بعد انتقادات المعارضة له، عادت لهجة رئيسالنظام المصري عبد الفتاح السيسي الاثنين، إلى نبرة القوة في ملف مياه النيل، الذييشهد صراعا مع إثيوبيا منذ نحو 10 سنوات، مؤكدا أنه لن يقترب أحد من مياه مصر،وذلك بعد تصريحات له قبل أيام أشار فيها إلى أنه لم يسع إلى الصدام مع أديس أبابا.
وفي تصريحه الأحدث، قال السيسي الاثنين الماضي،ردا على سؤال إعلاميين مصريين بشأن الملء الثالث لسد النهضة الإثيوبي الذي أعلنتإثيوبيا عزمها إتمامه بعد شهرين: "كلامي مش كثير، محدش هيقرب من مياهمصر".
حصة مصر كإحدى دول مصب نهر النيل إلى جانبالسودان من مياه النيل تبلغ 55 مليار متر مكعب، تمثل 97 بالمئة من مواردهاالمائية، إلى جانب 18.5 مليارا للخرطوم، فيما تتخوف العاصمتان العربيتان من تضررحصتيهما التاريخية من مشروع سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق أحدأهم روافد نهر النيل الموسمية، منذ العام 2010.
ذلك التصريح يأتي بعد أيام من قول السيسي 5حزيران/ يونيو الجاري، خلال المعرض والمؤتمر الطبي الأفريقي الأول بالقاهرة، موجهاخطابه اللين لدول حوض النيل، إنه اتخذ مسار تحلية المياه وإيجاد البدائل عن مياهالنيل، ولم يطالب بزيادة حصة مصر من المياه حتى لا يصطدم مع الأشقاء الأفارقة.
وفي أول تعليق له على ما ذكره مدير مشروع سدالنهضة، كيفلي هورو، 27 أيار/ مايو الماضي، عن عملية الملء الثالث للسد الإثيوبي،أضاف السيسي: "أنا عملت كلّ ما يمكن عمله، صبرت وأعطيت الفرصة (لإثيوبيا) واشتغلتعلى ما عندي لأعظم ما لدي (إعادة تدوير مياه الصرف)".
وأوضح أنه في إطار رغبته عدم الصدام مع الأشقاءقام بمشروعات تحلية المياه لتصبح مصر الأولى أو الثانية عالميا في هذا الأمر، وهوما يكلف ميزانية الدولة مليارات الجنيهات، في وقت تعاني فيه صعوبة في توفير السلعالأساسية مع العجز المالي، وندرة العملات الأجنبية، وتفاقم فوائد الدين.
وهو الحديث الذي لاقى حينها انتقادات واسعة،واعتبره معارضون إقرارا من السيسي بالأمر الواقع وبضياع حقوق مصر المائية، وتراجعامنه عن تحذيره السابق لإثيوبيا، عقب فشل اجتماعات "كينشاسا" عاصمةالكونغو الديمقراطية.
السيسي، قال حينها في 30 آذار/ مارس 2021، إن كلالخيارات مطروحة إذا أُخذت قطرة واحدة من حصة مصر، وأنه سيعتبر ذلك تجاوزا للخطوطالحمراء، وسيقابله برد مزلزل يؤدي لزعزعة استقرار المنطقة بكاملها.
ومع فشل مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودانوإثيوبيا على مدار 8 سنوات؛ سعى السيسي إلى ملف تحلية مياه الصرف الزراعي والصحي،ضمن ما دعاه بـ"الخطة القومية للمياه" حتى 2037.
تلك الخطة تتكلف وفق وزارة الري المصرية نحو 50مليار دولار، فيما دخلت القاهرة في أيلول/ سبتمبر 2021، موسوعة "جينيس"بـ 3 أرقام قياسية بإنشاء أكبر 3 محطات للتحلية والمعالجة وإنتاج الأوزون.
"الوضع الراهن"
وتأتي تصريحات السيسي الجديدة بشأن مياه النيلفي الوقت الذي أعلنت فيه إثيوبيا عزمها بدء عملية الملء الثالث لخزان سد النهضة فيآب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر المقبلين، مؤكدة أنه "يستحيل وقف الملء فنيا"،مشيرة إلى تجربة التوربين الثاني لإنتاج الكهرباء في خطة بدأت تنفيذها في شباط/فبراير الماضي.
وهو الأمر الذي يثير غضب القاهرة والخرطوماللتين تطلبان من أديس أبابا ألا تتخذ أية خطوات أحادية إلا بموافقة دولتي المصب،وتطالبان باتفاق نهائي ملزم، لكن أديس أبابا نفذت منفردة عمليتي ملء منتصف 2020و2021، وتعتزم الملء الثالث منفردة أيضا.
