من أسباب الغلو في الدين

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع zoro1
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

    

zoro1

مـــــديـر عــــــام ۩۞۩ إدارة ايطاليا سات ۩۞۩

من أسباب الغلو في الدين

الكاتب: إسلام ويب
التصنيف:مساوئ الأخلاق
من أسباب الغلو في الدين
الحمد لله الذي جعل أمة الإسلام أمة وسطا عدولا: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143). والصلاة والسلام على خير الأنام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وبعد:
فإن الغلو في الدين مذموم، وقد يؤدي إلى استباحة الدماء والأعراض والأموال المحترمة التي لا يجوز الاعتداء عليها، وإنما ينتج الغلو عن سوء الفهم من قبل بعض الناس لنصوص الوحي المعصوم، فالعيب في أفهام هؤلاء لا في نصوص الوحي.
ومن باب النصيحة لأمتنا نحاول التعرف على الأسباب التي أدت إلى وجود الغلو، ولا شك أن معرفة الأسباب مما يساعد في العلاج لهذه الظاهرة التي إن استفحلت أدت إلى إزهاق الأرواح وإهلاك الحرث والنسل، وشيوع الفتن التي تعصف بمن أصابته.

ومن أهم أسباب الغلو ما يلي:
أولا: الجهل بالدين:
مما لا شك فيه أن أهم أسباب الغلو هو الجهل بدين الله تعالى، ففي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن الخوارج: "يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ". أي: أنهم يأخذون أنفسهم بقراءة القرآن وإقرائه وهم لا يتفقهون فيه ولا يعرفون معانيه ومقاصده. ومن مظاهر هذا الجهل أنهم لا يفهمون معاني آيات الكتاب العزيز، يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما - في الخوارج: (إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين). وقال عنهم الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: (وكان أول كلمة خرجوا بها قولهم: لا حكم إلا لله انتزعوها من القرآن وحملوها على غير محملها).
ومن جهل هؤلاء بالقرآن أنهم أخذوا عمومات الوعيد فقالوا: إن معصية واحدة كافية للخلود في النار؛ استدلالا بمثل قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء: 14])، فلم يستطيعوا لجهلهم الجمع بين أدلة الوعد وأدلة الوعيد.
ومن أوضح مظاهر جهل هؤلاء الغلاة طريقة تعاملهم مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو نظرت إلى الخوارج مثلا لوجدت أنهم قد يصلون إلى إنكار السنة، حتى لقد بين عبد القاهر البغدادي أن الخوارج ينكرون السنة وذلك من أسباب انحرافهم فقال: (والثاني مع الخوارج في إنكارها حجية الإجماع والسنن الشرعية، وقد زعمت أنه لا حجة في شيء من أحكام الشريعة إلا من القرآن، ولذلك أنكروا الرجم والمسح على الخفين، لأنهما ليسا في القرآن، وقطعوا السارق في القليل والكثير؛ لأن الأمر بقطع السارق في القرآن مطلق ولم يقبلوا الرواية في نصاب القطع ولا الرواية في اعتبار الحِرز فيه، ولقد أُتوا من ظنهم مناقضة هذه الأحاديث الصحيحة للقرآن، أو مناقضة بعضها لبعض، أو فساد معانيها، أو مخالفتها للمعقول).

ثانيا مجافاة العلماء والإعراض عنهم:
وهذا من أهم الأسباب التي تراها في هؤلاء الغلاة أنهم يعتدُّون بآرائهم ويُعرضون عن العلماء ويطعنون فيهم، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد حذر من الاستهانة بالعلماء حين قال: "ليس من أمَّتي مَن لم يُجِلَّ كبيرَنا ويرحَمْ صغيرَنا ويعرِفْ لعالِمِنا حقَّه". فهل يصل هؤلاء إلى الهداية بغير سؤال العلماء والجلوس بين أياديهم لتلقي العلم عنهم؟!!.
لقد أدى بهم هذا الأمر إلى التعامل المباشر مع النصوص، وقد ذكر أهل العلم أن التعامل مع النصوص يحتاج إلى أمرين أساسيين:
الأول: معرفة اللغة التي تكلم بها الشارع.
الثاني: معرفة مقصوده من اللفظ.
ويعرف مقصود الشارع سبحانه بمعرفة سنته في الخطاب فتجمع النصوص ليخرج من مجملها بفهم مراد الشارع كما يفهم أيضا المقصود بالرجوع إلى السنة وأقوال الصحابة وأهل العلم الراسخين.
لقد أعرض أكثر هؤلاء الغلاة عن هذا المنهج فضلوا وأضلوا، ومن أمثلة ذلك: اعتمادهم على قول الله - عز وجل - {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 81]).
ولو جمع هؤلاء النصوص لفقهوا معنى (السيئة) و (الخطيئة) ذلك أنه عند التأمل في الكتاب العزيز نجد أن السيئة والخطيئة تطلقان على الشرك فما دونه من السيئات والخطايا.
فمن إطلاقها على الشرك قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} (نوح: 25) وقوله سبحانه: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 81).
ومن إطلاقها على ما دون الشرك قوله سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31] وقوله سبحانه على لسان إبراهيم: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (الشعراء: 82).
وعليه فليست الآية كما يظهر لأول وهلة أنها دالة على أن مرتكب السيئة كافر، خصوصا إذا رجعنا إلى الآية المحكمة من مثل قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48).
فلو أن هؤلاء الغلاة اتبعوا المنهج القرآني الرباني، وامتثلوا أمر الله بالرجوع إلى العلماء الراسخين لنجوا بإذن الله من هذه الآفة، قال الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء: 83).

ثالثا: شيوع الظلم:
مما لا شك فيه أن من أهم أسباب الغلو شيوع الظلم في كثير من البلاد، والاعتداء على الشباب بسجنهم بغير حق، وتعذيبهم، وحرمانهم من أبسط حقوقهم.
إن هذا الأمر له عواقب وخيمة تؤدي بفئة من هؤلاء الشباب الذين وقع عليهم الظلم - وقد قل حظهم من العلم - إلى الارتماء في أحضان التكفيريين والغلاة رغبة في الانتقام بسبب ما وقع عليهم من مظالم.
وإن رفع الظلم عن الناس وتحقيق العدل بينهم لهو من أولى الأولويات التي يجب على أولي الأمر في أي مكان أن يعملوا من أجلها؛ قياما بالواجب الذي كلفهم الله به، وحماية للمجتمعات من آثار هذه المظالم.

رابعا: الفقر والحرمان وفقدان الأمل:
إنه من أهم أسباب الغلو والانحراف، فحين يعيش الشباب حياة الحرمان، ولا يرون في الأفق ما يبشر بتغيير الحال إلى الأحسن فإنهم يصبحون تربة خصبة للأفكار المنحرفة خصوصا في المجتمعات التي تعاني من الطبقية والتمييز ويطغى فيها الغني على الفقير. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الفقر، ففي الحديث: "اللهم إني أعوذُ بك من الكفر والفقر". وتأمل كيف قرن في الاستعاذة بالله من الكفر والفقر لأنه قد يؤدي إليه!!.
فينبغي على الدول والمجتمعات أن تحارب الفقر وأن تسعى في كفاية بل إغناء الفقراء ورعاية المحرومين وفتح أبواب الأمل أمام الشباب في مستقبل أفضل.

خامسا: الحرب على الدين ومهاجمة الشعائر الدينية:
إن الناظر في واقع بعض بلاد المسلمين اليوم يرى دينه يُحَارَب ويُنتَقَص وتُهُاجَم شعائره على بعض شاشات التلفاز وفي وسائل التواصل دون ردع أو حتى إتاحة المجال للرد، وحين يتكرر الأمر ويصبح عادة في هذه الوسائل فقد يستغل بعض المنحرفين فكريا هذا الأمر الخطير لإقناع الشباب بأفكارهم المنحرفة.
لابد من حماية الدين من المتطاولين عليه المستهزئين به الذين فتحت لهم بعض المنابر الإعلامية لنشر سمومهم وإلحادهم وفجورهم، فهذا في ذاته غلو وتطرف وغالبا ما يواجه بتطرف مضاد، فتصبح مجتمعاتنا فريسة لهؤلاء المتطرفين من الجانبين.

سادسا: غياب القدوة أو تغييبها:
في كثير من الأحيان لا يجد الشباب أمامه من القدوات من يصلح الاقتداء به، ليس هذا في الحقيقة راجعا إلى غياب القدوات بل هو راجع إلى تغييبها، فالمجتمعات المسلمة بفضل الله يكثر فيه الخير والصالحون والقدوات في كل مجال، لكن الشباب لا تبرز أمامهم إلا النماذج الأخرى من التافهين والمهرجين.
لابد من إبراز هذه القدوات الصالحة في جميع المجالات النافعة في الدين والسياسة والاقتصاد والعلم والمعرفة والمخترعات وغيرها من أبواب الخير حتى يقتدي بها الشباب ويبتعدوا عن منابع الغلو وأسبابه.
نسأل الله أن يحفظ البلاد والعباد وأن يقينا شر الغلو والانحراف، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين.



إسلام ويب
 

من أسباب الغلو في الدين

الكاتب: إسلام ويب
التصنيف:مساوئ الأخلاق
من أسباب الغلو في الدين
الحمد لله الذي جعل أمة الإسلام أمة وسطا عدولا: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143). والصلاة والسلام على خير الأنام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وبعد:
فإن الغلو في الدين مذموم، وقد يؤدي إلى استباحة الدماء والأعراض والأموال المحترمة التي لا يجوز الاعتداء عليها، وإنما ينتج الغلو عن سوء الفهم من قبل بعض الناس لنصوص الوحي المعصوم، فالعيب في أفهام هؤلاء لا في نصوص الوحي.
ومن باب النصيحة لأمتنا نحاول التعرف على الأسباب التي أدت إلى وجود الغلو، ولا شك أن معرفة الأسباب مما يساعد في العلاج لهذه الظاهرة التي إن استفحلت أدت إلى إزهاق الأرواح وإهلاك الحرث والنسل، وشيوع الفتن التي تعصف بمن أصابته.

ومن أهم أسباب الغلو ما يلي:
أولا: الجهل بالدين:
مما لا شك فيه أن أهم أسباب الغلو هو الجهل بدين الله تعالى، ففي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن الخوارج: "يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ". أي: أنهم يأخذون أنفسهم بقراءة القرآن وإقرائه وهم لا يتفقهون فيه ولا يعرفون معانيه ومقاصده. ومن مظاهر هذا الجهل أنهم لا يفهمون معاني آيات الكتاب العزيز، يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما - في الخوارج: (إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين). وقال عنهم الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: (وكان أول كلمة خرجوا بها قولهم: لا حكم إلا لله انتزعوها من القرآن وحملوها على غير محملها).
ومن جهل هؤلاء بالقرآن أنهم أخذوا عمومات الوعيد فقالوا: إن معصية واحدة كافية للخلود في النار؛ استدلالا بمثل قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء: 14])، فلم يستطيعوا لجهلهم الجمع بين أدلة الوعد وأدلة الوعيد.
ومن أوضح مظاهر جهل هؤلاء الغلاة طريقة تعاملهم مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو نظرت إلى الخوارج مثلا لوجدت أنهم قد يصلون إلى إنكار السنة، حتى لقد بين عبد القاهر البغدادي أن الخوارج ينكرون السنة وذلك من أسباب انحرافهم فقال: (والثاني مع الخوارج في إنكارها حجية الإجماع والسنن الشرعية، وقد زعمت أنه لا حجة في شيء من أحكام الشريعة إلا من القرآن، ولذلك أنكروا الرجم والمسح على الخفين، لأنهما ليسا في القرآن، وقطعوا السارق في القليل والكثير؛ لأن الأمر بقطع السارق في القرآن مطلق ولم يقبلوا الرواية في نصاب القطع ولا الرواية في اعتبار الحِرز فيه، ولقد أُتوا من ظنهم مناقضة هذه الأحاديث الصحيحة للقرآن، أو مناقضة بعضها لبعض، أو فساد معانيها، أو مخالفتها للمعقول).

ثانيا مجافاة العلماء والإعراض عنهم:
وهذا من أهم الأسباب التي تراها في هؤلاء الغلاة أنهم يعتدُّون بآرائهم ويُعرضون عن العلماء ويطعنون فيهم، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد حذر من الاستهانة بالعلماء حين قال: "ليس من أمَّتي مَن لم يُجِلَّ كبيرَنا ويرحَمْ صغيرَنا ويعرِفْ لعالِمِنا حقَّه". فهل يصل هؤلاء إلى الهداية بغير سؤال العلماء والجلوس بين أياديهم لتلقي العلم عنهم؟!!.
لقد أدى بهم هذا الأمر إلى التعامل المباشر مع النصوص، وقد ذكر أهل العلم أن التعامل مع النصوص يحتاج إلى أمرين أساسيين:
الأول: معرفة اللغة التي تكلم بها الشارع.
الثاني: معرفة مقصوده من اللفظ.
ويعرف مقصود الشارع سبحانه بمعرفة سنته في الخطاب فتجمع النصوص ليخرج من مجملها بفهم مراد الشارع كما يفهم أيضا المقصود بالرجوع إلى السنة وأقوال الصحابة وأهل العلم الراسخين.
لقد أعرض أكثر هؤلاء الغلاة عن هذا المنهج فضلوا وأضلوا، ومن أمثلة ذلك: اعتمادهم على قول الله - عز وجل - {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 81]).
ولو جمع هؤلاء النصوص لفقهوا معنى (السيئة) و (الخطيئة) ذلك أنه عند التأمل في الكتاب العزيز نجد أن السيئة والخطيئة تطلقان على الشرك فما دونه من السيئات والخطايا.
فمن إطلاقها على الشرك قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} (نوح: 25) وقوله سبحانه: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 81).
ومن إطلاقها على ما دون الشرك قوله سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31] وقوله سبحانه على لسان إبراهيم: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (الشعراء: 82).
وعليه فليست الآية كما يظهر لأول وهلة أنها دالة على أن مرتكب السيئة كافر، خصوصا إذا رجعنا إلى الآية المحكمة من مثل قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48).
فلو أن هؤلاء الغلاة اتبعوا المنهج القرآني الرباني، وامتثلوا أمر الله بالرجوع إلى العلماء الراسخين لنجوا بإذن الله من هذه الآفة، قال الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء: 83).

ثالثا: شيوع الظلم:
مما لا شك فيه أن من أهم أسباب الغلو شيوع الظلم في كثير من البلاد، والاعتداء على الشباب بسجنهم بغير حق، وتعذيبهم، وحرمانهم من أبسط حقوقهم.
إن هذا الأمر له عواقب وخيمة تؤدي بفئة من هؤلاء الشباب الذين وقع عليهم الظلم - وقد قل حظهم من العلم - إلى الارتماء في أحضان التكفيريين والغلاة رغبة في الانتقام بسبب ما وقع عليهم من مظالم.
وإن رفع الظلم عن الناس وتحقيق العدل بينهم لهو من أولى الأولويات التي يجب على أولي الأمر في أي مكان أن يعملوا من أجلها؛ قياما بالواجب الذي كلفهم الله به، وحماية للمجتمعات من آثار هذه المظالم.

رابعا: الفقر والحرمان وفقدان الأمل:
إنه من أهم أسباب الغلو والانحراف، فحين يعيش الشباب حياة الحرمان، ولا يرون في الأفق ما يبشر بتغيير الحال إلى الأحسن فإنهم يصبحون تربة خصبة للأفكار المنحرفة خصوصا في المجتمعات التي تعاني من الطبقية والتمييز ويطغى فيها الغني على الفقير. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الفقر، ففي الحديث: "اللهم إني أعوذُ بك من الكفر والفقر". وتأمل كيف قرن في الاستعاذة بالله من الكفر والفقر لأنه قد يؤدي إليه!!.
فينبغي على الدول والمجتمعات أن تحارب الفقر وأن تسعى في كفاية بل إغناء الفقراء ورعاية المحرومين وفتح أبواب الأمل أمام الشباب في مستقبل أفضل.

خامسا: الحرب على الدين ومهاجمة الشعائر الدينية:
إن الناظر في واقع بعض بلاد المسلمين اليوم يرى دينه يُحَارَب ويُنتَقَص وتُهُاجَم شعائره على بعض شاشات التلفاز وفي وسائل التواصل دون ردع أو حتى إتاحة المجال للرد، وحين يتكرر الأمر ويصبح عادة في هذه الوسائل فقد يستغل بعض المنحرفين فكريا هذا الأمر الخطير لإقناع الشباب بأفكارهم المنحرفة.
لابد من حماية الدين من المتطاولين عليه المستهزئين به الذين فتحت لهم بعض المنابر الإعلامية لنشر سمومهم وإلحادهم وفجورهم، فهذا في ذاته غلو وتطرف وغالبا ما يواجه بتطرف مضاد، فتصبح مجتمعاتنا فريسة لهؤلاء المتطرفين من الجانبين.

سادسا: غياب القدوة أو تغييبها:
في كثير من الأحيان لا يجد الشباب أمامه من القدوات من يصلح الاقتداء به، ليس هذا في الحقيقة راجعا إلى غياب القدوات بل هو راجع إلى تغييبها، فالمجتمعات المسلمة بفضل الله يكثر فيه الخير والصالحون والقدوات في كل مجال، لكن الشباب لا تبرز أمامهم إلا النماذج الأخرى من التافهين والمهرجين.
لابد من إبراز هذه القدوات الصالحة في جميع المجالات النافعة في الدين والسياسة والاقتصاد والعلم والمعرفة والمخترعات وغيرها من أبواب الخير حتى يقتدي بها الشباب ويبتعدوا عن منابع الغلو وأسبابه.
نسأل الله أن يحفظ البلاد والعباد وأن يقينا شر الغلو والانحراف، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين.



إسلام ويب
 

من أسباب الغلو في الدين

الكاتب: إسلام ويب
التصنيف:مساوئ الأخلاق
من أسباب الغلو في الدين
الحمد لله الذي جعل أمة الإسلام أمة وسطا عدولا: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143). والصلاة والسلام على خير الأنام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وبعد:
فإن الغلو في الدين مذموم، وقد يؤدي إلى استباحة الدماء والأعراض والأموال المحترمة التي لا يجوز الاعتداء عليها، وإنما ينتج الغلو عن سوء الفهم من قبل بعض الناس لنصوص الوحي المعصوم، فالعيب في أفهام هؤلاء لا في نصوص الوحي.
ومن باب النصيحة لأمتنا نحاول التعرف على الأسباب التي أدت إلى وجود الغلو، ولا شك أن معرفة الأسباب مما يساعد في العلاج لهذه الظاهرة التي إن استفحلت أدت إلى إزهاق الأرواح وإهلاك الحرث والنسل، وشيوع الفتن التي تعصف بمن أصابته.

ومن أهم أسباب الغلو ما يلي:
أولا: الجهل بالدين:
مما لا شك فيه أن أهم أسباب الغلو هو الجهل بدين الله تعالى، ففي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن الخوارج: "يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ". أي: أنهم يأخذون أنفسهم بقراءة القرآن وإقرائه وهم لا يتفقهون فيه ولا يعرفون معانيه ومقاصده. ومن مظاهر هذا الجهل أنهم لا يفهمون معاني آيات الكتاب العزيز، يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما - في الخوارج: (إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين). وقال عنهم الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: (وكان أول كلمة خرجوا بها قولهم: لا حكم إلا لله انتزعوها من القرآن وحملوها على غير محملها).
ومن جهل هؤلاء بالقرآن أنهم أخذوا عمومات الوعيد فقالوا: إن معصية واحدة كافية للخلود في النار؛ استدلالا بمثل قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء: 14])، فلم يستطيعوا لجهلهم الجمع بين أدلة الوعد وأدلة الوعيد.
ومن أوضح مظاهر جهل هؤلاء الغلاة طريقة تعاملهم مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو نظرت إلى الخوارج مثلا لوجدت أنهم قد يصلون إلى إنكار السنة، حتى لقد بين عبد القاهر البغدادي أن الخوارج ينكرون السنة وذلك من أسباب انحرافهم فقال: (والثاني مع الخوارج في إنكارها حجية الإجماع والسنن الشرعية، وقد زعمت أنه لا حجة في شيء من أحكام الشريعة إلا من القرآن، ولذلك أنكروا الرجم والمسح على الخفين، لأنهما ليسا في القرآن، وقطعوا السارق في القليل والكثير؛ لأن الأمر بقطع السارق في القرآن مطلق ولم يقبلوا الرواية في نصاب القطع ولا الرواية في اعتبار الحِرز فيه، ولقد أُتوا من ظنهم مناقضة هذه الأحاديث الصحيحة للقرآن، أو مناقضة بعضها لبعض، أو فساد معانيها، أو مخالفتها للمعقول).

ثانيا مجافاة العلماء والإعراض عنهم:
وهذا من أهم الأسباب التي تراها في هؤلاء الغلاة أنهم يعتدُّون بآرائهم ويُعرضون عن العلماء ويطعنون فيهم، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد حذر من الاستهانة بالعلماء حين قال: "ليس من أمَّتي مَن لم يُجِلَّ كبيرَنا ويرحَمْ صغيرَنا ويعرِفْ لعالِمِنا حقَّه". فهل يصل هؤلاء إلى الهداية بغير سؤال العلماء والجلوس بين أياديهم لتلقي العلم عنهم؟!!.
لقد أدى بهم هذا الأمر إلى التعامل المباشر مع النصوص، وقد ذكر أهل العلم أن التعامل مع النصوص يحتاج إلى أمرين أساسيين:
الأول: معرفة اللغة التي تكلم بها الشارع.
الثاني: معرفة مقصوده من اللفظ.
ويعرف مقصود الشارع سبحانه بمعرفة سنته في الخطاب فتجمع النصوص ليخرج من مجملها بفهم مراد الشارع كما يفهم أيضا المقصود بالرجوع إلى السنة وأقوال الصحابة وأهل العلم الراسخين.
لقد أعرض أكثر هؤلاء الغلاة عن هذا المنهج فضلوا وأضلوا، ومن أمثلة ذلك: اعتمادهم على قول الله - عز وجل - {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 81]).
ولو جمع هؤلاء النصوص لفقهوا معنى (السيئة) و (الخطيئة) ذلك أنه عند التأمل في الكتاب العزيز نجد أن السيئة والخطيئة تطلقان على الشرك فما دونه من السيئات والخطايا.
فمن إطلاقها على الشرك قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} (نوح: 25) وقوله سبحانه: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 81).
ومن إطلاقها على ما دون الشرك قوله سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31] وقوله سبحانه على لسان إبراهيم: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (الشعراء: 82).
وعليه فليست الآية كما يظهر لأول وهلة أنها دالة على أن مرتكب السيئة كافر، خصوصا إذا رجعنا إلى الآية المحكمة من مثل قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48).
فلو أن هؤلاء الغلاة اتبعوا المنهج القرآني الرباني، وامتثلوا أمر الله بالرجوع إلى العلماء الراسخين لنجوا بإذن الله من هذه الآفة، قال الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء: 83).

ثالثا: شيوع الظلم:
مما لا شك فيه أن من أهم أسباب الغلو شيوع الظلم في كثير من البلاد، والاعتداء على الشباب بسجنهم بغير حق، وتعذيبهم، وحرمانهم من أبسط حقوقهم.
إن هذا الأمر له عواقب وخيمة تؤدي بفئة من هؤلاء الشباب الذين وقع عليهم الظلم - وقد قل حظهم من العلم - إلى الارتماء في أحضان التكفيريين والغلاة رغبة في الانتقام بسبب ما وقع عليهم من مظالم.
وإن رفع الظلم عن الناس وتحقيق العدل بينهم لهو من أولى الأولويات التي يجب على أولي الأمر في أي مكان أن يعملوا من أجلها؛ قياما بالواجب الذي كلفهم الله به، وحماية للمجتمعات من آثار هذه المظالم.

رابعا: الفقر والحرمان وفقدان الأمل:
إنه من أهم أسباب الغلو والانحراف، فحين يعيش الشباب حياة الحرمان، ولا يرون في الأفق ما يبشر بتغيير الحال إلى الأحسن فإنهم يصبحون تربة خصبة للأفكار المنحرفة خصوصا في المجتمعات التي تعاني من الطبقية والتمييز ويطغى فيها الغني على الفقير. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الفقر، ففي الحديث: "اللهم إني أعوذُ بك من الكفر والفقر". وتأمل كيف قرن في الاستعاذة بالله من الكفر والفقر لأنه قد يؤدي إليه!!.
فينبغي على الدول والمجتمعات أن تحارب الفقر وأن تسعى في كفاية بل إغناء الفقراء ورعاية المحرومين وفتح أبواب الأمل أمام الشباب في مستقبل أفضل.

خامسا: الحرب على الدين ومهاجمة الشعائر الدينية:
إن الناظر في واقع بعض بلاد المسلمين اليوم يرى دينه يُحَارَب ويُنتَقَص وتُهُاجَم شعائره على بعض شاشات التلفاز وفي وسائل التواصل دون ردع أو حتى إتاحة المجال للرد، وحين يتكرر الأمر ويصبح عادة في هذه الوسائل فقد يستغل بعض المنحرفين فكريا هذا الأمر الخطير لإقناع الشباب بأفكارهم المنحرفة.
لابد من حماية الدين من المتطاولين عليه المستهزئين به الذين فتحت لهم بعض المنابر الإعلامية لنشر سمومهم وإلحادهم وفجورهم، فهذا في ذاته غلو وتطرف وغالبا ما يواجه بتطرف مضاد، فتصبح مجتمعاتنا فريسة لهؤلاء المتطرفين من الجانبين.

سادسا: غياب القدوة أو تغييبها:
في كثير من الأحيان لا يجد الشباب أمامه من القدوات من يصلح الاقتداء به، ليس هذا في الحقيقة راجعا إلى غياب القدوات بل هو راجع إلى تغييبها، فالمجتمعات المسلمة بفضل الله يكثر فيه الخير والصالحون والقدوات في كل مجال، لكن الشباب لا تبرز أمامهم إلا النماذج الأخرى من التافهين والمهرجين.
لابد من إبراز هذه القدوات الصالحة في جميع المجالات النافعة في الدين والسياسة والاقتصاد والعلم والمعرفة والمخترعات وغيرها من أبواب الخير حتى يقتدي بها الشباب ويبتعدوا عن منابع الغلو وأسبابه.
نسأل الله أن يحفظ البلاد والعباد وأن يقينا شر الغلو والانحراف، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين.



إسلام ويب
 

لا يدخل الجنة خبيث

الكاتب: إسلام ويب
التصنيف:أمراض القلوب
لا يدخل الجنة خبيث
الحمد لله يحب الطيبين ويكره الخبيثين قال عز وجل: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: 100).
قال الطبري رحمه الله: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل يا محمد: لا يعتدل الرديء والجيد، والصالح والطالح، والمطيع والعاصي، {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}، يقول: لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله، ولو كثر أهل المعاصى فعجبتَ من كثرتهم؛ لأن أهل طاعة الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلوا، دون أهل معصيته، وإن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثروا).
وقد جعل الله عز وجل من حِكَم الابتلاء حصول التمايز بين الخبيث والطيب من الناس، حى يتبين الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق، قال الله عز وجل: {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}(آل عمران: 179).
قال الطبري: (يعني بقوله : { مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ} ، ما كان الله ليدع المؤمنين {عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ} من التباس المؤمن منكم بالمنافق، فلا يعرف هذا من هذا {حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، يعنى بذلك: حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ وهو المنافق المستسر للكفر مِنَ الطَّيِّبِ، وهو المؤمن المخلص الصادق الإيمان، بالمحن والاختبار، كما ميز بينهم يوم أحد عند لقاء العدو عند خروجهم إليهم).

والخُبث يكون في النفوس بإضمار السوء والشر، فيثمر الخبيث من الأقوال والأفعال والأخلاق.
قال ابن القيم رحمه الله: (إن الله سبحانه وتعالى جعل للسعادة والشقاوة عنوانًا يعرفان به، فالسعيد الطيب لا يليق به إلا طيب، ولا يأتي إلا طيبًا، ولا يصدر منه إلا طيب، ولا يلابس إلا طيبًا، والشقي الخبيث لا يليق به إلا الخبيث، ولا يأتي إلا خبيثًا، ولا يصدر منه إلا الخبيث، فالخبيث يتفجر من قلبه الخبث على لسانه وجوارحه، والطيب يتفجر من قلبه الطيب على لسانه وجوارحه).
وقد قيل: (مَن طابت نفسه طاب عمله، ومَن خَبُثَت نفسه، خَبُثَ عمله). وقالوا: سوء الخُلُق يدلُّ على خُبْث الطَّبع ولُؤْم العنصر(أي: الأصل) ، ويكاد سيِّئ الخُلُق أن يُعَدَّ مِن البهائم.
وقد قسم الإمام ابن القيم الناس ثلاثة أقسام فقال رحمه الله: (ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبيث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب،
ودورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقي إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض).

الخبيث لا يدخل الجنة
فالجنة طيبة لا يدخلها إلا الطيبون، قال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل: 32).
أما الخبيث فإنه لا حظ له في الجنة حتى يطهر، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "..وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة، إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (الأعراف: 40) فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحًا. ثم قرأ: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}(الحج: 31) فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرها، وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة".(رواه مسلم).
قال الهروي في بيان معنى النفس الخبيثة: (أي: خبيثة الخصال غير مرضية الأعمال).
قال ابن القيم رحمه الله:
(فالجنة لا يدخلها خبيث، ولا مَن فيه شىء من الخبث. فمن تطهر فى الدنيا ولقي الله طاهرًا من نجاساته دخلها بغير معوق، ومن لم يتطهر في الدنيا فإن كانت نجاسته عينية، كالكافر،لم يدخلها بحال. وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعد ما يتطهر في النار من تلك النجاسة، ثم يخرج منها، حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيهذبون وينقون من بقايا بقيت عليهم، قصرت بهم عن الجنة، ولم توجب لهم دخول النار، حتى إذا هُذبوا ونُقوا أذن لهم فى دخول الجنة).
وقال أيضا (وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشئ لتراكب بعضه على بعض، ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث).

من آثار الخُبث
مما لا شك فيه أن خُبث النفس له آثار سلبية كثيرة منها:
1- الخُبْث سببٌ لبذاءة اللِّسان والفُحْش:
إنَّ السَّبَّ والفُحْش وبذاءة اللِّسان مذمومة، ومنهيٌّ عنها، ومصدرها الخُبْث واللُّؤم، قال الغزَّالي: (والباعث على الفُحْش: إمَّا قصد الإيذاء، وإمَّا الاعتياد الحاصل مِن مخالطة الفسَّاق وأهل الخُبْث واللُّؤم ومَن عادتهم السَّبُّ).
2- الخُبْث سببٌ للحسد:
قال المناوي: (سبب الحسد خبث النَّفس، وأنَّه داء جِبِلِّيٌّ مُزْمِن، قلَّ مَن يسلم منه).
3- خَبِيث النَّفس لا يحبُّ الخير لغيره، فيكره لهم الخير، ويحبُّ لهم الشَّرَّ والأذى:
قال في مختصر منهاج القاصدين: (وأمَّا خُبْث النَّفس وشُحُّها على عباد الله، فإنَّك تجد مِن النَّاس مَن لا يشتغل برئاسة ولا تَكَبُّر، وإذا وُصِف عنده حُسْن حال عبدٍ مِن عباد الله تعالى فيما أنعم عليه به، شَقَّ عليه ذلك، وإذا وُصِف له اضطراب أمور النَّاس وإدبارهم، وتنغيص عيشهم، فرح به، فهو أبدًا يحبُّ الإدبار لغيره، ويَبْخَل بنعمة الله على عباده، كأنَّهم يأخذون ذلك مِن ملكه وخزانته .
وقد قال بعض العلماء : البخيل مَن يبخل بمال نفسه، والشَّحيح الذي يبخل بمال غيره، فهذا يبخل بنعم الله على عباده الذين ليس بينهم وبينه عداوة ولا رابطة، وهذا ليس له سبب إلَّا خُبْثُ النَّفس ورَدَاءة الطَّبع، وهذا معالجته شديدة؛ لأنَّه ليس له سبب عارض، فيعمل على إزالته، بل سببه خبث الجبلَّة، فيعسر إزالته).
4 - الخُبْث سبب للعداوات بين أفراد المجتمع.
قال أبو طالب المكي: (مع الخبث والمكر تكون المنافرة، وهذا كله يُذهب الألفة، وينقص المحبة، ويبطل فضيلة الأخوة).
5 - خبيث النَّفس غير مرتاح البال، فهو مهمومٌ مغمومٌ دائمًا.
6 - الخَبِيث منشغل بتتبُّع عورات النَّاس وأخطائهم.

أخيرا ينبغي على من وجد في نفسه شيئا من هذا المرض العضال أن يتوب إلى الله تعالى منه وأن يجاهد نفسه على التخلص منه وليكثر من الدعاء والتضرع أن يصلح الله قلبه، وأن يُذهب عنه خبث نفسه، وأن يُعَوِّد نفسه حُب الخير للناس والفرح بنعمة الله عليهم، وليحرص على مصاحبة أهل الخير وذوي الأخلاق الفاضلة ليتشبه بهم ويستعين بهم بعد الله عز وجل على التغيير المنشود، والله المستعان.

إسلام ويب
 
Watching encrypted channels without a card is against the law. Italy Sat forum is for educational purposes only and does not support any type of violation of individual property rights. It does not support or encourage any violation or removal of software rights or copyrights of software and materials protected by copyright. It is prohibited to post illegal or pirated serials. It is also prohibited to publish any materials that violate intellectual or literary property rights. Posts and comments express the point of view of their owner only
عودة
أعلى