أحكام الأذان
الشيخ صلاح نجيب الدق
أحكام الأذان
الحمد لله الكريم المنَّان، ذي الفضل والإحسان، الذي هدانا للإيمان، وفضَّل ديننا على سائر الأديان، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
فإن للأذان أحكامًا وآدابًا تتعلق به، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
معنى الأذان:
الأذان في اللغة: الإعلام.
الأذان في الشرع: الإعلام بدخول وقت صلاة الفريضة، بألفاظ مخصوصة، وشُرع الأذان في السنة الأولى من هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ (المغني لابن قدامة جـ 1 صـ 53).
فضل الأذان:
إن الأذان مع قلة ألفاظه مشتملٌ على مسائل العقيدة؛ فهو يبدأ بالتكبير، ثم يُثنِّي بالتوحيد ونَفْي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم الدعاء إلى الطاعة المخصوصة، وهي الصلاة، ثم الدعاء إلى الفلاح، وهو البقاء الدائم، وفيه إشارة إلى المعاد، يومِ القيامة؛ (فقه السنة للسيد سابق جـ 1 صـ 132).
(1) روى الشيخان عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى النداء أقبل، حتى إذا ثُوِّب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطِرَ بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لِمَا لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى))؛ (البخاري حديث 608/ مسلم حديث 389).
(2) روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدري: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((إني أراك تحب الغنَم والبادية، فإذا كنتَ في غنمك أو باديتك فأذَّنْتَ بالصلاة، فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌّ ولا إنسٌ ولا شيء، إلا شهِد له يوم القيامة؛ (البخاري حديث 609).
(3) روى الشيخان عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعلم الناسُ ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمة والصُّبح، لأتوهما ولو حَبْوًا))؛ (البخاري حديث 615/ مسلم حديث 437).
(4) روى أبو داود عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإمام ضامنٌ، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشِدِ الأئمَّةَ، واغفِرْ للمؤذِّنين))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 486).
حُكم الأذان:
الأذانُ للصلوات المفروضة فرضُ كفاية، إذا قام به البعض سقط الإثمُ عن الجميع، وإذا لم يقُمْ به أحدٌ، أَثِمَ كلُّ مَن كانت له القدرة على التأذين ولم يؤذِّنْ؛ فإن الأذان عبادةٌ مِن أعظم شعائر الإسلام الظاهرة؛ (الشرح الممتع لابن عثيمين جـ 2 صـ 25).
آداب المؤذن:
(1) أن يبتغي بذلك وجه الله، وإن كان له راتب يُعِينه على المعاش، فلا حرج في ذلك.
(2) أن يكون طاهرًا من الحدث الأصغر والأكبر، وعالِمًا بدخول وقت الفريضة.
(3) أن يكون قائمًا مستقبل القِبلة.
(4) أن يكون حسن الصوت، مع مراعاة رفع الصوت، مع الالتفات برأسه وصدره يمينًا عند قول: حيَّ على الصلاة، والالتفات يسارًا عند قول: حيَّ على الفلاح، مع وَضْع يديه في أُذنيه.
(5) أن يترسَّلَ عند الأذان، ولا يتكلَّمَ أثناء الأذان إلا لضرورة؛ (الشرح الممتع لابن عثيمين جـ 2 صـ 29: صـ 35)، (فقه السنة للسيد سابق جـ 1 صـ 139: صـ 141).
صفة الأذان:
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثةُ ألفاظ للأذان:
الأولى: خمس عشرة جملة، وفيها تربيع التكبير، وتثنية باقي الألفاظ، ما عدا كلمة التوحيد الأخيرة؛ (حديث حسن صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 469).
الثانية: تسع عشرة جملة، مع زيادة الترجيع في الشهادتين؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 475).
الترجيع: هو أن يخفض المؤذن صوته بالشَّهادتين مع إسماع الحاضرين، ثم يعود فيرفع بهما صوته.
الثالثة: سبع عشرة جملة، كالسابقة، ولكن بتثنية التكبير في أول الأذان؛ (مسلم حديث 279).
الخروج مِن المسجد بعد الأذان:
يُكرَه الخروج مِن المسجد عقب الأذان، إلا لضرورة.
روى مسلم عن أبي الشعثاء قال: كنا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة، فأذَّن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم؛ (مسلم حديث 655).
شروط الأذان:
(1) دخول وقت الفريضة.
(2) أداؤه باللغة العربية.
(3) الالتزام بالألفاظ الثابتة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم.
(4) الموالاة بين الألفاظ، إلا بفصل يسير يتسع لترديد مَن يسمَع الأذان.
(5) إسماع الحاضرين برفع الصوت، وأما إن كان يؤذِّنُ لنفسه، فلا حاجة لرفع الصوت؛ (الشرح الممتع لابن عثيمين جـ 2 صـ 45).
أذانُ النساء وإقامتهن:
لا يجب الأذان ولا الإقامة على النساء عند جماهير العلماء من السلف والخلف، ولا يجزئ أذانُ المرأة للرجال عند جمهور العلماء؛ لأن الأذان للإعلام، ويُشرَع له رفعُ الصوت، ولا يشرع للمرأة رفع صوتها بحضرة الرجال، ولم يُسمَع في عهد الصحابة ولا التابعين أنه وقَع التأذين مِن امرأة قط لصلاة الفريضة.