المثير في الوضع الحالي، هو اعتراف إثيوبياولأول مرة على لسان مدير سد النهضة كيفلي هورو، باحتمال تأثر مصر والسودان بعملياتالملء، لكن المسؤول الإثيوبي في المقابل وفي لهجة قاطعة، أكد أن بلاده "لنتسمح بوقف تشييد هذا المشروع، ولن تفعل ذلك ولن تسمح بتعطيله".
وعلى مدار سنوات حكم السيسي لمصر، تلاعبتإثيوبيا بالملف وحاولت كسب الوقت لصالح إتمام إنشاءات سد النهضة، ولم تنجح جهودالوساطة الدولية في الوصول إلى اتفاق يرضي الأطراف الثلاثة.
وبرغم اللقاءات والمشاورات التي جرت بين السيسيوقادة إثيوبيا بداية من رئيس الوزراء ميليس زيناوي عام 2015، وتوقيعهما مع الرئيسالسوداني السابق عمر البشير "اتفاقية إعلان مبادئ وثيقة سد النهضة"،والتي اعتبرها مراقبون تنازلا مصريا عن حصتها التاريخية بمياه النيل، واعترافابأحقية إثيوبيا في بناء السد.
والتقى السيسي، رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمدعدة مرات، كان أشهرها مشهد القسم الشهير الذي أملاه السيسي على المسؤول الإثيوبيبقصر الرئاسة في القاهرة حزيران/ يونيو 2018، وقوله إنه لن يضر مصر، فيما توقفتاللقاءات منذ لقائهما في قمة "سوتشي" الروسية تشرين الأول/ أكتوبر 2019،مع نكوص الأخير بوعوده للأول.
وعجزت الولايات المتحدة رغم تبنيها المفاوضاتفي 2019، و2020، في الوصول إلى اتفاق نهائي ملزم للأطراف الثلاثة، حيث رفضتإثيوبيا في شباط/ فبراير 2020، التوقيع على مسودة اتفاق وقعت عليها مصر والسودان فيواشنطن، فيما عجز الاتحاد الأفريقي في الوصول لحل يرضي الأطراف.
ولكن ومع توقف المفاوضات بشكل نهائي لنحو عاممضى، وفي 10 حزيران/ يونيو الجاري، أعلنت الخارجية الإثيوبية، عن اهتمامهاباستئناف المفاوضات، وهو الإعلان الذي يأتي بعد تأكيد إثيوبي بأنها ماضية فيقرارها بالملء الثالث، ما حدا بدولتي المصب لعدم الرد على الرغبة الإثيوبيةبالعودة للمفاوضات.
"ليس بإرادته"
وفي رؤيته السياسية لدلالات تغيير السيسي لهجتهخلال عدة أيام من الليونة والتأكيد على عدم رغبته في الصدام إلى نبرة القوة وقوله"محدش هيقرب من مياه مصر"، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق السفيرعبد الله الأشعل: "يُغير لهجته كما يريد، فذلك ليس بإرادته".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف:"لأن مياه النيل تتحكم فيها إثيوبيا بدعم إسرائيلي أمريكي، وعندما يتحدثالسيسي عن صِدام أو حديث لين فلا يهم أو يفيد ذلك في قضية مياه النيل؛ لأن الأصلهو الإرادة".
وأكد السياسي المصري، أنه "الآن هناك سلبكامل لإرادة مصر؛ وما تريده إسرائيل وأمريكا هو ما سوف يتم، ولذا لا نعول على تلكالتصريحات أو غيرها، ولا عن شدتها أو ليونتها".
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية، أن "تصريحعدم الصدام مع إثيوبيا ودول الحوض والقارة السمراء، وأن عنده بدائل أخرى للمياه هوما يسير عليه السيسي، ولهذا صدره للحديث أمام الوفود الأفريقية حتى تعلم أن مصرمتراجعة عن حقها في المياه".
وقال إن "هذا النهج ناجم عن أن مصر ضعفتللغاية، وأصبحت في ذيل الأمم، ولم تصبح قادرة على الدفاع عن مياهها وحاجاتها، وأرىأن تلك التصريحات لا قيمة لها سواء كانت لينة أو قوية".
"تهدئة الداخل"
وفي رؤية فنية متخصصة بملف المياه، انتقدالخبير المصري الدكتور محمد حافظ، "تغيير لهجة السيسي عندما صرح بأن مصرلم تتخذ أي عمل لزيادة حصتها من مياه النيل، وتحوله للهجة تبدو في تأكيده للشعبالمصري بأنه (محدش هيقرب من مياه مصر)".
أستاذ هندسة السدود بجامعة "Uniten" بماليزيا، أوضحبحديثه لـ"عربي21"، أن حديث السيسي، "ليس أكثر من تحقيق رغبة لبعضالجهات التي رأت أن تصريحه المنبطح الأسبوع الماضي يحمل العديد من علاماتالاستسلام للإرادة الإثيوبية".
وفي هذا الإطار لفت حافظ, إلى أن "أحدالمحللين السياسيين الإثيوبيين الثلاثاء، مع الإعلامي محمد ناصر، راح يشكر ويمدحمجهودات السيسي في التعاون مع إثيوبيا، ووصفه بأنه ليس كالرئيس السابق حسنيمبارك".
وقال الخبير المصري: "بشكل عام يجب أننفهم التصريحين المخالفين لبعضهما البعض في ظل تصريحات إثيوبيا باستعدادها للرجوعلطاولة المفاوضات بعد تجميد المفاوضات لأكثر من 15 شهرا".
وأوضح أن "تصريحات السيسي الحقيقية الصادرةعن قناعته الشخصية هي تصريحات الأسبوع الماضي المنبطحة، كرسالة تمهيديه لإثيوبيا،والتي ردت عليه بالموافقة على الرجوع للمفاوضات، بينما تصريح الاثنين الماضي، فهوللاستخدام الداخلي".
"الأخطر قادم"
وتابع حافظ: "ووفقا لتسريبات أعلنت من قبلأحد المفاوضين المصريين فإن المفاوضات القادمة ستشمل مناقشة (مبدأ) بيع إثيوبيامياه النيل الأزرق للدولة المصرية؛ وهذا غالبا ما تم الاتفاق عليه خلال لقاءاتسرية عقدت بالشهرين الماضيين بأبوظبي دون الإعلان عنها رسميا".
"وعليه أتوقع تحركا قريبا بالملف برعايةإماراتية، والوصول لأهداف منشودة جرى التوافق عليها سرا، والتي غالبا ستبدو صعبةفي بدايتها وستدفع تدريجيا لحافة الفشل من قبل جميع الأطراف وإلى حين ييأس الشعبالمصري بالوصول لاتفاق ملزم مع إثيوبيا"، بحسب الأكاديمي المصري.
وأكد أنه "عندها ستتدخل الإمارات بوزنهاالمادي وتتقدم بعرض بيع مياه النيل الأزرق لمصر برخص التراب أي بقيمة زهيدة جدايصعب على مصر رفضها"، متوقعا أنه "غالبا ستعلن الإمارات كفالة هذا الأمر إلى حين استكمال مصر للبنية التحتية اللازمة لمعالجة مياه الصرف".
حافظ، واصل سرد رؤيته للقادم في الملف الأخطرعلى حياة نحو 140 مليون مصري وسوداني، قائلا: "وهنا غالبا ستقبل مصربالاقتراح الإماراتي، وتوقع اتفاقية جديدة خاصة بعملية الشراء"، محذرا من أن"الأمر لن يكون ورديا كما سيحاول الإعلام المصري تقديمه للمواطنالمصري".
وشدد على أن "موافقة مصر من حيث المبدأعلى شراء المياه يفتح شهية دول حوض النيل للسير على خطى إثيوبيا، وعرض شراء مياهالنيل الأبيض على دولتي المصب, هذا بالإضافة إلى أن الكفالة المتوقعة من أبوظبيلتغطية تكاليف شراء المياه بالنيابة عن مصر بعض السنين لا يضمن بتاتا تغيير سعرالشراء بعد تمكن إثيوبيا من كامل الأمر".
ويرى الخبير المصري، أن "ما تسعى إليهإثيوبيا وأبوظبي اليوم ليس الحصول على مكاسب مادية من مصر بل يسعون فقط للحصول علىموافقة مصر من حيث المبدأ على فكرة شراء مياه النيل الأزرق".
وأضاف: "وعليه فإن تصريحات السيسي، شبهالخشنة ليست أكثر من توصيات لجهات سياسية واستخباراتية مصرية نجحت بقياس رد فعلالشعب بعد تصريحات السيسي الأسبوع الماضي، ولذا كان عليه إخراج المشهد خلال لقائهمع الإعلاميين بهذا الشكل تجنبا لمزيد الغضب الشعبي المصاحب لملف المياه".
تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation
الموضوع الأصلي : <font color="#22229C" size="1" face="tahoma"> تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation
<font color="#22229C" size="1">
-||- المصدر : تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation
-||- الكاتب : <font color="#22229C" size="1" face="tahoma">
المستشار الصحفى
تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation