السؤال:
هل يحاسب الشهيد الذي يستشهد في سبيل الله ، ولإعلاء كلمة لا اله إلا الله ، كما هي حال المجاهدين في سوريا ، هل يحاسب على الصلوات التي أضاعها ، في حال كان يصلي أحيانا ويضيع أحيانا ، أو في حال كان لا يصلي أبدا قبل توبته وجهاده في سبيل الله ؟
الجواب :
الحمد لله :
أولاً :
إن كان هذا المجاهد من المؤدين للصلاة ، إلا أنه يفرط فيها في بعض الأحيان ، ومات على ذلك ، فإنه يرجى أن يغفر الله له هذا التقصير والتفريط .
وقد جاءت النصوص الشرعية بأن الله يغفر للشهيد جميع ذنوبه التي بينه وبين الله .
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) ، رواه مسلم (1886) .
وفي لفظ له : ( الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ ، إِلَّا الدَّيْنَ ).
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ : " أَنَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَالْإِيمَانَ بِاللهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ ، فَقَامَ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ ؟
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَعَمْ ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ).
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَيْفَ قُلْتَ ).
قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ ؟.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَعَمْ ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ ، إِلَّا الدَّيْنَ ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِي ذَلِكَ ) رواه مسلم (1885) .
قال ابن عبد البر : " وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ: لَا تُكْفَّرُ بِهِ تَبِعَاتُ الْآدَمِيِّينَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - ، وَإِنَّمَا يُكَفِّرُ مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ فِيهِ خَطِيئَةً : صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً ، إِلَّا الدَّيْنَ الَّذِي هُوَ مِنْ حُقُوقِ بَنِي آدَمَ ".
انتهى من " الاستذكار" (5/100) .
وقال الإمام النووي : " فِيهِ هَذِهِ الْفَضِيلَة الْعَظِيمَة لِلْمُجَاهِدِ , وَهِيَ تَكْفِير خَطَايَاهُ كُلّهَا إِلَّا حُقُوق الْآدَمِيِّينَ , وَإِنَّمَا يَكُون تَكْفِيرهَا بِهَذِهِ الشُّرُوط الْمَذْكُورَة , وَهُوَ أَنْ يُقْتَل صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْر مُدْبِر ...
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِلَّا الدَّيْن ) فَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى جَمِيع حُقُوق الْآدَمِيِّينَ , وَأَنَّ الْجِهَاد وَالشَّهَادَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَعْمَال الْبِرّ لَا يُكَفِّر حُقُوق الْآدَمِيِّينَ , وَإِنَّمَا يُكَفِّر حُقُوق اللَّه تَعَالَى". انتهى من "شرح صحيح مسلم" (13/29).
ثانياً :
وأما إذا كان تاركاً للصلاة بالكلية ، أو كان يصلي حينا ويترك حينا ؛ ثم تاب من ذلك ، وجاهد في سبيل الله حتى استشهد : فإن التوبة تهدم ما قبلها من الذنوب ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ؛ قال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) .
وقال : ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ).
ولعظم خطر ترك الصلاة ، فالواجب على المسلم ، وخاصة من يتصدر للجهاد في سبيل الله أن يحافظ عليها ولا يفرط بها في أي حال من الأحوال.
والله أعلم .
تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation