اختلف أهل العلم في الأمم التي مُسخت قردة وفئرانًا، وغيرهما هل تناسلت، وتوالدت، أو لا على قولين[1]:
القول الأول: الأمم التي مُسخَتْ لم تتناسل، والموجود من القردة والفئران وغيرهما ليس من نسل الممسوخ.
القائلون به: جمهور أهل العلم، وهو المعتمد.
الأدلة:
روى مسلمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ ، هِيَ مِمَّا مُسِخَ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ عز وجل لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا، أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا، فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا، وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ»[2].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال ابن قتيبة: إن صح هذا الحديث، وإلا فالقردة والخنازير هي الممسوخ بأعيانها توالدت.
قلت: الحديث صحيح»[3].
وقال بدر الدين العينيرحمه الله: «قال ابن قتيبة: أنا أظن أن القردة والخنازير هي المسوخ بأعيانها توالدت إلا أن يصح هذا الحديث،
وأراد به حديث أبي سعيد المذكور، وهو صحيح»[4].
القول الثاني: الأمم التي مُسخَتْ تناسلتَ، وتوالدت، والموجود من القردة والفئران وغيرهما من نسل الممسوخ.
القائلون به: أبو إسحاق الزجاج، وأبو بكر بن العربي، وهو قول شاذ.
الأدلة:
1- روى مسلمٌ عنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِضَبٍّ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَقَالَ: «لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنَ الْقُرُونِ الَّتِي مُسِخَتْ»[5].
2- روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يُدْرَى مَا فَعَلَتْ، وَإِنِّي لاَ أُرَاهَا إِلَّا الفَأرَ، إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ» فَحَدَّثْتُ كَعْبًا فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلميَقُولُهُ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ لِي مِرَارًا،
فَقُلْتُ: أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟[6]
أجاب الجمهور عن هذين الحديثين بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يوحى إليه بحقيقة الأمر في ذلك، ولذلك لم يأت الجزم عنه بشيء من ذلك بخلاف النفي فإنه جَزم به كما في حديث بن مسعود رضي الله عنه.
قال ابن الجوزي رحمه الله: «قوله صلى الله عليه وسلم: «لا أُراها» أي لا أظنها، والظاهر أنه قال هذا بظنه، ثم أعلم بعد ذلك»[7].
3- روى البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ رضي الله عنه، قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ، قَدْ زَنَتْ، فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ»[8].
أُجيبَ بأنه لا يلزم أن تكون القرود المذكورة من النسل، فيحتمل أن يكون الذين مسخوا لما صاروا على هيئة القردة مع بقاء أفهامهم عاشرتهم القردة الأصلية للمشابهة في الشكل فتلقوا عنهم بعض ما شاهدوه من أفعالهم فحفظوها، وصارت فيهم[9].
الترجيح: يتبين من العرض السابق أن الراجح في الأمم التي مُسخت أنها لم تتناسل، ولم تتوالد، وإنما انقطع نسلها، وعَقبها، والله أعلم.
[1] انظر: فتح الباري، لابن حجر (7 /160)، وعمدة القاري، للعيني (15 /194، 16 /300).
[2] صحيح: رواه مسلم (2663).
[3] انظر: فتح الباري، لابن حجر (6 /353).
[4] انظر: عمدة القاري (15 /194).
[5] صحيح: رواه مسلم (1949).
[6] متفق عليه: رواه البخاري (3305)، ومسلم (2997).
[7] انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (3 /486).
[8] صحيح: رواه البخاري (3849).
[9] انظر: فتح الباري (7 /160).
رابط الموضوع:
تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation