اللاحق أو أن يرى الأب ابنه منازعًا له أو أن يكون الأستاذ كارهًا لتفوق تلميذه ونبوغه مع أنه زرعه وشطؤه.
إن مَن ينظر إلى ما يقوله كثير مِن المسلمين على بعضهم لأدنى خلاف مما وَسع السلف -رضوان الله عليهم- يجد روحًا كئيبة وشقاءً وعنتًا يهدد الصحوة الإسلامية.
وإن نظرة على منتديات الحوار في المواقع الإسلامية لتكشف بالقطع عن خلل تربوي خطير فيمن ينتسبون إلى الالتزام، وإن كان في الحقيقة معبِّرًا عن طريقة الحياة اليومية التي نعيشها، كرجال أمسكوا بالخناجر والسكاكين يطعنون بها يمينًا وشمالاً كل مَن يلقونه، وكل مَن ليس معنا فهو علينا ولو في مسألة واحدة!
ولا شك أننا قد نحتمل جزءًا مِن ذلك إذا لم نبادر بتحذير المسلمين مِن فتنة التعصب الممقوت القائم على سوء الظن، وسوء المقال، وسوء الفعال، ونصرة الرأي والمذهب والشيخ والطائفة والجماعة بكل طريق حتى ولو بالباطل، ولو بالتعدي على الآخرين ممن لهم حقوق علينا أو لحق الإسلام، نريد أن نكون متوازنين في مشاعرنا وألفاظنا وأعمالنا بميزان الشرع، ناشرين لروح الحب والود والتعاون بيْن المسلمين، متجنبين ما يفعله الكثير منا حينما يعبِّر عن حبه لشيخه وجماعته وطائفته مِن ثناء مبالغ فيه ومدح يقطع الأعناق لمن نحب، وهجوم كاسح ماحق لا يرى حسنة فيمن تختلف معه.
وإن كلامي في البداية موجه لإخواني وأحبائي الذين أراهم أحياناً قد تجاوزوا الحدود في الدفاع عن بعض القضايا والأعمال التي نراها ونعمل بها في تجريح المخالفين والطعن فيهم، فيترتب على ذلك مزيد الشقاق، واستنفار شياطين الآخرين لخوض حروب ليست هي حروبنا الحقيقية، وإذعار كل الطوائف علينا في وسط الجو المشحون بأنواع الفتن والباطل، وسهام الأعداء مِن كل مكان.
إخوتي وأخواتي: إني أحبكم في الله، فهيا ننشر الحب في الله بيْن كل المؤمنين.