الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عداون إلا على الظالمين ؛ أما بعد:
فقد وقفت على مقطع منشور بكثرة للأمريكي محمد علي كلاي والذي شُهر بممارسة "الملاكمة" ولولا شهرة المقطع وانتشاره وخشية أن يروج ما قاله على العامة لما كتبت سواداً في بياض والله المستعان.
سأل المذيع كلاي عن حارسه الشخصي؟
فقال :
"لدي حارس شخصي واحد، هو يرى بلا عيون، وهو يسمع بلا أذان، وهو يتذكر كل شيء بلا مساعدة عقل أو ذاكرة ، عندما يريد خلق شيئا ما يأمر بذلك دون أن ينطق بلسان، أو بصوت يُسمع ، عليم بذات الصدور وما يجول في الخاطر ، هو الله ، هو حارسي الشخصي وهو من يحرسك"
أقول: وفي هذا الكلام مخالفة لعقيدة أهل السنة الذي تمسكوا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وكلامه هو كلام الكلابية الأشعرية الذين هم مخانيث المعتزلة؛ قال ابن تيمية:
"الأشعرية مخانيث المعتزلة" [ الفتاوى الكبرى 6/543] أو الجهمية الثالثة[انظر المصدر السابق 6/372].
والمراد في هذا المقال نقد كلام كلاي بأخصر عبارة وأوجزها حتى يستطيع العامي ومن راج كلام كلاي عليه أن يفهم وأن يعي مواطن العطب في كلام هذا الرجل.
فهذا نفي لصفة العينين التي ثبت لله سبحانه وتعالى في الكتاب والسنة وبالإجماع،فأما الكتاب فقوله تعالى
?وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا
? وقوله تعالى
?وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي
? وقوله تعالى ?وَاصْبِرْ لِحُكمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا?
وأما السنة فمن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور ـ وأشار بيده إلى عينه ـ وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية"
أقول:في هذا الحديث إثبات لصفة العينين لله كما تليق به جل في علاه؛ قال الإمام الدارمي: " بيان أنه بصير ذو عينين خلاف الأعور"[النقض1/327]
وأما الإجماع فقد نقل ابن تيمية الإجماع الذي ذكره صاحب مقالات الإسلاميين وأقره فقال:"جملة مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث: ..." [فذكر من اعتقاداتهم] ثم قال :
"وأن الله على عرشه استوى وأن له يدين بلا كيف كما قال: {خلقت بيدي} وكما قال: {بل يداه مبسوطتان} وأن له عينين بلا كيف كما قال: {تجري بأعيننا}..."[مجموع الفتاوى4/ 174]
فتبين بهذا بطلان قوله في نفي صفة العينين لله وأن هذا مذهب الجهمية نفاة الصفاة الذين أجمع أهل العلم بكفرهم بل كفرهم إخوانهم المعتزلة والأشعرية.
وأما قوله"وهو يسمع بلا أذان"
فهذا نفي لا يجوز، لأنه ما جاءت السنة بمثل هذا النفي والقاعدة المتفق عليها:
أن صفات الله توقيفيه أي أن لا نثبت لله سبحانه وتعالى صفة إلا ما جاء به الكتاب والسنة ومن السنة ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم، وما أجمع عليه السلف.
قال ابن تيمية:" فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به وإن لم يفهم معناه. وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمة وأئمتها. مع أن هذا الباب يوجد عامته منصوصًا في الكتاب والسنة، متفقا عليه بين سلف الأمة."[التدمرية 65]
وأن لا ننفي عنه صفة إلا إن جاء النفي من السبل التي أشرت لها قبل.
قال ابن تيمية:
" فكما لا يجوز الإثبات إلا بدليل لا يجوز النفي إلا بدليل. ولكن إذا لم يرد به الخبر ولم يعلم ثبوته يسكت عنه فلا يتكلم في الله بلا علم. الثاني: أن أشياء لم يرد الخبر بتنزيهه عنها ولا بأنه منزه عنها لكن دل الخبر على اتصافه بنقائضها فعلم انتفاؤها. فالأصل أنه منزه عن كل ما يناقض صفات كماله وهذا مما دل عليه السمع والعقل. وما لم يرد به الخبر إن علم انتفاؤه نفيناه وإلا سكتنا عنه. فلا نثبت إلا بعلم ولا ننفي إلا بعلم"[مجموع الفتاوى16/431]
فنفي "كلاي" للأذن نفي باطل لأن هذا النفي ما جاء في الكتاب ولا في السنة مع أنه قد ثبت أن الله سميع سبحانه وتعالى.
وأما قوله" وهو يتذكر كل شيء بلا مساعدة عقل أو ذاكرة"
فهذا يقال فيه ما قيل في الأذن وسبحانه وتعالى أخبر عن نفسه فقال ?ـ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا?
وأما قوله" عندما يريد خلق شيئا ما يأمر بذلك دون أن ينطق بلسان أو بصوت يُسمع "
فهذا ظاهره أنه ينفي صفة الكلام حقيقة عن الله وأما بما يتعلق باللسان فأجعله بعد أن أنهي الكلام عن صفة الكلام، الذي ظاهره كلام كلاي نفيها عن الله سبحانه، وهي أشنع بدع الجهمية وأكثر الصفات التي امتحن بسببها أهل السنة في زمن الإمام أحمد، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع أن الله سبحانه وتعالى يتكلم وينادي بصوت مسموع؛ فأما القرآن فقد قال تعالى ? وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ? وقال سبحانه ? وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ? وقال سبحانه ? وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ? ? وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ? ? وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ? وغيرها من الآيات الكثيرات الدالات على إثبات تكلم الله وأنه ينادي سبحانه والنداء لا يكون إلا بصوت مسموع وقد جاءت السنة بإثبات الصوت له سبحانه فعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، يقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟... الحديث" رواه البخاري
وروى الإمام أحمد بإسناده حديث عبد الله بن أنيس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يحشر الناس يوم القيامة - أو قال: العباد - عراة غرلا بهما " قال: قلنا: وما بهما؟ قال: " ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان..." الحديث.
ففي هذين الحديثين إثبات للصوت صراحة
وروى الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ... الحديث
قال السجزي:" فإصغاء سمعه تحت العرش انتظارا للأمر لا يكون إلا لصوت الآمر"
[الرد على من أنكر الحرف والصوت 252]
وأما نفيه للسان فيقال فيه ما قيل في الأذن فلا نثبت ولا ننفي إلا بدليل. فإن جاء الدليل بنفي أو إثبات فحيهلا وإلا فالوقوف عن الخوض في هذا هو المتعين، وإن كان كلاي ومن تبعهم في عقيدتهم الضالة يريدون بهذا نفي صفة الكلام .
وأما وصفه لله بأنه حارسه الشخصي وحارس المذيع الشخصي فهذا وصف لا يليق بالله فالله أجل وأعظم من أن يوصف بأنه حارس شخصي ولا يستغرب ممن تربى بين الكفار وقبل ذلك تغذى بعقيدة أهل الكلام من الجهمية والأشعرية أن يتجرأ على الله سبحانه وتعالى، فهذا الوصف لا يليق ولا يعتذر له بأنه أعجمي ومن هذه الأعذار التافهة فالأعجمي يستطيع أن يتعلم.
وبهذا يتم التعليق على هذا المقطع المنشور وإني أنبه إخواني أهل السنة أن لا ينشروا مثل هذه المقاطع التي تحتوي جرأة على الله ورداً لكلامه وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم.