ابتسامة
شيماء محمد عبدالمقصود
استسْلَم عمر للنوم بعد أن تَرَك على مكتبه الرسالة التي فرَغ لتَوِّه من كتابتها لأعزِّ أصدقائه، ترَكها مفتوحة، ومُسَلَّطًا عليها الضوء؛ مما سهَّل علينا قراءتها، قال فيها:
أخي العزيز، أخي الحبيب إلى قلبي، تحيَّةً من عند الله مباركة طيِّبة.
أمَّا بعدُ، فإني أكتبُ لك هذه الرسالة؛ لأَبثَّ فيها شوقي للقائك، وحنيني لابتسامتك الصافية، التي أخَذت قلبي من أوَّل لقاءٍ بيننا، وما زِلْتُ أحتفظ بها في ذاكرتي، كما أحتفظ بصورتك في آخر لقاءٍ جمَعنا.
أذكر أيضًا أوَّل يومٍ رأيتُك فيه، كان يومًا رائعًا من أيام الصيف الحار، كانت الشمس في كبد السماء مُلتهبةً، وتُلهب معها أجسامَنا، كنتُ أغلي بداخلي كالبركان، فلا يكاد امرؤٌ يُلامسني إلاَّ واكْتَوى بناري، وكانت البداية أن صُدِمت سيارتي بسيارتك بعد وقوفك وقوفًا فُجائيًّا، ارْتَجَلت من سيارتي وأنا في شدَّة غيظي منك، وأنوي مشاجرة حادَّة بدَأتُها بتوبيخك، وكم نَدِمت على ذلك: أنت أعمى لا ترى خلفك، أنت..، وأنت..، وفي وسط غضبي وحَنقي وحديثي الجارح لك، أدْهَشني صمتُك وهُدوءُك، وصبرُك على حديثي، لَم تَردَّ عليّ بكلمة، وأخْرَجني من وسط كلِّ هذا ابتسامتُك الصافية التي علَت وجْهك مُتأسِّفًا مُعتذرًا.
قلتَ لي: أعتذرُ عمَّا حدَث، أعلم أني وقَفتُ دون إشارة مني بذلك، لكن كان ذلك رُغمًا عني، فهلاَّ قَبِلت اعتذاري؟ وصِدِّقني لَم أَلْحَظ أنَّك بهذا القُرب مني!
شعَرت بالخجل منك: أنا الذي آسَفُ لحديثي الفظِّ معك، أنا أيضًا أخْطَأت، كان عليّ أن أبتعدَ المسافة الكافية.
لقد أخْجَلتني بأدبك وهُدوئك يا أخي، فعرَضت عليك إصلاح ما فسَد من سيارتك على نفَقتي، لكنَّك رفَضت، إلاَّ أنَّك أعْطَيتني رَقْم هاتفك، قائلاَّ: هذا رَقْمي إن أحْبَبت الاتصال بي في أيِّ وقتٍ، فأَعْطَيتك رَقْم هاتفي أيضًا وأنا في ذهولٍ من الموقف وتطوُّراته، فعادةً لا يتطوَّر موقف كهذا بمثلِ هذا.
بعد أسبوع من هذا اللقاء وجَدتُك تتَّصل عليّ؛ لتسألَ عني وعن السيارة، وإن كان من الممكن اللقاء بك، تقابَلنا وكنتُ مُندهشًا لطلبك، إلاَّ أني عندما رأيتُك للمرة الثانية تصافَحنا وتعارَفنا، شعَرت بشعورٍ يتسرَّب داخلي، لَم أعْرِفه وقتها، هذا الشعور - الذي بتعدُّد لقاءاتنا وزيارتنا - غيَّرني للأفضل، إنه الحبُّ في الله، نَمَا هذا الحب، وظلَّ يَزرع بقلبي - الذي كان خَرِبًا - زهورًا ورياحين، تُعطِّر بنَسيمها أهلي وأصدقائي الذين لاحَظوا الفرْقَ.
كلُّ هذا بسبب ابتسامة، ابتسامة لطَّفت حرارة قلبي الذي أشعَله لهيبُ الشمس، فضلاً عن لهيب الحياة ومشكلاتها، الحياة التي كنتُ أركضُ فيها ولها، لكن يا أخي أين تلك البسمة التي أذْهَبُ كلَّ أسبوع بأماكن لقائنا؛ كي أراها، لكني أشعر بها دون أن أراها، بل يَراها قلبي، أراك بقلبي كلما فعلتُ خيرًا؛ لأنَّك مَن علَّمتني إيَّاه، وزَرَعته بقلبي، كلما اقتَرَبت من الله أكثر، تذكَّرتُك؛ حيث كنتَ السبب في أن أَعْرِفه وأُحبَّه، وأُرَاقبه في أفعالي.
أَذكُرك دائمًا يا أخي بالدعاء وإن كان ظنِّي بك خيرًا أن كتَبك الله من أهل الجنة منذ زمنٍ، وأَدْخَلك إيَّاها الآن بعد أن اختارَك شهيدًا.
أخي الحبيب، قبل أن أُنهي خطابي، أُريد أن أُخبرك بأنَّ ابتسامتي صارَت لا تُفارقني، عندما أُقابل أحدًا، وإن كنتُ أحملُ همومَ الدنيا كلَّها، والآن أعملُ وأَجِدُّ؛ لكي نتقابَلَ هناك إخوانًا على سُررٍ مُتقابلين.
أخوك عمر.