معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- (1)
تمهيد: المعجزات في دعوة الأنبياء
كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
المقدمة:
- لقد أجرى الله على يد أنبيائه ورسله من المعجزات والدلائل القاطعات ما يدل على صدقهم، ولكي تقوم الحجة؛ فلا يبقى لأحدٍ عذر في عدم تصديقهم وطاعتهم: قال الله -تعالى-: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ) (الحديد:25)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ، أَوْ آمَنَ، عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ) (متفق عليه).
- ملخص تعريف المعجزة من كلام العلماء: قالوا: "المعجزة من العجز، وهو عدم القدرة، وفي الاصطلاح: أمر خارق للعادة يجري على أيدي الأنبياء؛ للدلالة على صدقهم، مع سلامة المعارضة" (أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة - نخبة من العلماء)(1).
(1) أمثلة من معجزات الأنبياء -عليهم السلام-:
- قوم صالح -عليه السلام- طلبوا منه أن يخرج لهم مِن صخرةٍ بعينها ناقة، ثم حددوا صفاتها، فدعا ربه بذلك، فكانت الناقة على الذي قالوا؛ دليلًا على صدق نبوته: قال الله -تعالى-: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الأعراف:73).
- قوم إبراهيم -عليه السلام- جعلوا نارًا عظيمة لتعذيبه وإهلاكه ثم ألقوه فيها، فجعلها الله لا تحرقه، وخرج منها يمشي: قال -تعالى-: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) (الأنبياء:68-70).
- موسى -عليه السلام- أُعطي الكثير من المعجزات، وكان مِن أعظمها: العصا بما لها مِن أثرٍ في المواقف الصعبة -بإذن الله-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ . فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ . فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ) (الأعراف:117-119)، (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا) (البقرة:60)، (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (الشعراء:63).
- عيسى -عليه السلام- كان يصنع من الطين ما يشبه الطيور، ثم ينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله، ويمسح الأعمى والأبرص فيبرآن بإذن الله، وينادى الموتى في قبورهم فيجيبون بإذن الله: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي) (المائدة:110).
(2) نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الأعظم الأكرم في الكرامات والمعجزات:
- فأما الكرامات لأمته، فقد أكرمها الله أعظم مِن سائر الأمم إكرامًا له -صلى الله عليه وسلم-: قال الله -تعالى-: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران:110)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
- وأما المعجزات؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- أكثر الأنبياء معجزات ودلائل: أخرج البيهقى عن عمرو بن سوادٍ عن الشافعي قال: "ما أعطى اللهُ نبيًّا ما أعطى محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، فقلتُ: أَعْطَى اللَّهُ عِيسَى إِحْيَاءَ الْمَوْتَى، قال: أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ حَنِينَ الْجِذْعِ حَتَّى سُمِعَ صَوْتُهُ؛ فَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ" (فتح الباري لابن حجر العسقلاني).
- الإشارة إلى بعض معجزاته -صلى الله عليه وسلم- في عناوين، وأنه يأتي عليها الحديث تفصيلًا في المرات القادمة -إن شاء الله-: (القرآن المعجزة الكبرى - الإسراء والمعراج - انشقاق القمر - نبع الماء من بين يديه صلى الله عليه وسلم - تكثير الطعام والشراب بين يديه صلى الله عليه وسلم - سجود البعير وشكواه للنبي صلى الله عليه وسلم - إخبار الذئب بنبوته صلى الله عليه وسلم - بكاء الجذع شوقًا له صلى الله عليه وسلم - انقياد الشجرة له صلى الله عليه وسلم - تسليم الحجر عليه صلى الله عليه وسلم - كلام الشاة المسمومة له صلى الله عليه وسلم - إخباره صلى الله عليه وسلم بكثيرٍ مِن المغيبات المستقبلية – مداواته صلى الله عليه وسلم كثيرًا مِن أصحابه بريقه وتفله، وغيره).
(3) فائدة: كرامات الأولياء والصالحين:
- تعريف الكرامة: "أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة، ولا هو مقدمة لها، تظهر على يد عبد ظاهر الصلاح، مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح" (الموسوعة العقدية - أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة لنخبة من العلماء، ص 202).
أمثلة من كرامات الصالحين:
- أصحاب الكهف ونومهم الطويل، وحفظ الله لهم من التلف: قال الله -تعالى-: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) (الكهف:25)، وقال: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) (الكهف:18).
- مريم -عليها السلام- تعيش في محرابها في بيت المقدس، تجد طعامها وشرابها كل صباح ومساء في حجرتها: قال الله -تعالى-: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران:37).
- هاجر أم إسماعيل -عليهما السلام- يفجِّر الله لها بئرًا في الصحراء الجرداء ليخلد ذكراها؛ لعظيم اتباعها للنبي إبراهيم -عليه السلام-، حتى جاءها المَلَك وقال: (لا تَخَافُوا الضَّيْعَة ... ) (رواه البخاري).
- أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم الأولياء وأكثرهم كرامة: (كانت الملائكة تنزل تسلِّم على عمران بن حصين رضي الله عنه في مرضه - وكانت الملائكة تنزل لتسمع تلاوة أسيد بن حضير رضي الله عنه - ونزلت الملائكة يوم أُحُد تغسِّل حنظلة بن عامر رضي الله عنه - ونادى عمر رضي الله عنه مِن على منبر النبي صلى الله عليه وسلم أمير الجيش الإسلامي في الشام أثناء المعركة فسمعه) (انظر: "رسالة الفرقان" لابن تيمية).
خاتمة:
- التذكير بموضوع الحديث، وأن ذلك سيكون مِن خلال سلسلة أحاديث حول معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-، نقف مع كل واحدة أو بعضها بالتفصيل والفوائد والعِبَر.
نسأل الله -تعالى- أن يجمعنا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في جنة الفردوس.
والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(1) يخرج بقول العلماء: "خارق للعادة" ما ليس بخارق، مثل ما يصدر مِن الأنبياء مِن الأفعال والأقوال الطبيعية، ويخرج بقولهم: "يجري على أيدي الأنبياء" ما يجري مِن الخوارق على أيدي الأولياء: كنزول الملائكة لمصافحة عمران بن حصين -رضي الله عنه- في مرضه؛ فإنما هي مِن الكرامات لمتابعتهم الأنبياء، وبقولهم: "للدلالة على صدقهم" ما يدعيه المتنبئون والدجالون مِن الأمور الخارقة. وقد أضاف بعضهم: "والمعجزة يتحدَّى بها النبي المكذبين، ويثبت بها المتبعين".