أذانُ وإقامة النساء وهنَّ منفرداتٌ عن الرجال:
يجوز أذان وإقامة النساء في حالة عدم وجود الرجال؛ لأنه ذِكرٌ، ولم يرِدْ ما يمنَع ذلك.
روى ابنُ أبي شيبة عن ابن عمر: أنه سئل: هل على النساء أذان؟ فغضب، قال: أنا أَنهى عن ذِكر الله؟!؛ (إسناده حسن) (مصنف ابن أبي شيبة جـ 1 صـ 253).
روى ابن أبي شيبة، عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: كنا نسألُ أنسًا: هل على النساء أذان وإقامة؟ قال: لا، وإن فعَلْنَ فهو ذِكر؛ (إسناده صحيح) (مصنف ابن أبي شيبة جـ 1 صـ 253).
قال الشافعيُّ: لا تجهر المرأة بصوتها، تؤذِّن في نفسِها، وتُسمِع صواحباتِها إذا أذَّنَتْ، وكذلك تقيم إذا أقَمْنَ؛ (الأم للشافعي جـ 1 صـ 48).
روى ابن أبي شيبة عن عطاءٍ وطاوس: أن عائشةَ كانت تؤذِّن وتُقيم؛ (إسناده صحيح) (مصنف ابن أبي شيبة جـ 1 صـ 253)، (المغني لابن قدامة جـ 2 صـ 80)، (المحلى لابن حزم جـ 3 صـ 129).
مِقدار الوقت بين الأذان والإقامة:
وقت يتَّسع لاجتماع الناس لأداء الصلاة.
الأذان والإقامة للصلوات الفائتة:
يُسَنُّ الأذان والإقامة لمن نام عن صلاة أو نسِيَها.
روى الشيخانِ عن عِمرانَ بن حصينٍ قال: كنا في سفرٍ مع النبي صلى الله عليه وسلم، وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعةً، ولا وقعة أحلى عند المسافر منها، فما أيقَظَنا إلا حرُّ الشمس، وكان أولَ مَن استيقظ فلانٌ، ثم فلان، ثم فلان - يسميهم أبو رجاءٍ، فنسيَ عوف - ثم عمرُ بن الخطاب الرابع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام لم يوقَظْ حتى يكون هو يستيقظ؛ لأنَّا لا ندري ما يحدُثُ له في نومه، فلما استيقظ عمرُ ورأى ما أصاب الناس، وكان رجلًا جليدًا، فكبَّر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبِّرُ ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلما استيقظ شكَوْا إليه الذي أصابهم، قال: ((لا ضير، أو لا يضير، ارتحلوا))، فارتحل، فسار غير بعيدٍ، ثم نزل، فدعا بالوَضوء، فتوضأ، ونودي بالصلاة، فصلى بالناس؛ (البخاري حديث 344/ مسلم حديث 682).
دخول المسجد بعد الصلاة فيه:
مَن دخل مسجدًا بعد أداء الصلاة فيه، فله أن يؤذِّنَ ويقيم بصوت يُسمِع نفسَه أو مَن يصلي معه، وإن شاء صلى مِن غير أذان ولا إقامة؛ (الأم للشافعي جـ 1 صـ 84)، (المغني لابن قدامة جـ 2 صـ 72: صـ 73)، (مصنف ابن أبي شيبة جـ 1 صـ 250: صـ 251).
الأذان والإقامة عند تعدُّد الفوائت:
إذا تعدَّدتِ الصلوات الفائتة، فإنه يُسَنُّ للمسلم أن يؤذِّنَ أذانًا واحدًا، ويقيمَ لكل صلاة.
روى النسائيُّ عن عبدالله بن مسعود قال: إن المشركين شغَلوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن أربعِ صلواتٍ يوم الخندقِ، فأمر بلالًا فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العِشاء؛ (حديث صحيح) (صحيح سنن النسائي للألباني جـ 1 صـ 217: صـ 218).
ما يقال عقِبَ الأذانِ:
يُسَنُّ لِمَن سمع الأذانَ أن يردِّدَه ثم يصلِّيَ على النبي صلى الله عليه وسلم ويسألَ له الوَسِيلةَ.
روى مسلمٌ عن عبدالله بن عمرو بن العاص: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذنَ، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ؛ فإنه مَن صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلُوا اللهَ لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو؛ فمَن سأل لي الوسيلة، حلَّتْ له الشفاعةُ))؛ (مسلم حديث 384).
ويُسنُّ للمسلم الدعاء لنفسه ولغيره بين الأذان والإقامة.
أذان غير المؤذِّن الراتب:
يُكرَه أن يؤذن غيرُ المؤذن الراتب إلا بإذنه، أو أن يتخلف فيؤذِّن غيرُه مخافةَ فوات وقت التأذين؛ (فقه السنة للسيد سابق جـ 1 صـ 145).
مَن أذَّن فهو يقيم:
يجوز أن يقيم الصلاةَ شخصٌ آخرُ غيرُ المؤذن، ولكن الأفضل أن مَن أذَّن فهو الذي يقيم للصلاة؛ (فقه السنة للسيد سابق جـ 1 صـ 142).
صفة الإعلان عن الصلوات التي لا أذانَ لها:
يقال: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، وهذا خاصٌّ بصلاة الاستسقاء والكسوف، وأما صلاة العيدينِ فلا يقالُ لها ذلك.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
الألوكة
.........................